نظر الكثيرون إلى المدفع الكهرومغناطيسي باعتباره السلاح الذي سيغير التاريخ والذي قد يؤدي لسحق الصواريخ والطائرات، وإفشال هجماتها بشكل قد يجعلها بلا جدوى، ولكن رغم ذلك فإن الجيش الأمريكي لا يوليه اهتماماً يذكر.
والمدفع الكهرومغناطيسي أو مدفع القضبان الكهرومغناطيسية هو محرك خطي، مصمم عادةً كسلاح، حيث يستخدم القوة الكهرومغناطيسية لإطلاق مقذوفات عالية السرعة، وعادة لا تحتوي القذيفة على متفجرات، بل تعتمد بدلاً من ذلك على الطاقة الحركية العالية للقذيفة لإحداث الضرر.
يستخدم المدفع الكهرومغناطيسي زوجاً من الموصلات المتوازية (القضبان) لتمرير تيار قوي، ويتم تحريك المقذوف من خلال التأثيرات الكهرومغناطيسية للتيار الكهربائي.
ويفترض أن بعض أنواع المدافع الكهرومغناطسية يمكن أن تطلق قذائف بسرعة تصل إلى عشرة أضعاف سرعة الضوء (10 ماخ) ومدى 160 كلم، مما قد يعطيه فعالية كبيرة في مواجهة الصواريخ والطائرات.
ولكن لا تزال المدافع الكهرومغناطيسية في مرحلة البحث بعد عقود من البحث والتطوير، رغم أن فكرتها تعود إلى أكثر من مئة عام.
ففكرة المدفع الكهرومغناطيسي قديمة لحد كبير، إذ تصوّر خبراء التخطيط العسكري سلاح مدفع القضبان الكهرومغناطيسي (الريلغان) لأول مرة، قبل وقتٍ طويل من شهرة المصطلح بفضل ألعاب الفيديو في التسعينيات ومطلع العقد الأول من القرن الجاري.
إذ تُعَدُّ تقنية هذا السلاح بسيطة للغاية، لكنه ربما يستغرق العديد من السنوات قبل أن يتحول من خيالٍ علمي إلى واقع، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
محاولة تصنيع المدفع الكهرومغناطيسي بدأت خلال الحرب العالمية الأولى
تضمنت الجهود المبكرة لتطوير المدفع الكهرومغناطيسي التي حدثت أثناء الحرب العالمية الأولى مقترحاً من المصمم الفرنسي أندريه لويس أوكتاف فوشون-فيليبلي، الذي فكر في صنع مدفع كهربائي يمكنه إطلاق مقذوف يصل إلى مسافةٍ أبعد من الذخائر المتفجرة العادية لتلك الحقبة. وجذب مفهومه اهتمام الجيش الفرنسي الذي كان يبحث عن سلاح قادر على منافسة المدافع الألمانية بعيدة المدى، التي كانت تحمل اسم "مدفع باريس". وتحت إشراف مدير الابتكار في وزارة التسليح الفرنسية عام 1918، جرى تكليف فوشون-فيليبلي بتطوير مدفع كهربائي مبني على تصميمه البسيط، وبعيار يتراوح بين 30 و50 ملم.
لكن الحرب العالمية الأولى انتهت قبل أن يُتقن فوشون-فيليبلي تصميمه، ولا تزال عملية تطوير ذلك السلاح مستمرةً بنجاح محدود حتى بعد مضي أكثر من قرنٍ كامل.
الصين واليابان تعطيان أولولية لهذا السلاح الذي يمكن أن يكون فتاكاً
وأشارت التقارير إلى أن الصين واليابان تطوران أسلحةً من هذا النوع، لكن الجيش الأمريكي لا يعطي هذه الجهود أي أولوية تقريباً.
وتعمل طوكيو على تطوير مدفع القضبان منذ عام 2015، وذلك بهدف أن يصبح قادراً على التصدي للصواريخ التي يتم إطلاقها نحو البلاد. ويتمثل هدف البرنامج في تركيب هذا السلاح على سفينة حربية. وقد شهد عرض في عام 2016 إطلاق مدفع القضبان لمقذوف وصلت سرعته إلى 7.193 كلم/ساعة، أي ما يعادل 5.8 أضعاف سرعة الصوت.
وربما يبدو أن الاختبار قد نجح بناءً على ذلك، لكن الواقع يقول إن طوكيو ليست أقرب لإتقان هذا السلاح من الولايات المتحدة، وبينما كانت البحرية الأمريكية تعطي اهتماماً كبيراً للمدافع الكهرومغناطيسية، فإن الجيش الأمريكي لا يعطيها نفس الاهتمام.
