بينما تتهم الولايات المتحدة وبريطانيا الحوثيين بالتسبب في أزمة كبيرة في الملاحة الدولية، أدت لارتفاع أسعار الشحن، تُظهر البيانات أن الهجمات الأمريكية البريطانية هي التي فاقمت الأزمة، وتسببت في أكبر ضرر بالشحن الدولي.
وقال الحوثيون منذ بدء هجماتهم البحرية، التي استهلوها باحتجاز سفينة الشحن "جالاكسي ليدر" المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، إنهم لا يستهدفون سوى السفن المرتبطة بإسرائيل، وذلك إلى حين إنهاء الحرب على غزة وتوصيل المساعدات للقطاع المحاصَر، ولكن في المقابل، يقول الغرب إن حملة الحوثيين المستمرة منذ شهرين ضد السفن التجارية في البحر الأحمر أدت إلى تعطيل شديد لحركة الشحن العالمية.
وردّت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بسلسلةٍ من الضربات ضد الأهداف الحوثية، من أجل منع تنفيذ المزيد من الهجمات، وبدعوى حماية التجارة المارة عبر طريق الشحن الحيوي، ولكن ما تحقق كان عكس ما أعلنته أمريكا وبريطانيا، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وأجرت صحيفة Guardian قراءة لتأثير الضربات الأمريكية البريطانية على الملاحة الدولية.
الحوثيون يوسعون هجماتهم بعد الضربات الأمريكية البريطانية
في الساعات الأولى من يوم 12 من يناير/كانون الثاني، شنّت القوات المسلحة الأمريكية والبريطانية سلسلةً من الضربات الجوية في اليمن.
وعلّقت مجموعة من أكبر شركات الشحن العالمية رحلاتها بطول ذلك الخط، ومنها Maersk وHapag-Lloyd وMediterranean Shipping Company.
كانت النتيجة الأخطر للهجمات الأمريكية البريطانية، هي أن الجماعة أعلنت صراحةً أن السفن المرتبطة بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة صارت من بين أهدافها الآن، إلى جانب السفن المرتبطة بإسرائيل، أي إنها وسّعت كثيراً نطاق السفن المستهدفة,
بعد الهجوم الأمريكي البريطاني، وتحديداً في يوم الثلاثاء 16 يناير/كانون الثاني، تعرّضت ناقلة بضائع يونانية لأضرار بعد إصابتها أثناء سفرها جنوب البحر الأحمر، في ثالث حادثة تشهدها المنطقة خلال 3 أيام.
وجاء ذلك الهجوم بعد أن ضرب المتمردون الحوثيون سفينة الشحن الأمريكية "نسر جبل طارق" بصاروخ باليستي في خليج عدن، الإثنين 15 يناير/كانون الثاني.
هجماتهم طالت مناطق أبعد من باب المندب
وأشار ماركو فورغيوني، المدير العام لمعهد Institute of Export and International Trade، إلى أن هذا الهجوم حدث بعيداً عن مضيق باب المندب في البحر الأحمر -حيث كانت تقع غالبية الهجمات. وأردف: "نحن نشهد الآن تصعيداً يتجاوز البحر الأحمر".
بينما قال الحوثيون إن الضربات الأمريكية البريطانية لم تؤثر كثيراً على قدرتهم أن يشنوا هجمات إضافية.
وبالفعل، يشكك الكثير من الخبراء في تأثير الهجمات على الحوثيين بالنظر إلى خبرتهم الطويلة في التعامل مع القصف الجوي، الذي نفذه التحالف العربي في اليمن، الذي كان يضم السعودية والإمارات، حيث تتسم الجماعة بطابع لا مركزي، إضافة لجغرافية اليمن الوعرة التي توفر لها ملاذات عديدة من القصف الجوي.
كيف أثرت الضربات الأمريكية البريطانية على حركة الملاحة الدولية بالبحر الأحمر؟
انهارت حركة المرور عبر البحر الأحمر منذ أول هجومٍ للحوثيين في 17 من نوفمبر/تشرين الثاني.
ووجدت بيانات مركز الأبحاث الاقتصادية الألماني IfW Kiel أن عدد الحاويات المسافرة عبر المضيق انخفض بنسبة 60% خلال شهر ديسمبر/كانون الأول.
ولكن الأرقام تُظهر أن الضربات الأمريكية البريطانية كان لها تأثير أكبر على الملاحة الدولية بالبحر الأحمر، الذي تمر عبره نحو 10% من الملاحة البحرية العالمية.
إذ نقلت وكالة Bloomberg الأمريكية، الثلاثاء، أن هناك 114 سفينة عبرت مضيق باب المندب خلال الأيام التي أعقبت الضربات الجوية. ويمثل هذا الرقم انخفاضاً، مقارنةً برقم 131 سفينة المسجل خلال الأسبوع الماضي، ورقم 272 المسجل قبل شهرٍ واحد.
ويقول نيل روبرتس، رئيس قسم البحرية والطيران في Lloyd's Market Association، إن القوات البحرية البريطانية الأمريكية المشتركة أصدرت الأسبوع الماضي تحذيراً لتجنب المنطقة. وقد أدى هذا التحذير إلى توخّي الحذر من جانب شركات الشحن.
وأردف روبرتس: "لقد توقف المزيد من عمليات الشحن مؤقتاً بسبب التحذير. وهناك سفن على جانبي البحر الأحمر تقف في وضع معلق بانتظار التطورات".
الضربات الأمريكية دفعت مزيداً من ناقلات النفط والغاز للابتعاد
وحفّزت الضربات الجوية كذلك المزيد من ناقلات النفط والغاز على تجنب مضيق باب المندب. يُذكر أن حركة ناقلات النفط لم تتغير كثيراً في ديسمبر/كانون الأول، على الرغم من هجمات الحوثيين، بعكس سفن شحن البضائع.
لكن تحليل وكالة Reuters البريطانية يوم الإثنين وجد أن 15 من الناقلات المتجهة إلى البحر الأحمر قد غيّرت مسارها.
بينما أكّدت قطر، ثاني أكبر دولة مصدّرة للغاز الطبيعي المسال في العالم، أنها ستتوقف عن إرسال ناقلات الغاز المسال عبر البحر الأحمر بعد الضربات الأمريكية البريطانية الأخيرة.
هل لا تزال هناك سفن تسافر عبر المنطقة، وماذا تفعل لتفادي الهجمات؟
نعم، تواصل عشرات السفن رحلاتها رغم المخاطر المتزايدة. لكن هذا الأمر يأتي بتكلفةٍ باهظة، حيث يدفع المسافرون عبر المضيق رسوم تأمينٍ أعلى. إذ ارتفعت تكلفة التأمين على السفينة لعبور المضيق إلى 1% من قيمة السفينة، بعد أن وصلت إلى 0.7% الأسبوع الماضي.
كما تزيد هذه المخاطر من تكلفة العمالة على شركات الشحن، التي تضطر لدفع أجورٍ أكبر بسبب المخاطر. وفي ديسمبر/كانون الأول، وافق منتدى التفاوض الدولي على فرض مكافأة تساوي الأجر الأساسي للعاملين طوال فترة رحلتهم عبر البحر الأحمر.
تلجأ للتبرؤ من إسرائيل، أو ربط نفسها بالصين وروسيا
قال جون ستاوبيرت، من غرفة الشحن الدولية: "تُغلق بعض السفن أجهزة التعرف الآلي الخاصة بها، بينما تُعلن سفن أخرى أنها لا علاقة لها بإسرائيل".
المفارقة أن بعض السفن تعلن في الحالات القصوى أنها على علاقة بروسيا والصين، وذلك لدرء الحوثيين.
وتحرص العديد من السفن المسافرة عبر المضيق على إبلاغ القوات الأمريكية والبريطانية بمواقعها بانتظامٍ أكبر، وذلك حتى تتمكن من الاستجابة بسرعةٍ في حال وقوع أي هجوم.
كما تحظى بعض السفن بحماية البحرية الأمريكية؛ إذ قال المتحدث باسم شركة Maersk الدنماركية أكبر شركة شحن في العالم، للصحيفة البريطانية إن سفينةً تحمل العلم الأمريكي، ومملوكة لشركة تابعة لـMaersk، حصلت على سفينة حراسة مرافقة لأنها كانت تحمل شحنةً مملوكةً لوزارة الدفاع الأمريكية.
طريق رأس الرجاء الصالح يرفع التكلفة بمقدار 3 ملايين دولار للسفينة الواحدة
وتستطيع السفن الراغبة في تجنُّب البحر الأحمر أن تقطع الطريق الأطول والأكثر تكلفة، وتغيّر مسارها للدوران حول رأس الرجاء الصالح عند الطرف الجنوبي لجنوب إفريقيا.
إذ تُعد الرحلة من روتردام إلى سنغافورة عبر رأس الرجاء الصالح أطول بنحو 4000 ميل بحري، وذلك مقارنةً بطريق البحر الأحمر، كما تستغرق نحو 10 أيام إضافية.
فيما قدّرت منصة تحليلات التجارة البحرية Xeneta أن هذا الأمر قد يرفع التكلفة بمقدار 3 ملايين دولار للسفينة الواحدة، بما في ذلك مليون دولار للوقود الإضافي و300 ألف دولار للتأمين والطاقم.
وقال تقرير لوكالة بلومبرغ الأمريكية، الأربعاء 17 يناير/كانون الثاني 2024، إن نسبة عبور السفن التجارية عبر قناة السويس انخفضت إلى أدنى مستوى لها منذ أن أغلقت سفينة "إيفر غيفن" الممر المائي، قبل ما يقرب من 3 سنوات، بعدما تراجع المرور بالقناة بنسبة 41%، عن ذروة عام 2023.
ماذا عن أسعار الحاويات؟
أصبح التأثير ملموساً في تكاليف الشحن بالفعل. إذ إن متوسط تكلفة شحن حاوية الـ40 قدماً من موقع إلى آخر زاد من 4300 دولار في عطلة الأسبوع الماضي إلى 5650 دولاراً يوم الثلاثاء. بينما كانت أسعار الشحن لهذه الحاويات تبلغ 1875 دولاراً فقط في الشهر الماضي.
أي إن أسعار شحن الحاويات ارتفعت بنحو الثلث منذ الضربات الأمريكية ونحو 3 مرات منذ بداية الأزمة.
إلى متى سيدوم هذا الاضطراب؟ إجابة أمريكا مختلفة عن إجابة الحوثيين
تقول الصحيفة البريطانية، تعتمد إجابة هذا السؤال على الحوثيين بشكلٍ أساسي. إذ تعهدت الجماعة بمواصلة هجماتها حتى توقف إسرائيل حربها في غزة، وقد أظهرت هجمات الأسبوع الجاري أنها لا تزال تتمتع بالقدرة على شن الهجمات والرغبة في مواصلتها.
بينما يقول الحوثيون أنفسهم ومعهم عدد من القوى الرئيسية بالشرقث الأوسط إن الأمر بالعكس معتمد على إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لأنه من شأن الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على غزة أن ينهي هذه الأزمة ومجمل التوتر المتصاعد في الشرق الأوسط.