لماذا لم تستطع الهند تصنيع نسخها الخاصة من مقاتلات سوخوي الروسية الشهيرة مثلما فعلت الصين؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/07/03 الساعة 01:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/07/03 الساعة 01:57 بتوقيت غرينتش
المقانلة الصينية جيه 11 التي تمثل نسخة غير مرخصة من المقاتلة الروسية سوخوي 27/ ويكيميديا

تعتبر الهند والصين أكبر مستوردين للأسلحة الروسية بلا منازع وأكبر زبونَين لطائرات عائلة سوخوي 27/30 الروسية الشهيرة المعروفة باسم "فلانكر"، ولكن بينما نجحت بكين في صنع نسخها الخاصة من هذه العائلة، التي يقال إن بعضها تتفوق على الأصل الروسي، فإن نيودلهي لم تستطع إنتاج نسخها الخاصة من هذه الطائرات الشهيرة، وما زالت متأخرة عن بكين في مجال الطائرات الحربية بشكل كبير.

وعائلة فلانكر الروسية (الاسم يُطلق من قِبل حلف الناتو)، التي تضم المقاتلة سوخوي 30، تُعد من أشهر عائلات المقاتلات في العالم.

كما تكاد تكون هذه العائلة هي الأشهر في تاريخ الطائرات الروسية الأسرع من الصوت بعد مقاتلة الحرب الباردة السوفيتية الأسطورية ميغ 21، التي تُعد الطائرة الأسرع من الصوت الأكثر إنتاجاً في التاريخ.

كيف نشأت عائلة فلانكر ولماذا اكتسبت هذه الشهرة وهل هناك فرق بين النسخ الهندية والصينية؟

بدأت عائلة فلانكر في نهاية العهد السوفييتي كردٍّ على المقاتلة الأمريكية الشهيرة إف 15، التي شكلت قفزة كبيرة لصالح الأمريكيين.
ودخلت أولى طائرات عائلة فلانكر وهي سوخوي 27، الخدمة عام 1985 كمقاتلة تفوق جوي صافية دون قدرات قصف مع قدرة على العمل لمسافات بعيدة نسبياً، مقارنة بالمقاتلات السوفييتية الأخرى، خاصةً أختها الصغرى ميغ 29.
واكتسبت سوخوي 27 شهرة كبيرة في الغرب، بقدرتها الاستثنائية على المناورة التي تفوق منافساتها الغربيات، ومنها مناورة الكوبرا الشهيرة التي أدتها بمعرض باريس في واقعة شهيرة عام 1989، حيث أبهرت الطائرة متابعيها الغربيين عندما انقلبت على عقبيها ليدور أنفها دورة شبه كاملة ويرتفع لأعلى كأنها تقف في السماء، بزاوية 120 درجة، وهي مناورة كان يُنظر إليها على أنها مستحيلة، ويُفترض نظرياً أنها تعطيها أفضلية في أي قتال جوي قريب، رغم أن هذه المناورة لم تختبر عملياً بعد.

رسم تخطيطي لمناورة الكوبرا التي تستطيع طائرات فلانكر تنفيذها/ ويكيبيديا

كانت سوخوي 27 طائرة قتال جوي صافٍ، ولكن سرعان ما طوَّر الروس منها متغيرات عدة متعددة المهام لها قدرات قصف بحمولة ذخائر نحو 8 أطنان، إضافة إلى قدراتها القتالية، ومنها سوخوي 30  وسوخوي 35، حيث أثبت تصميم الطائرة مرونته، وقدرته على تحدي الزمن، إضافة للمقاتلة القاذفة سوخوي 34 التي تصل حمولتها إلى 14 طناً، وسوخوي 33 المخصصة لحاملات الطائرات.

وأصبحت النسخ الحديثة تضاهي المقاتلات الغربية الأحدث عمراً من الجيل الرابع والنصف مثل الأوروبية يوروفايتر تايفون والفرنسية رافال.

الصين والهند أكبر زبائن لطائرات سوخوي

وهناك العديد من الدول التي تمتلك نسخاً متنوعة من عائلة فلانكر، مثل إندونيسيا وإثيوبيا، وفيتنام والجزائر، وماليزيا.

ولكن أبرز المالكين لعائلة فلانكر، هي الهند التي تمتلك نحو 270 مقاتلة من المقاتلة سوخوي 30، تعد العمود الفقري لقواتها الجوية، عبر نسخ أكثر عدداً وتطوراً من تلك التي تمتلكها روسيا، لأنها مزودة بتقنيات فرنسية وإسرائيلية تجعلها أكثر تطوراً، وتقول نيودلهي إنها ستنفذ حزمة تطوير لمقاتلاتها من طراز سوخوي 30 لتكون بمثابة سوبر سوخوي.

