طرحت الاحتجاجات الأمريكية التي اندلعت هذا الأسبوع، والتي شهدت خروج الآلاف من المتظاهرين المناهضين للحرب إلى الشوارع في ولاية شيكاغو، سؤالاً بالغ الأهمية على بطاقة مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس: هل تتمكن من سد الفجوة الهائلة التي تفصل بين الشارع والمؤسسة الحاكمة بشأن مسألة حرب إسرائيل على قطاع غزة؟ الجواب هو: لا!
ويقول تقرير لموقع responsible statecraft الأمريكي٬ إنه في مساء يوم الخميس، أثناء خطابها الذي ألقته والتي قبلت فيه رسمياً ترشيح حزبها، بدت هاريس مؤيدة بكل قوة لإنهاء الحرب في غزة. وفيما يلي تصريحاتها الكاملة (المختصرة) حول هذه القضية:
"فيما يتعلق بالحرب في غزة، فإن الرئيس بايدن وأنا نعمل على مدار الساعة، لأن الآن هو الوقت المناسب للتوصل إلى صفقة بشأن الرهائن واتفاقية لوقف إطلاق النار… واسمحوا لي أن أكون واضحًا: سأدافع دائماً عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وسأضمن دائماً أن تتمتع إسرائيل بالقدرة على ذلك، لأن شعب إسرائيل يجب ألا يواجه مرة أخرى الحرب التي تسببت فيها منظمة إرهابية تسمى حماس في 7 أكتوبر، بما في ذلك العنف الجنسي الذي لا يوصف ومذبحة الشباب في مهرجان موسيقي"!.
كامالا هاريس فقدت فرصتها
وقال ناشطون مؤيدون للفلسطينيين لوكالة "رويترز" إن خطاب هاريس في ختام المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في شيكاغو لم يظهر أي تغيير في السياسات الحالية، بعد أسبوع شهد تجاهل القضية الأكثر إثارة للخلاف في صفوف الحزب.
وتحت ضغط للرد على منتقدي الدعم الأمريكي لحرب إسرائيل في غزة، استخدمت نائبة الرئيس خطابها لتكرار دعوات سابقة للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار وعودة الرهائن. وقالت إنها تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بينما تؤيد أيضاً حق الفلسطينيين في تقرير المصير.
وقال عباس علوية، المؤسس المشارك لحركة "غير ملتزم" الوطنية التي حشدت أكثر من 750 ألف ناخب للاحتجاج على السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، إن هاريس أضاعت فرصة لكسب هؤلاء الناس، الذين يعيش الكثير منهم في ولايات مهمة مثل ميشيجان وويسكونسن وبنسلفانيا وأريزونا.
وأوضح علوية لرويترز بعد وقت قصير من قبول هاريس رسميا لترشيح الحزب لها في انتخابات الرئاسة "ما هو مطلوب في هذه اللحظة هو قيادة شجاعة تنفصل عن النهج الحالي". وكان مندوبون من حركة "غير ملتزم" وحلفاء لهم قد طالبوا بإتاحة فرصة للحديث عن الصراع خلال المؤتمر.
وقالت ريما محمد، المندوبة من ميشيجان وتنتمي لحركة "غير ملتزم"، إن الخطاب أضاف إلى خيبة الأمل إزاء رفض المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي السماح لشخص فلسطيني بالتحدث. وأضافت "أنا في الواقع أكثر قلقا الآن٬ سوف تخسرون ميشيجان".
الحرب في غزة قد تتسبب في خسارة هاريس
من جهته٬ رفض متحدث باسم حملة هاريس توضيح ملابسات القرار بعدم إتاحة الفرصة لمتحدث فلسطيني. وقال مصدر مطلع على المناقشات لرويترز إن القرار اتخذه منظمو المؤتمر بالتشاور الوثيق مع حملة هاريس.
وتخشى مصادر من داخل الحزب أن تتسبب حرب غزة في خسارة هاريس لأصوات تحتاج إليها في ولايات متأرجحة مثل ميشيجان حيث توجد مدن تضم أعدادا كبيرة من المسلمين والعرب الأمريكيين والجامعات التي شهدت احتجاجات بسبب الحرب في غزة.
وعقد المؤتمر في شيكاجو، موطن أكبر جالية فلسطينية في الولايات المتحدة، وفقا للمعهد العربي الأمريكي. وشهد المؤتمر احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في شيكاغو يوميا، بما في ذلك مظاهرة نظمها آلاف مساء أمس الخميس قبل خطاب هاريس. كما تم اعتقال العشرات خلال الأسبوع.
"يجب أن يخجلوا من أنفسهم"
حتى ليلة الخميس، كان السيناتور بيرني ساندرز من فيرمونت، الذي ترشح أيضًا للانتخابات الرئاسية، هو الديمقراطي الوحيد الآخر على مسرح المؤتمر الوطني الديمقراطي الذي أعطى قضية الحرب على غزة بعض الاهتمام الذي اعتقد المحتجون أنها تستحقه (رغم أنه لم يذهب إلى حد الدعوة إلى فرض حظر على إيصال الأسلحة لإسرائيل).
