"يسرقون الهواتف والملابس والطعام من بيوت غزة قبل تفجيرها دون مبرر"، هذا ما يفعله جيش الاحتلال في القطاع تحت سمع وبصر قيادات إسرائيل، فما هي الأسباب؟
هذه التصرفات المحرمة إنسانياً ودولياً مصدرها مقال نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية عنوانه "النهب الذي يقوم به جنود إسرائيليون في غزة هو جزء من الانتقام".
التباهي بسرقة ممتلكات أهل غزة
أحد الجنود في لواء غيفاتي تباهى أمام مراسل لقناة "كان 11" الإسرائيلية بمرآة كبيرة سرقها من أحد المنازل في خان يونس. وعلى منصات التواصل الاجتماعي، نشر جنود مقاطع فيديو لمقتنيات سرقوها من منازل الغزاويين، فهذا جندي يتفاخر بقميص رياضي نهبه من أحد المنازل، وهذا آخر يستعرض وجبات غذائية أعدها هو وزملاؤه من مواد أخذوها من مطابخ منازل أخرى، بحسب مقال الصحيفة العبرية.
كانت الصحيفة ذاتها قد نشرت تقريراً قبل نحو شهر عنوانه "لابد أن يتخذ الجيش الإسرائيلي إجراءات رادعة قبل أن يتحول جنوده إلى عصابات لا تتقيد بأي قوانين"، ألقى الضوء على ما يقوم به جنود الاحتلال من أعمال "غير إنسانية وغير أخلاقية".
وفي الإطار ذاته، كان جيش الاحتلال قد أصدر بياناً زعم فيه أن تحقيقات تجري بالفعل فيما وصفها البيان بأنها "انتهاكات محتملة للقانون الدولي في غزة" تشير تقارير أن قواته يرتكبونها. جاء صدور ذلك البيان كرد على الاتهامات لإسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" في غزة، والتي تحاكم بسببها أمام محكمة العدل الدولية عبر الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا أواخر ديسمبر/كانون الثاني الماضي.
لكن مقال هآرتس، المنشور يوم 19 فبراير/شباط الجاري، يؤكد أن عمليات السلب والنهب التي تمارسها قوات الاحتلال لا تزال مستمرة، بل وتحولت إلى ظاهرة عامة، وليست مجرد حوادث فردية متفرقة. "هذا السيل من الشهادات يعكس مشكلة منتشرة، لكن يبدو أن الجيش يواجه مشكلة في محاولة منعها".
جيش إسرائيل يناقش "الظاهرة"
كانت هيئة أركان جيش الاحتلال قد ناقشت خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي ظاهرة السلب والنهب في غزة، وذلك خلال لقاءات متعددة مع قادة الوحدات التي تحارب في القطاع، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء نظامي لمنع تلك الظاهرة، بحسب تقرير إسرائيلي.
وأصدر قائد وحدة التوجيه في الجيش، وهو لا يمتلك درجة محددة في التسلسل القيادي العملياتي، خطاباً لقوات الجيش التي تحارب في غزة، بشأن هذه القضية. وجاءت صياغة الخطاب غامضة وتركز على نقطة وحيدة تقريباً وهي أن "السلب والنهب يضايق الجيش".
ويعني هذا التناول لمسألة النهب والسلب وسرقة ممتلكات المدنيين في القطاع أن ما "يضايق" قيادات إسرائيل هو الضرر الذي تسببه هذه الظاهرة المتفشية لسمعة الجيش وثقة العامة فيه وترابط الوحدات وانعكاس الأمر على صورة إسرائيل داخلياً وخارجياً.
"لكن تظل النقطة الأساسية التي تجاهلها اللواء عوفير ليفيوس (قائد وحدة التوجيه) هي أن السرقة أمر غير قانوني وغير أخلاقي في حد ذاته. لكن من الواضح أن الحديث مع جنود الجيش عن الأخلاق يبدو أمراً صعباً، وبالتالي يتم تجاهله والتركيز على الضرر الذي قد يلحق بصورة إسرائيل وجيشها"، بحسب مقال هآرتس.
تظل مسألة النهب والسلب وسرقة الممتلكات قضية صغيرة عند مقارنتها بعشرات الآلاف من المدنيين الذين فقدوا حياتهم والدمار الهائل لقطاع غزة بشكل شبه كامل، والفرحة التي يبديها جنود الجيش الإسرائيلي وشماتتهم المعلنة في أهل القطاع. لكن السلب والنهب والسرقة هي أمور محرمة دينياً أيضاً، وبالتالي فإن فشل الجيش في منعها أمر يحتاج للتفسير، خصوصاً أن "الصبغة الدينية" حاضرة بقوة في تلك الحرب، كما يقول مقال هآرتس.
وفي الوقت الذي تعيث قوات الاحتلال فساداً وتسرق وتنهب كل ما تجده في منازل الفلسطينيين قبل تفجيرها والتباهي بذلك كله، يعاني سكان قطاع غزة من المجاعة، حيث لم تدخل إلى كل القطاع سوى 9 شاحنات مساعدات خلال الأيام العشرة الأخيرة، وسط تحذيرات متصاعدة من أن تتسبب المجاعة في القطاع بوفيات.
