علم "عربي بوست"، من مصادر إيرانية مطلعة، أن هناك توتراً وانعدام ثقة متزايداً من القيادات الإيرانية بكل من روسيا والنظام السوري، على إثر الاغتيالات الإسرائيلية التي استهدفت قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا في الآونة الأخيرة، رابطة بين الغضب الإيراني وإقالة القيادي الأمني السوري علي مملوك من منصبه.
كشفت كذلك عن أن مسؤولين إيرانيين قاموا بإعادة تقييم لوضع القوات الإيرانية في سوريا، وإبلاغ دمشق وموسكو بشكوكهم بتسريب معلومات قادة الحرس الثوري الإيراني المتواجدين في سوريا إلى "إسرائيل".
يأتي ذلك على إثر اغتيال الاحتلال الإسرائيلي في نهاية عام 2023 قائداً بارزاً بالحرس الثوري الإيراني، في العاصمة السورية دمشق، العميد سيد رضي موسوي، الذي كان يُعدّ الذراع اليمنى قاسم سليماني، الذي اغتالته أيضاً الولايات المتحدة مطلع عام 2020.
في 20 يناير/كانون الثاني 2024، قام الاحتلال أيضاً بقصف مبنى سكني في دمشق، وقُتل على إثره 5 من قادة الحرس الثوري الإيراني، من بينهم رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني في سوريا.
شكوك إيرانية كبيرة بدمشق
بعد اغتيال 5 قادة إيرانيين من الحرس الثوري الإيراني في سوريا في وقت سابق من شهر يناير/كانون الثاني 2024، زادت شكوك طهران تجاه احتمالية قيام عناصر في الأجهزة الأمنية السورية بتسريب معلومات تخص أماكن تواجد قادة الحرس الثوري على الأراضي السورية، وخط سيرهم.
في هذا الصدد، قال مصدر أمني من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لـ"عربي بوست"، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته نظراً لحساسية الموضوع: "تسبب الاغتيال الإسرائيلي الأخير لقادة بارزين من الحرس الثوري في سوريا، بانفجار غضب القيادة العليا في طهران، بالإضافة إلى زيادة شكوك قادة الحرس الثوري بالحكومة السورية".
الغضب الإيراني عبر عنه مسؤولون أمنيون في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، الذين عقدوا اجتماعات عدة في الأيام القليلة الماضية، بحسب المصدر ذاته، "لمناقشة كيفية مواجهة الاغتيالات الإسرائيلية لقادة الحرس في سوريا".
في أحد الاجتماعات، "قدم قادة الحرس الثوري تقارير يفيد بتورط سوري في هذه الاغتيالات"، وفق قوله.
أكد هذا الحديث مصدر آخر في استخبارات الحرس الثوري الإيراني، الذي قال لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه؛ لأنه غير مخول له التحدث لوسائل الإعلام: "وصلتنا تقارير تفيد بوجود خروقات إسرائيلية كبيرة في الأجهزة الأمنية السورية، تمت بعد أيام قليلة من بدء الحرب في غزة".
أضاف كذلك أنه وفقاً للتقديرات الاستخبارية، فإن "التعاون بين العناصر الأمنية السورية والموساد جاء بهدف وقف عمليات الحرس الثوري والمقاومة في سوريا ضد الإسرائيليين، وأن هناك في سوريا من يريد تحجيم عمليات الحرس الثوري الإيراني".
لكن رفض المصدر الإشارة إلى معلومات متعلقة بالراغبين في دمشق بتحجيم عمليات الحرس الثوري في سوريا.
اتصالات إسرائيلية سورية بواسطة روسية
من الأسباب أيضاً وراء غضب طهران من دمشق بحسب المصادر ذاتها، علم القادة الإيرانيين بوجود اتصالات بين تل أبيب ودمشق برعاية موسكو، للعمل على وقف أعمال الحرس الثوري الإيراني والقوات الموالية لها، باتجاه إسرائيل.
أوضح مصدر مطلع من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست"، أنه "لمسنا العناد والرفض غير المباشر من بشار الأسد من استخدام محور المقاومة والحرس الثوري جبهة الجولان لاستهداف الإسرائيليين، وعلمنا بعدها أن هناك اتصالات بين دمشق وتل أبيب برعاية موسكو".
فيما يتعلق بهذه الاتصالات، قال إن "الإسرائيليين يريدون من بشار الأسد منع محور المقاومة من استخدام جبهة الجولان بشكل كامل، لضمان عدم استهدافهم، مقابل عدم ضرب المطارات السورية والمناطق الهامة للنظام السوري، وأن الروسيين يشجعون هذه المحادثات، ويدفعون بشار الأسد باتجاهها".
