أجمعت وسائل إعلام إسرائيلية على أن عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، صالح العاروري، من شأنها أن تؤثر على مسار الحرب التي يخوضها الاحتلال منذ نحو 3 أشهر على قطاع غزة.
ففي الوقت الذي تسبب العدوان الإسرائيلي في دمار هائل في قطاع غزة ومجازر بحق المدنيين، فشل نتنياهو في تحقيق الأهداف المركزية التي أعلن عنها، والمتمثلة في القضاء على قدرات حماس العسكرية والسلطوية، وإجبارها على تسليم الرهائن.
لكن مع الإعلان عن عملية اغتيال صالح العاروري وازدياد الخشية من أن تتصاعد المواجهة بين حزب الله وجيش الاحتلال في الشمال والانتقال من حالة تبادل الضربات إلى الحرب الشاملة، هناك تساؤل عن طبيعة تسارع الأحداث ومؤشرات وقوعها.
كيف استعدت إسرائيل لاغتيال العاروري؟
كشف جنرال احتياط، نمرود شيفر، في مقابلة مع "القناة 13" الإسرائيلية أن جيش الاحتلال كان على كامل استعداده في الجبهة الشمالية، وأن القوات التي تم سحبها من غزة تم نقلها للشمال.
وأضاف الجنرال أن ما تحدّثت عن وسائل الإعلام الإسرائيلي عن سحب القوات من قطاع غزة، بحجة تدوير عجلة الاقتصاد المشلول، لم تكن حقيقية، بل كانت عملية تضليل استراتيجي.
وأشار إلى أن القوات تم نقلها إلى الشمال في التوقيت المناسب، حين قرر نتنياهو تنفيذ تهديداته التي أطلقها قبل أيام قليلة باستهداف العاروري في الضاحية الجنوبية، وأن دمه مهدور.
ويرى فيه الجنرال، نمرود شيفر، أن واشنطن حاولت أن تنأى بنفسها عن رغبة نتنياهو في توجيه ضربة في لبنان، ولا تريد أن تبدو بأنها تدعم هذا التوجه.
لكن واشنطن، حسب المتحدث، أعطت إسرائيل الحرية في العمل، وهذا يصبّ في مصلحة إسرائيل بأنها أعادت زمام المبادرة، وبأنها قادرة بنفسها على توجيه ضربة في أي مكان، ومتى أرادت ذلك، وهذا سيساهم في ترميم صورة الردع الإسرائيلية على المدى البعيد.
أما، ألون بن دافيد، محرر الشؤون العسكرية، فقد قال لـ"القناة 13″ إن انسحاب حاملة الطائرات الأمريكية فورد والسفن التابعة لها من شرق المتوسط كان لافتاً للنظر، ومما زاد المخاطر السلبية لعملية الاغتيال.
تصاعد حدة المواجهة في الشمال
هناك جدل في إمكانية أن تنفجر مواجهة شاملة في الشمال بين حزب الله وجيش الاحتلال، إذ يرى تسفيكي حزكيلي، محرر الشؤون العربية في "القناة 13″، أن حزب الله لن ينجرّ إلى حرب شاملة بسبب اغتيال العاروري.
وأضاف أن حزب الله لن يندفع لهذا السبب، إلا إذا كان لديه توجه وتقدير بضرورة الذهاب إلى الحرب، بالرغم من أن نصر الله هدد سابقاً بأن أي عملية اغتيال لشخصيات إيرانية أو فلسطينية أو لبنانية على الأرض اللبنانية، سيكون هناك رد قوي عليها.
ويشير المحلل العسكري للقناة 13، ألون بن دافيد، إلى أن رفض نتنياهو سابقاً توجيه ضربة قوية لحزب الله بطلب من كلٍّ من وزير الدفاع ورئيس الأركان، كان صائباً في وقته، والآن جاء الوقت المناسب بعد أن قطع جيش الاحتلال شوطاً كبيراً في ضرب مركز ثقل حماس في قطاع غزة.
