أدَّت الخطط الإسرائيلية المتداولة عن اجتياح رفح في جنوبي غزة إلى تصاعد الخلاف بين بايدن ونتنياهو في ظل إحباط متزايد بالفعل لدى الإدارة الأمريكية من إخفاق مساعيها لكبح جماح الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة، وسط تساؤلات حول لماذا لا تلجأ إدارة بايدن للضغط على إسرائيل عبر إجراءات مؤثرة مثل العقوبات.
وقد ازداد في الأيام الأخيرة وضوح تداعي الثقة وتزايد الخلاف بين بايدن ونتنياهو، على الرغم من أنهما تحدثا في 18 مكالمة هاتفية على الأقل منذ هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ويبدو أن الرئيس الأمريكي يحاول الآن أن يدفع إسرائيل إلى تخفيف حدة عمليتها العسكرية المزمعة في رفح، التي يقيم الآن ما يزيد على مليون فلسطيني، معظمهم نازحون من بيوتهم، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
مع ذلك، كرر نتنياهو يوم الأربعاء 14 فبراير/شباط تعهّده بالمضيّ قدماً في العملية العسكرية الهادفة إلى اجتياح رفح، وقال إن إسرائيل ستشن عملية عسكرية "قوية" في المدينة بُعيد السماح للفلسطينيين بالخروج منها إلى مناطق أخرى.
أمريكا تؤيد اجتياح رفح ولكن بشرط أن يكون بناء على خطة موثوقة
في غضون ذلك، قال مسؤولون أمريكيون إن إدارة بايدن صرحت بأنها لن تؤيد اجتياحاً واسع النطاق لرفح دون خطة محددة، وأنها تميل بدلاً من ذلك إلى عمليات عسكرية إسرائيلية على أهداف محددة.
وقال مسؤولون أمريكيون إن إدارة بايدن طلبت من الجيش الإسرائيلي إعداد "خطة ذات مصداقية" من الناحية العسكرية والإنسانية، إذا قرر تجاهل نصيحة واشنطن، وغزا المدينة.
هذا الخلاف المتزايد بين الحكومتين بشأن الغزو الإسرائيلي لرفح يُبرز مقدار الانحسار في نفوذ إدارة بايدن على نتنياهو، إذ يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي على المضي قدماً في تنفيذ خططه في غزة، وذلك على الرغم من تزايد الضغوط داخل الحكومة الأمريكية لكبح جماح إسرائيل.
نتنياهو يطيح بجهود بايدن، واشنطن تحقق في قتل إسرائيل مدنيين بقنابل أمريكية
ويتصاعد الحديث عن العملية الإسرائيلية في رفح في وقت تواصل فيه الولايات المتحدة، مع قطر ومصر وإسرائيل، العمل على خطط أولية لهدنة ممتدة تُتيح الفرصة للإفراج عن بعض الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، وزيادة المساعدات الإنسانية لأهالي غزة. ومع ذلك، يبدو أن هذه المساعي انهارت يوم الأربعاء 14 فبراير/شباط عندما أعلنت إسرائيل أنها لن تعود إلى القاهرة لإجراء مزيد من المفاوضات.
وأكد بايدن مرة أخرى خلال لقائه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يوم الثلاثاء 13 فبراير/شباط، أن الولايات المتحدة ترغب في التوصل إلى صفقة تؤدي للإفراج عن مزيد من الأسرى، وإيقاف القتال ستة أسابيع على الأقل، والتمهيد لحلِّ طويل الأمد. وقال بايدن: "المكونات الرئيسية للاتفاق مطروحة على الطاولة"، و"لا تزال هناك فجوات [بين مطالب الجانبين]، لكنني حثثت القادة الإسرائيليين على مواصلة العمل للتوصل إلى صفقة".
مع ذلك، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي يوم الأربعاء 14 فبراير/شباط، أن الحكومة لن ترسل وفداً إلى القاهرة لمواصلة المفاوضات.
