تبدو القوانين الأمريكية لمكافحة الإرهاب كأنها صِيغت منذ نشأتها لتجعل الفلسطيني -وإلى حد ما العربي- مذنباً دون أن تثبت إدانته، وعلى مدار عقود كان يستغل أي عمل عنيف أو إرهابي لتعزيز هذا التوجه حتى لو ارتكبه أمريكي يميني أبيض، ولقد لعبت رابطة مكافحة التشهير دوراً كبيراً في هذا الصدد.
ورابطة مكافحة التشهير، هي إحدى منظمات اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية، ومقرّها الرئيسي نيويورك. ولقد تأسّست عام 1913، كـ"ردٍّ على تصاعد معاداة السامية والتعصب". وتُروّج لنفسها بأنها مؤسسة مجتمع مدنيّ رائدة في مناهضة الكراهية، مهمّتها "وقف التشهير ضدّ اليهود وضمان العدالة للجميع".
موقع The Intercept الأمريكي نشر تقريراً حول دراسة تقول إن رابطة مكافحة التشهير لعبت دوراً في صياغة قوانين مكافحة الإرهاب، لتضيّق على الفلسطينيين دون أدلة في الأغلب.
رابطة مكافحة التشهير تتهم طلاباً جامعيين بدعم حماس مادياً
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما اجتاحت الاحتجاجات ضد الحرب الإسرائيلية على غزة الجامعات الأمريكية، بعثت "رابطة مكافحة التشهير" ومركز "لويس برانديز لحقوق الإنسان بموجب القانون" برسائل إلى ما يقرب من 200 من مديري الجامعات والكليات لحثهم على التحقيق مع طلابهم لاحتمال انتهاكهم للقانون الفيدرالي من خلال الزعم بترويجهم لرسائل مؤيدة لحماس ومعادية لإسرائيل.
وزعمت المجموعتان البارزتان المؤيدتان لإسرائيل، أن أعضاء منظمة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، وهي أكبر منظمة جامعية تضامنية مع فلسطين في الولايات المتحدة، ربما انتهكوا قانوناً يحظر على الناس تقديم "الدعم المادي" -وهذه فئة واسعة تشمل المال وكذلك الخدمات أو غيرها من المساعدات- إلى الجماعات التي تصنفها الولايات المتحدة بأنها إرهابية.
وكتبت رابطة مكافحة التشهير ومركز برانديز: "بالتأكيد لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي بينما تقدم منظمة طلابية دعماً خطابياً وربما مادياً لحماس، المُصنَّفة كمنظمة إرهابية أجنبية".
الرابطة ساعدت في صياغة قانون الدعم المادي المثير للجدل
يقول الموقع الأمريكي إنه لا يوجد أي دليل على أن حركة طلاب من أجل العدالة في فلسطين قدمت دعماً مادياً لحماس، وقد أثارت الرسالة إدانةً واسعة النطاق. ودعا اتحاد الحريات المدنية الأمريكي القادة في التعليم العالي إلى "رفض الدعوات التي لا أساس لها للتحقيق مع المجموعات الطلابية أو معاقبتها بسبب ممارسة حقوقهم في حرية التعبير".
كان قانون الدعم المادي الفيدرالي هو القانون الأكثر تكراراً في المحاكمات طوال الحرب التي قادتها الولايات المتحدة على الإرهاب. وكان استحضاره من قبل رابطة مكافحة التشهير بمثابة لحظة مهمة بالنسبة للرابطة، التي ساعدت في تمريره قبل ثلاثة عقود إلى حد كبير لتقويض الدعم للفلسطينيين في الولايات المتحدة.
قوانين الإرهاب الأمريكية صِيغت منذ بدايتها بشكل مناوئ للفلسطينيين
كشف تقرير جديد نُشر أمس الأربعاء أنه قبل وقت طويل من أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، كانت قوانين الإرهاب الأمريكية قد تشكَّلت من خلال أجندة مناهضة للفلسطينيين بشكل واضح، وغالباً ما روَّجت لها المنظمات المؤيدة لإسرائيل.
