توقفت مصانع سيارات في بلجيكا وألمانيا عن العمل. وتأخرت خطوط إنتاج أزياء الربيع في متجر بريطاني شهير. ولا تعرف شركة أمريكية لتصنيع مستلزمات المستشفيات متى تتوقع الحصول على قطع الغيار اللازمة من آسيا، كل ذلك بسبب تأثير أزمة البحر الأحمر على التجارة الدولية.
ووجهت الهجمات على السفن في البحر الأحمر صدمة جديدة لحركة التجارة العالمية، تفوقت في بعض النواحي على الاختناقات المرورية المرتبطة بالوباء في الموانئ والحرب الروسية الأوكرانية، حسبما ورد في تقرير لوكالة The Associated Press الأمريكية.
إذ يهاجم الحوثيون في اليمن سفن الشحن التي تبحر في المياه التي تربط آسيا بأوروبا والولايات المتحدة؛ سعياً لوقف الحرب الإسرائيلية على غزة؛ مما يجبر السفن على الابتعاد عن قناة السويس والطواف حول أفريقيا. ويتسبب هذا الاضطراب في تأخير الشحنات وارتفاع التكاليف ــ في وقت لا يزال يتعين فيه على العالم أن يتغلب على عودة التضخم.
تأثير أزمة البحر الأحمر يتفاقم بسبب تقييد المرور بقناة بنما
وقال ريان بيترسن، الرئيس التنفيذي لشركة Flexport لإدارة سلاسل التوريد: "ما يحدث الآن هو فوضى قصيرة المدى، والفوضى تؤدي إلى زيادة التكاليف. كل سفينة تُغيِر مسارها تحتوي على 10000 حاوية. وهذه عبارة عن الكثير من رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية التي تضطر الشركات لإجرائها لإعادة التخطيط لكل رحلة من رحلات الحاويات تلك".
ومما يزيد من حالة الهرج والمرج في قطاع الشحن العالمي ما يطلق عليه بيترسن "الضربة المزدوجة"، فالمرور عبر ممر تجاري مهم آخر ــ قناة بنما ــ مقيد بسبب انخفاض مستويات المياه إثر الجفاف. وتحتاج شركات الشحن إلى نقل البضائع سريعاً قبل إغلاق المصانع الصينية أبوابها خلال عطلة رأس السنة القمرية الجديدة في الفترة من 10 إلى 17 فبراير/شباط.
التضخم العالمي قد يرتفع بمقدار 2 % لو طالت الحرب لمدة عام
ويتزايد تأثير أزمة البحر الأحمر على الاقتصاد العالمي تزايداً كبيراً كلما طال أمد الحرب في غزة. ويقول بيترسن إنَّ تعطيل حركة التجارة عبر البحر الأحمر لمدة عام قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم في أسعار السلع بنسبة تصل إلى 2%؛ وبالتالي إلى زيادة المعاناة في الوقت الذي يعاني فيه العالم بالفعل من ارتفاع أسعار البقالة والإيجارات وغيرها. وقد يعني ذلك أيضاً ارتفاع أسعار الفائدة؛ وبالتالي إضعاف الاقتصادات.
وعادةً ما تحصل شركة Man & Machine، التي تنتج لوحات المفاتيح لأجهزة المستشفيات، على شحنة من مكونات التصنيع مرة واحدة تقريباً في الشهر، لكن الشحنة الأخيرة، التي غادرت آسيا قبل أربعة أسابيع، تأخرت، بسبب إغلاق الطريق الطبيعي عبر قناة السويس، الذي يستغرق ثلاثة أسابيع.
ولم تنجح عملية إعادة التوجيه إلى قناة بنما أيضاً، حيث تعثرت الشحنة بسبب الفوضى المرتبطة بالجفاف. أما الآن، فقد يتعين عليها عبور المحيط الهادئ إلى لوس أنجلوس بالساحل الغربي الأمريكي، ثم الوصول إلى ولاية ميريلاند بشرق الولايات المتحدة بالشاحنة أو القطار. وليس لدى الشركة أية فكرة عن موعد وصول المنتجات.
