يبدو أن النواب التقدميين في الكونغرس الأمريكي يسعون لتحدي الجميع بعدما وصلتهم تحذيرات بأن "انتقاد سلوك إسرائيل أثناء حربها على حماس في غزة قد يكلفهم ثمناً سياسياً كبيراً". لكن هؤلاء النواب الذين دعوا إلى وقف إطلاق النار جمعوا تبرعات قياسية خلال الأشهر الأربعة التي مرت منذ العدوان الإسرائيلي العنيف، ويأتي هذا بالتزامن مع كفاح هؤلاء النواب للبقاء في مناصبهم٬ كما يقول تقرير لوكالة Associated Press الأمريكية.
اللوبي الإسرائيلي يرصد الملايين لهزيمة النواب التقدميين بالكونغرس
يتعرّض أعضاء فريق "سكواد"، وهم مجموعة من النواب التقدميين الليبراليين في مجلس النواب، للاستهداف بواسطة لجان العمل السياسي الموالية لإسرائيل -بما فيها لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (المعروفة باسم أيباك).
ورصدت تلك اللجان أو تخطط لإنفاق عشرات الملايين من الدولارات من أجل هزيمة هؤلاء النواب في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية، ثم في الانتخابات العامة خلال العام الجاري، وذلك لتحويل الأحياء الديمقراطية المضمونة إلى ساحات معارك انتخابية.
وتواجه مجموعة النواب ذوي البشرة السمراء والبنية ما يرونه "تهديداً وجودياً" لحياتهم السياسية. ولا شك أنه صراع يُثير تساؤلات مهمة حول هوية من يمكنه أن يصبح ديمقراطياً في الكونغرس، وحول المواقف المسموحة تجاه إسرائيل والفلسطينيين، وحول الدور الذي يجب أن تتمتع به الجماعات الخارجية في تحديد الهويات والمواقف.
ويحظى التقدميون بدعم متزايد من الجماعات الأمريكية العربية والمسلمة، التي تنظم أنفسها بأعداد قياسية لضمان وصول أصواتها إلى كابيتول هيل، على عكس ما كان يحدث في الدورات السابقة.
حيث قال النائب جمال بومان، الديمقراطي من نيوجيرسي، لوكالة Associated Press الأمريكية في مقابلة الشهر الماضي: "إن حقيقة تسجيلنا لتبرعات قياسية هذا الربع، في خضم هجمات أيباك ورغم وجود منافسٍ قوي لنا، هي أمر يرجع إلى شعور المجتمع المسلم بأنه تعرض للمحو والتجريد من إنسانيته طوال الوقت".
مواجهة شرسة بين مرشحي "الأيباك" والنواب التقدميين
يُذكر أن بومان، الذي كان ضمن مجموعة من 19 ديمقراطياً طالبوا بوقف إطلاق النار في غزة، يواجه منافساً ديمقراطياً مدعوماً من أيباك. وكانت أيباك قد بدأت في تحدي شاغلي المناصب الديمقراطيين خلال الانتخابات التمهيدية عام 2022.
وقُبيل شهر نوفمبر/تشرين الثاني، عاودت أيباك ولجان العمل السياسي المرتبطة بها المساهمة في دعم المرشحين المنافسين لأعضاء فريق "سكواد". وضمت قائمة الديمقراطيين الذين يواجهون منافسةً -إلى جانب بومان- كلاً من: إلهان عمر من مينيسوتا، وسامر لي من بنسلفانيا، وكوري بوش من ميسوري. ولم يتوقف جميع النواب المذكورين عند الدعوة إلى وقف إطلاق النار فحسب، بل طالبوا كذلك بإنهاء الدعم الأمريكي لإسرائيل.
لم تكن "معركةً عادلةً" مطلقاً
في عام 2022، أنفقت أيباك نحو 27 مليون دولار على استهداف المرشحين التقدميين. ومن المتوقع أن يكون صندوق الحرب الخاص بها في هذه الدورة أكبر من ضعف ذلك المبلغ.
إذ كانت أيباك خلال الربع الماضي فقط هي أكبر متبرع لحملة جورج لاتيمر، منافس بومان في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية؛ حيث منحت أيباك أكثر من 600 ألف دولار للمدير التنفيذي لمقاطعة ويستشستر، أي ما يعادل أكثر من 40% من إجمالي مساهمات حملته البالغة 1.4 مليون دولار، وذلك وفقاً لتقارير تمويل الحملات المقدمة يوم الأربعاء السابع من فبراير/شباط.
وفي الوقت ذاته، تمكّن بومان من جمع أكثر من 730 ألف دولار إجمالاً خلال الربع الماضي -وتقول حملته إن معظم هذا المبلغ جاء من الجماعات الشعبية العربية والمسلمة، إلى جانب المانحين الأفراد.
وقال بومان: "تؤسس الجماعات العربية والمسلمة بنيةً تحتية مالية وسياسية واجتماعية، وذلك من أجل مقاومة أيباك والتصدي للكيانات التي تواصل شيطنتهم كمسلمين وكعرب وكأشخاص من ذوي البشرة البنية".
ولا شك أنه ربع قياسي بالنسبة للمعلم الذي تحول إلى عضو في الكونغرس، والذي جمع في ديسمبر/كانون الأول 2021 مساهمات تقدر بـ200 ألف دولار فقط. لكن الجماعات الخارجية مثل لجنة "ديمقراطيي العدالة" تقول إن التحدي المقبل سيكون كبيراً، نظراً لقدرة أيباك على منح أكثر من نصف مليون دولار للمرشح الواحد في كل ربع.
وأوضح أسامة أندرابي، مدير الاتصالات في لجنة "ديمقراطيي العدالة": "هذا يستهدف المرشحين من ذوي البشرة السمراء والبنية الذين ينحدرون من الطبقة العاملة، والذين يمثلون أحياء الطبقة العاملة، والذين لا يأخذون أموال الشركات من لجان العمل السياسي، بينما يعتمدون على جمع التبرعات الشعبية. لهذا ليست هذه معركةً عادلة. ولم تكن معركةً عادلةً مطلقاً".
اللوبيات الإسرائيلية تبحث عن مرشحين لمنافسة التقدميين
بعيداً عن أعضاء فريق سكواد، ما زالت الجماعات الموالية لإسرائيل تبحث عن مرشحين لمواجهة بعض أنصار فلسطين الآخرين داخل الكونغرس. وتُعد رشيدة طليب من ميشيغان، الفلسطينية الوحيدة في الكونغرس، واحدةً من التقدميين المعتادين على مواجهة منافسين مدعومين من أيباك منذ وصولها إلى واشنطن.
وكانت هناك جهود نشطة لتجنيد خصمٍ لها في الدورة الحالية، لكن لم يقبل أي مرشح مناشدات مختلف الجماعات من أجل مواجهتها. وعلى كل حال، جمعت رشيدة نحو 3.7 مليون دولار منذ بداية الحرب على غزة، في حملة تبرعات قياسية لعضوة الكونغرس في ولايتها الثالثة بعد تعرضها لهجمات متواصلة من الحزبين بسبب انتقادها لإسرائيل.
ويُمكن أن تُعزى التبرعات الضخمة التي جمعتها رشيدة إلى الجهود الشعبية بنسبة كبيرة؛ حيث قالت حملتها إن تبرعات الأشهر الثلاثة جاءت من 32,600 شخص. وكان أكثر من 20 ألفاً من هؤلاء الأشخاص يتبرع للمرة الأولى، بينما كان متوسط مبالغ التبرع أقل من 75 دولاراً بحسب الحملة.
يُذكر أن رشيدة كانت تهزم خصومها في الانتخابات التمهيدية بسهولة في الماضي، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى أن دائرتها الانتخابية تتضمن أجزاءً من ديربورن التي تضم واحدةً من أكبر الجاليات العربية الأمريكية في البلاد.
وقال حسين دباجة، أحد سكان ديربورن والمستشار الديمقراطي، إن الجالية المسلمة تشهد جهداً نشطاً من أجل تقديم الدعم المالي لرشيدة ولأي نائب آخر طالب بوقف إطلاق النار في غزة.
حيث أوضح دباجة: "هناك جهود من الجالية سواء عبر دردشات واتساب، أو مجموعات فيسبوك، أو رسائل البريد الإلكتروني المنسقة من مختلف المنظمات، أو حملات الرسائل النصية القصيرة، أو خلال الاجتماعات العامة. ولا تقتصر تلك الجهود على ديربورن أو ديترويت فحسب، بل تمتد إلى جميع أنحاء البلاد".
رسالة للناخبين والمؤسسة الديمقراطية
قبيل شهر نوفمبر/تشرين الثاني، يتطلع الأعضاء التقدميون والجماعات الخارجية التي تدعمهم إلى ما هو أكثر من تكتيكات جمع التبرعات، وذلك من أجل تحدي مواقف أيباك من الحزب الديمقراطي.
إذ يحاول المرشحون الذين تستهدفهم أيباك نشر الوعي حول ما يصفونه بدور أيباك المسموم في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية. ففي السنوات الأخيرة، ساعد العديد من المتبرعين الجمهوريين في تمويل جهود أيباك لاستهداف المرشحين الناقدين لإسرائيل. وفي عام 2022، كان المتبرعون الجمهوريون هم مصدر غالبية أموال التبرعات التي أُنفِقت على الانتخابات التمهيدية الديمقراطية بين النائب السابق أندي ليفين والنائبة الحالية هالي ستيفنز.
حيث تعرض ليفين لحملة منظمة من جانب أيباك التي حوّلت مبلغاً غير مسبوق من المال إلى الوسطية الموالية لإسرائيل هالي -أكثر من 4 ملايين دولار. وفازت هالي في الانتخابات التمهيدية، ما ساعد في إبعاد ليفين وانتقاداته لإسرائيل إلى خارج الكونغرس.
وصرّح ليفين لوكالة Associated Press الأمريكية الشهر الماضي قائلاً: "أعتقد أن هذه مشكلة هيكلية بالنسبة للديمقراطية عموماً ومشكلة وجودية بالنسبة للحزب الديمقراطي. أيّ نوع من الأحزاب سنكون إذا سمحنا للجمهوريين بالتدخل وتحديد هوية من نختارهم في الانتخابات التمهيدية للترشح ضد الجانب الآخر؟".