أضاف أنه "على الأرجح وافقت الحكومة السورية على طلبات الإسرائيليين، بدليل الاغتيالات بحق قادة الحرس الثوري في منطقة المزة، وهي منطقة أمنية تقع تحت سيطرة أمنية مشددة من الحكومة السورية، بالإضافة إلى عدم قيام الدفاعات الجوية السورية بالتعرض للطائرات بدون طيار الإسرائيلية، ومنعها من استهداف قادة الحرس الثوري الإيراني".
إقالة علي مملوك
بحسب ثلاثة مصادر إيرانية مطلعة، فإن المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، بعد اطلاعه على تقارير استخبارات الحرس الثوري الإيراني، والشكوك المتزايدة تجاه دمشق فيما يخص تورطها في الاغتيالات الاسرائيلية التي طالت القادة العسكريين الإيرانيين، أمر بالضغط على الحكومة في دمشق، من أجل الالتزام بالاتفاقيات الأمنية غير المعلنة بينها وبين طهران.
من ضمن الضغوط التي مارستها طهران على دمشق، بعد التقارير الأمنية للحرس الثوري، باختراق إسرائيل للأجهزة الأمنية السورية، "إقالة اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني، دون أي إعلان رسمي".
وجرى تعيين اللواء كفاح ملحم بدلاً عنه رئيساً لمكتب الأمن الوطني السوري.
في هذا الصدد، قال مصدر في استخبارات الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست"، إن "اللواء ملحم من الشخصيات الأمنية السورية الجديرة بالاحترام، وكان تعامله مع المستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا مثمراً للغاية طوال السنوات الماضية، ونحن نثق به، ونأمل أن يعمل على حل الشرخ الأمني في الاجهزة الأمنية السورية، واستعادة ثقة طهران".
فيما يتعلق بربط مسألة إقالة اللواء مملوك بالغضب الإيراني، قال المصدر ذاته: "المسألة لا تُدار بالضغط، لكننا رأينا أن تعيين اللواء ملحم أفضل للجميع، خاصة في هذا الوقت الحساس والمتوتر".
تجدر الإشارة إلى أن اللواء علي مملوك يُعد من الشخصيات الأمنية المقربة للغاية من رئيس النظام السوري بشار الأسد، ويوصف بأنه ذراعه الأمنية، ولعب دوراً بارزاً منذ بداية الحرب في سوريا، وعلاقة دمشق بداعميها.
في المقابل، فإن اللواء كفاح ملحم الذي تم تعيينه بدلاً من اللواء علي مملوك، بحسب مصادر "عربي بوست"، يعد أيضاً من الشخصيات المقربة من بشار الأسد، وله دور كبير في التنسيق بين دمشق وموسكو وطهران خلال سنوات الحرب في سوريا، كما أنه يتمتع بعلاقات جيدة مع القادة العسكريين الإيرانيين المتواجدين في سوريا منذ عام 2012.
أزمة انعدام ثقة بين طهران وموسكو
منذ اغتيال الاحتلال الإسرائيلي القائد البارز في الحرس الثوري الإيراني المتواجد في سوريا، العميد سيد رضي موسوي أواخر عام 2023، تزداد الشكوك في طهران بعلم روسيا بالتحركات الإسرائيلية ضد القادة العسكريين الإيرانيين.
في تقرير سابق لـ"عربي بوست"، قال مصدر إيراني مطلع إن هناك اتفاقاً غير معلن بين تل أبيب وموسكو في دمشق، يتعلق بإبلاغ إسرائيل بتحركاتها والأماكن التي تتواجد فيها القوات الإيرانية التي ستقوم بضربها، وتقوم روسيا بإبلاغ إيران لإخلاء هذه الأماكن.
لكن موسكو لم تقم بإبلاغ طهران قبل الاغتيالات الإسرائيلية الأخيرة ضد قادة الحرس الثوري الإيراني المتواجدين بسوريا، بحسب المصدر الإيراني.
بعد الاغتيال الإسرائيلي الأخير لخمسة قادة من الحرس الثوري الإيراني في منطقة المزة السورية، قام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بإجراء محادثة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لُيبلغه رسالة من المرشد الأعلى الإيراني.
بحسب مسؤول حكومي مقرب من الرئيس الإيراني، فإن "الرسالة كانت تحمل الكثير من الغضب بسبب توقف التعاون الاستخباراتي بين موسكو وطهران في دمشق، لأسباب لا تعلمها، ولا تفهمها، القيادة العليا في طهران".
قال المصدر لـ"عربي بوست": "أخبر رئيسي بوتين أن المرشد الأعلى مستاء جداً من الاغتيالات الإسرائيلية للقادة الإيرانيين في سوريا، وغاضب من عدم إخبار موسكو لطهران بالتحركات الإسرائيلية، أو وقف موسكو لهذه الاغتيالات بأي شكل".