وأضاف المحلل العسكري أن الآن يمكن العمل في الجبهة الشمالية دون أن تتحمل إسرائيل مسؤولية تفجير الحرب مع لبنان، ولا سيما أن اغتيال شخصية فلسطينية في لبنان يعفيها من أن تتحمّل مسؤولية أنها تستهدف شخصيات لبنانية، وربما يكون الأمر سبباً مباشر لاندلاع الحرب.
أما ألون بن دافيد، محرر الشؤون العسكرية لـ"القناة 13″ فيرى أن إسرائيل أعطت رسالة واضحة لنصر الله بأنها لا تريد استهداف الحزب، وأن هدفها هو قيادات حماس، وهم ليسوا لبنانيين، وبالتالي تتراجع مبررات الحرب.
ويرى، تال ليف را، المحلل العسكري في صحيفة "معاريف"، أنه بعد 89 يوماً من الحرب ذات الخصائص المتعددة، حدث تغيير أساسي في التطور، ومن المتوقع الآن أن تكون الحرب ضد حزب الله هي الجبهة المركزية لإسرائيل.
لكن يبدو أن هذا الأمر يعتمد بشكل أساسي على رد حزب الله: هل سيرد بإطلاق النار على إسرائيل، وكيف وبأي قوة؟ وفي كلتا الحالتين، من المرجح أن من اتخذ قرار تصفية كبار المسؤولين على الأراضي اللبنانية، أخذ في الاعتبار أن ذلك قد يؤدي إلى تصعيد كبير في الحرب ضد حزب الله.
التداعيات الميدانية لاغتيال العاروري
قد يكون لعملية اغتيال القيادي في حماس صالح العاروري تداعيات في مسارين الأول مسار، صفقة التبادل والعمليات العسكرية في قطاع غزة.
ففي الوقت الذي يرى فيه سليمان مسودي، المحرر السياسي للقناة "كان 11" أنه بالرغم من أن إسرائيل رسمياً لم تعلن مسؤوليتها عن عملية الاغتيال، يرى أيضاً أن اغتيال العاروري سيسهل عملية الوصول إلى صفقة لتبادل الأسرى لأن العاروري كان يتبنى مواقف متطرفة ويرفض بالقطع صفقة تبادل إلا بوقف تام إطلاق النار.
إلا أن الجنرال، عميد دروري، رئيس مجلس الأمن القومي سابق، يرى أن اغتيال العاروري لن يؤثر كثيراً في التوصل إلى صفقة، وقد يؤدي إلى تأخيرها فقط، خاصة مع تراجع حماس عن رفضها التوصل إلى صفقة، دون وقف شامل لإطلاق النار، بحسب تصريحات رئيس الوزراء لذوي الأسرى لدى حماس خلال لقائه بهم يوم الثلاثاء 2 يناير/كانون الثاني.
أما على مستوى العمليات العسكرية، فيرى المحلل السياسي في القناة 13، دورن الموج، أن عملية الاغتيال ستؤدي إلى زيادة الرغبة لدى حماس في تصعيد عملياتها، خاصة إطلاق الصواريخ من غزة.
وقد أثبتت حماس أنها لا تزال تحتفظ بقدرات صاروخية مهمة؛ حيث أطلقت ليلة الإثنين الماضي 30 صاروخاً من غزة، باتجاه تل أبيب وحولها، ويمكن أن تكون هناك جولة إطلاق صواريخ أكبر في الساعات أو الأيام القادمة، لذلك فالأجهزة الأمنية أعدت الجبهة الداخلية للتعامل مع سقوط صواريخ بكميات أكبر".
أما الجنرال عميد دوري، فيرى أن اغتيال العاروري أدى إلى فقدان حماس مركباً مهماً جداً في قيادة العمليات، لكن اغتياله لن يؤثر على قدرة الحركة في العمل، ولا سيما أن اغتيال شخصية، مهما كان وزنه في تنظيم مثل حماس فلن يؤثر.
