لدى الحوثيين شعار طموح وقديم يتضمن عبارتين: "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل". وعلى مدى عقود، كان ذلك الشعار طموحاً. كان نشاط الجماعة مقصوراً بدرجة كبيرة على القتال داخل اليمن وجيرانهم في السعودية. ولكن منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، نجحت الحركة التي كانت في يوم من الأيام حركة صغيرة في منطقة مهجورة من شمال اليمن، في وضع نفسها في الصراع مع كل من أقوى قوة في الشرق الأوسط وأقوى قوى عظمى في العالم.
الحوثيون نجوا مما هو أسوأ من غارات أمريكا وبريطانيا
تقول مجلة The Economist البريطانية إن لدى "الائتلاف" الذي تقوده الولايات المتحدة أسبابها في مهاجمة الحوثيين في البحر الأحمر؛ إذ إن حرية الملاحة تعد مبدأً أساسياً من مبادئ القانون الدولي٬ رغم أن الحوثيين أعلنوا أنهم لن يهاجموا إلا السفن الإسرائيلية وسيمنعون أي سفن أخرى من التوجه لإسرائيل. ويمكن أن يُفسر عدم التحرك على أنه تسامح مع اعتراض ممر ملاحي يمر من خلاله حوالي 30% من حركة الشحن العالمية.
ورحبت بعض شركات النقل والشحن بخطوة الولايات المتحدة التي لم تلق دعماً كافياً من الغرب٬ حيث تقول شركة الشحن الألمانية هاباج لويد: "الهجمات كانت ضرورية لضمان حرية الملاحة عبر مسار بحري حيوي. بيد أن نجاعة هذه الضربات لها شأن آخر، يتمثل في أن الحوثيين أثبتوا مرونتهم من قبل".
اجتاح الحوثيون الجنوب اليمني في عام 2014 في خضم الفوضى التي أعقبت إطاحة الرئيس علي عبد الله صالح، واستولوا على غالبية المراكز السكانية الكبيرة في البلاد. وأطلق ائتلاف تقوده السعودية في مارس/آذار 2015 عمليات ضد الحوثيين لإطاحتهم من الحكم وإعادة السلطة إلى الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. في ذلك الوقت، اعتقد المسؤولون السعوديون أنهم قادرون على الانتهاء من الحرب في ستة أسابيع. وتحول الصراع إلى حرب وكالة ضد إيران، وبعد حوالي 9 سنوات لا يزالون يحاولون إخراج أنفسهم من ذلك المستنقع الذي دمر اليمن وجوّع الملايين من أطفالها.
نفذت المملكة عملياتها في الغالب من السماء، عبر الغارات الجوية التي أثبتت عدم نجاعتها في إزاحة الحوثيين. وتركت القتال البري للشركاء المحليين غير الأكفّاء. من جانبها حققت الإمارات نجاحاً أكبر بواسطة حلفائها على الأرض: فقد أرسلت آلافاً من الميليشيات المُدربة. لكنها قاتلت في أغلب الأحوال في جنوب اليمن، حيث لم يتمتع الحوثيون قط بالكثير من الدعم الذي يمكنهم الانطلاق منه.
لم يظهر الحوثيون من جانبهم الكثير من القلق من كلفة الحرب. تُوصف اليمن في كثير من الأحيان بأنها البلد الذي يعاني من أسوأ أزمة إنسانية في العالم. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 223 ألف شخص فقدوا حياتهم بسبب الجوع ونقص الرعاية الصحية منذ بداية الحرب. ويعيش 80% من الشعب الآن في حالة فقر.
لم يضعف أي من هذه الأمور الحوثيين، فهذه الجماعة التي صارت أقوى بعد أن تخطت تسع سنوات من الحرب التي تسببت في مقتل آلاف من مقاتليها وسحقت بلدها، لا يُرجح أن تردعها بضع غارات جوية موجهة تشنها أمريكا وبريطانيا، كما تقول الإيكونومست. ومن أجل الإنصاف، تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها لديهم آفاق أضيق لتحقيق أهدافهم: فهم لا يريدون إطاحة الحوثيين، بل يريدون فقط إيقاف هجمات الحوثيين التي ينفذونها ضد سفن الشحن.
