شركاء أم أتباع.. خبايا العلاقة المركبة بين إيران وحلفائها، وأيهم قد يخرج عن سيطرتها بالأزمة الحالية

عربي بوست
تم النشر: 2024/01/07 الساعة 11:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/07 الساعة 12:25 بتوقيت غرينتش
مروحية تابعة للحوثيين تحلق فوق سفينة الشحن جالاكسي ليدر المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي في البحر الأحمر، صورة الصادرة في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 عن الإعلام العسكري الحوثي نشرت عبر رويترز

مع صعود المخاوف من توسّع حرب غزة إلى مواجهة بين إسرائيل وأمريكا، وبين حلفاء إيران في الشرق الأوسط، بات هناك سؤال ملح يتعلق بمدى سيطرة طهران على هؤلاء الحلفاء، وهل يمكن أن يصعد أحدهم الصراع دون موافقة الجمهورية الإسلامية، أو بما يتصادم مع رغبتها في قتال منخفض الكثافة لا يتحول إلى حرب واسعة، قد تتورط فيها.

وعلى عكس الشائع فإن طبيعية وقوة علاقة إيران مع حلفائها بالمنطقة ليست واحدة، فهناك من يمكن وصفه بالوكيل أو التابع المخلص المنضبط، وهناك من يمكن وصفه بالحليف المستقل، وهناك من يجمع بين بعض التبعية وقدر من التحالف، وهناك تابع غير منضبط.

ومع وجود العديد من المتغيرات فإن ما يبدو وكأنه حرب طويلة في غزة يزيد من خطر سوء التقدير أو الحوادث، أو أن يفقد أحد اللاعبين العديدين الصبر ويطلق الفتيل، أو يخرج لاعب صغير عن السيطرة أو يسيء التوجيهات الصادرة له من حليفه الكبير.

يأتي ذلك فيما أصبح من الصعب بالفعل الاستمرار في وصف مستوى العنف حول القواعد الأمريكية في العراق، على الحدود اللبنانية أو في البحر الأحمر، بأنه قتال منخفض الكثافة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.

كيف استفادت إيران من شبكة الحلفاء غير النظاميين؟

إيران بقيادة مزيج رجال الدين بزعامة آية الله علي خامنئي المسن، والحرس الثوري، هي في قلب كثير من أزمات في الشرق الأوسط، وآخرها حرب غزة.

تعوض إيران عن افتقارها إلى النفوذ الدبلوماسي الإقليمي من خلال "محور المقاومة"، وهو إرث بدأ منذ الثورة الإسلامية في إيران التي اندلعت 1979، وبلغ الذورة في عهد قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، الذي قتل بأوامر من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2020، وهذا الأسبوع، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" مسؤوليته عن هجوم الأربعاء الدامي، الذي استهدف حشداً في جنوب إيران، تجمَّع للاحتفال بالذكرى السنوية الرابعة لاغتياله.

كان سليماني المهندس المعماري لجهود طهران الاستراتيجية، حيث تقوم إيران بتزويد وتدريب، وأحياناً توجيه الميليشيات العاملة داخل وخارج الحكومات في لبنان والعراق وسوريا، ومؤخراً اليمن.

هل هم وكلاء أم حلفاء؟

لكن درجة الاستقلالية التي تتمتع بها هذه الجماعات يختلف عليها بشدة الأكاديميون ومراكز الفكر.

يرى البعض، بما في ذلك العديد من السياسيين الأمريكيين والإسرائيليين، أن هذه المجموعات مجرد دمى إيرانية، على هذا الأساس ترسل طهران أوامر إلى وكلائها للتصعيد، أو تخفيف الضغط.

بينما يقول آخرون إن هذا ينكر التاريخ والأسباب العضوية التي أدت إلى نشأة هذه المجموعات، بما في ذلك الدين المشترك والمعارضة المشتركة لوجود الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي. ويجادلون بأن العلاقة هي شكل من أشكال التكافل أكثر منها سيطرة إيرانية مطلقة. 

إن العلاقة بين إيران وحلفائها تشبه علاقة واشنطن بتل أبيب، فهم ليسوا دمى بقدر ما إسرائيل، ليست دمية في يد الولايات المتحدة، ويصدرون أحكامهم الخاصة حول كيفية المضي قدماً، كما تنقل الصحيفة البريطانية عن هذا الفصيل من الخبراء.

إيران عزَّزت استقلاليتهم العسكرية، واليوم هناك تحالف غير مسبوق بينهم

جادل حسن نصر الله، زعيم حزب الله، أكبر هذه الجماعات، في خطاب ألقاه مؤخراً بأن إيران نفسها أصرت على أن المنظمات الحليفة لها بحاجة إلى أن تكون قادرة على تصنيع قدرتها العسكرية الخاصة، والتواصل فيما بينها عضوياً، وعدم الاعتماد على صيغة هرمية تقف طهران على رأسها.

وتقول الدكتورة أمل سعد، المحاضرة في السياسة في جامعة كارديف البريطانية: "الأمر الذي لا مثيل له في مشاركة محور المقاومة في هذه الحرب هو أنها المرة الأولى التي يشكل فيها تحالف عابر للأوطان من الجهات الفاعلة غير الحكومية أو الهجينة تحالفاً عسكرياً ضد دولة أخرى وحلفائها، كما فعل حزب الله وأنصار الله في اليمن والحشد الشعبي في العراق، عبر مهاجمتهم لأهداف أمريكية وإسرائيلية دعماً للمقاومة الفلسطينية في غزة"، وفقاً لما نقلته عنها صحيفة the Guardian

حلفاء إيران
أنصار زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله يحملون أعلام الحزب خلال تجمع انتخابي في صور ، لبنان في 9 مايو/أيار 2022- رويترز

رغم التقاء الأيديولوجية، يقال إن كل عضو في المحور يعمل أيضاً في سياقه الوطني الخاص، حسب الصحيفة.

ما لا يمكن إنكاره هو أن هذه القوى تزيد الضغط ببطء، وتستجيب إسرائيل والولايات المتحدة بشكل رئيسي من خلال الاغتيالات للأهداف عالية القيمة.

إيران لا تريد تصعيداً، ولكن الأمر قد يخرج عن سيطرتها

لكن كما قال دينيس روس، السفير الأمريكي السابق، لهيئة الإذاعة البريطانية، هناك الكثير من الأدلة على أن إيران لا تريد تصعيداً أو صراعاً مباشراً مع الولايات المتحدة. ويرجع ذلك جزئياً إلى أنها تعتقد أن سياستها الحالية المتمثلة في الاستنزاف والصبر الاستراتيجي تؤتي ثمارها. تشعر طهران أن الولايات المتحدة تريد مغادرة المنطقة، وهو الهدف النهائي لإيران.

لكن هذا لا يطمئن روس بالضرورة فيما يصفه بأنه أكثر الأوقات تعقيداً في الشرق الأوسط التي عرفها على الإطلاق. "هناك مصلحة مشتركة بين أمريكا وإيران بعدم اندلاع حرب إقليمية، ولكن ربما تكتشف إيران شيئاً ما بنفسها، بأن الأمر قد يخرج عن السيطرة"، وأردف قائلاً "لست متأكداً من أن لديهم الكثير من السيطرة على بعض وكلائهم كما أرادوا".

ليسوا سواءً.. طبيعة العلاقة بين إيران وحلفائها ليست واحدة 

المؤكد أن العلاقة بين إيران والمجموعات الحليفة لها ليست واحدة، وهي تختلف باختلاف عوامل عديدة، أبرزها الانتماء الديني، فالمجموعات الشيعية الجعفرية (الاثنى عشرية) التي تتخذ من المرشد الإيراني علي خامنئي مرجعاً للتقليد الديني، وتعتبره الولي الفقيه (أي زعيم ديني وسياسي) مثل حزب الله وبعض الميليشيات العراقية، يمكن اعتبارها جزءاً من المنظومة الإيرانية.

أما الحوثيون الذين ينتمون للمذهب الشيعي الزيدي، فرغم تقاربهم المذهبي مع إيران في السنوات الأخيرة، فإنهم يحتفظون على الأرجح بقدر من الاستقلال السياسي والاختلاف المذهبي.

بينما حركتا الجهاد وحماس الفلسطينيتان اللتان تمثلان فصيلين معتزين بطابعهما السني فهما حليفان مستقلان تماماً، ولا يكادان يتفقان مع إيران في ملف إلا القضية الفلسطينية والعداء لإسرائيل.

إليك الفوارق بين حلفاء إيران وطبيعة علاقتها بهم

حزب الله اللبناني.. درة التاج الإيراني والوحدة الأكفأ في الحرس الثوري

يمثل حزب الله النموذج الأمثل الذي تريد إيران نشره بالمنطقة، حتى إن أقوى حلفائها في العراق سمي باسم حزب الله العراقي.

 يجاهر حزب الله اللبناني، بل يفخر بأنه يتبع الولي الفقيه.

المسألة لديه التزام ديني وشرعي، فعلي خامنئي، المرشد الأعلى للحزب، هو القائد الديني والسياسي للحزب.

ومن المعروف أن المسلمين الشيعة يستلزم أن يكون لديهم مرجع ديني، وقد توسعت نظرية ولاية الفقيه التي وضعها مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني في دور هذا المرجع، ليصبح سياسياً ودنيوياً، ووفقاً لهذه النظرية يعد الولي الفقيه وكيلاً للأئمة المنحدرين من نسل الرسول في الدين والسلطة السياسية، إلى أن يعود الإمام الثاني عشر الغائب (يؤمن بعودته كل الشيعة الاثنى عشرية، ولكن لا يؤمنون كلهم بنظرية الولي الفقيه). 

المفارقة أنه ليس كل الإيرانيين أنفسهم يعتبرون خامنئي مرجعهم الديني، أي أن هناك إيرانيين لا يضعون خامنئي في المرتبة نفسها التي يضعه فيها حزب الله.

حلفاء إيران
إيراني في طهران يحمل علم حزب الله يعلوه العلم الإيراني في الذكرى الـ41 للثورة الإيرانية – رويترز

ومن المرجح أن الميليشيات الشيعية التي نشأت في العراق، مثل حزب الله بالعراق، وغيره من الميليشيات التي تنضوي تحت لواء الحشد الشعبي، والميليشيات الشيعية الباكستانية والأفغانية في سوريا مثل لواء فاطميون تندرج تحت الفئة نفسها.

ولكن يظل حزب الله الأكثر ولاءً وانضباطاً وتدريباً، ولكن ليس الأكبر من ناحية العدد، ولكنه نموذج يراد تكراره في العديد من الدول العربية، وقد وصفه أحد الباحثين المعنيين بهذا الملف لـ"عربي بوست" بأنه درة التاج الإيراني، وأنه الوحدة الأكفأ في الحرس الثوري الإيراني.

وتم تشكيل حزب الله من قبل الحرس الثوري الإيراني قبل 40 عاماً لمقاومة الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، ونما بمساعدة إيران ليكون أبرز حركات المقاومة البارزة في المنطقة، ويعمل داخل الدولة اللبنانية وخارجها، ورغم أنفها، بل إنه القوة اللبنانية الأكثر تأثيراً في الحكومة عبر السلاح، وشبكة تحالفات داخلية واسعة إضافة لنفوذ الطائفة الشيعية، دون أن ينصاع لقرارات الحكومة، ودون أن يتحمل كثيراً من أعباء السلطة رغم مشاركته فيها.

في الواقع يعتبر حزب الله نفسه قوة إقليمية قائمة بذاتها في التحالف مع إيران، وهو بمثابة نموذج تسعى إيران لتكراره استغلالاً للشعبية التي حققها لفترة في العالم العربي، بعد إجباره إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان، وانضباطه العالي وكفاءته العسكرية التي أظهرها مراراً، خاصةً في حرب 2006.

ولكن فقد الحزب كثيراً من شعبيته في لبنان، بعد أحداث 7 مايو/أيار 2008، حيث هاجم مناطق السنة والدروز في البلاد، بسبب خلاف أمني وسياسي، كما تراجعت شعبيته بشدة في العالم العربي الأوسع بسبب دعمه لقمع رئيس النظام السوري بشار الأسد للثورة السورية، التي قادتها الأغلبية السنية في البلاد، ما نزع عنه قناع الحزب المقاوم المتعالي على الطائفية، رغم أنه لم تنسب له فظائع كثيرة كالتي ارتكبتها قوات الأسد.

 ويعد حزب الله أول منظمة في العالم الشيعي خارج إيران، تتبنى الاعتقاد بولاية الفقيه، التي تقوم على زعامة رجال الدين الإيرانيين برئاسة المرشد الإيراني علي خامنئي.

يقول البعض إن هذا يجعل حزب الله خاضعاً للمرشد الأعلى الإيراني، لكن أمل سعد تقول: "بالنسبة لحزب الله، لا يمثل هذا التزاماً سياسياً برئيس دولة أخرى، ولكن التزاماً فكرياً بشخصية إسلامية يعتبرها مقدسة، وخلفائه الذين تُعتبر أوامرهم حقائق ثابتة".

وينظر إلى إيران بصورة أقل كدولة قومية، ولكن الحزب يعتبرها جزءاً من مسيرة ثورية مستمرة (ودينية) يقع رأسها في طهران، ويراها بمثابة حصن ضد النفوذ والوجود الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة. 

وبالتالي فإن خامنئي ليس فقط المرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية، ولكنه أيضاً زعيم الثورة الإسلامية بشكل عام. يقول نصر الله: "التحالف لا يعني الخضوع. لا يعني التحالف أنه عندما يتخذ حليف واحد قراراً، يجب على جميع الحلفاء الآخرين أن يحذو حذوه، في هذه الحالة سيكون ذلك خضوعاً". 

نصر الله على سبيل المثال يعتقد أنه هو الذي أقنع إيران بأنها بحاجة إلى التدخل في سوريا، لإنقاذ الرئيس بشار الأسد، حسبما ورد في تقرير الصحيفة البريطانية.

الحوثيون في اليمن.. حلفاء غير متساوين

الاسم الرسمي للحوثيين هو "أنصار الله"، هم لاعبون جدد نسبياً على الساحة الدولية، اكتسبت المجموعة مكانةً مؤثرةً في الأسابيع الأخيرة، بعد تكثيف حملتها من الهجمات على السفن التجارية المرتبطة بالاحتلال في البحر الأحمر، رداً على قصف إسرائيل لغزة.

في عام 1990 عندما تم تشكيل جمهورية اليمن من توحيد اليمن الشمالي مع الجنوبي "لم تكن حركة الحوثيين موجودة"، وفقاً لعالمة الأنثروبولوجيا هيلين لاكنر. في غضون عقد من الزمان صعدت الجماعة استناداً إلى الإسلام الزيدي، وهو فرع من الشيعة، كان معقلهم في محافظة صعدة في الشمال، ومن خلال سلسلة من المعارك الوحشية سيطروا على العاصمة صنعاء وميناء الحديدة الاستراتيجي، وفقاً لما ورد في تقرير the Guardian، وذلك بعدما استغلوا الارتباك الذي ساد عقب الثورة اليمينية على الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي حاربوه لسنوات ثم تحالفوا معه قبل أن يقتلوه.

خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وفقاً لويكيليكس، سخرت واشنطن من ادعاءات المعارضين الداخليين للحوثيين، بأن المجموعة كانت تتلقى مساعدات من إيران، ولكن مع نمو نفوذ الحوثيين رأت إيران في دعم الحوثيين طريقةً رخيصة لإشغال السعوديين الذين كان الحوثيون يتقاتلون معهم.

حلفاء إيران
مقاتلون حوثيون يرقصون على سطح سفينة الشحن جالاكسي ليدر المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي في البحر الأحمر/ رويترز

"تستند علاقة الحوثيين مع إيران إلى البراغماتية بدلاً من القيادة والسيطرة، لكنها أصبحت أيديولوجية بشكل متزايد مع استمرار الحرب الأهلية في اليمن"، حسبما تنقل صحيفة the Guardian عن إليزابيث كيندال، خبيرة الشرق الأوسط في جامعة كامبريدج البريطانية.

بحلول عام 2018، كان لدى فريق خبراء الأمم المتحدة أدلة لا جدال فيها على توريد الأسلحة الإيرانية، وبحلول عام 2020، زاد تواتر الهجمات الحوثية بالطائرات بدون طيار والصواريخ داخل المملكة العربية السعودية، حيث بنى الحوثيون ترسانةً كبيرةً بعضها مصنع محلياً، وذلك بمساعدة إيرانية. 

من الواضح أيضاً أن إيران فهمت مبكراً الأهمية الجيوستراتيجية لليمن. 