وقال مسؤول حكومي في غزة في تصريحات نقلتها وسائل إعلام فلسطينية الثلاثاء 21 فبراير/شباط، إن 700 ألف شخص على الأقل يعانون من مجاعة قد تؤدي إلى وفاتهم، بينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي منع إيصال المساعدات إلى كل مناطق القطاع، خاصةً في الشمال، الذي يعيش وضعاً مأساوياً.
لماذا يسرقون مقتنيات أهل غزة؟
لا يقوم جنود الاحتلال بسرقة مقتنيات أهل غزة لأنهم بحاجة إليها بالضرورة ولا بدافع الجشع غالباً، لكن السلب والنهب أثناء الحرب على القطاع هو تعبير عن الرغبة في الانتقام، بحسب الزعم الإسرائيلي. والانتقام في هذه الحالة ليس بالضرورة حالة الانتقام العامة التي سيطرت على إسرائيل ولا تزال منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، لكنها حالة من "الانتقام الخاص لتعرض مستوطنات غلاف غزة إلى سرقة الممتلكات في ذلك اليوم"، كما يقول مقال هآرتس.
جدير بالذكر هنا أن هذا الطرح أو التبرير هو جزء من الأكاذيب التي رددها قادة إسرائيل السياسيون والعسكريون منذ عملية "طوفان الأقصى"، للتغطية على الفشل الذريع عسكرياً واستخباراتياً والهزيمة المخزية التي تعرضوا لها على أيدي المقاومة الفلسطينية في ذلك اليوم من جهة، ولتبرير العدوان المستمر على القطاع وأهله من جهة أخرى.
فما تعرّضت له إسرائيل يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول هو هزيمة عسكرية على مستوى غير مسبوق منذ 50 عاماً، باعتراف كثير من المراقبين والخبراء الإسرائيليين أنفسهم، و"طوفان الأقصى" لم تكن فعلاً بل هي رد فعل على ما يرتكبه الاحتلال بحق الفلسطينيين في القدس والضفة المحتلتين، وقطاع غزة المحاصَر منذ أكثر من 16 عاماً، وبالتالي لم يأتِ هجوم المقاومة من فراغ"، كما جاء في تقرير لموقع Vox الإخباري الأمريكي، عنوانه "هجوم حماس لم يأتِ من فراغ".
وفي الإطار ذاته، كانت القناة 12 الإسرائيلية قد نشرت مقابلة مع إحدى المستوطنات، روت فيها ما حدث معها ومع طفليها عندما اقتحم 6 من المقاومين منزلها، وكيف أنها احتمت مع طفليها بالملجأ في المنزل، وعندما اقتحمه المقاومون قالت لهم باللغة الإنجليزية إن معها طفليها، رد عليها أحد شباب المقاومة: "لا تقلقي، نحن مسلمون لا نؤذي النساء والأطفال"، وغادروا المنزل دون التعرض لها أو لطفليها. ولم تتحدث لا تلك المستوطنة ولا غيرها عن قيام المقاومين بسلب أو نهب أو سرقة أي من مقتنيات المنازل.
"يقوم الجنود بذلك (السرقة والنهب وسرقة المقتنيات) كنوع من الانتقام الرمزي، حيث إن الاستيلاء على ممتلكات العدو بعد هزيمته يجسد الانتصار التام"، بحسب ما جاء في مقال هآرتس. لكن الحديث هنا ليس عن أسلحة مقاومين أو مقتنياتهم الخاصة، لكنها منازل مدنيين ومقتنياتهم، وحتى هؤلاء المدنيون لم يكونوا في بيوتهم عندما سرقها جنود الاحتلال وتفاخروا بذلك.
أما المبرر الأخير الذي ساقه كاتب مقال هآرتس لظاهرة السرقة والنهب التي يقوم بها جنود الاحتلال لبيوت المدنيين في غزة، فهو "رمز الانتقام العام"، إذ ليست صدفة أن هذا السلب والنهب يأتي مصحوباً بتدمير الممتلكات، كما حدث في أكثر من واقعة تم فيها حرق المنازل دون أي داعٍ لذلك. "النهب والسلب يعكس أيضاً نفي الإنسانية عن أهل غزة، وهو ما يجعل من المقبول التنطع على مقتنياتهم الخاصة وانتقاء ما يأخذ الجندي".
لكن النقطة الختامية في مقال هآرتس ربما تلخص إلى حد كبير حالة "العقاب الجماعي" لأهل قطاع غزة، حيث إن تدمير ممتلكاتهم وسرقتها ونهبها يعكس افتراضاً يقع في القلب من هذا العدوان، وهو أنه "لا يوجد مدنيون أبرياء في غزة"، وبالتالي "لا مشكلة في إلحاق الأذى بهم، حتى بعد أن غادروا بيوتهم ونزحوا منها مضطرين".