تقول الولايات المتحدة إنها ضربت أكثر من 60 هدفاً في 16 موقعاً، باستخدام أكثر من 100 قنبلة موجهة بدقة. تضمنت الأهداف مراكز قيادة وتحكم، ومستودعات ذخيرة، وأنظمة إطلاق، ومنشآت إنتاج، ورادار دفاع جوي. كذلك ضربت طائرتان حربيتان بريطانيتان مطارين مستخدمين لإطلاق الطائرات المُسيرة والصواريخ. قال الحوثيون إنه كانت هناك 73 ضربة جوية في المجمل، ما تسبب في مقتل خمسة جنود وإصابة 6 آخرين. يُحتمل أن تؤدي هذه الضربات إلى إضعاف ترسانة الحوثيين، كما تقول واشنطن، وهو ما تنفيه جماعة "أنصار الله".
ما الترسانة الصاروخية التي يمتلكها الحوثيون؟
على مدى العقد الماضي، أمدت إيران جماعة "أنصار الله" بمخزون متنوع من الصواريخ المضادة للسفن، التي تتضمن صاروخ باوه الإيراني الذي يتجاوز مداه 800 كم. يوجه الحوثيون الآن ما يصل إلى 6 أنواع مختلفة من صواريخ كروز المضادة للسفن، بالإضافة إلى 6 أنواع أخرى من الصواريخ الباليستية المضادة للسفن، وذلك وفقاً لدراسة أجراها فابيان هينز، الباحث في مجال الدفاع والتحليل العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، الذي أوضح برغم ذلك أن امتلاك العديد من هذه الصواريخ الباليستية غير مؤكد. فضلاً عن الصواريخ، كان للحوثيين أيضاً تجارب مع سفن السطح غير المأهولة، أو القوارب المُسيرة.
ولم يتضح كم من هذه الترسانة نجا من الغارات الجوية؛ حيث منحت التحذيرات الغربية والتسريبات المنشورة في الصحافة، الحوثيين أسابيع لنشر أسلحتهم وإخفائها، وكثير من هذه الأسلحة صغير نسبياً ويسهل نقله. ولكن إذا كان جزء كبير من هذه الأسلحة قد دُمر، ربما سيُجبر الحوثيون على الترشيد في استخدام الصواريخ التي يشنون بها الهجمات، مما يتيح اعتراض جزء كبير منها عن طريق السفن الحربية الغربية في المنطقة، وهو ما سيخلق بيئة آمنة تسمح بمرور سفن الشحن التجارية٬ كما يعتقد الأمريكيون.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية، في بيان: "النتائج المفصلة للهجمات يجري تقييمها، لكن الإشارات المبكرة تقول إن قدرة الحوثيين على تهديد الشحن التجاري تلقت ضربة". والحقيقة التي تقول إن سفينة بهشاد، وهي سفينة تجسس إيرانية كانت تساعد الحوثيين على الأرجح بالمعلومات الاستخباراتية، غادرت البحر الأحمر في 10 يناير/كانون الثاني، ربما خوفاً من استهدافها، سوف تعني أيضاً نكسة للجماعة اليمنية٬ بحسب الإيكونومست.
على الجانب الآخر، إذا ظلت ترسانة السلاح الخاصة بهم سليمة بدرجة كبيرة، فسوف يكون الحوثيون قادرين على مواصلة عملياتهم مثلما كانوا يفعلون قبل هجمات ائتلاف حارس الازدهار، أو أنهم سيوفون بوعدهم المتمثل في توسيع حملتهم.
يقول هينز إن الجماعة على المدى البعيد سوف تكون قادرة على تجديد مخزونها عن طريق تهريب منظومات مفككة جديدة -إذ إن الصواريخ المضادة للسفن يمكن تفكيكها بسهولة نسبية، على عكس الصواريخ الباليستية الأكبر التي تعمل بالوقود الصلب- وعن طريق إعادة تجهيز الصواريخ الباليستية الأرضية من أجل استخدامها ضد السفن عن طريق استخدام المنشآت المحلية ومعدات التوجيه التي تمدهم بها إيران.
سوف تسعد إيران بلا شك بإرسال المزيد منها. تعمقت علاقتها الطويلة مع الحوثيين منذ عام 2014؛ إذ إن تسليح الجماعة وتدريبها كان طريقة سهلة لإيران لمواجهة خصمها اللدود المتمثل في المملكة العربية السعودية، وكسب موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية.