في اجتماع عُقد في عام 2014، قال مستشار خامنئي، علي أكبر ولايتي، لبعض رجال الدين اليمنيين: "يمر طريق تحرير فلسطين عبر اليمن، لأن هذا البلد يقع في موقع استراتيجي، إنه يطلّ على البحر الأحمر، ويشرف على مضيق باب المندب الحيوي (المضيق الضيق بين اليمن وجيبوتي ويمر به 10% من التجارة العالمية).

والمذهب الجارودي الذي يتبناه الحوثيون في الأصل هو الأقرب بين فرعي المذهب الزيدي للمذهب الجعفري، وزاد هذا القرب دينياً وليس سياسياً فقط على يد الحوثيين كما تضاعفت الشقة بينه وبين المذهب السني.

ورغم أنهم اقتربوا أكثر دينياً وسياسياً ولوجستياً من إيران في العقود الأخيرة، إلا هناك خلافات بين المهتمين بالشأن الحوثي حول حقيقة تحولهم للمذهب الشيعي الاثني عشري أم أنهم ازدادوا اقتراباً منه فقط، وبالتالي فليس هناك مؤشرات قوية على أنهم يتبعون مرجعية خامنئي الدينية على الرغم وضوح إعجابهم بالنموذج الإيراني وزعاماته خاصة قائد الثورة الإيرانية الخميني والمرشد الحالي علي خامنئي، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.

وبالتالي عكس حزب الله فإن الحوثيين لا يمكن وصف الحوثيين بأنهم اتباع دينيون وسياسيون لإيران، ولذا يمكن وصف الحوثيين بأنهم جزء مهم من المظلة الشيعية التي تقودها إيران وأنهم بمثابة حلفاء غير متساوين لإيران، حلفاء يتأثرون بالموقف الإيراني والتوجهات الإيرانية، ولكن ليس بالضرورة يطبقون الأوامر الإيرانية بنفس دقة حزب الله.

الجماعات الشيعية في العراق.. التابع غير المنضبط

منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، كانت الجماعات الشيعية المدعومة من إيران تتحدى الوجود المستمر للولايات المتحدة في بلادهم، ومؤخرا رفضت الادعاءات بأن الولايات المتحدة لا تزال في العراق لدرء داعش، والمفارقة أن بعضاً من أقرب الأحزاب الشيعية العراقية لإيران كانوا في الوقت نفسه شركاء سياسيين للاحتلال الأمريكي.

وحتى قبل حرب غزة، كان هناك مؤشرات على خروج بعض الميليشات الشيعية في العراق عن سيطرة طهران ولو جزئياً خاصة بعد غياب قاسم سليماني.

فلقد شهد العراق، خرقاً أمنياً كبيراً لأمنه القومي، في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وهو محاولة اغتيال رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي المقرب لوشنطن، عبر ثلاث طائرات مسيرة محملة بمتفجرات؛ تم إسقاط اثنتين منها، وسقطت الثالثة على مقر إقامة الكاظمي في المنطقة الخضراء.

وخلص الخبراء إلى أن القنبلة نفسها ذات تصميم سبق أن كان له ارتباط بإيران.

حلفاء إيران
مقاتلون من الحشد الشعبي في العراق – رويترز

ولكن النتيجة التي جاءت مفاجِئة لبعض المحللين: فهي أن المسؤولين العراقيين خلصوا إلى أن طهران لم تأذن بالهجوم، بل عارضته بشدة في الواقع، وأن محاولة اغتيال مصطفى الكاظمي كانت من عمل الميليشيات الخاصة التي أصبحت الآن مسلحة بطائرات مسيَّرة ولديها الجرأة والقدرة على تنفيذ ضربات ذات عواقب كارثية، وأحياناً دون انتظار الموافقة من رعاتها الإيرانيين.

ومع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، حاولت الميليشيات الشيعية المختلفة، التي تعمل تحت مظلة المقاومة الإسلامية في العراق، حمل لواء القضية الفلسطينية في العراق، وفي هذه العملية استعادت بعض الشعبية التي فقدتها في عام 2022 عندما ارتبطت بالوضع الراهن الفاسد، ودورها في قمع احتجاجات نظمها شباب أغلبهم من الشيعة ضد الفساد وهيمنة إيران.