وقطعت وزارة الدفاع الأمريكية تمويل أبحاث المدافع الكهرومغناطيسية، من اقتراح لها في الميزانية عام 2021، حيث سحبت البحرية الأمريكية في ذلك العام مؤقتاً تمويل هذا السلاح.
إليك أكبر المشكلات التي تعرقل المدافع الكهرومغناطيسية
هناك مشكلة أساسية تتمثّل في الطاقة اللازمة لتشغيل هذا السلاح كما هو معلن عنه.
ولا شك في وجود التقنية الأساسية التي تتضمن مصدر طاقة كبيراً للغاية، مع زوجٍ من القضبان المتوازية ومحور متحرك. ويُعد المفهوم نفسه بسيطاً، مما يفسر كيفية تصوُّر فوشون-فيليبلي لفكرة سلاحٍ كهذا قبل تطوير المقاتلات النفاثة والصواريخ.
لكن المشكلة الأساسية منذ تصوّر هذا السلاح تمثّلت في الحصول على ما يكفي من الطاقة لإطلاق المقذوفات فعلياً بطريقة محكومة وموثوقة. إذ قد يتطلب مدفع القضبان ملايين الأمبيرات لخلق المجال المغناطيسي اللازم لإطلاق المقذوف. ومن المؤكد أن هذا الأمر كان خارج نطاق ما يمكن للجيش الفرنسي إنتاجه أثناء الحرب العالمية الأولى.
وحتى يومنا هذا، لا تزال هذه عقبةً خطيرة ينبغي التغلب عليها. إذ ربما يوفر مفاعل نووي الطاقة اللازمة.
يشكل هذا تحدياً للطرادات الأمريكية CG-47 والمدمرات DDG-51 التي لديها توليد منخفض للطاقة. حتى المدفع الكهرومغناطيسي بقدرة 32 ميجا جول يتطلب ما لا يقل عن 15-30 ميجاوات من الطاقة على متن السفينة، وهو أكثر بكثير مما تولده هذه الفئة من السفن. ويتطلب المدفع الكهرومغناطيسي سعة 64 ميجا جول قدرة 40-50 ميجاوات. سيصبح هذا الجانب أحد العوامل الرئيسية للتصميم المستقبلي للسفن.
لكن حاجة المدفع الكهرومغناطيسي، لمصدر طاقة ضخم ليست مشكلته الوحيدة، حيث يجب أن يكون القضيب نفسه مصنوعاً من معدن موصل مثل النحاس، وأن يتراوح طوله من أربعة إلى 30 قدماً. ولهذا يمكن اعتبار مدافع القضبان أنسب للسفن الحربية، ولهذا أيضاً لن نعثر على نسخة منها بحجم البندقية قريباً -بغض النظر عما تقترحه ألعاب الفيديو.
ثم تأتي بعد ذلك مشكلة حرارة المقاومة الكهربية التي يمكنها تدمير سطح القضبان. إذ تشكل الحرارة مشكلةً في الأسلحة الرشاشة منذ اختراعها، وظهر حل مبكر يتمثّل في تبريد السبطانة بالماء، بينما تمثّل الخيار الأفضل في استبدال السبطانة من أجل الحفاظ على انضباط النيران. ويجري استكشاف خيارات التبريد المناسبة للقضبان، لكن من المستبعد أن يعتمد أي جيش على سلاح لا يمكن إطلاق النيران منه بشكل متكرر دون تدمير منظومته.
يُذكر أن البحرية الأمريكية استثمرت على مدار العقد الماضي أكثر من 500 مليون دولار في برنامج مدفع القضبان الكهرومغناطيسي. وكان الهدف من المشروع هو تطوير سلاح يمكنه إطلاق المقذوفات بسرعات فرط صوتية تبلغ 4.500 ميل/ساعة ( 7.193 كلم/ساعة) أو أكثر أي تعادل 5.87 ماخ. ولن يكون هناك داعٍ لاحتواء المقذوف على متفجرات حتى يُلحق الضرر بالهدف نتيجة سرعته العالية، وكتلته، وطاقته الحركية.
لكن بعد سنوات التطوير المتعثر، لم يحقق المدفع الكهرومغناطيسي الفائق الذي أثار ضجة كبيرة سوى تقدمٍ محدود، ولا يزال عالقاً في مرحلة البحث والتطوير الآن بنسبةٍ كبيرة.
وتسعى الصين واليابان لإحراز تقدمٍ اليوم، لكننا لا نعلم ما إذا كان الحظ سيحالفهما في إتقان صنع هذه المنظومة أم لا. وفي الوقت الراهن، سيتعيّن علينا الاكتفاء باستخدام مدافع القضبان في ألعاب إطلاق النار من منظور الشخص الأول فحسب.