وقد قال مسؤولون أمريكيون لصحيفتي "واشنطن بوست" و"وول ستريت جورنال" الأمريكيتين إن وزارة الخارجية الأمريكية بدأت تحقيقاً في عدة غارات جوية إسرائيلية في غزة أدت إلى مقتل عشرات المدنيين، واحتمال استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض في لبنان، والغاية من ذلك التحقق مما إذا كان الجيش الإسرائيلي أساء استخدام القنابل والصواريخ الأمريكية في قتل مدنيين.
لكن بايدن رفض استخدام أقوى أسلحته ضد نتنياهو
وسعى المسؤولون الأمريكيون في الأسابيع الماضية إلى استكشاف طرق مختلفة للضغط على نتنياهو، إلا أن بايدن لم يُظهر أي استعداد لاستخدام أقوى أداة في ترسانته، وهي تعطيل مبيعات الأسلحة المرسلة إلى إسرائيل. وقال مسؤولون أمريكيون إن بايدن رفض أي حديث عن إبطاء إمدادات الأسلحة لإسرائيل، ولجأ بدلاً من ذلك إلى التصريحات والضغط الخطابي للإعراب عن عدم رضاه عن سلوك الحكومة الإسرائيلية.
وحثَّ مسؤولون أمريكيون البيت الأبيض على اتخاذ نهج علني أكثر انتقاداً للحرب الإسرائيلية في غزة، وأعرب بايدن في الأيام الأخيرة عن قلقه المتزايد بشأن طريقة إدارة نتنياهو للحملة، وقال أكثر من مرة إن الحملة العسكرية الإسرائيلية "قد تجاوزت الحدَّ".
وقال بريان كاتوليس، وهو زميل بارز في مركز أبحاث "معهد الشرق الأوسط" الأمريكي، إن التصريحات العامة لإدارة بايدن حتى الآن ليس لها تأثير يذكر في دفع نتنياهو إلى إعداد استراتيجية خروج من غزة، ولا الموافقة على الهدف المعلن لإدارة بايدن بالمضي في محادثات لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.
وقال كاتوليس: "لقد اتسعت فجوة الخلافات بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو بشأن مجموعة من القضايا المهمة خلال الأسابيع الأخيرة من الحرب الجارية بين إسرائيل وحماس".
وازدادت الخلافات مع تحضير إسرائيل لعملية اجتياح غزة.
بايدن يصف قصف غزة بالعشوائي وكاد يصرخ في وجه نتنياهو
كانت التوترات بين بايدن ونتنياهو تتصاعد منذ أشهر. وأثار بايدن غضب نتنياهو وحكومته في منتصف ديسمبر/كانون الأول عندما قال للحاضرين في حملة لجمع التبرعات إن إسرائيل بدأت تفقد الدعم في جميع أنحاء العالم بسبب "قصفها العشوائي" لغزة.
وقال مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون إن التوتر بين الرئيس الأمريكي ونتنياهو وصل إلى أوجِ حدَّتِه هذا الشهر حين أنهى بايدن فجأة مكالمته الهاتفية مع نتنياهو في 28 ديسمبر/كانون الأول بعد حديثٍ متوتر بين الجانبين عن تزايد عدد الضحايا المدنيين الفلسطينيين، ورؤية واشنطن بأن إسرائيل ينبغي أن تنتقل إلى مرحلة أخرى من الحرب، تركز فيها على عمليات الاستهداف المحددة. وزعم المسؤولون أن بايدن اشتد غضبه لدرجة أنه أوشك على الصراخ خلال المكالمة، فقال إن النقاش "انتهى" وأغلق الخط.
بايدن يخشى أصوات المسلمين بالانتخابات بينما نتنياهو يريد الاحتفاظ بدعم حلفائه المتطرفين
وتتزايد المخاوف لدى بعض كبار المساعدين في إدارة بايدن من أن دعمه لحرب إسرائيل على غزة فيه مجازفة بالإضرار بفرص إعادة انتخابه، لا سيما في ظل تراجع تأييده بين الناخبين الشباب.