يعتقد بعض الخبراء، بما في ذلك مايكل نايتس من مركز أبحاث معهد واشنطن، أن الولايات المتحدة أقرب إلى الطرد من العراق أكثر من أي وقت مضى منذ عام 2020 عندما أدت حملة مماثلة إلى سحب جو بايدن للقوات الأمريكية وتخفيض مهمة العراق، حسبما تنقل عنه صحيفة the Guardian.

المجموعتان اللتان تشنا معظم الهجمات على القواعد الأمريكية – وهو تكتيك سبق 7 أكتوبر – هما حركة النجباء وكتائب حزب الله، وكلاهما ممول ومسلح من إيران. 

إنهم يعملون الآن تحت عنوان المقاومة الإسلامية في العراق وكانوا مسؤولين عن أكثر من 120 هجوما على قواعد عسكرية تضم القوات الأمريكية وغيرها من القوات الأجنبية في العراق منذ 7 أكتوبر، أحدها أصاب أحد أفراد الخدمة الأمريكية بجروح خطيرة.

على الرغم من أن النفوذ الإيراني في المؤسسات العراقية لا يزال مثيرا للجدل داخل العراق، إلا أن محمد شياع السوداني، رئيس الوزراء الجديد الذي تم تنصيبه بدعم من الفصائل المتحالفة مع إيران، كان تحت ضغط لطرد القوات الأمريكية. في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال إن الحكومة العراقية "تشرع في إنهاء وجود قوات التحالف الدولي". 

ولن تؤدي الضربة الأمريكية التي وقعت يوم الخميس الماضي والتي قتلت أحد كبار قادة الميليشيات الأقرب إلى طهران إلا إلى زيادة الضغط في البرلمان لتمرير اقتراح ملزم قانوناً لطرد الولايات المتحدة. ويوجد حالياً أكثر من 2500 جندي أمريكي في العراق و900 في سوريا،

حماس حركة تحرر وطني رفضت قمع الثورة السورية ونأت بنفسها عن تدخلات إيران بالدول العربية

حماس هي فصيل مختلف وبجذور إسلامية سنية أقدم من الثورة الإيرانية نفسها، وهي تؤكد أنها حركة تحرر وطني وتعود جذورها لجماعة الإخوان المسلمين التي نشأت في مصر.

بدا الخلاف بين إيران وحماس واضحاً في الثورة السورية، فعلى عكس الجماعات الشيعية، نأت حماس بنفسها عن النظام السوري وأغلقت مكتبها في دمشق، بينما أرسل حزب الله والجماعات العراقية والأفغانية والباكستانية، عشرات الآلاف من المقاتلين الذين أنقذوا نظام الأسد.

بل يعتقد أنها تعاطفت بشكل محدود مع الجهود المبذولة للإطاحة الأسد من سوريا، وكان فصائل محسوبة عليها جزئياً تتشط في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وتسبب ذلك في واحدة من أكبر الخلافات بين إيران وحماس منذ عقود، حسب تقرير الصحيفة البريطانية.

ودفعت حماس ثمن ذلك عبر تقليل المساعدات الإيرانية لها بسبب موقفها السلبي من نظام بشار الأسد، إضافة إلى تسريبات أظهرت العلاقة السلبية الخفية بين الطرفين.

رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف/رويترز، أرشيفية

استغرق الانقسام سنوات ليلتئم، وأدى إلى اعتماد حماس بشكل متزايد على قطر بدلا من إيران، لكن يعتقد أن دعم طهران العسكري لحماس لم يتوقف حتى لو تراجع لفترة.

كما أن حماس نأت بنفسها عن تدخلات إيران في الدول العربية وصراعات وكلائها الشيعة في المنطقة، وحرصت على الحفاظ على العلاقة مع الدول العربية الرئيسية ومؤخراً قال رئيس حماس في الخارج خالد مشعل أن حماس لجأت للدعم الإيراني لأن الدول العربية لم تدعمها.