ويعتمد التحليل القانوني، الذي شارك في نشره مركز الحقوق الدستورية ومنظمة فلسطين القانونية، وهي مجموعة تحارب التحرشات القانونية بالناشطين المؤيدين لفلسطين، على خمسة عقود من التاريخ التشريعي لتتبع كيفية استغلال لحظات الاضطرابات في إسرائيل وفلسطين من قِبَلِ المدافعين عن إسرائيل في الولايات المتحدة بغرض توسيع تشريعات مكافحة الإرهاب وترسيخ المبادئ المناهضة للديمقراطية في مجموعة من القوانين المحلية.
ويشير التقرير إلى أن "العديد من القوانين الأساسية لمكافحة الإرهاب نشأت خلال لحظات محورية في نضال التحرير الفلسطيني أو تم تكييفها معها، وغالباً ما دفعت بها الجماعات المتحالفة مع إسرائيل لإلقاء تهمة "الإرهاب" بشكل فريد على الفلسطينيين".
ويضيف التقرير: "إن نفس المنظمات الصهيونية التي دفعت من أجل توسيع قوانين مكافحة الإرهاب -وأبرزها رابطة مكافحة التشهير- تشوِّه الآن بوقاحة كل مناصرةٍ لتحرير فلسطين باعتبارها دعماً للإرهاب".
وعارض تود جوتنيك، المتحدث باسم رابطة مكافحة التشهير، هذا الوصف بأنه "كاذب وتشويه كامل لموقفنا". وفي رسالة بالبريد الإلكتروني إلى موقع The Intercept الأمريكي، كتب أن دعوة الجماعة لتشريع مكافحة الإرهاب كانت تستهدف مختلف المنظمات التي كانت تراقبها في ذلك الوقت، بما في ذلك حزب العمال الكردستاني، وجبهة نمور تحرير التاميل، وحماس.
ورفض الانتقادات الموجهة إلى رسالة رابطة مكافحة التشهير ومركز برانديز إلى قادة الحرم الجامعي. وكتب: "نحن ندرك وندعم بشكل كامل حقوق الطلاب في التعديل الأول للدستور الذي ينص على حرية التعبير، حتى الكلام البغيض، وقد أوضحنا ذلك". وأضاف: "لكن في الوقت الذي كان فيه بعض قادة طلاب من أجل العدالة في فلسطين يرددون موقف حماس عن كثب وبمثل هذه الحدة، وبطريقة مشوبة بالتهديدات بالعنف، فإننا نعتقد بقوة أن هناك ما يبرر إجراء تحقيق".
تاريخ مناهض للفلسطينيين بدأ قبل نصف قرن.. اللاجئ إرهابي دون أن تثبت إدانته
واستهدفت تشريعات وسياسات مكافحة الإرهاب الأمريكية منذ 11 سبتمبر/أيلول في الغالب المسلمين في الخارج وفي الداخل، لكن الجهود السابقة لتدوين الإرهاب في القانون الأمريكي استهدفت الفلسطينيين على وجه التحديد، وفقاً للتقرير الجديد.
تعود أول إشارة إلى "الإرهاب" في التشريع الفيدرالي إلى قانون المساعدات الخارجية لعام 1969، أي قبل أكثر من نصف، وهو يتعلق بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تتعرض للهجوم مرة أخرى وسط الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة.
وأشار التقرير إلى أن الكونغرس نص في ذلك الوقت على عدم توجيه أي تمويل من الأونروا إلى "أي لاجئ يتلقى تدريباً عسكرياً كعضو فيما يسمى بجيش التحرير الفلسطيني… أو أي لاجئ يشارك في أي عمل إرهابي". الراعي الرئيسي لهذا البند، النائب الراحل من نيويورك، ليونارد فاربشتاين، خصَّ بالذكر مخيمات اللاجئين التي تديرها الأمم المتحدة، مدعياً -على عكس بعض المشرعين اليوم- أن "هذه المخيمات تُستخدَم لأغراض التدريب والأطفال الصغار الذين يُطعَمون وتُوفَّر المدارس لهم يُدرَّبون كإرهابيين في مخيمات اللاجئين هذه".