وقال مؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي كليفتون بروماند: "هذا أمر مزعج، ومثير. لكن أعتقد أنَّ عملاءنا يتفهمون؛ فهذا ليس شيئاً كان من الممكن التخطيط مسبقاً له، فمن كان يعلم ما سيحدث. هذا مجرد مصدر إحباط آخر".
تسلا تغلق مصنعها لمدة عام
وتشهد الصناعات الأخرى متاعب مماثلة بسبب أزمة البحر الأحمر .
فقد اضطرت شركة صناعة السيارات الكهربائية تسلا إلى إعلان إغلاق مصنعها بالقرب من برلين من يوم الإثنين، 29 يناير/كانون الثاني، إلى 11 فبراير/شباط؛ بسبب تأخير الشحنات. وأوقفت شركة السيارات السويدية المملوكة للصين فولفو خط تجميعها في مدينة غنت ببلجيكا، حيث تنتج سيارات ستيشن واغن وسيارات الدفع الرباعي، لمدة ثلاثة أيام هذا الشهر أثناء انتظار جزء رئيسي في تصنيع ناقل الحركة.
وتوقف الإنتاج في مصنع شركة Suzuki Motor في المجر لمدة أسبوع بسبب التأخير في الحصول على المحركات وأجزاء أخرى من اليابان (ومنتجات هذا المصنع تصل لبعض الدول العربية).
كما حذرت سلسلة متاجر التجزئة البريطانية Marks & Spencer من أنَّ الاضطراب سيؤدي إلى تأخير مجموعات الملابس لفصل الربيع والسلع المنزلية الجديدة التي كان من المقرر تسليمها في فبراير/شباط ومارس/آذار. وقال الرئيس التنفيذي ستيوارت ماشين إنَّ مشكلة البحر الأحمر "تؤثر في الجميع وهو أمر نركز عليه بشدة".
40% من ملابس أوروبا تمر عبر البحر الأحمر
وقال ستيف لامار، الرئيس التنفيذي للجمعية الأمريكية للملابس والأحذية، إنَّ ما يقرب من 20% من الملابس والأحذية المستوردة إلى الولايات المتحدة تصل عبر قناة السويس. أما بالنسبة لأوروبا، فإنَّ التأثير أكبر؛ إذ تعبر 40% من وارداتها من الملابس و50% من الأحذية البحر الأحمر.
وأوضح لامار: "أزمة البحر الأحمر لها آثار على قطاع الشحن البحري في العالم بأكمله".
واعتباراً من 19 يناير/كانون الثاني، تقول شركة Flexport، إنَّ ما يقرب من 25% من حركة الشحن العالمية ستتخذ طريقاً آخر غير البحر الأحمر؛ مما يضيف آلاف الأميال وأسبوعاً أو أسبوعين إلى زمن الرحلات.
تكلفة الشحن زادت ما يقرب من أربع مرات
وارتفعت تكلفة شحن حاوية قياسية طولها 40 قدماً (12.91 متر) من آسيا إلى شمال أوروبا من أقل من 1500 دولار في منتصف ديسمبر/كانون الأول إلى ما يقرب من 5500 دولار، أزمة البحر الأحمر ، ويعد نقل البضائع الآسيوية إلى البحر المتوسط أكثر تكلفة: إذ وصل إلى ما يقرب من 6800 دولار، ارتفاعاً من 2400 دولار في منتصف ديسمبر/كانون الأول، وفقاً لمنصة حجز الشحن Freightos.
لكن الأمور قد تكون أسوأ. ففي ذروة عمليات الخطط الاحتياطية لفك الاختناق على سلسلة التوريد قبل عامين، وصلت تكلفة شحن حاوية من آسيا إلى شمال أوروبا إلى 15 ألف دولار، ونحو 14200 دولار لنقل حاوية من آسيا إلى البحر المتوسط.