كشف كذلك عن أن "الرئيس الروسي لم يظهر اهتمامه بالأمر، واكتفى بأخبار نظيره الإيراني بأنه لا يريد التدخل في الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران".
لكن مسؤولاً حكومياً إيرانياً مطلعاً قال لـ"عربي بوست"، إن "زيارة أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني اللواء علي أكبر احمديان، ولقاءه بنظيره الروسي سارت بشكل أفضل من المكالمة الهاتفية بين رئيسي وبوتين".
وأضاف أن "الروس مدّوا القادة الإيرانيين بمعلومات أمنية هامة من أجل حلحلة الأزمة الأخيرة بين موسكو وطهران"، رافضاً التحدث عن معلومات أكثر حول هذا الموضوع.
"تورط مسؤولين إيرانيين"
بالإضافة إلى الشكوك الإيرانية تجاه موسكو ودمشق فيما يتعلق بالاغتيالات الإسرائيلية، تثار شكوك أخرى تجاه مسؤولين إيرانيين في الداخل أيضاً.
كشف مصادر إيرانية مطلعة لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويتهم، أن هناك تقارير أمنية تم تسليمها المرشد الأعلى الإيراني، تُفيد بـ"تورط مسؤولين إيرانيين سابقين وحاليين في الأجهزة الأمنية الإيرانية، في تسريب معلومات عن قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا".
قال مصدر أمني في مكتب المرشد الأعلى الإيراني لـ"عربي بوست" مفضلاً عدم الكشف عن هويته لمخاوف أمنية شخصية: "خلال الأيام القليلة الماضية، اجتمع قادة الحرس الثوري بالمرشد الأعلى لتسليمه تقارير أمنية تُفيد بتورط مسؤولين أمنيين سابقين وحاليين في تسريب معلومات عن خط سير وأماكن تواجد قادة الحرس الثوري في سوريا إلى شخصيات أمنية سورية قامت بدورها بتسليمها إلى الإسرائيليين".
تابع أن "هناك صراعات داخل المؤسسة الأمنية والسياسية في إيران، خاصة كلما اقترب وقت تسليم القيادة، فهناك جهة تدعم إبراهيم رئيسي تريد التخلص من منافسيها، وآخرون في الجهة المقابلة يدعمون شخصيات معينة يريدون الإطاحة بالجهة الأولى، وكل هذا الصراع يؤدي إلى ضرب الأمن القومي الإيراني في مقتل"، وفق قوله.
يدور منذ العامين الماضيين، صراع خفي داخل المؤسسة السياسية الإيرانية مع وصول المرشد الأعلى الإيراني إلى سن 84 عاماً، واقتراب نقل القيادة في إيران في أي وقت إلى مرشد آخر جديد.
بحسب المصادر الإيرانية التي تحدثت لـ"عربي بوست"، فإن "هذا الصراع ينعكس على المؤسسات الأمنية الإيرانية التي تريد تصفية خصومها، لضمان وصول الشخصيات المقربة منها إلى القيادة العليا في البلاد".
وأوضحت أن "خامنئي قام بحملة إقالات كبيرة لمسؤولين أمنيين إيرانيين كانوا على مقربة منه ومن ابنه مجتبى خامنئي أيضاً، كما أنه أحال عدداً كبيراً من المسؤولين الأمنيين في وزارة الاستخبارات والمؤسسات الأمنية الأخرى إلى التحقيق، ووضعهم قيد الإقامة الجبرية، بعد محاولة أحدهم السفر خارج البلاد".
إعادة تموضع الحرس الثوري الإيراني في سوريا
أما فيما يخص القوات الإيرانية في سوريا، فقال مصدر من الحرس الثوري الإيراني لـ"عربي بوست"، إن "هناك تعليمات جديدة بإعادة التموضع والانتشار لقواتنا في سوريا، مع وضع خطط جديدة لمواجهة الهجمات الإسرائيلية، بعيداً عن التعاون مع الروس والحكومة السورية".
وأضاف المصدر: "نعمل على تأمين قادة الحرس الثوري المتواجدين في سوريا بشكل أفضل، ونقلهم إلى أماكن جديدة لا يعلمها الروس ولا السوريين، بالإضافة إلى إدخال المزيد من الاسلحة الثقيلة إلى أماكن القوات الإيرانية في سوريا، من أجل الاستعداد لأي طارئ".
يشار إلى أن إيران اتهمت الاحتلال الإسرائيلي باغتيال 5 مستشارين من الحرس الثوري، في غارة على العاصمة دمشق، السبت، 20 يناير/كانون الثاني 2024، متوعدة بالرد "في الوقت والمكان المناسبين".
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.