وفي حين أن مشروع القانون لم يقدم أي تعريف للإرهاب، إلا أن الإشارة "حددت نمطاً دام عقوداً من الزمن يُدرج قانونياً الفلسطيني -وخاصة اللاجئ- باعتباره إرهابياً افتراضياً"، كما يشير التقرير.
طوال السبعينيات، أصدر الكونغرس سلسلةً من القوانين التي تهدف إلى تقييد المساعدة للدول التي كانت تستضيف أو تدعم أعضاء حركة المقاومة الفلسطينية. ودعت الجماعات الصهيونية إلى هذه القوانين، بحسب التقرير، ودفعت من أجل إنشاء آلية لتفعيل مثل هذه العقوبات.
وفي عام 1979، تُوِّجَت هذه الجهود بسن تشريع مَنَحَ وزير الخارجية سلطة تصنيف الدول الأجنبية على أنها "دول راعية لأعمال الإرهاب الدولي". منذ ذلك الحين، طبقت الولايات المتحدة هذا التصنيف مراراً على دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فاستبعدتها من المساعدات والتجارة وعزلتها عن المجتمع الدولي الأوسع.
الكونغرس صنَّف منظمة التحرير كجماعة إرهابية بعد اندلاع الانتفاضة التي كانت سلمية لحد كبير
وفي عام 1987، بعد أسابيع من اندلاع الانتفاضة الأولى السلمية إلى حد كبير، قام الكونغرس للمرة الأولى والوحيدة بتصنيف منظمة غير حكومية، وهي منظمة التحرير الفلسطينية، على أنها "منظمة إرهابية". وكانت هذه الخطوة جزءاً من محاولة لطرد منظمة التحرير الفلسطينية من الولايات المتحدة، بما في ذلك من مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك، حيث كانت لديها مهمة "مراقب" غير دولة.
وبينما فشلت مساعي الإطاحة، أنشأ تشريع الكونغرس أيضاً قائمة "المنظمات الإرهابية الأجنبية" التابعة لوزارة الخارجية، والتي تتطلب من السلطة التنفيذية إجراء تصنيفات سنوية للجماعات الإرهابية. وفي غضون عام، أضافت وزارة الخارجية الأمريكية عشرات الجماعات، العديد منها مؤيدة للفلسطينيين، إلى القائمة، التي تضخمت منذ ذلك الحين لتشمل مجموعة واسعة من الجماعات الإسلامية في المقام الأول.
63 % من دعاوى رابطة مكافحة التشهير مرتبطة بفلسطين
وفي السنوات التالية، أدرج المشرعون الأمريكيون أحكاماً تتعلق بـ"الإرهاب" في قانون الهجرة والقانون المدني، وذلك في المقام الأول في محاولة لاستهداف أعضاء حركة المقاومة الفلسطينية. وفي عام 1990، عدَّل الكونغرس قانون الهجرة والجنسية ليدرج "الإرهاب" كأساس للترحيل والحرمان من الدخول إلى الولايات المتحدة. ومرةً أخرى، خصَّ التشريع بالذكر منظمة التحرير الفلسطينية، مشيراً إلى أن أي "ضابط أو مسؤول أو ممثل أو متحدث باسم" المنظمة سيعتبر منخرطاً في نشاط إرهابي.
وبعد ذلك بعامين، أصدر الكونغرس قانون مكافحة الإرهاب، الذي حفز المواطنين الأمريكيين على رفع دعاوى مدنية بشأن أعمال الإرهاب الدولي في الخارج. وجاء هذا القانون في أعقاب مقتل ليون كلينغهوفر، وهو مواطن أمريكي كان على متن السفينة السياحية المختطفة أكيلي لاورو في العام 1985، على يد أعضاء جبهة التحرير الفلسطينية. قام مركز أبحاث محافظ صغير بصياغة مشروع القانون، ودافعت عنه عدة جماعات صهيونية، بما في ذلك رابطة مكافحة التشهير.
وشهدت عائلة كلينغهوفر مرتين لصالح مشروع القانون نيابةً عن رابطة مكافحة التشهير، وفقاً للتقرير الجديد.
وعلى مدار العقد الأول بعد إقرار القانون في عام 1992، كان حوالي 63% من الدعاوى القضائية التي تشير إلى الرابطة مرتبطة بفلسطين، مع رفع الغالبية العظمى منها من قِبَل مواطنين أمريكيين إسرائيليين في أعقاب الانتفاضة الثانية، كما يشير التقرير.
المحاكم تتوسع في مفهوم الدعم المادي للإرهاب.. والفلسطينيون يدفعون ثمن الإرهاب اليميني
يمثل الحظر على الدعم المادي للمنظمات الإرهابية الأجنبية وحده أكثر من نصف محاكمات الإرهاب الفيدرالية التي رُفِعَت في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وفقاً لتحليل موقع Intercept الأمريكي.
وقد فسرت المحاكم الفيدرالية قانون الدعم المادي على نحوٍ واسع، مما أدى إلى إحباط الجهود المبذولة لتقديم المساعدات الإنسانية في مناطق مثل غزة، حيث تعمل الجماعات التي تعتبرها الحكومة الأمريكية كياناتٍ إرهابية. ولكن في حين أن التشريع ينطبق حصرياً على دعم الجماعات الأجنبية، فقد نشأ محلياً في أعقاب التفجير الذي وقع بمدينة أوكلاهوما عام 1995 على يد العنصريين البيض تيموثي ماكفي وتيري نيكولز.
وقد أدى هذا التفجير -وهو الهجوم الإرهابي الأكثر دموية على الأراضي الأمريكية في ذلك الوقت- إلى إطلاق دعوات لتشريع شامل لمكافحة الإرهاب من شأنه أن يمنح الحكومة صلاحياتٍ واسعة لاستهداف الجهات الفاعلة المحلية والأجنبية. وقد أُطلِقَت الدعوات بشكلٍ كبير من قِبَلِ رابطة مكافحة التشهير.
ويشير التقرير إلى أن إدارة كلينتون دعمت نسخةً من التشريع تتضمن عدة عناصر من "أجندة مكافحة الإرهاب" لرابطة مكافحة التشهير، بما في ذلك حظر الدخول وجمع الأموال لـ"أعضاء ومؤيدي" الجماعات الإرهابية. وقد شهد أعضاء رابطة مكافحة التشهير في الكونغرس لصالح هذا التشريع، وعندما ألغى الجمهوريون القلقون بشأن تجاوزات الحكومة العديد من فقرات الإرهاب في مشروع التشريع، أدانت رابطة مكافحة التشهير المشرعين بتهمة "إتلاف التشريع". ومع اختلاف الديمقراطيين والجمهوريين حول توسيع سلطات إنفاذ القانون الفيدرالية، قادت رابطة مكافحة التشهير حملةً قامت بها عشرات الجماعات المؤيدة لإسرائيل لإثارة المخاوف من قيام حماس بجمع الأموال في الولايات المتحدة، وأيضاً بغرض إقناع المشرعين بإعادة تقديم أحكام الإرهاب التي تستهدف الجماعات الأجنبية.
وفي النهاية، لم يؤدّ تفجير مدينة أوكلاهوما إلى اتخاذ أي إجراء تشريعي ضد التطرف الداخلي، لكنه وضع الأسس القانونية التي استهدف بها المدعون العامون الأمريكيون مئات الأشخاص منذ 11 سبتمبر/أيلول.