تقول حماس أن عملية طوفان الأقصى شنت دون علم إيران أو أي شخص في محور المقاومة. وقالت الولايات المتحدة إن إيران متواطئة ولكنها لم تقدم أي دليل على تلقي طهران تحذيراً مسبقاً، وألمح المسؤلوون الأمريكيون إلى قناعتهم بإن إيران وحزب الله لم يكونا يعلما بالفعل بالترتيب لعملية طوفان الأقصى، والتي يعتقد أن قادة حماس في الخارج لم يعلموا بها قبل وقوعها بل حتى أغلب المشاركين لم يعلموا بها.

وحسب نصر الله فإنه لم يتم إبلاغ حزبه أو إيران بطوفان الأقصى مسبقاً، حيث قال: "عندما قلت إن طوفان الأقصى كان عملية فلسطينية لم نكن على علم بها، وأوضح أنه لا يقول ذلك لينأى بالحزب عن العملية". 

وهذا يكشف عن كيفية عمل المحور، فحركات المقاومة الحليفة لإيران تعمل بشكل مستقل في بلدانها، وتتخذ قرارات بناء على مصالحها ومصالح شعوبها." 

بينما يصر آخرون على أن عملية بهذا الحجم لم تكن لتبدأ أبدا دون التشاور مع طهران، وتعلق صحيفة the Guardian "في أرض الإنكار المعقول، كل شيء ممكن".

ويعتقد أن الجهاد الحركة الفلسطينية الأصغر والأقل في الموارد المالية أقرب لإيران من حماس، وأكثر اعتماداً مالياً عليها، ولكن هذا لا يعني تبعيتها لها، بل مثلها مثل حماس نأت الجهاد بنفسها عن الدور الإيراني في قمع الثورة السورية أو تدخلاتها وصراعتها مع الدول العربية.

من أين يأتي مستضغر الشرر الذي قد يشغل النار؟

وبينما من المؤكد أن حركتي المقاومة الفلسطينية حماس والجهاد تعملان بشكل مستقل عن إيران مع قدر متوسط من التنسيق، فإن حزب الله يعد الأقرب والأكثر إنضباطاً، ولكنه لديه ميزة التأثير في القرار الإيراني لأنه يعتقد أن رأس الدولة الإيرانية ترى أنه الأكثر خبرة لديها في الشأن العربي والفلسطيني والإسرائيلي، مما يجعل حسابات الحزب الأكثر قرباً مع حسابات إيران.

أما الميلشيات العراقية فرغم محاولة طهران جعلها تسير على نهج حزب الله، ولكن يعتقد أنها أقل إنضباطاً وأشد فوضوية، كما أن لديها قدرات مالية ذاتية مستقلة أكبر من حزب الله عبر نهب الدولة العراقية الغنية، كل ذلك يجعلها احتمال خروجها عن السيطرة الإيرانية أعلى أو على الأقل قدرتها على الارتجال المنضبط أقل حنكة من حزب الله، ولكن في المقابل، يعتقد أن أولوية القضية الفلسطينية لديها أقل من حزب الله. 

بين نموذج الحليف المستقل الذي يمثله حماس والجهاد والوكيل المنضبط كحزب الله أو غير المنضبط كالميليشيات العراقية، يوجد نموذج الحليف غير المتساوي الذي يمثله الحوثيون وقد يكون هذا الحليف هو الذي يحتمل أكثر من غيره أن يتصرف وفقاً لرؤيته ويتجه للتصعيد دون موافقة إيرانية.

ولكن قد يظل احتمال أن تنفجر حرب واسعة بين الولايات المتحدة والحوثيين محكوماً ليست فقط بأرجحية أن يضبط الحوثيين إيقاع هجماتهم فقط، ولكن أيضاَ، لأن واشنطن نفسها لا تريد الاشتباك مع الحوثيين لأنها ترى التواصل معهم ضرورة لحل أزمة اليمن، حيث رفعتهم إدارة بايدن فور توليها السلطة من قائمة المنظمات الإرهابية.

كما أن موقع اليمن شديد الحساسية على مدخل البحر الأحمر، وتحصن الحوثيين في جبال اليمن الوعرة، يجعل خوض معركة معهم مسألة غير ذات جدوى استراتيجية وعسكرية حيث فشل التحالف العربي في القضاء عليهم عبر استهدافهم بنفس المقاتلات التي تستخدمها واشنطن، وبدعم وتوجيه أمريكي، بينما هم يستطيعون بتكلفة رخيصة بشل الملاحة في البحر الأحمر.

تحميل المزيد