لم يمض سوى سبعة أشهر منذ فوز الشيخة حسينة بفترة ولايتها الرابعة على التوالي كرئيسة لوزراء بنغلاديش، وهو ما كان أمراً مفروغاً منه نظراً لمقاطعة المعارضة الواسعة وانزلاق البلاد، تحت رئاستها، إلى دولة الحزب الواحد الذي يحكم بالحديد والنار.
وتقول صحيفة TheTimes البريطانية٬ إن الزعيم الذي كان الأكثر سعادة بفوزها حول العالم٬ هو رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. وعلى الرغم من تصويره لبنغلاديش على أنها "حاضنة للتشدد الإسلامي والمتسللين الخطرين الذين يهددون الأغلبية الهندوسية في الهند"، فقد اعتمد مودي على الشيخة حسينة كشريك إقليمي في التنافس مع الصين والعداء الشامل مع باكستان.
واستقالت رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة، الإثنين 5 أغسطس/أب 2024، من منصبها وغادرت إلى الهند، بينما اقتحم متظاهرون مقرها الرئيسي في دكا وسط احتجاجات عارمة مناهضة لحكومتها. وبدأت الاحتجاجات الطلابية في بنغلاديش الأول من يوليو/تموز الماضي٬ بسبب نظام الحصص في الوظائف العامة٬ قبل أن تتحول الاحتجاجات إلى اشتباكات مع قوات الأمن التي ردت بعنف على المتظاهرين٬ مما خلّف مئات القتلى والجرحى.
لماذا هربت الشيخة حسينة إلى الهند؟
تقول "ذي تايمز" إن الشيخة حسينة فرّت إلى الهند بعد هذه الثورة الكبيرة بحثاً عن ملاذ آمن، حيث طردها شعبها من السلطة بعد حملات قمع عنيفة ودموية ضد المتظاهرين الذين اعتبرتهم "أعداءاً للدولة".
وأطلقت الشرطة وقوات شبه عسكرية تحت سيطرة حزب "عوامي" المهيمن على السلطة بزعامة الشيخة حسينة٬ النار على عشرات الأشخاص الذين كانوا يحتجون على نظام توزيع الوظائف الحكومي الذي يخصص المناصب للمؤمنين بحزبها بموجب خطة تهدف ظاهرياً إلى مكافأة المحاربين القدامى المؤيدين للاستقلال.
واستمرت المذبحة في الشوارع وسقط المئات من القتلى وجرح الآلاف٬ بينما اعتقلت السلطات عشرات الآلاف.
وخلال الاحتجاجات التي استمرت منذ أسابيع٬ وصفت الشيخة حسينة خصومها الرئيسيين بأنهم "متشددون إسلاميون"، وهي الاستراتيجية التي استخدمتها الهند والسلطات الغربية في السابق لإسكات الانتقادات أثناء "حربها على الإرهاب"٬ كما تقول "ذي تايمز".
ولقد أعلن الجيش البنغلاديشي رحيل حسينة واستقالتها٬ وهو نفسه الذي كان تواطأ معها في التلاعب بنتائج الانتخابات المتعاقبة لصالحها كما تقول الصحيفة البريطانية٬ حيث قال قائد الجيش إن حكومة مؤقتة سوف يتم تشكيلها قريباً٬ مطالباً المواطنين بالثقة بالجيش وإيقاف العنف.
كما أشار إلى أن الجيش سيجري تحقيقاً في كل عمليات القتل التي حدثت خلال الأسابيع الماضية. فيما لفت قائد الجيش إلى أن هناك محادثات جارية لتشكيل حكومة مؤقتة بعد استقالة الشيخة حسينة، منوهاً إلى أنه سيلتقي رئيس البلاد لمناقشة ذلك.
مودي والشيخة حسينة ومحاربة الجماعة الإسلامية
كان مودي سعيداً بالتحالف مع حسينة بسبب كراهيته لمعارضيها وحلفائها في حزب الجماعة الإسلامية. ولم يلق خطاب مودي القاسي المناهض للمسلمين أثناء انتخابه هذا الربيع استحساناً في بنغلاديش، إلى جانب استغلاله للهجرة البنغالية إلى الهند كسلاح، وإدانة المسلمين البنغاليين، وحتى المواطنين الهنود القدامى، باعتبارهم "متطفلين غير شرعيين".
