أعادت إيران نشر قواتها من الحرس الثوري في سوريا، ومستشاريها العسكريين هناك، وتغيير أماكنهم، على أثر الاستهدافات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة لهم، وذلك في مناطق نفوذها التي توسعت على مدار 12 عاماً من الحرب في البلاد، وانخراطها فيها مع الجماعات المسلحة المرتبطة بها.
نفوذ إيران توسّع بشكل كبير في سوريا، في أكثر من 574 موقعاً عسكرياً، منذ عام 2013، حين بدأت نشر قواتها وخبرائها وأسلحتها هناك، لا سيما في محافظة دير الزور شرقي سوريا، بالقرب من الحدود السورية العراقية، التي تبعد عن دمشق حوالي 450 كيلومتراً، بحسب ما أكده خبراء في المجال العسكري السوري وناشطون ميدانيون.
إعادة الانتشار العسكري
كشفت مصادر عسكرية سورية لـ"عربي بوست"، أنه جرى منذ مطلع فبراير/شباط 2024، تغيير أماكن إقامة عدد من الضباط الإيرانيين الذين يتبعون الحرس الثوري في سوريا في كل من العاصمة دمشق ودير الزور وحمص، على أثر الاستهدافات الأمريكية والإسرائيلية لهم.
إعادة الانتشار في العاصمة دمشق (جنوباً)، تركزت في مناطق السيدة زينب بريف دمشق ومنطقة المزة، تزامناً مع تراجع الأنشطة الأمنية والثقافية (الإيرانية) فيهما، إذ قامت العناصر التابعة للحرس الثوري بتغيير أماكنها في هذه المناطق.
أما في دير الزور (شرقاً)، فقالت مصادر عسكرية هناك لـ"عربي بوست"، إن إيران سحبت 3 ضباط فقط من قواتها من مواقعهم وسط المدينة إلى أماكن أخرى غير معلومة.
في محافظة حمص ومدينة تدمر (وسط البلاد)، عمدت إيران إلى تغيير مواقع قواتها العسكرية في المنطقة، تجنباً لاستهدافها، بعد التلويح الأمريكي بالتحضير لضربة عسكرية "مدروسة"، ضد القوات الإيرانية والجماعات العسكرية الموالية لها.
مناطق نفوذ إيران في سوريا
أوضح الباحث والخبير بشأن التموضع العسكري الإيراني في سوريا أحمد الخطابي، لـ"عربي بوست"، أن هناك نحو 574 موقعاً عسكرياً تنتشر فيها العناصر الإيرانية بصورة علنية وأخرى سرية على الساحة السورية.
تضم هذه المواقع أكثر من 80 ألف عنصر، نصفهم إيرانيون يتبعون الحرس الثوري في سوريا، والنصف الآخر يتبعون قوات مدعومة بشكل مباشر من طهران.
أبرز هذه الميليشيات: "حزب الله اللبناني، وحزب الله العراقي، ولواء فاطميون (الأفغاني)، ولواء زينبيون (الباكستاني)، وكتائب الإمام علي، وحركة النجباء (العراقية)، إضافة إلى كتائب الحيدريون، وهاشميون، وألوية القدس الباقر، وأبو الفضل العباس"، وتضم كل منها مقاتلين عراقيين وإيرانيين وسوريين.
دير الزور:
عن المواقع العسكرية الإيرانية بحسب المحافظات السورية، تأتي محافظة دير الزور (شرقاً)، كأكثر المحافظات حضوراً وانتشاراً للحرس الثوري والميليشيات الإيرانية المرتبطة بها، من حيث عدد المقاتلين والمواقع العسكرية.
يعود ذلك نظراً لأهميتها الاستراتيجية بالنسبة لإيران، لكونها نقطة الوصل الجغرافية الوحيدة لها بين سوريا والعراق، وبداية خط الإمداد البري لمواقع الميليشيات الإيرانية في العمق السوري وحزب الله اللبناني في لبنان، بحسب الخطابي.
تسيطر إيران كذلك بشكل كامل على المنطقة الواقعة غربي ضفة الفرات، من مركز مدينة دير الزور حتى مدينة البوكمال والميادين الواقعتين على الحدود السورية العراقية، بما في ذلك مطار دير الزور، من خلال نشر نحو 137 موقعاً عسكرياً إيرانياً ومعسكراً لتدريب المقاتلين الأجانب والمحليين.