وأرسل بايدن الأسبوع الماضي مجموعة من مستشاري السياسة الخارجية بإدارته إلى ولاية ميشيغان سعياً إلى تهدئة الغضب المتزايد بشأن ارتفاع عدد الضحايا في غزة، ومحاولة التقليل من أثر ذلك على الانتخابات التمهيدية الرئاسية في ميشيغان في 27 فبراير/شباط. ومع ذلك، ما لبث أن تبيَّن أن إدارة بايدن تحتاج إلى زيادة مساعيها بعد أن ظهر أن هذه المحاولات لتهدئة السخط بين الناخبين المسلمين وذوي الأصول العربية غير كافية لإقناعهم.
من جهة أخرى، فإن نتنياهو لديه اعتبارات مهمة تجعله يتوخى استمرار الحرب لإطالة مسيرته السياسية، فقد تراجعت شعبيته في إسرائيل، وتتهمه بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية ذات الميول اليسارية بأنه مسؤول عن التقصير الذي أفضى إلى نجاح هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول على القواعد العسكرية والمستوطنات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة.
كما أنه يريد الحفاظ على دعم حلفائه المتطرفين في الحكومة.
إليك عقوبات مخففة فكر فيها المسؤولون الأمريكيون
فكَّر مسؤولو الإدارة الأمريكية الشهر الماضي في تفعيل إجراءات توضح بها الإدارة للحكومة الإسرائيلية أنها مستاءة من قراراتها وعدم استجابتها للمطالب الأمريكية بشأن تخفيف حدة الحرب على غزة.
وقال مسؤولون أمريكيون إن حزمة الإجراءات التي جرى الحديث عنها كانت ستتضمن التراجع عن سياستين من سياسات عهد ترامب، بحيث تسمح إدارة بايدن بوضع علامة تعريف على المنتجات المصنوعة في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة بدلاً من "صنعت في إسرائيل"؛ والرجوع كذلك عن قرار ترامب الذي تخلى فيه عن إدانة مستوطنات الضفة الغربية باعتبارها مخالفة للقانون الدولي.
وأشار مسؤولون أمريكيون إلى أنهم بحثوا أيضاً فرض عقوبات على وزيرين بارزين في حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، هما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.
وقال المسؤولون الأمريكيون إن حزمة الإجراءات هذه مجتمعة كان من الممكن أن تبعث برسالة استياء قوية إلى إسرائيل، إلا أن إدارة بايدن اكتفت في النهاية بفرض عقوبات على أربعة مستوطنين إسرائيليين مغمورين.
الخارجية الأمريكية تقول إن هناك مبالغة في تصوير نفوذ واشنطن على تل أبيب
وقال كاتوليس، الزميل البارز في معهد الشرق الأوسط الأمريكي: "لا نعرف مقدار النفوذ الذي قد تسمح إدارة بايدن باستخدامه لرأب الفجوة بين تصور إسرائيل والولايات المتحدة عن نهاية الحرب في غزة، ورؤية حل الدولتين التي أعادت الإدارة الأمريكية إحياءها"؛ لأن "تسريب رسائل السخط والاستنكار يختلف عن إجراء تحول ملموس في السياسات الأمريكية ربما يدفع إلى نقاشات مختلفة وحسابات أخرى للقرارات داخل إسرائيل".
في المقابل، أدلى المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، يوم الثلاثاء 13 فبراير/شباط، بتصريحات دافع فيها عن استراتيجية إدارة بايدن، وزعم أن استراتيجية بايدن و[وزير الخارجية الأمريكية أنتوني] بلينكن أثَّرت في إدارة إسرائيل لعملياتها، حتى لو لم يكن هذا التأثير دائماً بالقدر الذي أرادته الولايات المتحدة. وقال ميلر إن بعض الناس ربما تكون لديهم توقعات غير واقعية عن مدى تأثير الولايات المتحدة على إسرائيل.
وقال ميلر كذلك: "أحسب أن الناس يتصرفون في بعض الأحيان كأن الولايات المتحدة الأمريكية لديها عصا سحرية يمكنها بمجرد التلويح بها أن تجعل أي أمر في العالم يسير على النحو الذي تريده بالضبط، لكن الأمر لم يكن كذلك في أي وقت".