إيران ستقدم المزيد من الدعم للحوثيين
ويبدو أن الأشهر القليلة الماضية تؤكد على هذه الاستراتيجية. تستطيع إيران بالفعل إزعاج الشحن عبر مضيق هرمز الذي يقع قبالة سواحلها الجنوبية. والآن، من خلال الحوثيين، يمكنها أن تشل ممراً ملاحياً حيوياً آخر. يقول دبلوماسي من الخليج: "بل إن البحر الأحمر أكثر فائدة بالنسبة لهم، لأنهم غير مضطرين للقيام بذلك بصورة مباشرة". أثبت الحوثيون قيمتهم لإيران، وهو ما سيضمن على الأرجح وجود مزيد من الدعم الإيراني.
وقد يكون للصراع مع الغرب فوائد أخرى بالنسبة للحوثيين؛ إذ إن حصارهم المفترض على إسرائيل أكسبهم إعجاباً جديداً من العالم العربي، من خلال الاستفادة من المشاعر المؤيدة لفلسطين في وقت كانت فيه الدول العربية كأنهم مارة عاجزون عن التدخل في الحرب ضد غزة. ولذا فإن استهداف الولايات المتحدة لهم، في حين تتزايد معاداة أمريكا بسبب دعم بايدن لإسرائيل، سوف يعزز شعبيتهم.
ويمكن كذلك أن يقوي موقفهم في محادثات السلام مع السعودية. قبل بضع سنوات، ربما كان السعوديون سوف يهللون للضربات التي يشنها الغرب ضد الحوثيين. واليوم، يبدو السعوديون في موقف محرج لمطالبتهم بالتهدئة، خوفاً من أن تقرر المجموعة توسيع نطاق حملتها عن طريق استهداف دول الخليج بالصواريخ أو المسيرات (مثلما فعلوا مئات المرات في الماضي).
والأحداث المشهودة في الشهرين المنصرمين سوف تعزز لدى السعوديين السبب الذي يدفعهم لعقد صفقة مع الحوثيين لإنهاء الحرب، حتى إذا تسببت هذه الصفقة في جعلهم القوة المهيمنة في اليمن.
"أمريكا على أعتاب أن تفقد أمنها الملاحي"..
من جهتها٬ تقول الولايات المتحدة إنها لا تريد الانجرار إلى صراع طويل آخر في الشرق الأوسط. أما الحوثيون فليست لديهم هذه الهواجس على الإطلاق. فقد صمدوا أمام علي عبد الله صالح لعقود، الذي شن سلسلة من حملات مكافحة التمرد الدموية ضدهم. وأرهقوا الائتلاف الذي تقوده السعودية وحلفاؤها. والآن، يسعدهم بدون أدنى شك أنهم جرّوا الولايات المتحدة إلى عمليتها المفتوحة الخاصة.
وأعلن قيادي حوثي في تصريحات لـ"عربي بوست"، الإثنين، 15 يناير/كانون الثاني 2024، عن توسيع الجماعة في اليمن أهدافها لتشمل سفن أمريكا في البحر الأحمر، مضيفاً: "نحن في حالة تأهب واستنفار لخوض معركة مفتوحة مع الولايات المتحدة".
جاء ذلك على لسان عضو المكتب السياسي لجماعة "أنصار الله" الحوثيين، علي القحوم، الذي قال إن مقاتلي الجماعة سيعملون على "إجبار واشنطن على مغادرة المنطقة"، وفق قوله. مضيفاً أن "أمريكا تثبت مجدداً أنها أم الإرهاب في العالم، وشر مطلق، ومشروع استعماري غربي"، معلقاً على توصيف بايدن للجماعة بـ"الإرهابية" بأنه "يأتي في إطار العدوان على اليمن".
من جانبه، أكد المتحدث باسم أنصار الله الحوثيين اليمنية، نصر الدين عامر، في تصريح لقناة "الجزيرة" الفضائية، الإثنين 15 يناير/كانون الثاني 2024، أن الحركة ستوسع أهدافها لتشمل السفن الأمريكية، وذلك بعد ساعات قليلة من إعلان واشنطن استهداف سفينة حاويات تابعة لها قبالة سواحل اليمن. وأضاف المتحدث باسم الحوثيين أن "الولايات المتحدة على أعتاب أن تفقد أمنها الملاحي".