في وقت يواصل فيه جيش الاحتلال حربه على غزة، يواجه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو عاصفة من الانقسامات والضغوط الداخلية والخارجية من حليفه جو بايدن.
فمن الإعلان عن مرحلة جديدة من الحرب على غزة، إلى الحديث عن مستقبل إدارة القطاع، مروراً بمحاكمة عالمية بتهمة الإبادة الجماعية، وفشل في تحقيق الأهداف المعلنة، تتزايد الضغوط الداخلية والخارجية على حكومة نتنياهو لترسم صورة العاصفة التي تواجهها إسرائيل بعد أكثر من 3 أشهر من الحرب.
الحرب على غزة.. ماذا حققت إسرائيل؟
تحولت التلميحات في الإعلام المحلي إلى تصريحات في الإعلام الغربي بأن "المرحلة الثالثة" من الحرب على غزة قد بدأت بالفعل، بحسب تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية عنوانه "حماس تذكر إسرائيل أن الحرب لم تنتهِ بعد"، يرصد الفجوة الواسعة بين ما تصرح به حكومة نتنياهو من جهة وبين الواقع الفعلي في القطاع من جهة أخرى.
كانت إسرائيل قد شنَّت منذ عملية "طوفان الأقصى" العسكرية يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول قصفاً جوياً وبحرياً على قطاع غزة تبعه اجتياح بري، معلنةً عن هدفين رئيسيين هما: تدمير المقاومة، وتحرير الأسرى بالقوة العسكرية.
و"طوفان الأقصى" هو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على العملية العسكرية الشاملة، التي بدأت فجر ذلك اليوم، رداً على "الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني". ففي تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي في فلسطين، شنّت "حماس" اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصَر، حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.
ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسر العشرات من جنود جيش الاحتلال والمستوطنين وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها "في حالة حرب"، للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
كانت حكومة إسرائيل برئاسة نتنياهو قد أكدت، الإثنين 8 يناير/كانون الثاني 2024، أن قوات جيش الاحتلال قد انتقلت إلى المرحلة الثالثة من حربها على قطاع غزة، ونقلت صحيفة The New York Times الأمريكية، عن كبير المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، دانييل هاغاري، قوله إن المرحلة الجديدة من الحملة ستشهد خفضاً لأعداد القوات والغارات الجوية. وأكد وزير الدفاع يوآف غالانت لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية الحديث نفسه.
لكن هذه التصريحات لا تعني بأي شكل من الأشكال أن الحرب قد أوشكت على نهايتها، إذ أطلقت حماس، الإثنين 8 يناير/كانون الثاني، صواريخ متوسطة المدى على وسط إسرائيل، وهو ما يؤكد أن قدرة الحركة على القتال لا تزال قائمة وبقوة، بحسب تقرير "هآرتس".
وفي هذا الإطار، لم يتم الإعلان من جانب نتنياهو أو غالانت بشكل صريح عن الانتقال لمرحلة جديدة من الحرب في غزة عبر الإعلام المحلي بسبب المشاكل السياسية التي تعصف بالحكومة، التي وضعت منذ البداية أهدافاً غير واقعية مثل تدمير حماس أو العودة المبكرة للمستوطنين في غلاف غزة أو تحرير الأسرى في القطاع. وبعد 3 أشهر من الحرب، لا تزال الأهداف الثلاثة أبعد ما تكون عن التحقيق، بحسب الصحيفة العبرية. وفي الوقت نفسه تُلحق المقاومة الفلسطينية في القطاع خسائر فادحة بشرية وفي العتاد بجيش الاحتلال بشكل يومي.
مساعي إسقاط نتنياهو وحكومته
على المستوى الداخلي، تتزايد الدعوات المطالبة بإسقاط حكومة نتنياهو، التي توصف بأنها الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية، جبناً إلى جنب مع الدعوات لمحاسبة المسؤولين عن الفشل في توفير الأمن والاستقرار وذلك منذ تشكيل تلك الحكومة قبل عام واحد فقط.
إيفرايم هاليفي، الرئيس السابق للموساد، قال لصحيفة The Times البريطانية إن نتنياهو "لابدَّ أن يستقيل"، مضيفاً أن الحكومة الحالية لا تمتلك "أية رؤية للخروج من المأزق الحالي. فقد فشلت في تركيع حماس أو إعادة الأسرى. والآن باتت إسرائيل تواجه مجموعة متعددة ومتنوعة من التحديات التي لا يمكن لهذه الحكومة أن تتعامل معها أو تواجهها".
في السياق ذاته، تكتسب الاحتجاجات الشعبية ضد نتنياهو وحكومته زخماً متصاعداً، ولم تعد تلك الاحتجاجات قاصرة على أهالي الأسرى المحتجزين لدى فصائل المقاومة في غزة.
ويوم السادس والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الماضي، تم الحكم بالسجن لأول مرة منذ طوفان الأقصى على شاب إسرائيلي رفض أداء الخدمة العسكرية في إسرائيل، ونظم عشرات من هذه الفئة "الرافضين" اعتصاماً مفتوحاً لا يزال مستمراً، بحسب تقرير لشبكة فرانس 24 الفرنسية.
ويعود مصطلح "الرافضين" تاريخياً إلى الاتحاد السوفييتي السابق، ويشير تحديداً إلى الشباب الذين يرفضون أداء الخدمة العسكرية الإجبارية. ويعد هذا الموقف حالة شاذة في إسرائيل حيث التجنيد الإجباري أمر حيوي.