والصين تمتلك نحو 78 طائرة سوخوي 27 مُشترَاة من موسكو مباشرة، إضافة إلى 346 من المقاتلة J-11′ وهي تقليد مباشر وبدون ترخيص للسوخوي 27، ولدى الصين أيضاً 97 مقاتلة سوخوي 30 الروسية الشهيرة، إضافة إلى 24 طائرة سوخوي 35 الأحدث.

سوخوي
المقانلة الروسية سوخوي 27/ويكيميديا

كما يمتلك الصينيون 128 مقاتلة متعددة المهام من طراز J-16 المُطوَّرة من J-11 والمتأثرة في الوقت ذاته بالسوخوي 30 ويمكن اعتبارها أيضاً منافساً في بعض النواحي للسوخوي 35.

كما لدى الصين نحو 60 مقاتلة من طراز J-15 وهي نسخة من J-11 مخصصة للانطلاق من حاملات الطائرات تم تصنيعها بعد شراء بكين لمقاتلة سوفييتية غير مكتملة من سوخوي 33 من أوكرانيا.

وتعتبر مقاتلات سوخوي 30 الهندية (Su-30MKI) أكثر تطوراً من النسخ المصدرة للصين (Su-30MKK)، حيث إن النسخ الهندية مزودة بتقنيات إسرائيلية وفرنسية وهندية متطورة لا تتواجد لدى النسخ الصينية أو حتى الروسية.

ولكن في المقابل، صنعت بكين نسخها الخاصة المحلية الصنع من عائلة فلانكر، كما سبق الإشارة، مما جعلها في الأغلب صاحبة أكبر أسطول من هذه العائلة الشهيرة.

اختلاف في الرؤى بين الصين والهند في تعاملهما مع السوخوي

ودافعت مدونة "Indian Defense Wing عن إخفاق الهند في ملاحقة الصين في مجال تصنيع الطائرات رغم أن البلدين لديهما نفس المنفذ التكنولوجي وذات المُعلِّم والمتمثِّل في روسيا.

إذ تقول اختلفت طُرق البلدين تجاه برنامج الطائرات المقاتلة سوخوي 30 بشكل كبير.

في حين اختارت الصين إجراء هندسة عكسية للطائرة سوخوي Su-30MKK (نسخة أقل تقدماً) وتطوير نُسخها المحلية الخاصة، سعت الهند إلى مسار مختلف، حيث يتضمن برنامج سوخوي Su-30MKI الهندي تكنولوجيا معقدة، إذ تحتوي النسخة الهندية من سوخوي على إلكترونيات طيران وأنظمة حرب إلكترونية إسرائيلية متقدمة، مما يجعلها مختلفة عن طائرات سوخوي Su-30 القياسية. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك سوخوي SU-30 MKI مجموعة متنوعة من الصواريخ في ترسانتها بما في ذلك صواريخ R73/77 ذات الأصل الروسي وصواريخ Astra وBrahmos المطورة محلياً (الأخير صاروخ هندي روسي مشترك).

وتمتلك سوخوي MKI أيضاً تقنية تغيير توجيه الدفع الخلفي الذي يجعلها أكثر قدرة على المناورة من نظيرتها الصينية، وفقاً للخبراء الهنود.

سوخوي
المقاتلة "سوخوي 30 أم كيه أي" التي صنعتها روسيا للهند/ويكيميديا

وتضمن برنامج Su-30MKI الهندي اتفاقية معقدة لنقل التكنولوجيا مع روسيا. سمحت هذه الاتفاقية للهند بتصنيع Su-30MKI محلياً بشكل تدريجي، مع زيادة مستويات المحتوى المحلي بمرور الوقت. 

ولم يكن الهدف مجرد تجميع الطائرة، بل اكتساب المعرفة والخبرة اللازمة لتصميم وتطوير الأجيال القادمة من الطائرات المقاتلة.

ومن ناحية أخرى، اختار الصينيون نهجاً أكثر سرعة، حيث قاموا بشراء نسخة Su-30MKK ثم شرعوا في برنامج الهندسة العكسية. وشمل ذلك تشريح الطائرة لفهم تصميمها ووظائفها.