ويرى، تال ليف رام، من "معاريف" أن الحرب على غزة ستتحول إلى حرب ثانوية، وأن التأثير سيكون مرتبطاً بما يجري على الأرض "ومن المحتمل أن تكون عواقب الحرب في غزة وتحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية ذات أهمية ثانوية أيضاً".
ويضيف أن "تفكيك قدرات حماس وإطلاق سراح المختطفين حالياً يعتمد أكثر على ما يحدث داخل القطاع، وعلى معدل تقدم القوات، وعلى درجة الضغط على قيادة الحركة؛ حيث لا يوجد تطور ملموس حالياً".
وأشار إلى أنه في المفاوضات من أجل إطلاق سراح المزيد من المختطفين، وبعيداً عن الإشارات والاستكشافات الأولى، ليس من الواضح بعد، كيف سيتأثرون بالتصفية المنسوبة إلى إسرائيل.
في مقابل ترحيب عدد من الإعلاميين بعملية اغتيال العاروري والترويج على أنها إنجاز كبير للجيش والمؤسسة الأمنية، فإن ذوي الأسرى لدى المقاومة في غزة، يبدون حالة من الخوف والقلق على مصير أبنائهم.
وبحسب تقرير نشرته يديعوت أحرونوت يوم 3 يناير/كانون الثاني 2024 يبدي الكثير منهم الخوف من أن تؤدي العملية إلى انفجار المواجهة في الشمال، ما يؤدي إلى تركيز الاهتمام في الجبهة الشمالية ويتراجع الاهتمام بمصير أبنائهم في غزة.
وقال أهالي الأسرى في تقرير على يديعوت أحرونوت: "كنا نتمنى ألا يقع هذا – الاغتيال – إلا بعد أن تتم صفقة تؤدي إلى الإفراج عن جميع الأسرى في غزة".
مكاسب نتنياهو من عملية اغتيال العاروري
قد تكون وجهة نظر نتنياهو هي البحث عن مخرج انسداد الأفق في المواجهة في غزة من خلال البحث عن صورة نصر ميداني، لذلك فإن الذهاب إلى معركة في لبنان لم يكن مفصولاً عن المواجهة في غزة.
وقد يساعد الأمر أيضاً في إيجاد مخرج لنتنياهو من مستنقع غزة وتحويل الاهتمام به إلى الساحة اللبنانية ضمن استراتيجية تقليل الاهتمام بملف غزة، الذي يشكل عبئاً على نتنياهو.
وهذا ما ذهب إليه، براك رافيد، في موقع "واللا" العبري بقوله " بينما يختبئ السنوار والضيف على عمق عشرات الأمتار تحت الأرض، تستطيع إسرائيل توجيه ضربة قوية لقيادة المنظمة الإرهابية، للمرة الأولى بعد 3 أشهر من القتال.
كما يضيف أنه لا ينبغي أن يشكل اغتيال العاروري مفاجأة لأحد -لكنه يشير إلى أنه حتى حزب الله لم يقدّر بشكل كامل نوايا إسرائيل ضده، حيث بدأت القوات في الوقوع في حالة من تشويش في الأيام الأخيرة. مع ذلك ردة فعل قوية من حزب الله، ربما تؤدي إلى تدهور في الحدود الشمالية، مما يحول الحرب في غزة إلى حدث ثانوي".
ولذلك يمكن الحديث بصورة واضحة بأن العملية هي هروب للأمام، وهي صورة للنصر الذي بحث عنه نتانياهو، بين ركام غزة وبين جثث الأبرياء، وكل ذلك بهدف تحسين صورته أمام الجمهور الإسرائيلي وتعزيز مكانته السياسية المنهارة في الشارع الإسرائيلي.