عندما غادر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منصبه في يناير/كانون الثاني 2021، بدا أن مسيرته السياسية قد انتهت. ولم يكن الديمقراطيون وحدهم من اعتقدوا ذلك. كتب المذيع الأمريكي تاكر كارلسون بشكل خاص عندما كان لا يزال مقدم البرنامج المسائي الأكثر شعبية على قناة فوكس نيوز: "نحن قريبون جداً جداً من القدرة على تجاهل ترامب في معظم الليالي، أنا حقاً لا أستطيع الانتظار".
لكن يبدو أن الديمقراطيين وكارلسون لن يحصلوا على رغبتهم. إذ تمنح إحصائيات مجلة Economist البريطانية هذا الأسبوع، ترامب فرصة بنسبة اثنين من كل ثلاثة أمريكيين للفوز في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل حيث موعد الانتخابات الأمريكية. وهذا هو نفس النموذج، الذي جعل جو بايدن المرشح الأوفر حظاً ليصبح رئيساً في عام 2020.
لكن كيف تحول ترامب من رجل يتم استبعاده من قبل حزبه وتطارده التهم والمحاكم إلى كونه أكثر احتمالاً للفوز بولاية رئاسية أخرى؟
لماذا يريد الأمريكيون انتخاب ترامب مجدداً؟
تقول المجلة البريطانية إن أداء الرؤساء ورؤساء الوزراء الحاليين سيئ في كل مكان في العالم. ويمكن رصد الموجة الغاضبة التي أغرقت ناريندرا مودي في الهند، والتي ستجرف بالتأكيد ريشي سوناك في بريطانيا، قبالة سواحل المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ والخليج.
وتعد معدلات تأييد بايدن من بين الأسوأ بالنسبة لرئيس أمريكي في نهاية فترة ولايته الأولى. الشيء الوحيد الذي يجعله أفضل قليلاً من غيره هو مقارنته برئيس الوزراء البريطاني سوناك، أو جاستن ترودو رئيس وزراء كندا، أو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذين شعبيتهم أسوأ بكثير.
بالنسبة لبايدن، قد يكون التضخم الاقتصادي هو الجاني وربما سوء إدارة الملفات الخارجية أو حتى أداءه على المستوى الشخصي والتشكيك في قدراته. ويريد بايدن أن تكون الانتخابات لـ"الحفاظ على الديمقراطية"، لكن يبدو أن الناخبين الأمريكيين يهتمون أكثر بسعر البيض وغيره من المنتجات التي ارتفعت أسعارها، أكثر من الديمقراطية.
وتقول الإيكونومست، قد يكون لدى ترامب 34 إدانة جنائية، لكن القادة الجمهوريين يدعمونه الآن على أي حال، وبالتالي يمنحون الجمهوريين العاديين الإذن بالتصويت لصالحه مرة أخرى. في فبراير/شباط 2021، وصف ميتش ماكونيل، زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ترامب بأنه "مسؤول أخلاقياً" عن الغزو العنيف لمبنى الكونغرس من قبل حشد من الغوغاء المؤيدين لترامب. ومع ذلك، في مارس/آذار من هذا العام، أيد ماكونيل ترامب.
وإعادة كتابة التاريخ لا تقتصر على كبار الشخصيات في الحزب الجمهوري. والناخبون العاديون يشاركون في هذا الأمر أيضاً. عندما ترك ترامب منصبه، صنف 41% من الأمريكيين رئاسته بأنها ناجحة. الآن 55% يفعلون ذلك.
الحرب على غزة وتخبّط إدارة بايدن
تقول المجلة البريطانية إن الحرب في غزة، التي تقسّم الديمقراطيين وربما توحد الجمهوريين، لم تساعد بايدن وتجعله يخسر طلبة الجامعات. حيث وضعت الاحتجاجات الطلابية في الولايات المتحدة حملة إعادة انتخاب بايدن في "موقف صعب" بينما يحاول التوازن بين مساندة إسرائيل من ناحية، وإنهاء الحرب في قطاع غزة من ناحية أخرى.
وكما تقول صحيفة واشنطن بوست، فإن الاحتجاجات التي مرت بها الجامعات خلال الفترة الماضية سلطت الضوء على "التحديات السياسية التي لا يزال بايدن يواجهها جراء دعمه غير المشروط لإسرائيل مع محاولة تحقيق توازن دقيق بين إدانة ما يزعم أنها معاداة للسامية في الجامعات، ودعم حق الطلاب في الاحتجاج".
وطوال الفترة الماضية، كان كبار مساعدي البيت الأبيض يراقبون عن كثب التقارير بشأن الاحتجاجات في الجامعات، لكن يبدو أن الإحصاءات اليوم تظهر انقسامات لدى الطلبة الجمهوريين بشأن إعادة انتخاب بايدن.
وفوق كل هذا، يبدو أنه كان هناك بعض عدم الكفاءة من حملة بايدن الانتخابية خصيصاً عندما حاول فريقه "رشوة الناخبين"، من خلال تسديد القروض الطلابية في جامعات عدة فترة الاحتجاجات، وهو ما أثار غضب الكثير من الطلاب المحسوبين على الديمقراطيين.
والديمقراطيون من خريجي الجامعات هم الدائرة الانتخابية الأكثر ولاءً للحزب. ومثل هذه الأخطاء تكون أكثر فعالية في تغيير رأيهم أو حتى التأثير على الناخبين المترددين، وهي نقطة يفهمها ترامب بشكل أفضل من بايدن.
الجمهوريون غيّروا رأيهم بالمحاكم وليس ترامب
نعم، يمكن أن يتغير الكثير من الآن وحتى نوفمبر/تشرين الثاني حيث موعد الانتخابات. وستكون المناظرة الأولى، المقرر إجراؤها في 27 يونيو/حزيران 2024، ذات أهمية غير عادية بين ترامب وبايدن. لكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة في استطلاعات الرأي هذا العام هو مدى ضآلة تحركها. فترامب هو أول رئيس سابق وأول مرشح في الخطوط الأمامية تتم إدانته في المحكمة.
ومع ذلك، بدلاً من تغيير رأيهم بشأنه، غيّر الناخبون الجمهوريون رأيهم بشأن المحاكم. وارتفعت نسبة من أخبروا مؤسسة استطلاعات الرأي "يوجوف" بأنه "ينبغي السماح لمجرم مدان بأن يصبح رئيساً" من 17% في أبريل/نيسان إلى 58% في يونيو/حزيران. وفي الوقت نفسه، يبدو أن 46% من جميع الناخبين المسجلين متأكدون من أن بايدن فعل شيئاً غير قانوني فيما يتعلق بالقضايا التي تلاحق ابنه هانتر. ومن المحتمل أن تؤدي إدانة بايدن الأصغر سناً بتهم تتعلق بالأسلحة النارية إلى تعزيز الانطباع الخاطئ بعدم التكافؤ في تعامل القضاء مع كلا المرشحين.
لا توجد خطة بديلة للديمقراطيين
لكن في النهاية، تقول الإيكونومست، لقد قرر معظم الأمريكيين بالفعل من سيحصل على أصواتهم. وبالنظر إلى أن بايدن كان متأخراً في استطلاعات الرأي الوطنية طوال العام وفي كل مرة -حتى ولو بفارق بسيط- فإن هذا أمر مثير للقلق العميق.
لا يزال المجمع الانتخابي الأمريكي يفضل الجمهوريين، لذا يحتاج الرئيس الحالي إلى معجزة حتى تكون لديه فرصة متساوية للفوز. وطريقه إلى النصر ضيق بشكل مخيف. حيث يجب أن يفوز بولايات ويسكونسن، وميشيغان، وبنسلفانيا (بالإضافة إلى صوت المجمع الانتخابي الوحيد في أوماها) ليحصل على 270 صوتاً. وإذا خسر أياً من هذه الأصوات، فسيتعين عليه الفوز بإحدى ولايات أريزونا، أو جورجيا، أو نيفادا، أو كارولينا الشمالية، حيث توجد حالياً عدة مراكز انتخابية بنقاط منخفضة في استطلاعات الرأي.
وبعبارة أخرى، لا توجد خطة بديلة واضحة لبايدن والديمقراطيين. ويعرف فريق بايدن السياسي ذلك، لكنه يقدم وجهاً هادئاً للعالم الخارجي المضطرب، حيث يخوض بايدن الانتخابات وكأنه متقدم في هذا السباق، لكنه ليس كذلك. وكل ما يأمله الديمقراطيون فقط أنه مع اقتراب الانتخابات، سيتذكر الناخبون الأمريكيون السبب وراء عدم انتخابهم ترامب في المرة الماضية.