يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واحداً من أصعب القرارات السياسية في حياته المهنية الطويلة، حول خطط حكومته لقطاع غزة، وهو حتى الآن يتهرب من هذا. وهذا أمر محرج سياسياً بشكل خاص بالنسبة لنتنياهو، لأن أي إجابة من شأنها أن ترضي خصومه الإسرائيليين وشركاءه الدوليين الرئيسيين، خاصة الولايات المتحدة، وتخاطر أيضاً بتفجير ائتلافه الحاكم وإنهاء قبضته على السلطة.
نتنياهو عاجز عن تحقيق "نصر حاسم" في غزة
تقول صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، إن الولايات المتحدة والحكومات العربية الرئيسية تريد أن تشرف السلطة الفلسطينية، التي تدير أجزاء من الضفة الغربية، على غزة. ويُعد هذا لعنة بالنسبة لكثير من أعضاء حزب الليكود اليميني، الذي يتزعمه نتنياهو -وخاصة بالنسبة لشركائه في الائتلاف اليميني المتطرف، الذين يريدون أن تعيد إسرائيل احتلال غزة وإعادة استيطانها.
وترفض وزارة الحرب الإسرائيلية ذلك قائلةً إن الفلسطينيين يجب أن يديروا غزة. فهي تريد أن تُفعَّل الخطة في أقرب وقت ممكن، خشية أن تتراجع الإنجازات التي تحققت في المجهود الحربي بسبب الفراغ السياسي في غزة الذي يسمح لحماس بإعادة تأكيد نفسها.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت مؤخراً: "قد يلحق التردد السياسي الضرر بتقدم العملية العسكرية"، معرباً عن إحباطه إزاء الافتقار إلى المناقشة داخل الحكومة حول ماهية الخطة، بما يتجاوز التدمير الفعلي لحماس، حسب تعبيره. وقال: "من واجب مجلس الوزراء والحكومة مناقشة الخطة… وتحديد الهدف"، مضيفاً أن العمل العسكري يحتاج إلى سياسة لتوجيهه.
تردد نتنياهو يجعله عاجزاً عن تحقيق أي إنجاز في غزة
بالنسبة لنتنياهو، فإن الضغط من أجل اتخاذ قرار بشأن مستقبل غزة هو أكبر اختبار حتى الآن لمحاولته الحفاظ على مسيرته السياسية المثيرة للجدل، حيث يضع نتنياهو مصلحة بقائه في منصبه فوق أي اعتبار آخر، لذلك لا توجد لديه خطة للغد.
وأصبح رئيس الوزراء الإسرائيلي، البالغ من العمر 74 عاماً، الزعيم الأطول خدمة في البلاد من خلال التركيز على الأمن، لكنه كان مسؤولاً عن أسوأ فشل أمني لإسرائيل على الإطلاق منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وتحوَّل الرأي العام بشكل حاد ضده. يعتمد حكم نتنياهو على تجنب إجراء انتخابات مبكرة والحفاظ على أغلبيته البرلمانية الضيقة. وقد تعهد بالبقاء في منصبه حتى يقود إسرائيل إلى "النصر الكامل" على حماس على حد زعمه. ويقول المحللون الإسرائيليون إن أمل نتنياهو هو تحقيق "نصر واضح"، وهو أمر ما زال بعيد المنال بشكل كبير.
لكن المسؤولين الحاليين والسابقين يحذرون من أن تردد نتنياهو يجعل من الصعب كسب الحرب. في الأسبوع الماضي، كتب 43 من كبار المسؤولين السابقين في الجيش وأجهزة المخابرات الإسرائيلية إلى رئيس الدولة، الرئيس إسحاق هرتسوغ، مطالبين بإقالة نتنياهو من منصب رئيس الوزراء. وقالت الرسالة، التي ضم الموقعون عليها العديد من قادة الاستخبارات والأمن الذين عملوا في عهد نتنياهو، إنه "يشكِّل خطراً واضحاً وقائماً" على إسرائيل، ويرجع ذلك جزئياً إلى رفضه تحديد الأهداف السياسية للحرب.
وجاء في الرسالة أن "نتنياهو، حتى في هذه الساعة المظلمة من أخطر أزمة في تاريخ إسرائيل، يحاول الهروب من المساءلة العامة ويتشبث بالسلطة".
ما الذي تريده المؤسسة العسكرية من غزة؟
تقول وول ستريت جورنال، لن يجد أي زعيم إسرائيلي حلولاً لاستبدال حماس باعتبارها القوة المهيمنة في غزة. ويُنظَر إلى السلطة الفلسطينية، التي تحكم حالياً أجزاءً من الضفة الغربية، على أنها فاسدة جداً وبحاجة إلى إصلاحات على المستوى الدولي. ولا تحظى هذه السلطة بشعبية بين الفلسطينيين، ولا يثق بها الإسرائيليون الذين يرون أنها "متساهلة مع المسلحين الفلسطينيين" رغم تعاونها الأمني.