وبدأت العلاقة الوثيقة بين الهند وبنغلاديش، والتي نشأت نتيجة للدعم العسكري الذي قدمته دلهي للدولة الناشئة عندما انفصلت عن باكستان. فالسكان الشباب لا يتذكرون "نضال التحرير" في عام 1971، كما أدت العلاقات الوثيقة بين حسينة ودلهي إلى تأجيج المشاعر المعادية للهند في بنغلاديش.
وبعد أن بنى مودي علاقات مع بنغلاديش تعتمد إلى حد كبير على الشيخة حسينة، يواجه الآن خسارة مفاجئة لشريك شخصي في تنافساته المحتدمة مع الصين وباكستان٬ كما تقول صحيفة "ذي تايمز".
وربما كان قراره بالسماح لحسينة بدخول الهند قراراً ملائماً، أو اتفاقاً أبرمه مع المؤسسة العسكرية في بنغلاديش لتمهيد الطريق نحو انتقال السلطة وتشكيل حكومة جديدة لا تزال موالية للهند. وإذا كان الأمر كذلك، فقد لا يعكس ذلك إرادة الشعب البنغلاديشي الغاضب.
وفي حين أظهرت نتائج الانتخابات في يونيو/حزيران بقاء الديمقراطية الأكبر في الهند، فإن مودي وحسينة يتبنيان تكتيكات قمعية مشتركة؛ فقد أغلق كلاهما شبكة الإنترنت في البلاد لإخفاء أخبار العنف أو الأعمال الانتقامية المدعومة من الدولة. وأطلقت حسينة حربًا قانونية على منتقدي وسائل الإعلام والمعارضين السياسيين، تماماً كما فعل مودي في الهند٬ الذين قاوموا وفازوا رغم حملات مودي ضدهم٬ لكن لا يزال المسلمين في الهند يتعرضون للظلم والتهميش وحملات العنصرية التي يحضر عليهم بها حزب مودي الحاكم.
علاقة عائلة الشيخة حسينة بالهند قديمة
في عهد حسينة كرئيسة للوزراء٬ شهدت بنجلاديش تراجعاً ديمقراطياً. وقد وثقت "هيومن رايتس ووتش" حالات الاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء ضد المعارضين٬ على نطاق واسع في ظل حكومتها. وتمت معاقبة العديد من السياسيين والصحفيين بشكل منهجي وقضائي بسبب تحدي آرائها. في عام 2021 أعطت منظمة "مراسلون بلا حدود" تقييماً سلبياً لسياسة حسينة الإعلامية للحد من حرية الصحافة في بنغلاديش منذ عام 2014.
وسبق لحسينة وعائلتها اللجوء للهند٬ حيث كان والدها الزعيم القومي البنغالي الشيخ مجيب الرحمن٬ الذي أصبح وزيرا في الحكومة عام 1954. الذي تحول لاحقاً إلى سجين سياسي من قبل الحكومة الباكستانية. وباستثناء زوجها وأطفالها وشقيقتها الشيخة ريحانة٬ قُتلت عائلة حسينة بأكملها خلال الانقلاب البنغلاديشي في 15 أغسطس 1975 والذي شهد اغتيال والدها الشيخ مجيب الرحمن. وكانت حسينة واجد وريحانة في زيارة لأوروبا وقت الاغتيال.
وخلال واقعة الاغتيال لجأوا إلى منزل السفير البنغلاديشي في ألمانيا الغربية. وقبل قبول عرض اللجوء السياسي من رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي٬ عاش أفراد الأسرة الذين بقوا على قيد الحياة في المنفى في نيودلهي بالهند لمدة ست سنوات. ومُنعت حسينة من دخول بنجلاديش من قبل حكومة ضياء الرحمن العسكرية. بعد انتخابها رئيسة لرابطة عوامي في 16 فبراير 1981 عادت حسينة إلى وطنها في 17 مايو 1981 واستقبلت ترحيباً من الآلاف من أنصار "رابطة عوامي" التي تحولت لحزب سياسي حاكم يحظى بعلاقة قوية مع الهند وعلاقة سيئة مع باكستان.