شكَّلت هجمات الجيشين الأمريكي والبريطاني ضربات جوية على مواقع تابعة للحوثيين في اليمن يومي الخميس والجمعة الماضيين استعراضاً هائلاً للقوة العسكرية، إلا أن خبراء في شؤون الشرق الأوسط حذروا من أن القوات الأمريكية والبريطانية ربما تواجه في أعقاب هذه الهجمات معركة طويلة مع خصم عنيد، وأن أسلحة الحوثيين مازالت تمثل خطراً على السفن المرتبطة بإسرائيل
وعلى الرغم من أن الهجمات التي شنَّها الحوثيون على السفن التجارية في البحر الأحمر كانت معظمها "محدودة التأثير" حتى الآن، فإن "المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة" أصدر مؤخراً تقريراً حذر فيه الباحثان سام كراني إيفانز وسيدهارث كوشال، من أن "الدول الغربية من المتوقع أن تواجه مشقة في تقويض قدرات الحوثيين على النحو الذي ترجوه".
وتوعَّد عبد الملك الحوثي، زعيم الحوثيين، قبيل الضربات، بأن "أي هجوم أمريكي لن يمرَّ من دون ردٍّ". ويبدو أن هذا التباهي المتهور بالقدرة على الردِّ يستند إلى ما يمتلكه الحوثيون من قدرات تقنية متقدمة في مجال الضربات البحرية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Telegraph البريطانية.
وقد كشف الحوثيون بالفعل عن بعض هذه القدرات في مجموعة من الهجمات التي شنوها في البحر الأحمر؛ رداً على الحرب الإسرائيلية المتواصلة في قطاع غزة.
أول استخدام لصواريخ باليستية في التاريخ
وقال الجيش الأمريكي إن الحوثيين نفذوا يوم الخميس 11 يناير/كانون الثاني هجومهم السابع والعشرين على السفن منذ 19 نوفمبر/تشرين الثاني. واستخدم الحوثيون في بعض هجماتهم صواريخ باليستية مضادة للسفن لأول مرة في التاريخ.
في 30 ديسمبر/كانون الأول، استجابت المدمرة الأمريكية "يو إس إس غرافلي"، وهي مدمرة من فئة المدمرات الحاملة للصواريخ الموجهة في البحرية الأمريكية، لنداء استغاثةٍ من السفينة "ميرسك هانغتشو" التابعة لشركة ميرسك الدنماركية، وأسقطت المدمرة صاروخين باليستيين مضادين للسفن انطلقا من مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن.
وقال الباحثان إن "الصواريخ الباليستية المضادة للسفن من الصواريخ ذات القدرات التقنية الكبيرة في تنفيذ الهجمات البحرية"، و"إنه لأمر يبعث على القلق الشديد أن تحوز جهة غير حكومية هذا النوع من الأسلحة، وأن يتيسَّر لها استخدامها من دون حساب ولا عقاب".
إليك أبرز أسلحة الحوثيين.. من بينها صاروخ مداه 400 كلم
وأشار الباحثان في تقريرهما إلى أن الحوثيين لديهم كذلك طائفة متنوعة من صواريخ كروز المضادة للسفن، ولديهم القدرات اللازمة لإطلاق الطائرات المسيَّرة والقوارب الانتحارية غير المأهولة.
ويُعتقد من الناحية النظرية أن أكثر الصواريخ تطوراً في هذه الترسانة هو صاروخ "عاصف" الباليستي، الذي يحمل رأساً حربياً يبلغ وزنه 500 كيلوغرام، ويبلغ مداه 400 كيلومتر. وتشير التقديرات العسكرية إلى أن الصاروخ بُني على أساس تصميم الصاروخ الإيراني "خليج فارس"، ويعتمد الصاروخ على موجِّهٍ كهربائي بصري لتتبُّع الهدف والتوجه نحوه.
ويمتلك الحوثيون كذلك صاروخ "المندب 2" الذي يمكن إطلاقه من على متن الشاحنات، وغالب الظن أن هذا الصاروخ نسخة مشابهة لصاروخ "سي 802″، وهو صاروخ صيني مضاد للسفن ابتاعته إيران في التسعينيات.
وقد استخدم الحوثيون هذا الصاروخ في مهاجمة عدة سفن وتدميرها منذ عام 2016. واتهمت الولايات المتحدة إيران بتوفير بعض هذه الأسلحة، وبأنها عاونت الحوثيين عوناً مباشراً في تصنيع بعضها.
الطائرات المسيرة تمثل نقطة قوة رئيسية
ويحذر الباحثان كذلك من الخطر الجسيم الذي تنطوي عليه ترسانة أسلحة الحوثيين من الطائرات المسيَّرة التي يمكنها الطيران مسافة تزيد على 1500 كيلومتر وهي مزودة بحمولة متفجرة.
ويرى الباحثان أن "أبرز مكامن القوة لدى الحوثيين فيما يتعلق بترسانتهم الصاروخية هي خبرتهم في استعمالها. فقد أخذت القوات الجوية السعودية تشن غارات على اليمن منذ عام 2015 وطيلة سنوات بعدها، وقد مكَّنت هذه الخبرة الحوثيين من تعزيز مهارة السيطرة على الأضرار وتركيز الأهداف".
إليك نقاط ضعف الحوثيين
مع ذلك، فإن قدرات أسلحة الحوثيين المتعلقة بإطلاق الضربات الصاروخية البحرية تعتريها "ثغرة حاسمة"، وهي افتقارها إلى البنية التحتية الفعالة والقدرات اللازمة لتحديد الأهداف ومواضع الهجمات.
ويذهب الخبراء إلى أن الإيرانيين هم من يساعدون الحوثيين في سدِّ هذه الثغرة، فهم يقدمون لهم المعلومات الاستخبارية من سفينة التجسس الإيرانية "مشهد"، وإن كانت التقديرات تشير إلى أن هذه السفينة قدراتها محدودة.
وأفادت التقارير التي صدرت صباح الجمعة 12 يناير/كانون الثاني، أن الضربات الأمريكية والبريطانية أصابت مواقع وقواعد عسكرية يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، ومنها مستودعات تخزين أسلحة ومنصات لإطلاق الطائرات المسيَّرة.
وقال تقرير المعهد الملكي للخدمات المتحدة إن أي عملية عسكرية لتأمين حركة الشحن البحري في مواجهة الحوثيين يُتوقع أن تتطلب "جهوداً مكثفة واستخداماً غير متناسب للموارد" بالنظر إلى "ميزة قرب المسافة" التي يتمتع بها الحوثيون في هجماتهم.
وأشار التقرير إلى "أن أبرز مشكلة ستواجه التحالف الغربي في مواجهة الحوثيين ليست صعوبة اعتراض صواريخ الحوثيين ولا التصدي لطائراتهم المسيَّرة، بل تكلفة القيام بذلك واختلال التناسب بين الفعالية التكتيكية والاستراتيجية"، "فالحوثيون خصم مثابر وعنيد، ومن المستبعد أن يوقفوا هجماتهم إذا ضعفت فاعليتها".
ومع ذلك، يخلص التقرير إلى أن افتقار الحوثيين إلى القدرات التقنية المتقدمة في مجال تحديد الأهداف يجعل "خطورة هجماتهم أمراً يمكن السيطرة عليه، والتصدي له بوسائل الدفاع الجوي في المنطقة"، أما أكثر المسارات فاعلية في تقويض قدراتهم فهو توجيه ضربات مركزة وفعالة لهذه القدرات في مرابضها.