تشعر الولايات المتحدة الأمريكية بالقلق من النفوذ العالمي المتنامي للصين، لكن عندما بدأ الحوثيون في اليمن مهاجمة سفن الشحن الإسرائيلية والأمريكية في البحر الأحمر بالصواريخ والطائرات المُسيّرة، منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، استمر المسؤولون الأمريكيون في حث الصين على "تحمّل بعض مسؤوليات القوة العظمى، من خلال المساعدة في حل أزمة حقيقية بالمنطقة".
تقول مجلة The Economoist البريطانية إن مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، حاول إقناع وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، على مدار 12 ساعة من الاجتماعات يومي 26 و27 يناير/كانون الثاني في بانكوك، بأنَّ نفوذ الصين يمكن الاستفادة منه في وقف الهجمات التي تهدد أحد الشرايين الرئيسية للتجارة العالمية.
ومع ذلك، تنظر الصين إلى مسؤولياتها من منظورٍ مختلف تماماً، لا تريد بكين استعراض عضلاتها في الشرق الأوسط، وترى أنَّ أمن المنطقة بات مستنقعاً بفعل أمريكا، لذا تستغل الصين هذه الفرصة للتعبير عن التضامن مع العالم العربي، كما تقول الإيكونومست.
ما الذي تمثله خطوط الشحن في البحر الأحمر بالنسبة للصين؟
بالتأكيد، الأمن في المنطقة هو أمر مهم للصين، في عام 2021 عندما أغلقت سفينة حاويات ضخمة قناة السويس لمدة 6 أيام بالقرب من مدخلها إلى البحر الأحمر، قدَّرت وزارة التجارة الصينية أنَّ 60% من صادرات البلاد إلى أوروبا كانت تستخدم هذا المسار.
يقول الحوثيون إنَّ هجماتهم تستهدف سفناً مرتبطة بإسرائيل التي تشن حرباً مدمرة ضد الفلسطينيين غزة.
في 3 ديسمبر/كانون الأول، أصيبت سفينة حاويات تابعة لشركة "أورينت أفرسيز لخطوط الحاويات (oocl)"، وهي شركة صينية مقرها هونغ كونغ، بصاروخ أُطلق من طائرة مُسيَّرة. كانت هناك تكهنات بأن الحوثيين اعتمدوا على معلومات قديمة بشأن السفينة، التي استأجرتها شركة إسرائيلية في وقتٍ سابق.
رغم تأكيد الحوثيين أنَّ السفن الصينية والروسية وغيرها ستتمتع بعبور آمن في البحر الأحمر يشمل جزء كبير من التجارة البحرية في الصين سفناً مسجلة في دولٍ أخرى. تضطر العديد من سفن الشحن الآن إلى تحويل مسارها باتجاه طريق رأس الرجاء الصالح لتجنّب الملاحة عبر البحر الأحمر، وهو ما يزيد كثيراً من تكاليف الشحن والتأمين.
هذه مشكلة الأمريكيين
ومع ذلك، تفضل الحكومة الصينية البقاء خارج هذه الأزمة، تجنّبت البحرية الصينية المشاركة في التحالف العسكري متعدد الجنسيات المعروف باسم "حارس الازدهار" الذي تقوده الولايات المتحدة للرد على هجمات الحوثيين ضد السفن المتجهة إلى إسرائيل.
تقول وسائل إعلام رسمية صينية إنَّ البحرية الصينية قررت مرافقة سفن الشحن التجاري التابعة لبلادها في البحر الأحمر. تتمتع الصين حقاً بخبرة كبيرة في مثل هذه المهام، إذ كانت سفنها الحربية تساعد منذ عام 2009 في حماية الشحن التجاري في خليج عدن من هجمات القراصنة الصوماليين.
تعتقد الولايات المتحدة أنَّ إيران تشجع الحوثيين، وأنَّ الصين- التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع الحكومة في طهران- تستطيع المساعدة في إقناع إيران بالضغط على الحوثيين لوقف هجماتهم في البحر الأحمر. وفقاً لمسؤول أمريكي كبير، أكَّد سوليفان على وجهة النظر هذه خلال اجتماعه مع وانغ في بانكوك.
أفادت وكالة أنباء "رويترز" أنَّ المسؤولين الصينيين قد طلبوا بالفعل من نظرائهم الإيرانيين كبح جماح الحوثيين، في رسالة صينية مفادها أنَّه "إذا تضررت مصالحنا بأي شكل من الأشكال، فسوف يؤثر ذلك على علاقاتنا مع طهران". من جانبه، أوضح المسؤول الأمريكي أنَّ الصين أكّدت تباحثها مع إيران بشأن الهجمات في البحر الأحمر، قائلاً: "لكننا بالتأكيد سننتظر لرؤية النتائج قبل الإدلاء بمزيد من التعليقات".