في حين أن هذا النهج سمح للصين بتطوير نسخها الخاصة مثل J-11 وJ-16 بشكل أسرع، إلا أنه لم يؤدِ بالضرورة إلى نقل كامل للمعرفة أو القدرة على تصميم طائرات جديدة تماماً، حسب مدونة "Indian Defense Wing.

ويبدو أن النهج الذي تتبناه الهند يمثل استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى الاعتماد على الذات في قطاع الطيران والفضاء، حيث إن الخبرة المكتسبة من خلال برنامج Su-30MKI تغذي برامج الهند الطموحة مثل الطائرات القتالية المتوسطة المتقدمة الهندية (AMCA)، والتي تهدف إلى تطوير طائرة مقاتلة من الجيل الخامس محلياً.

وتقول المدونة إن النهج المتناقض بين الهند والصين في التعامل مع برنامج Su -30MKI يسلط الضوء على أولويات استراتيجية مختلفة. وفي حين أعطت بكين الأولوية للاستحواذ بشكل أسرع وتوفير التكاليف، ركزت الهند على نقل التكنولوجيا والاعتماد على الذات على المدى الطويل. والوقت وحده هو الذي سيحدد أي النهجين سيكون أكثر نجاحاً على المدى الطويل.

ولكن لم يشر الموقع الهندي إلى عدة حقائق تظهر قصور الهند مقارنة بالصين في مجال تصنيع الطائرات العسكرية.

بعض النسخ الصينية من عائلة فلانكر يُعتقد أنها أكثر تطوراً من أصولها الروسية

أولَى الفوارق بين الهند والصين في مجال تصنيع الطائرات العسكرية أن الصين باتت تنتج نسخًا كاملة من عائلة فلانكر بما في ذلك المحركات، كما أنها زودتها برادارات أيسا، المتقدمة بدلاً من رادارات بيسا الروسية، الأمر الذي جعل بعض الخبراء الغربيين يقولون إن نسخ فلانكر الصينية أكثر تطورًا في مجال الرادارات والإلكترونيات والصواريخ من النسخ الروسية ذاتها.

بينما لم تصل الهند إلى نسبة عالية من تصنيع السوخوي، بل تشير تقديرات إلى أن تكلفة إنتاجها في الهند أعلى من روسيا.

المقاتلة الصينية جيه 16/ ويكيميديا

تمكنت الصين أيضًا من ترقية نظام التحكم في النيران في Su-30MKK لمنحها القدرة على استخدام أسلحتها المحلية بما في ذلك صواريخ YJ-12 وYJ-18 الفتاكة المضادة للسفن وصواريخ كروز للهجوم الأرضي.

نظام التحكم بإطلاق النار هو أحد الأنظمة الأكثر أهمية في أي طائرة مقاتلة. حاولت الهند مرارًا تحديث نظام التحكم في إطلاق النار الخاص بطائرات ميراج 2000 الفرنسية لكنها فشلت ووصلت إلى طريق مسدود، حسب تعبير موقع Eurasian Times الهندي المتخصص في الشؤون العسكرية.

المقاتلة الشبحية الهندية مازالت حبراً على ورق بينما التركية تحلق بالسماء والصينية تتضخم أعدادها 

أما تباهي بمشروع الطائرة القتالية المتوسطة المتقدمة الهندي (AMCA) من الجيل الخامس، فإن المشروع مازال في مرحلة مبكرة جداً، بينما الصين قد أنتجت أكثر من مائة طائرة من مقاتلتها من الجيل الخامس J-20.

بل إن مشروع الطائرة الهندية الشبحية بات متأخراً مقارنة بمشروع تركيا الدولة الأصغر اقتصاداً وسكاناً والتي بدأت مشروع طائراتها الشبحية بعد نيودلهي ولكن المشروع وصل لمرحلة تجارب الطيران.

وفي مقارنة بين المشروعين التركي والهند يقول موقع Eurasian Times الهندي إن الأمر المثير للإعجاب في المقاتلة التركية قآن، ، هو أن عملية تطويرها جاءت بعد عام من إطلاق مشروع الطائرة AMCA  الهندية، إذ تم تشكيل المجموعة الأساسية لتطوير المقاتلة الشبح الهندية في عام 2009، في حين قررت اللجنة التنفيذية للصناعات الدفاعية التركية (SSIK) تطوير مقاتلة التفوق الجوي من الجيل التالي في ديسمبر/كانون الأول 2010.

بينما لا يزال المشروع الهندي على لوحة الرسم، حلقت المقاتلة التركية في رحلات تجريبية عدة مرات.

ويقول  Eurasian Times، لقد أضاعت مؤسسة الدفاع الهندية وكبار الضباط في سلاح الجو الهندي (IAF) على مر السنين عقدين من التقدم التكنولوجي في مشروع "AMCA"، عبر سلسلة من الأخطاء الفادحة.

وأدى التأخير في الاستحواذ على مقاتلات جديدة والتطور البطيء للطائرات الهندية المصنعة محلياً إلى تضاؤل ​​وحدات القوات الجوية الهندية، كما لدى سلاح الجو الهندي الآن عدد من وحدات صواريخ أرض – جو أكثر من الطائرات المقاتلة، وفقاً لـEurAsian Times.

وكان المتوقع أن يتم إطلاق أول  مقاتلة AMCA  في عام 2026، بشرط أن تمنح لجنة مجلس الوزراء للأمن موافقتها وتمويلها لمنظمة البحث والتطوير الدفاعية (DRDO) لهذه الطائرة الشبحية ذات المحركين.

ولكن في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، نصح رئيس الأركان الجوية الهندي، قائد القوات الجوية المارشال في آر تشودري، بـ"الحذر". وأوصى بإقامة روابط أجنبية كإجراء احتياطي لتطوير "أنظمة وأجهزة استشعار بديلة" في حالة انزلاق المشروعات المحلية عن الجدول الزمني.

بعد هذه التصريحات، أعلن رئيس DRDO سمير كامات عن جدول زمني تمت إعادة تجديده في 14 فبراير/شباط 2023. وفقاً لذلك، قد يستغرق إطلاق الرحلة الأولى لـ AMCA "سبع سنوات.

تم بالفعل تأجيل الجدول الزمني لأول رحلة من عام 2027 إلى عام 2030، وتم تحديد موعد دخول الخدمة في عام 2035.

في المقابل، فإن الصين بدأت تطلق مشروعاً لإنتاج مقاتلة من الجيل السادس.

لعنة المحركات تطارد الهند

كانت تكنولوجيا المحركات بمثابة لعنة على حلم الهند لبناء طائرات مقاتلة.

ترددت الهند في مسألة التعاون مع شريك أجنبي لتصنيع محرك لطائراتها، وحاولت في البداية الاعتماد على الذات، ولكنها أخفقت، ثم تعاونت بشكل جزئي مع شركتي جنرال إلكتريك الأمريكية وسافران الفرنسية لتصنيع محركات لطائراتها المقاتلة.

وفي النهاية ستعمل محركات GE F414 الأمريكية على تشغيل الفئات الأولى من الطائرة الهندية الشبحية، وسط شكوك في إمكانية أن يوفر الأمريكيون عملية نقل حقيقية لتكنولوجيا المحركات للهند في الفئات اللاحقة من الطائرة.

المقاتلة الصينية الشبحية J-20

إضافةً للمحركات الأمريكية في الفئة الأولى من الطائرة الهندية، يتم أيضاً استيراد مقاعد إخراج الطيار في حالة الطوارئ، بينما سيتم الاعتماد على الإنتاج الهندي في جميع أجهزة الاستشعار وإلكترونيات الطيران وأنظمة التحكم في الطيران. هذا يعني أن أكثر من 70% من الطائرات محلية.

لا يرغب العلماء الهنود في توسيع نطاق المحتوى الأصلي أكثر؛ لأنه لن يكون مجدياً اقتصادياً. ولكن بمجرد تطوير محركات Mark-2، سيرتفع المحتوى الأصلي إلى 90%.

بينما كانت الهند مترددة في قبول فشلها في تصنيع المحركات محلياً والتعاون مع الشركات الأجنبية للحصول على محرك، فإن تركيا تحاول تنويع خياراتها في ظل تضييق غربي عليها، وبدأت إنتاج محرك تركي وطني بالفعل صغير، ولكن بناءً عليه يمكن تصنيع محركات أكبر.

أما الصين، فلقد بدأت مشروعاً طويل الأمد وصبوراً استغرق عقوداً لبناء المحركات عبر استنساخ بعض المحركات الغربية مع محاولة الحصول على مساعدة من الروس الذين كانوا يتلكأون في منح بكين المعرفة اللازمة حتى تظل في حاجة لمنتجاتهم.

واليوم تطير المقاتلات الصينية J-10 وJ-11 وJ-16 وJ-20 بمحركات محلية الصنع قد تكون أقل جودة من الروسية، ولكن التجريب والتطوير المستمرين كفيلان بمعالجة المشكلات.

تحميل المزيد