محافظة حماة:
وفقاً للبيانات التي صدرت لعمليات القوات الموالية لإيران، فإن هناك 11 موقعاً رئيساً لها في محافظة حماة.
وسط حماة، توزعت في مناطق جورين، ومطار حماه، أما جنوباً في مناطق اللواء 47، ومعمل البصل بالسلمية، ومنطقة اثريا، وجبل زين العابدين، وجبل معرين، ورحبة خطاب.
أما جنوب غرب حماة، في كلية البحوث العلمية البيطرية وخطاب 15، وفي شمال غربي حماة، مركز البحوث العلمية في مصياف والشيخ غضبان شرق مصياف والزاوية شمال مصياف.
محافظة حمص:
أما في محافظة حمص سيطر الحرس الثوري في سورياخلال العاميين الماضيين (2022-2023) على كامل جبال شاعر ومنطقة تدمر بالكامل ومنطقة السخنة ومطار الشعيرات ومخازن منطقة مهين العسكرية شرقي حمص، ومدينة القصير ومطار الضبعة بريف حمص الغربي، بالتعاون مع "حزب الله اللبناني"، وصولاً إلى جبال القلمون المحاذية للبنان.
إدلب وحلب:
أنشأ الحرس الثوري في سوريا معسكرات رئيسية لقواتها في محافظة إدلب، في كل من:
مدن: خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب
بهدف التمسك بالطريق الدولي (M5)، مع نشر نحو 1800 مقاتل من القوات الموالية لإيران في عدد من المواقع الرئيسة في المدن والقرى الداخلية في محافظة إدلب، ضمن مناطق النفوذ الخاضعة لسلطة النظام السوري، منها منطقة معرة حرمة وكفرنبل.
ينسحب انتشار القوات الإيرانية في المحافظات السورية على محافظة حلب شمال سوريا.
إذ ضاعف الحرس الثوري في سوريا خلال الأشهر الأخيرة (عقب بدء الحرب الإسرائيلية على غزة) أعداد قواته وإنشاء مقار عسكرية جديدة في حلب وريفها، بحسب الناشط أيهم الحلبي، في تصريحاته لـ"عربي بوست".
أفاد بأن الحرس الثوري في سوريا أجرت سلسلة من التغيرات في مواضع وتمركز قواتها خلال الأشهر الأخيرة "لتفادي الضربات الجوية الإسرائيلية التي تصاعدت مع بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، التي تستهدف مواقع ميليشياتها العسكرية في مطار حلب الدولي وجبل عزان ومطار النيرب العسكري".
يعد جبل عزان جنوب حلب، المقر الرئيسي للحرس الثوري الإيراني والميليشيات الإيرانية المرتبطة بها في محافظة حلب، إلى جانب وجود مقار ومعسكرات إيرانية في مركز البحوث العلمية بالسفيرة وقاعدة دبسي عفنان ومسكنة شرقي حلب.
إضافة إلى الطريق البرية الواصلة بين مدينة حلب ومحافظة حماة (طريق خناصر)، لا سيما أن معظم ريف حلب الغربي المحاذي لمناطق سيطرة قوات المعارضة بما فيه منطقتي نبل والزهراء الشيعيتين، تخضع بشكل كامل للنفوذ الإيراني، بحسب ما أكده ناشطون ميدانيون هناك.
الجنوب السوري
في أعقاب عملية "المصالحة" التي أجراها النظام السوري وقوات المعارضة في ريف دمشق ومناطق جنوب سوريا (درعا وريف دمشق والقنيطرة)، عام 2018، سارعت إيران إلى التغلغل والتمدد في تلك المناطق، انطلاقاً من منطقة "السيدة زينب" التي سيطرت عليه إيران منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011 بحجة حماية مرقد السيدة زينب، الذي يبعد 10 كيلومترات جنوب العاصمة السورية.
منذ العام 2018 سيطرت إيران تباعاً على العديد من المناطق في جنوب دمشق، وأهمها منطقة الحجيرة وببيلا ويلدا والكسوة ونجها، وافتتحت فيها مراكز دينية وثقافية إيرانية، إضافة إلى معسكرات لتدريب المنتسبين من السوريين للميليشيات الموالية لها، بحسب مصادر ميدانية لـ"عربي بوست".