نجاح الدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط
تحب الصين تقديم نفسها باعتبارها قوة معتدلة قادرة على المساعدة في نشر السلام في منطقة الشرق الأوسط وأماكن أخرى. في عام 2022، كشف الرئيس الصيني، شي جين بينغ، عن "مبادرة الأمن العالمي" التي كانت تهدف بوضوح إلى حشد الدعم والاصطفاف إلى جانب الصين، لاسيما بين الدول المستاءة من الهيمنة الأمريكية، من خلال رؤية مفادها أنَّ الصراعات سوف تنحسر إذا ركزت الدول على بناء اقتصاداتها. دعت المبادرة الصينية إلى "مقاومة فكر الحرب الباردة ومناهضة السعي من أجل تحقيق أمن دولة ما على حساب أمن دول أخرى". تمثل أهداف المبادرة الرؤية الصينية القياسية للسلوك الأمريكي.
حظيت مبادرة الأمن العالمي بترحيب كبير في بكين، رغم كونها لم تأتِ بجديد من حيث الفكرة والأهداف. في مارس/آذار من العام الماضي، أظهرت الصين انتصارها لأهداف مبادرتها في الشرق الأوسط، حيث توسطت في اتفاق شهد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بعد قطيعة دامت 7 سنوات. في الواقع، كانت هذه الخطوة انتصاراً سهل المنال.
يقول جوناثان فولتون، الباحث في "المجلس الأطلسي"، وهو مركز أبحاث أمريكي: "أعتقد الذهاب إلى الصين جاء من منطلق الحصول على ختم موافقة تلك القوة العظمى على نهاية الاتفاق". بناءً عليه، من الصعب توقع امتلاك الصين نفس السحر والجاذبية في أزمات أخرى.
أمريكا تأمل أن تتدخل الصين لتنقذها
تواجه الآمال الأمريكية بشأن قدرة الصين على المساهمة في إنهاء الأزمة الحالية عدة عقبات. تتمثَّل أولى هذه العقبات في استعداد الصين لاستخدام ما سمّاه المسؤول الأمريكي "نفوذها الكبير" في إيران، التي تُصدّر نحو 90% من نفطها إلى الصين.
تكمن العقبة الأخرى في أنَّ إيران تزود الحوثيين بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية، لكن قدرتها على السيطرة عليهم قد تكون محدودة. تقول دينا اسفندياري من "مجموعة الأزمات الدولية"، وهي مؤسسة فكرية غير ربحية مقرها بروكسل: "تعززت قوة الحوثيين بفضل إيران، وهو ما يمنحها قدراً محدوداً من التحكم في قراراتهم".
على الجانب الآخر، تبذل الصين القليل من الجهد في محاولة تحقيق السلام في غزة، لأنَّها تفتقر إلى النفوذ اللازم لإنجاز الكثير في هذا الصدد. في الوقت نفسه، تبنّت وسائل الإعلام الرسمية الصينية بث التغطية التي تتهم أمريكا بتأجيج الصراع. قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي بوضوح إنَّ مجلس الأمن الدولي لم يأذن بتنفيذ الضربات الأمريكية والبريطانية في اليمن.
وفقاً لمعهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسة العامة "American Enterprise Institute"، سيكون لدى الصين الكثير لتخسره إذا توسّع نطاق الصراع في المنطقة. استثمرت الشركات الصينية أكثر من 20 مليار دولار في العديد من الدول المطلة على البحر الأحمر، لاسيما في مصر والمملكة العربية السعودية. علاوة على ذلك، تستورد الصين أكثر من 70% من استهلاكها من النفط، نصفه تقريباً يأتي من الشرق الأوسط.
لكن يبدو أنَّ الصين تعتقد حالياً أنَّ التهديد القادم من الحوثيين يمكن احتماله. أعلنت شركة الشحن الصينية المملوكة للدولة "كوسكو" عدم توجه سفنها إلى إسرائيل. تحاول السفن حماية نفسها من هجمات الحوثيين من خلال توضيح الارتباط مع الصين في أنظمة التعريف الآلية الخاصة بها المعروفة بـ"AIS". بحلول أواخر يناير/كانون الثاني، وجد محللو شركة "Spire Global" المعنية بتوفير البيانات والتحليلات أنَّ أكثر من 30 سفينة يومياً كانت تعلن عن مثل هذا الارتباط أثناء إبحارها في البحر الأحمر.