وفي وقت سابق من الأسبوع، ألقت النائبة ألكسندريا أوكاسيو كورتيز سطرًا واحدًا عن "عمل هاريس بلا كلل لتأمين وقف إطلاق النار في غزة وإعادة الرهائن إلى الوطن"، وسرعان ما تم توبيخها بسبب ذلك، حتى من قبل أعضاء فريقها. اتهمت النائبة إلهان عمر قائلة: "إن العمل بلا كلل من أجل وقف إطلاق النار ليس لا يتم حقاً٬ يجب أن يخجلوا من أنفسهم".
وكما أشار الناشط المناهض للحرب والمؤلف نورمان سولومون ، فإن هاريس "التزمت بخط الحرب الذي يتبناه بايدن، وفي بعض الأحيان أعربت عن تعاطفها مع ضحايا الحرب في غزة٬ والتي وقعت بفضل السياسات التي تدعمها هاريس. ولم تترجم كلماتها المتعاطفة بعد إلى معارضة خط أنابيب الأسلحة والذخيرة للجيش الإسرائيلي بينما يواصل ذبح المدنيين الفلسطينيين".
وعلى الرغم من الجهود التي بذلوها، لم يحظ المحتجون بقدر كبير من الدعم هذا الأسبوع. على سبيل المثال٬ يكفي أن ننظر إلى حقيقة مفادها أنهم لم يتمكنوا حتى من إقناع متحدث أميركي من أصل فلسطيني بالصعود إلى المنصة، لأن "العديد من الزعماء الديمقراطيين كانوا قلقين من أن مثل هذا الخطاب من على المنصة من شأنه أن يهدد الوحدة في المؤتمر"٬ على حسب تعبيرهم.
وهناك أيضاً منصة الحزب الديمقراطي التي تعترف بالتزام أميركا "الصارم" تجاه إسرائيل. وتنص المنصة على أن بطاقة هاريس/والز مخصصة "لأمن إسرائيل، وتفوقها العسكري النوعي، وحقها في الدفاع عن نفسها".
كان المؤتمر الصحفي الذي عقد خارج مقر الحزب الديمقراطي صباح الأربعاء، والذي شاركت فيه النائبتان إلهان عمر وكوري بوش (ديمقراطية من ميسوري) واثنان من أعضاء منظمة أطباء بلا حدود الذين شهدوا بأم أعينهم الرعب في غزة، قليل الحضور. وبصورة عامة، كان المزاج السائد بين الناشطين المناهضين للحرب خارج مركز يونايتد سنتر مستسلماً٬ كما يقول موقع "responsible statecraft".
وقالت الناشطة إيرين، التي تسافر من لونغ آيلاند، نيويورك، مع منظمة أصوات يهودية من أجل السلام، لـ Responsible Statecraft إنها تعتقد أنه كان عليهم أن يبذلوا كل ما في وسعهم لإنهاء الحرب، لكن بايدن جعل ذلك مستحيلاً بالنظر إلى المليارات من الأموال والأسلحة الأمريكية التي تتدفق إلى إسرائيل اليوم. "إذن، هل أنا متفائلة؟ أنا لست متفائلة. لكن الصمت هو تواطؤ".
المتظاهرون المؤيدين لفلسطين لم يستسلموا
وعلى الرغم من التشهير الموجه إليهم٬ حيث يصف ضيوف قناة فوكس نيوز المتظاهرين علانية بالإرهابيين ومتعاطفي حماس والمتطرفين، فإنهم لن يستسلموا. ولماذا يجب عليهم أن يستسلموا؟ إن موقفهم يحظى بشعبية كبيرة. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤخرا شبكة سي بي إس نيوز بالتعاون مع يوجوف في يونيو/حزيران أن 61% من الأميركيين يعارضون إرسال "أسلحة وإمدادات إلى إسرائيل".
وعندما سُئل أحد منظمي النقابات العمالية في شيكاغو عن الاتهام الذي وجهته آفريل هاينز، مديرة الاستخبارات الوطنية، الشهر الماضي بأن إيران تشجع الاحتجاجات في أمريكا٬ قال: "رائدة الغارات بطائرات بدون طيار آفريل هاينز؟ إنها تتحدث ضد المتظاهرين الذين يطالبون بإنهاء مذبحة المدنيين الأبرياء؟ على الأقل إنها متسقة في موقفها".
وقالت آن، وهي عضو آخر في منظمة "أصوات يهودية من أجل السلام"، لموقع Responsible Statecraft إن حجة هاريس للفصيل المناهض للحرب في الحزب بأن "الأمر إما أنا أو دونالد ترامب" لن تنجح. وقالت: "أعتقد أنها حجة زائفة ومتعمدة وتُستخدم لغرس الخوف وعدم اليقين ولجعل التقدميين والأشخاص ذوي الضمير يشعرون بالسوء لأننا سنضع ترامب في منصبه".
في النهاية٬ فإن التناقض بين المزاج السائد بين المندوبين التابعين للحزب الديمقراطي لا يمكن أن يكون أكثر وضوحاً من الآن٬ وفي المؤتمر الوطني الديمقراطي ليلة الثلاثاء في شيكاغو٬ خرج المتابع بانطباع مفاده أن الانتخابات قد حسمت بالفعل. أما بين القواعد الشعبية فإن غزة ليست أكثر من مجرد فكرة ثانوية. كان الموقف الذي عبر عنه العديد من المندوبين على مدار الأسبوع هو: الفوز أولاً، ثم تحديد التفاصيل لاحقاً. ولكن في هذه الأثناء، المذبحة في غزة ما تزال مستمرة.