كما أنها سيطرت على سلسلة من المباني في منطقة المزة، وفي أحياء المهاجرون والمرجة، لمستشاريها العسكريين والقياديين للميليشيات المدعومة من إيران، وفقاً للخبير بالتوسع الإيراني في سوريا أحمد صالحاني في مدينة دمشق في حديثه لـ"عربي بوست".
رغم التحذيرات الإسرائيلية من التوغل الإيراني في مناطق الجنوب السوري (درعا والسويداء)، فإن الأخيرة تسيطر منذ سنوات على نحو 49 موقعاً عسكرياً في تلك المناطق متخفية برفع العلم السوري على مباني تلك المواقع، بحسب الناشط جودت العاسمي في محافظة درعا.
أضاف العاسمي لـ"عربي بوست"، أن إيران عززت تلك المواقع (عقب الحرب الإسرائيلية على غزة) بالعديد من الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وبأعداد كبيرة من المقاتلين الإيرانيين ومن حزب الله اللبناني، كقوة متقدمة وقريبة من الأراضي المحتلة لمواجهة "إسرائيل" في حال توسع رقعة الحرب في المنطقة إلى ما بعد غزة.
من جانبه، نشر مركز "جسور" دراسة جديدة، كشف فيها أنه تسيطر إيران على 82 موقعاً عسكرياً في الجنوب السوري، بعضها خاص بالحرس الثوري الإيراني، وبعضها يخضع لحزب الله اللبناني، والبعض الآخر مشترك بين القوتين وقوات النظام السوري.
بحسب الدراسة، فإن العدد الأكبر من هذه المواقع يتركز في محافظة درعا، حيث توجد 49 قاعدة ونقطة عسكرية، 17 منها لميليشيا حزب الله اللبناني، و8 مواقع للحرس الثوري الإيراني، وتشترك كِلتاهما في 18 موقعاً.
أما في محافظة السويداء، فإن الحرس الثوري في سوريا يسيطر على موقع عسكري واحد، بينما يشارك الأخير مع حزب الله اللبناني بالسيطرة على 3 مواقع، فيما ينفرد حزب الله اللبناني بالسيطرة على 8 مواقع تحتوي على كميات كبيرة من الأسلحة والصواريخ والمستشارين العسكريين الإيرانيين.
في القنيطرة، يتقاسم الحرس الثوري في سوريا وحزب الله اللبناني السيطرة على 27 موقعاً، 10 منها يسيطر عليها حزب الله، بينما يشترك مع الحرس الثوري الإيراني في 12 موقعاً، ويسيطر الحرس الإيراني على 5 مواقع بمفرده.
المطارات السورية التي تسيطر عليها إيران
كانت المطارات العسكرية لقوات النظام السوري من أهم الأهداف الإيرانية بالسيطرة عليها وتسخيرها لخدمة مصالحها، خلال وجودها وانتشارها على الأرض السورية.
خلال السنوات الأخيرة الماضية، بسطت إيران نفوذها على مطار دير الزور العسكري، ومطار النيرب العسكري في ريف حلب، ومطار حماة العسكري وسط سوريا، ومطار الضبعة بريف حمص الغربي، ومطار التيفور شرقها، ومطار خلخلة في ريف محافظة السويداء.
وأنشأت إلى جانب هذه المطارات قواعد عسكرية تضم مئات المقاتلين الإيرانيين والخبراء العسكريين، هي 8 قواعد عسكرية متخصصة بإطلاق الطائرات المسيرة.
- قاعدة التبني في بادية دير الزور.
- قاعدة السخنة شرقي حمص.
- قاعدة مصياف.
- قاعدة جورين بريف حماة الغربي.
- قاعدة معرة النعمان بريف إدلب.
- قاعدة بالقرب من مطار النيرب شرقي حلب.
- قاعدة بالقرب من مطار دمشق الدولي.
وذلك وفقاً لأحد الخبراء العسكريين في دمشق، طلب عدم كشف اسمه لحساسية الموضوع، موضحاً أن كل قاعدة من هذه القواعد المتخصصة بإطلاق المسيرات الإيرانية محاطة بمواقع عسكرية على مسافات مختلفة لحمايتها من أي هجمات برية، خاصة القواعد العسكرية في ريف دير الزور والسخنة شرقي حمص، التي تتعرض لهجمات فلول تنظيم الدولة "داعش".