ويعتقد الجيش الإسرائيلي أن المجهود الحربي في غزة يحتاج بشكل عاجل إلى "سلطة مدنية" تتحكم بها إسرائيل، وإدارة ما يقرب من مليوني نازح، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين. ويقول مسؤولون ومحللون إن تزايد عدد اللاجئين في منطقة متقلصة في جنوب غزة، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، "يعقد إلى حد كبير جهود القوات الإسرائيلية لهزيمة حماس هناك" على حد زعمهم.
وتحث الولايات المتحدة والمملكة السعودية ومصر على التوصل إلى اتفاق بشأن من سيحكم غزة بعد الحرب، بما في ذلك الإشراف على إعادة إعمارها.
وفي غياب إستراتيجية واضحة، يحذر المسؤولون العسكريون الإسرائيليون من أن حماس تحاول بالفعل إعادة تجميع صفوفها في مدينة غزة شمال القطاع، حيث سحبت إسرائيل عدة ألوية بعد احتلال المنطقة أواخر العام الماضي. وشنت القوات الإسرائيلية هذا الأسبوع عملية أخرى ضد حماس في أجزاء من مدينة غزة، كانت قد انسحبت منها سابقاً.
قال نتنياهو إن الهدف من الغزو الإسرائيلي لغزة هو "القضاء على حماس"، وتحرير ما يقرب من 130 أسيراً إسرائيلياً لا تزال حماس تحتجزهم في القطاع، وضمان عدم استخدام القطاع أبداً لمهاجمة إسرائيل مرة أخرى كما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ويريد شركاؤه في الائتلاف اليميني المتطرف أن تقوم إسرائيل بإعادة احتلال غزة وبناء المستوطنات هناك -وهي خطة غير مقبولة لشركاء إسرائيل الدوليين، وخاصة أمريكا والدول العربية التي تأمل إسرائيل أن تمول إعادة إعمار القطاع.
وتصر الولايات المتحدة والمملكة السعودية ومصر على أن السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها يجب أن تشرف على غزة بعد حماس. وعرض السعوديون استئناف المحادثات التي تدعمها الولايات المتحدة والتي تهدف إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وإسرائيل -وهو الهدف الذي يدعمه نتنياهو- إذا وافقت إسرائيل على عملية تهدف إلى إنشاء دولة فلسطينية. وتقول الولايات المتحدة إن الصراع المستمر منذ قرن من الزمان لا يمكن حله دون دولة فلسطينية.
ماذا يريد نتنياهو وشركاؤه المتطرفون؟
ويعارض شركاء نتنياهو اليمينيون المتطرفون في الائتلاف، فضلاً عن قسم كبير من حزب الليكود اليميني، بشدة إشراك السلطة الفلسطينية في إدارة غزة وإقامة دولة مستقبلية للفلسطينيين.
ورفض نتنياهو بشدة فكرة إقامة دولة فلسطينية في 18 يناير/كانون الثاني، وقال في مؤتمر صحفي إن إسرائيل يجب أن تحتفظ "بالسيطرة الأمنية" على غزة والضفة الغربية لمنع أي هجمات في المستقبل.
واقترح الجيش الإسرائيلي العمل مع المدنيين في غزة الذين يتمتعون بمكانة جيدة في مجتمعهم ولا ينتمون إلى حماس. وطرح بعض المسؤولين الحكوميين أفكاراً مماثلة. لكن أعضاء آخرين في الحكومة يقولون إنه لا يمكن العثور على الأشخاص المناسبين.
ويقول بعض أعضاء الحكومة اليمينية المتطرفة إن الجيش الإسرائيلي هو القوة البديلة الوحيدة لحماس في غزة. لكن الجيش يكره إعادة احتلال غزة، التي انسحبت إسرائيل منها في عام 2005 بسبب ضراوة المقاومة هناك.
ماذا يريد غانتس؟
وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه لا يوجد خيار يحظى بشعبية لدى الإسرائيليين. ومع ذلك، يقول المحللون السياسيون إن دور أي رئيس وزراء هو اتخاذ قرارات لا تحظى بشعبية في وقت الأزمات، وشرح لماذا تتطلب المصلحة الوطنية ذلك.
وإذا أُجرِيَت الانتخابات الآن، تشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب الوحدة الوطنية بزعامة بيني غانتس سيهزم حزب الليكود بزعامة نتنياهو بسهولة. ولم يدع غانتس العمل مع السلطة الفلسطينية والعمل من أجل إقامة دولة فلسطينية، لكنه في الوقت نفسه لم يستبعد ذلك.
ويُنظَر إلى غانتس، الذي انضم إلى حكومة الحرب الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، على نطاق واسع على أنه أكثر مرونة من نتنياهو. وهاجم نتنياهو غانتس لكونه غامضاً. ولن يشمل الائتلاف الذي قد يقوده غانتس الأحزاب اليمينية المتطرفة التي قيدت نتنياهو.