أما سياسياً، فيبدو أن الحبل يضيق بالفعل حول رقبة نتنياهو وحكومته، إذ نقلت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأربعاء 10 يناير/كانون الثاني، عن أن مقربين من رئيس الوزراء في حزب الليكود يبحثون خطة لاستمرار حكومة الحرب في حال استقالة بيني غانتس. وذكرت إذاعة جيش الاحتلال أيضاً أن خطة المقربين من نتنياهو في حزب الليكود في حال استقالة غانتس تشمل استبدال غالانت بليبرمان في وزارة الدفاع.
كان غانتس، أحد رموز المعارضة، قد انضم إلى ما يعرف باسم حكومة الحرب دون أن يحمل منصباً رسمياً، لكنه عبَّر مؤخراً عن قرب تركه هذا المنصب غير الرسمي اعتراضاً على طريقة إدارة الحرب، بحسب تقارير إسرائيلية.
وكان زعيم المعارضة يائير لابيد قد أعاد، الثلاثاء 9 يناير/كانون الثاني، التأكيد على أن حكومة نتنياهو "ليست مؤهلة لإدارة الحرب أو لإنقاذ إسرائيل"، مضيفاً أنه لا بدَّ من حكومة بديلة أو إجراء انتخابات عامة مبكرة.
الضغوط الخارجية على إسرائيل
في ظل هذه الأجواء العاصفة داخلياً، وصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل مساء الإثنين، بعد جولة في المنطقة زار خلالها تركيا وقطر والأردن والإمارات والسعودية، حاملاً رسالة رئيسه جو بايدن الرئيسية، وهي أنه حان الوقت للبحث عن مخرج سياسي يُنهي الحرب على غزة.
فقد طالب بلينكن إسرائيل باتخاذ "قرارات صعبة" إذا أرادت تطبيع العلاقات مع مزيد من دول الجوار، وبدعم القادة الفلسطينيين الراغبين في التعايش مع الإسرائيليين، في إشارة إلى السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، بحسب رويترز.
كان بلينكن قد قال في السعودية إن دول المنطقة تريد التقارب مع إسرائيل، وهو هدف رئيسي لنتنياهو الذي يريد تحسين العلاقات الاقتصادية في أنحاء الشرق الأوسط، لكن بلينكن أضاف أن تطبيع العلاقات ذلك سيتطلب "مساراً عملياً" لإقامة دولة فلسطينية في المستقبل.
وأحجم وزير خارجية بايدن، في مؤتمر صحفي في تل أبيب الثلاثاء، عن تحديد كيفية رد نتنياهو ومجلس الحرب على مناشدته إقامة دولة فلسطينية، لكنه قال إن إسرائيل سيكون عليها اتخاذ "قرارات وخيارات صعبة" لانتهاز الفرصة التي يتيحها التقارب الإقليمي.
قال بلينكن أيضاً إن إسرائيل بحاجة إلى دعم القادة الفلسطينيين "الراغبين في قيادة تعايش شعبهم في سلام مع إسرائيل" في إشارة على ما يبدو إلى السلطة الفلسطينية التي تمارس حكماً ذاتياً محدوداً في مناطق بالضفة الغربية. وأضاف: "ولا بدَّ أن تتوقف إسرائيل عن اتخاذ خطوات تقوِّض قدرة الفلسطينيين على حكم أنفسهم بكفاءة"، منتقداً إفلات مستوطنين يهود متطرفين من العقاب بعد ارتكابهم أعمال عنف في الضفة الغربية، وكذلك التوسع في المستوطنات وهدم منازل الفلسطينيين وطردهم من أراضيهم.
وحثَّ بلينكن أيضاً زعماء إسرائيل على تجنُّب إيذاء المدنيين وحماية البنية التحتية المدنية خلال الحرب في غزة، حينما اجتمع مع نتنياهو ومجلس الحرب، وقال إنه توصل إلى اتفاق مع حكومة إسرائيل ليتولى فريق من الأمم المتحدة، بقيادة سيجريد كاج، التي عُيّنت حديثاً منسقة للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة، مهمة تقييم في شمال القطاع لتحديد ما يلزم فعله قبل تمكن الفلسطينيين من العودة إلى منازلهم هناك.
لكن الواقع على الأرض في غزة لم يتغير كثيراً، حيث يتواصل القصف الإسرائيلي الذي دمَّر قطاع غزة على الرغم من إعلان إسرائيل عن مرحلة جديدة من الحرب "أدق استهدافاً".
إذ لا تزال الأسر تهرع إلى مستشفيات غزة كل صباح حاملين أقارب لهم أصيبوا في قصف ليلي ليجدوا أجنحة وردهات مكتظة بالمرضى ومخضَّبة بالدماء في بعض الأحيان. ويصل عمال الإنقاذ ومعهم جثث قتلى انتشلوها من تحت أنقاض المباني. وقال شحادة طبش لرويترز، لدى وصوله إلى المستشفى الأوروبي في خان يونس بعد أن فقد اثنين من أقاربه في غارة جوية، إن أي شيء يتحرك يعتبر هدفاً في فلسطين، وفي غزة تحديداً.
وقالت السلطات الصحية في غزة إن 126 شخصاً استُشهدوا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، ليصل عدد الشهداء منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول إلى أكثر من 23 ألفاً، فضلاً عن آلاف آخرين في عداد المفقودين يرجح أنهم استشهدوا ولا يزالون تحت الأنقاض، والغالبية الساحقة من هؤلاء الشهداء هم من الأطفال والنساء.
أحد سكان غزة رحَّب بتصريحات بلينكن التي حثَّ فيها إسرائيل على تخفيف هجومها والسماح للمدنيين بالعودة إلى منازلهم، لكنه لا يرى اتساقاً في هذه التصريحات. "لكن لا فائدة من كلامه.. لا نرى شيئاً.. نتابع الأخبار، لكن لا نرى شيئاً نبني عليه أي أمل في الواقع.. لا نرى أي بارقة أمل"، بحسب رويترز.