رغم أن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير حرص على التحريض على العرب وتوقع اندلاع أعمال عنف في الداخل، مثلما حدث في حرب مايو/أيار عام 2021، كانت توقعاته خاطئة حتى اللحظة. فقد قمعت إسرائيل العرب في الداخل، وشهدت الضفة الغربية بعض التصعيد، ولكن ليس بدرجة تكفي لاعتباره مشاركة في الحرب انطلقت في السابع في أكتوبر/تشرين الأول.
لكن بعد موافقة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على توصية الوزير المتطرف بن غفير، بتقييد والحد من وصول ودخول الفلسطينيين من القدس والداخل (أراضي 48) إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، قد يشعل حرباً طاحنة.
وحذرت حركة حماس من القرار الإسرائيلي قائلة إن "تبنّي نتنياهو لمقترح الوزير المتطرف بن غفير، تقييد دخول فلسطينيي الداخل المحتل إلى المسجد الأقصى خلال شهر رمضان المبارك؛ هو إمعان في الإجرام الصهيوني والحرب الدينية التي تقودها مجموعة المستوطنين المتطرفين في حكومة الاحتلال ضد شعبنا الفلسطيني".
واعتبرت الحركة أن تقييد وصول المصلين يمثل "انتهاكاً لحرية العبادة في المسجد الأقصى المبارك". ولفتت إلى أن ذلك "يشير إلى نية الاحتلال (الإسرائيلي) تصعيد عدوانه على المسجد الأقصى خلال شهر رمضان".
تقييد الصلاة بالمسجد الأقصى.. كيف اتخذت حكومة نتنياهو هذا القرار؟
تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية إنه خلال اجتماع يوم الأحد 18 فبراير/شباط، طالب بن غفير بوضع قيود صارمة على المصلين العرب الإسرائيليين في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان. ولم يعترض جميع المسؤولين الأمنيين فحسب؛ بل تبين وجود صعوبات قانونية في منع دخول المقتحمين الإسرائيليين على أساس تصنيفات عامة مثل العمر. ومع ذلك، فمن الممكن حظر بعض الأشخاص لمنع "التحريض الديني" كما تقول الصحيفة.
كان ذلك هو القرار الذي اُتخذ في نهاية الاجتماع. لكن نتنياهو، رغم خوفه من بن غفير، أصدر ملخصاً غامضاً يمكن لكل مشارك في الاجتماع تفسيره حسب هواه. فكان كافياً ليخرج وزير الأمن القومي ليعلن أن موقفه حظي بالقبول وأنه ستفرض قيود واسعة على المصلين العرب الإسرائيليين. وكان كافياً أيضاً ليحذر النواب العرب من "اندلاع انتفاضة بين العرب داخل الخط الأخضر".
وبعض الخطوات يتخذها نتنياهو منفرداً. فمثلاً، ابتكر خطاباً يصور فيه نفسه الحامي الوحيد لإسرائيل من "خطر الدولة الفلسطينية". وهو منشغل بإصدار قرارات في الحكومة، وفي الكنيست ضد التوجه الأحادي نحو حل الدولتين. ويردد شعارات حول النصر الكامل على حماس، بينما في غزة، تراجع انتشار الجيش الإسرائيلي إلى ربع ما كان عليه في بداية التوغل البري.
ولا يمكن النظر إلى محاولة بن غفير استغلال الأقصى لتأجيج النيران في الضفة الغربية والقدس وداخل الخط الأخضر بمعزل عن موقف نتنياهو من صفقة الرهائن. ففي ظرف أسابيع قليلة فقط، انتقل الجانب الإسرائيلي من "نعم ولكن" (بخصوص مقترح باريس) إلى الرفض الصريح، وهو موقف يرى متبنوه أن عروض حماس ليست جادة وأنه لا مجال للمفاوضات.
وكل هذا يحدث بينما ينفد وقت الرهائن ويتنامى الانزعاج بين وزراء حكومة الحرب من حزب الوحدة الوطنية. ويبدو أن ما حدث يوم الأحد، في ضوء قضية الأقصى ومأزق صفقة الرهائن، يمثل بداية العد التنازلي لرحيل غانتس وآيزنكوت عن حكومة نتنياهو.
الشاباك يحذر من هذه الخطوة
في وقت سابق الأحد، قالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، إن جهاز "الشاباك" حذر المستوى السياسي من أنّ منع الفلسطينيين في الداخل من دخول المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، قد يؤدي إلى اضطرابات كبيرة.
وقال الشاباك إن "انفجار الأوضاع في مدينة القدس والداخل (أراضي 48) سيكون أكثر خطورةً من تفجر الأوضاع في الضفة الغربية"، وفق هيئة البث. وتفرض الشرطة الإسرائيلية منذ بداية الحرب على قطاع غزة، قيوداً على دخول المصلين الفلسطينيين من كافة المناطق الى المسجد الأقصى وبخاصة أيام الجمع.
ودعت حماس، سكان القدس والضفة الغربية والداخل (أراضي عام 1948)، إلى "رفض هذا القرار الإجرامي، ومقاومة صَلَف وعنجهية الاحتلال"، مطالبة الفلسطينيين بـ"النفير وشد الرحال والرباط في المسجد الأقصى المبارك".
وحذرت الحركة إسرائيل من "أن المساس بالمسجد الأقصى أو حرية العبادة فيه، لن يمر دون محاسبة، وستبقى القدس والأقصى، بوصلة الأمة وعنوان حراكها وانتفاضتها المباركة، وانفجارها في وجه الظلم والصَّلَف والعدوان".
والجمعة تمكن نحو 25 ألف مصلٍّ فلسطيني من الوصول إلى المسجد الأقصى بالقدس الشرقية لإقامة صلاة الجمعة، رغم القيود الإسرائيلية.
وقال مسؤول في دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه للأناضول: "هذا هو أكبر عدد من المصلين يتمكنون من الصلاة بالمسجد منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي".
كمال الخطيب يدين قرار إسرائيل بخصوص الأقصى
في سياق متصل، أدان رئيس لجنة الحريات في الداخل الشيخ كمال الخطيب، الأحد 18 فبراير/شباط 2024، قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي بشأن تقليص عدد المصلين المسموح لهم بالصلاة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان القادم، معتبراً ذلك أنه "إيذان بحرب دينية"، فيما اعتبر حزب "الجبهة الديمقراطية" الفلسطيني أن القرار هو "سعي لإشعال جبهات أخرى".
وقال الخطيب في تصريحات صحفية له بعد صدور تقارير إعلامية إسرائيلية بشأن موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي على توصية الوزير المتطرف إيتمار بن غفير إن "القرار الإسرائيلي بتقليص أعداد المصلين بالأقصى يفتح الحرب الدينية على مصراعيها".
كما أضاف الخطيب: "هؤلاء يزيدون تعلق شعبنا بالأقصى ويفتحون الحرب الدينية على مصراعيها، هذا يشير فقط إلى أن هذه القيادة تقود الاحتلال الإسرائيلي إلى الهاوية". ثم أردف: "هذا قرار أحمق ويعبر عن محدودية الرؤية عند هؤلاء السياسيين، كبن غفير ونتنياهو، هم يصبون الزيت على النار".
وخلَّفت الحرب المدمرة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، عشرات آلاف الشهداء والمصابين، معظمهم من النساء والأطفال، الأمر الذي أدى إلى مثول إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهم ارتكاب إبادة جماعية.