هل الوضع أسوأ من أزمة سلاسل التوريد في عامي 2021 و2022؟
وقالت كاثرين روس، الخبيرة الاقتصادية بجامعة كاليفورنيا في ديفيس: "فيما يتعلق باضطرابات سلسلة التوريد، فإننا لسنا قريبين حتى من الوضع الذي ساد أثناء الوباء".
ففي عامي 2021 و2022، انطلق المستهلكون الأمريكيون، المدفوعون بارتباكات عملية الإغلاق الناجمة عن "كوفيد-19" والمسلحين بشيكات الإغاثة الحكومية، في فورة من الإنفاق على الأثاث والمعدات الرياضية والسلع الأخرى. وأرهقت طلباتهم المصانع والموانئ وساحات الشحن؛ مما أدى إلى التأخير والعجز في سد الطب وارتفاع الأسعار.
لكن الأمور مختلفة الآن. وبعد الفوضى التي شهدتها سلسلة التوريد، وسعت شركات الشحن أساطيلها، وصارت تمتلك المزيد من السفن للتعامل مع أية صدمات.
وفي هذا الصدد، علّق جودا ليفين، رئيس الأبحاث في شركة Freightos: "السوق في حالة من سعة الشحن الفائضة، وهو أمر جيد. إذ يؤدي ذلك إلى قدرة كافية لاستيعاب الاضطراب الناجم من أزمة البحر الأحمر ".
إضافة إلى ذلك، تباطأ الطلب العالمي – ويرجع ذلك جزئياً إلى قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنوك المركزية الأخرى برفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم، والجزء الآخر إلى تعثر الاقتصاد القوي في الصين. وقد انخفض التضخم خلال العام ونصف العام الماضيين، على الرغم من أنه لا يزال أعلى مما تريده البنوك المركزية.
وقالت الخبيرة الاقتصادية كاثرين روس، التي عملت مستشاراً اقتصادياً للبيت الأبيض في إدارة أوباما: "هناك بالفعل قوى كبيرة تعمل على خفض التضخم. ومن الصعب أن نرى أنَّ أزمة البحر الأحمر واضطرابات حركة الشحن الناجمة عنها قد تفسد بدرجة كبيرة انخفاضات التضخم التي نشهدها بما يتجاوز نحو عُشر نقطة مئوية".
وتقول العديد من الشركات إنها لم تشهد بعد تأثيراً ملموساً.
على سبيل المثال، قالت شركة سلاسل التجزئة Target إنَّ معظم منتجاتها لا تمر عبر قناة السويس، مضيفة: "واثقة في قدرتنا على تزويد عملائنا بالمنتجات التي يريدونها ويحتاجونها".
وقالت شركة BMW: "إمدادات مصنعنا آمنة". وقالت شركة الأسمدة النرويجية العملاقة Yara إنها "لم تتأثر إلا تأثراً طفيفاً فقط بتحديات العبور في البحر الأحمر".
ومع ذلك، قد لا تدوم فترة الراحة. إذ حذر بيترسن، الرئيس التنفيذي لشركة Flexport، من أنه إذا تجنبت شركات الشحن المرور في قناة السويس لمدة عام، "فهذا أمر جلل"؛ لأنَّ التكاليف الزائدة ستؤدي إلى "تضخم السلع بنسبة 1 إلى 2%".
المشكلة الكبرى قد تحدث في تجارة الحبوب التي تذهب لأفريقيا
وحذر جان هوفمان، خبير الشحن البحري التابع للأمم المتحدة، يوم الخميس 25 يناير/كانون الثاني، من أنَّ أزمة البحر الأحمر تشكل خطراً على الأمن الغذائي العالمي من خلال إبطاء توزيع الحبوب إلى أجزاء من أفريقيا وآسيا، التي تعتمد على شحنات القمح من أوروبا ومنطقة البحر الأسود.
بل إنَّ الأمر قد يكون أسوأ إذا اتسع نطاق الصراع في الشرق الأوسط وأدى إلى ارتفاع أسعار النفط، التي انخفضت الآن لأقل مما كانت عليه قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول.