رأى مسؤولون فلسطينيون في حديثهم مع "عربي بوست"، بخطوة نقل الاحتلال الإسرائيلي وحدة دوفدفان الخاصة من قطاع غزة إلى الضفة الغربية المحتلة، خطوة مرتبطة بمخطط التهجير، الذي تعمل عليه الحكومة الإسرائيلية.
لا يزال شبح التهجير يسيطر على الأجواء في الضفة الغربية والقدس المحتلة، من خلال جملة من الإجراءات، وعمليات التنكيل والقمع الإسرائيلية، بحق الفلسطينيين لتنفيذ هذا المخطط.
صحيفة "هآرتس"، كشفت الإثنين 15 يناير/كانون الثاني 2024، عن أن "إسرائيل نقلت وحدة دوفدفان الخاصة من قطاع غزة إلى الضفة الغربية"، وسط تحذيرات من أن الوضع هناك "على وشك الانفجار".
بسبب ذلك، تظهر خشية فلسطينية من تعزيز الاحتلال قواته في الضفة، والدفع بوحدة "دوفدفان" و"غولاني" إلى الضفة الغربية بعد سحبهما من غزة، بهدف تصعيد عمليات التهجير والاستيطان في مناطق الضفة المحتلة.
رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (حكومية)، مؤيد شعبان، قال لـ"عربي بوست"، إن "جلب وحدة دوفدفان وغولاني وغيرهما، يأتي لإرهاب المواطنين الفلسطينيين، بهدف تهجيرهم من الضفة".
نقل وحدة دوفدفان إلى الضفة، يرى فيه شعبان أنه "من الوسائل التي يريد الاحتلال من خلالها إخضاع الشعب الفلسطيني، باستخدام القمع والتدمير والاغتيالات، والإعدامات، ورفع منسوب الدم الفلسطيني".
نبّه المسؤول الفلسطيني إلى خطورة حواجز الاحتلال في الضفة، التي سيزيد عددها مع وصول تعزيزات الاحتلال من غزة، التي قال إنها "أصبحت مصائد للموت للفلسطينيين، من خلال إعدامهم ميدانياً".
الهدف من التعزيزات الجديدة، بحسب شعبان، أن الحكومة الإسرائيلية تريد بكل أحزابها اليمينية، توسيع الاستيطان، وإنشاء بؤر استيطانية جديدة، وشرعنة بؤر أخرى في الضفة.
أضاف أن حكومة الاحتلال "تستغل ما يجري في قطاع غزة، وانشغال العالم بما يحصل فيها، لتطبيق مخطط تهجير الفلسطينيين".
منذ بداية الحرب في غزة 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قام الاحتلال -وفقاً لشعبان- بتهجير 22 تجمعاً فلسطينياً، من خلال خلق ظروف طاردة للفلسطينيين من هذه التجمعات.
كانت قوات الاحتلال إلى جانب عصابات استيطانية، نفذت عمليات تهجير داخلية لتجمعات سكانية فلسطينية من وسط وجنوب الضفة الغربية، ومناطق الأغوار، موضحاً شعبان أن ما حصل يتمثل بحصر المراعي، ومنع السكان من رعي مواشيهم، والسيطرة على ينابيع المياه، ووضع الحواجز.
أضاف إلى ذلك "الإغلاقات، واعتداءات الجماعات الاستيطانية المنظمة من عصابات المستوطنين الإرهابية في البؤر الجديدة".
"الفلسطيني إما يستسلم أو يموت أو يرحل، وهذا هو مبدأ الاحتلال في الضفة"، بحسب شعبان، الذي أكد أنه على الرغم من ذلك، فإن الشعب الفلسطيني طوال 75 عاماً من الاحتلال، "لم يرفع الراية البيضاء أو يستسلم، ولن يرفعها الآن".
السيطرة الكاملة على مناطق الضفة
من جهته، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رمزي رباح، لـ"عربي بوست"، إن "النشاط العسكري لجيش الاحتلال، وبشكل أخص المستوطنين المسلحين المنظمين في جماعات منظمة، إلى جانب جيش الاحتلال، يقومون بشن هجمات واعتداءات يومية بهدف التهجير للمواطنين، خاصة في مناطق "جيم" في الأغوار والخليل والقدس".
تجدر الإشارة بهذا الخصوص، إلى أن مناطق الضفة تقسم إلى 3 أقسام إدارية، وهي: مناطق "أ" بسيطرة مدنية وأمنية كاملة من السلطة الفلسطينية بحوالي 3% من الضفة الغربية فقط، و"ب" بسيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الاحتلال بحوالي 25% من الضفة، و"ج" بسيطرة مدنية وأمنية إسرائيلية كاملة، بحوالي 72% منها.
أوضح رباح أن حكومة الاحتلال لديها مخطط بأن تعمل على تهجير كامل المناطق المصنفة "ج"، بحيث تصبح مناطق خالية، بعدها يتم ضمها قانونياً تحت عناوين مختلفة، ليمتد إلى مناطق أخرى بالضفة، وهذا يحتاج إلى تواجد عسكري كبير في مناطق الضفة، وما يفسر تلك التعزيزات.
حذّر المسؤول الفلسطيني من أن المخطط الإسرائيلي "يتم العمل عليه لهدفين، الأول إشعار الفلسطينيين بأن مقاومتهم لن تستطيع منع المشروع الاستيطاني، والثاني تهجير من يمكن تهجيره".
"الضفة على شفير الانفجار"
حول التعزيزات العسكرية ونقل وحدة "دوفدفان" الخاصة، أوضح رباح أن هناك جانبين يمكن الاهتمام فيهما بهذا الخصوص، "الأول ما صرح به يوآف غالانت وزير الجيش الإسرائيلي، من أن الضفة على شفير الانفجار بسبب الضغوط والتنكيل، والمقاصة، والعمال، والفلسطينيين".
أوضح أن "هذا يجعل الفلسطيني في ضائقة، وقد يدفع الأمور للانفجار بالفعل في أي لحظة، لذلك نرى الدفع بهذه القوات، ما يعني أن الوضع يسوده التوتر، والاحتمالات مفتوحة، لأن الضفة على صفيح ساخن، وأول من يعرف ذلك هي إسرائيل".
الأمر الثاني، وفق رباح، أن "الفشل العسكري في قطاع غزة لإسرائيل، وما يجري هناك، يعطي دفعة كبيرة للفلسطينيين في الضفة، وهذا يعني أن كل الشعب سوف يتحرك ضد العدوان، سواء في الضفة والقدس والداخل وحتى المخيمات في الشتات، وهذا ما يخشاه الاحتلال، وجعله يتحرك".
قوات خاصة وليست احتياطاً
أشار أيضاً إلى أن "إسرائيل تدرك أن القمع والتنكيل الحاصل قد يمهد لانفجارات واسعة في المرحلة القادمة، بسبب سياساتها التي لا يمكن أن تحتمل، وهذا الوضع يدفع إسرائيل لجلب وحدات نظامية، وليس الاحتياط".
لذلك دفع الاحتلال بقوات خاصة إلى الضفة، ولم يستدعِ فيها الاحتياط على غير العادة، "لتكون قادرة على التعامل مع الضفة، وإحداث عمليات قمع وتنكيل فيها"، وفق رباح.
الإشراف على عصابات المستوطنين
من جهته، أكد مسؤول ملف الأغوار في محافظة طوباس، معتز بشارات، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "هذه الوحدات سيكون لها دور في إتمام مخطط التهجير والتقدم به".
وقال إن "هذا الأمر مهيأ له قبل نقل هذه الوحدات، من خلال تدريب جماعات إرهابية من المستوطنين على السلاح والرماية من جيش الاحتلال، في مناطق الأغوار، وتم توثيق ذلك مراراً".
شدد بشارات على أن "مئات من عناصر التنظيمات الإرهابية من المستوطنين تم تسليحهم بسلاح الجيش، مثل عصابة شبيبة التلال وريغيفيم، وذلك يأتي بشكل واضح للضغط على الفلسطينيين لترحيلهم".
وقال إن "المستوطن هو نفسه يقوم بدور الجندي، ولديه زي الجيش أو الشرطة، وخلال دقائق يبدل ملابسه إلى ملابس الجيش أو الشرطة، ويمتلك مجموعة بطاقات تعريفية مختلفة، يستخدمها في التنكيل بالمواطنين".
تابع أن "وحدة دوفدفان أو غيرها، ستشرف على عمل هذه الجماعات الاستيطانية في تنفيذ مخططات الترحيل والتهجير التي تتم بحماية ومساعدة الجيش".
من جهته، أكد المختص بالشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، في حديثه لـ"عربي بوست"، أن شبح مخطط التهجير لا يزال قائماً، مشيراً إلى أن "نقل هذه الوحدات يأتي في سياق استخلاص العبر مما جرى في 7 أكتوبر، ليكون على استعداد دون استخفاف بأي تحذيرات".
وقال إن جيش الاحتلال "يتجهز لأي تطور أمني على الأرض في الضفة، رغم أن الشاباك يدرك أن الحل ليس أمنياً، وإنما هو بسبب القمع الحاصل في مناطق الضفة الغربية".
توصيات "الشاباك" صدرت بتخفيف هذه الإجراءات، والسماح حركة العمال الفلسطينيين بين الضفة والداخل المحتل، بحسب منصور، إلا أن قوات الاحتلال تعمل على زيادة تعزيزاتها في الضفة وسط تزايد التوتر بفعل الانتهاكات التي تصاعدت وتيرتها منذ بدء الحرب في غزة.
ما هي وحدة دوفدفان؟
يُعد اللواء كوماندوز "دوفدفان" من القوات الخاصة في جيش الاحتلال، وشارك في معارك غزة؛ حيث فقد 10 من مقاتليه، بينهم ضباط، في خسارة هي الأكبر منذ تشكيل الوحدة عام 1986.
تقوم وحدة المستعربين هذه، بجمع المعلومات الاستخباراتية وتنفيذ عمليات دهم واعتقال خاصة في أنحاء الضفة المحتلة، وتُكلف بأهم المهام، وهي تنفيذ عمليات اغتيال وإحباط أية هجمات أو عمليات فلسطينية مسلحة.
تعززت وحدة دوفدفان بشكل كبير بعد توقيع اتفاقيات أوسلو وانسحاب جيش الاحتلال من مراكز المدن والبلدات الفلسطينية، وأصبحت معروفة بتنفيذ عمليات الدهم والاعتقال والاغتيال، خاصةً لكبار قادة الفصائل الفلسطينية في مختلف مناطق الضفة الغربية.
يشار إلى أن التقارير العبرية التي أفادت بسحب وحدة "دوفدفان" تناولت تحذيرات من مسؤولين أمنيين إسرائيليين بأنه "إذا لم تتخذ القيادة السياسية قرارات بشأن المستقبل الاقتصادي للفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة، فإن خطر الصراع سيزداد"، وأن ذلك كان من العوامل التي أدت إلى نقل وحدة "دوفدفان".
وقبلها، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي سحب الكتيبة 13 في لواء "غولاني" النخبة، من قطاع غزة أواخر ديسمبر/كانون الأول 2023، بعدما تكبدت خسائر كبيرة في معاركها مع المقاومة الفلسطينية، لا سيما في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة.