هل سمعت يوماً بالقارة البحرية التي تعد أكبر بحر استوائي في العالم؟ ربما لم تسمع عنها من قبل٬ ذلك لأنها ليست قارة تتكون من أرض مثل آسيا وأفريقيا وأوروبا وأستراليا والقارة القطبية وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية.
ما هي القارة البحرية؟
تعتبر عبارة القارة البحرية الاسم الذي أطلقه في الأصل علماء الأرصاد الجوية على إقليم جنوب شرق آسيا، والذي يضم العديد من الجزر وأشباه الجزر والبحار الضحلة. وهي أكبر بحر استوائي دافئ في العالم، وتمتد على شواطئ إندونيسيا وماليزيا وبابوا غينيا الجديدة والفلبين ودول أصغر.
لماذا تسمى القارة البحرية "قارة"؟
يقول موقع The Conversation الأسترالي إن الاسم يأتي من الطريقة التي تتفاعل بها البحار والأراضي في هذه المنطقة، والتي تعد المحرك الحراري الرئيسي الذي يدفع الحرارة حول العالم. ويجمع الاسم بين المصطلحين بحري وقارة، واللذين يستعملان كمتضادين في وصف المناخ. وهذا لأن الهواء البحري رطب، بينما الهواء القاري جاف.
والقارة البحرية هي موطن لمساحات كبيرة من البحار الدافئة الضحلة أكبر من أستراليا. وتحافظ هذه البحار، المعروفة باسم البركة الاستوائية الدافئة، وهي الأكثر دفئاً على وجه الأرض، على درجات حرارة البحر الدافئة وتعمل كمحرك للنظام المناخي للأرض.
مع ارتفاع درجة حرارة العالم في ظل تغير المناخ، يتدفق المزيد من الحرارة إلى البحار. وهذا يعني أن دفء القارة البحرية آخذ في النمو. لقد تضاعفت هذه القارة تقريباً من 22 مليون كيلومتراً مربعاً (1900-1980) إلى 40 مليون كيلومتراً مربعاً (1981-2018).
ما علاقة الشمس والرياح والحرارة بالقارة البحرية؟
فلنبدأ بالشمس. غالباً ما تكون شمس منتصف النهار في السماء مباشرة في المناطق الاستوائية. يصل الإشعاع القادم من الشمس إلى ذروته على طول خط الاستواء الذي يقسم إندونيسيا. البحار في هذه المنطقة ضحلة نسبياً؛ على سبيل المثال، يبلغ متوسط عمق بحر جاوة 46 متراً فقط. يمكن لأشعة الشمس أن تخترق قاع البحر، وبالتالي فإن أعماق المياه الضحلة تسمح بتسخين المياه بشكل أكثر كفاءة. ونتيجة لذلك، تزيد درجات حرارة سطح هذا التجمع الهائل من المياه الدافئة عن 28 درجة مئوية.
ثم هناك الرياح. والرياح السائدة هنا هي ما تسمى بالرياح التجارية الجنوبية الشرقية، التي تهب على طول سطح المحيط الهادئ بالقرب من خط الاستواء. بينما تهب هذه الرياح، تدفع المياه إلى الأسفل؛ ما يؤدي إلى تجمع المياه الدافئة في غرب المحيط الهادئ وحول جزر القارة البحرية. وعادةً ما تكون هذه المياه هي البحار الأكثر دفئاً في العالم.
والحرارة هي طاقة، والطاقة هي التي تجعل الأشياء تحدث. ويخرج جزء من الحرارة من البحار ويدخل إلى الغلاف الجوي في عملية تُعرَف بالحمل الحراري. أثناء دوران الأرض، يدور الهواء الساخن الصاعد بعيداً عن خط الاستواء باتجاه القطبين. وبهذه الطريقة، فإنه ينشر الحرارة حول الكوكب.
وتؤدي الحرارة إلى التبخر، ويرفع ذلك بدوره معدلات الرطوبة ويجعل المنطقة غير مستقرة مناخياً. ويمكن للعواصف الشديدة الناجمة عن الحمل الحراري -ارتفاع الهواء الساخن من البحار- أن تتشكل في أي وقت من السنة.
تسخن الأرض وتبرد بشكل أسرع من الماء. مع ارتفاع حرارة سطح الأرض، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تطور عواصف الحمل الحراري بشكل يومي تقريباً في بعض الأماكن. يمكن أن تتشكل العواصف الكبيرة الأخرى عندما يهب الهواء الدافئ الرطب فوق التضاريس ويدفع للأعلى عندما يضرب الجبال.
يعمل هذا المزيج القوي من الحرارة والرطوبة والرياح على نقل كميات هائلة من الحرارة إلى الطبقات العليا من الغلاف الجوي، لتنتشر بعد ذلك في جميع أنحاء العالم.
هل يمكن أن تظل هذه العوامل تحت السيطرة؟
يقضي البشر حياتهم في طبقة التروبوسفير، وهي الجزء الأدنى من الغلاف الجوي حيث يلتقي الأرض والهواء. هنا، تنخفض درجة الحرارة عموماً كلما ارتفعنا، ولهذا السبب تكون الجبال أبرد. وعلى النقيض من ذلك، في طبقة الستراتوسفير، عادةً ما يصبح الهواء أدفأ مع الارتفاع.
بين التروبوسفير والستراتوسفير تقع طبقة التروبوبوز. يعمل هذا "الغطاء" على إبقاء معظم السحب والأمطار أقرب إلى الأرض. وفي ملبورن في أستراليا، يقع التروبوبوز على ارتفاع حوالي 11 كيلومتراً فوق المدينة. لكن الغلاف الجوي الدافئ والمتوسع للقارة البحرية يدفع طبقة التروبوبوز إلى ارتفاع يصل إلى 18 كيلومتراً فوق السطح.
وهذا يعني أن هناك مساحة أكبر لارتفاع الهواء الساخن وغير المستقر وتوليد سحب ركامية ضخمة وحيوية للغاية. ومن هنا، تتحوَّل الحرارة نحو القطبين في تيارات دوران الهواء العالمية داخل طبقة التروبوسفير.
لكن عندما تكون على مستوى سطح البحر في القارة البحرية، يمكنك الاستمتاع بتجربة مختلفة تماماً؛ ونظراً لارتفاع الكثير من الحرارة، يتطور ضغط جوي منخفض، ويمكن أن تكون الرياح الاستوائية على السطح هادئة جداً. وفي عصر الإبحار، أطلق البحارة على هذه الظروف اسم "نطاق الرهو"، أي نطاق التقارب بين المدارين.
ماذا يحمل المستقبل؟
يولي مكتب الأرصاد الجوية الأسترالي اهتماماً عن كثب بالقارة البحرية، لأنها تسبب تأثيراً كبيراً على طقسنا، وليس فقط على الشمال الاستوائي.
عندما تتغير درجات حرارة سطح البحر هنا، فإننا نعلم أن التغييرات قادمة في أنماط الطقس في أستراليا. وكما هو الحال في الهند، فإن شمال أستراليا يتسم بالرياح الموسمية. تسقط أمطار قليلة خلال موسم الجفاف، من أبريل/نيسان إلى أكتوبر/تشرين الأول. عندما تتغير أنماط الرياح في أستراليا الاستوائية وتتقارب الرياح الغربية المنعشة مع الرياح التجارية في وقت متأخر جداً من العام، تصل الرياح الموسمية؛ ما يؤدي إلى هطول أمطار غزيرة.
لا يقتصر الأمر على الشمال فقط؛ إذ يمكن لتغيرات درجات الحرارة في البحار الضحلة الاستوائية الدافئة أن تؤثر على أنظمة الضغط الجوي وتؤدي إلى تغيرات في أنماط الطقس في جنوب أستراليا أيضاً.
إن القارة البحرية هي محرك الطقس، حيث تركِّز الحرارة في البحار الدافئة وتنشرها في جميع أنحاء العالم. في الأشهر الأخيرة، أصبحت درجات حرارة سطح البحر في جميع أنحاء العالم أعلى من أي وقت مضى، وتظل أعلى. ماذا سيحدث لها مع تدفق المزيد من الحرارة المُحاصَرة إلى المحيطات؟
من المؤكد أن حوض المياه الدافئة هذا الذي يفصل القارة البحرية سوف يستمر في التوسع، كما كان الحال منذ عقود. لكن ما يعنيه ذلك بالنسبة لنا ليس واضحاً. لا نعرف حتى الآن ما إذا كان وجود حوض استوائي دافئ أكبر سيسمح بتطور المزيد من الأعاصير المدارية، أو ما إذا كان سيغير مدى شدة الرياح الموسمية.
تشير بعض الأبحاث إلى أن ارتفاع درجات حرارة البحر يمكن أن يؤدي في الواقع إلى تثبيط تكوين السحب بسبب الحمل الحراري؛ ما قد يعني حالات جفاف إقليمية لبلدان القارة البحرية.
وللمساعدة في معرفة الإجابة عن هذا السؤال، أطلق باحثون طائرة مزوّدة بمعدات قامت بالعديد من مهام القياس من مدينة كيرنز الأسترالية في وقت سابق من هذا العام، بما في ذلك التوجه إلى البحار إلى القارة البحرية. وقام هؤلاء بقياس تركيزات جزيئات الغلاف الجوي؛ حيث يأملون أن تساعد البيانات التي تم جمعها على وضع نماذج الطقس على قياس ما تعنيه البحار الاستوائية الأكثر سخونة للعالم بشكل أفضل. في النهاية٬ فإن حالة عدم اليقين هذه تعني أن القارة البحرية تستحق النظر.