في ديسمبر/كانون الأول 2023، افتتحت إيران محطة "T2" في منطقة البوكمال في محافظة دير الزور، لتدريب المقاتلين الإيرانيين، وآخرين من جنسيات أفغانية وباكستانية شيعة خبراء من حزب الله اللبناني، على استخدام المسيرات الإيرانية من طراز "أبابيل – 3" و "شاهد 113″، بحسب شبكة "ديرالزور 24" المحلية.
طريق إمداد الحرس الثوري في سوريا وعبور المستشارين
أفاد الرائد مصعب الحسين وهو ضابط منشق عن قوات النظام السوري في تصريح خاص لـ"عربي بوست"، بأن "محافظة دير الزور تُعدّ المستودع الأول للأسلحة والصواريخ الإيرانية المتدفقة إلى سوريا، لدعم ميليشياتها على امتداد مناطق نفوذ القوات الإيرانية والنظام السوري".
أضاف أن مطاري دمشق وحلب الدوليين يعدان خطوط الإمداد العسكري الإيراني الجوي، وتعرضا مؤخراً لاستهداف الاحتلال الإسرائيلي، لقتل الخبراء العسكريين الإيرانيين.
بحسب الرائد، فإن الاستهداف الإسرائيلي دفع إيران إلى البدء باعتماد خط بري لتنقل المستشارين والمقاتلين من بين إيران وسوريا.
الخط البري بحسب المتحدث، "يبدأ من منطقة القائم العراقية بالقرب من منطقة البوكمال السوري، مروراً ببادية دير الزور وبادية السخنة، وتدمر في محافظة حمص وسط سوريا".
من تدمر "تتفرع الإمدادات بحسب وجهتها إلى عمق المناطق السورية والقسم الأكبر منها إلى حزب الله اللبناني ومواقع انتشارها، بدءاً من محافظة حمص والحدود السورية اللبنانية مروراً بجبال القلمون بريف دمشق وصولاً إلى مناطق جنوب دمشق والجنوب السوري".
مستودعات الأسلحة
بحسب المصدر العسكري ذاته، فقد سعت إيران خلال السنوات الأخيرة الماضية إلى إنشاء مستودعات لتخزين الأسلحة في مستودعات "مهين" العسكرية بريف حمص الشرقي، ومستودعات دير شميل ومركز البحوث العلمية في منطقة مصياف بريف حماة الغربي 220 كيلو متر شمال دمشق.
إلا أن الغارات الجوية الإسرائيلية خلال السنوات الماضية ضد هذه المستودعات والمخازن، دفع إيران إلى تغيير مواقع التخزين في جبل براق ومركز البحوث العلمية في جنوب حماة ومنطقة القصير ومطار الضبعة بحماية خاصة من حزب الله اللبناني بريف حمص الغربي.
لكن الضابط المنشق من النظام السوري، أشار إلى أن المواطنين السوريين في تلك المناطق التي تسيطر عليها القوات الموالية لإيران، يخشون القصف الانتقامي الأمريكي بعد ضرباتها على قواعد التحالف الدولي في مناطق التنف ودير الزور والأردن مؤخراً.
أوضح أن حالة خوف تعود إلى انتشار مئات المواقع العسكرية الإيرانية وميليشياتها في وسط المدن والبلدات المأهولة بالسكان.
يشار إلى أن واشنطن تشن هجمات على المستشارين الإيرانيين والقوات الموالية لطهران، رداً على هجماتها الأخيرة ضد القواعد الأمريكية في كل من سوريا والعراق.
الجمعة 2 فبراير/شباط 2024، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم"، "شن ضربات انتقامية في العراق وسوريا ضد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وميليشيات موالية له، استهدفت منشآت عمليات القيادة والسيطرة ومراكز الاستخبارات والصواريخ والقذائف ومخازن الطائرات المُسيرة، والمرافق اللوجستية وسلسلة توريد الذخيرة"، وفق بيان لها.
الضربة الأقوى التي تلقتها واشنطن، كانت قبل أيام، عند الحدود السورية الأردنية، حيث أعلنت القيادة المركزية الأمريكية، في بيان الأحد 4 فبراير/شباط 2024، مقتل 3 جنود أمريكيين وإصابة 25 آخرين في هجوم بطائرة مسيرة ضرب قاعدة شمال شرق الأردن قرب الحدود مع سوريا، محملة "المقاومة الإسلامية في العراق" المدعومة من إيران، مسؤولية الهجوم.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.