أزمة سياسية جديدة اشتعلت في القرن الأفريقي وعلى أعتاب البحر الأحمر، بعد تأجير إثيوبيا لميناء في جمهورية أرض الصومال الانفصالية، وشريط ساحلي، في إطار ما يبدو أنه خطة معلنة لآبي أحمد لخلق إمبراطورية إثيوبية تتوسع نحو البحر الأحمر.
ففي الأول من يناير/كانون الثاني، أصدر آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، وموسى بيهي عبدي، جمهورية أرض الصومال الانفصالية التي تعد وفقاً للقانون الدولي جزءاً من الصومال، إعلاناً مفاجئاً، في مؤتمر صحفي في أديس أبابا، عاصمة إثيوبيا، كشفا فيه أن إثيوبيا الدولة غير الساحلية ستستأجر ميناء بحرياً وشريطاً ساحلياً بطول 20 كيلومتراً في الدولة الصومالية الانفصالية. وفي المقابل، ستحصل أرض الصومال على أسهم في الخطوط الجوية الإثيوبية، وربما تحصل على اعتراف دبلوماسي رسمي من قبل الحكومة الإثيوبية. وهذا من شأنه إن تم أن يجعل إثيوبيا أول دولة تعترف رسمياً بالمستعمرة البريطانية السابقة، التي أعلنت استقلالها عن بقية الصومال قبل أكثر من ثلاثة عقود.
تفاصيل الاتفاق بين إثيوبيا وجمهورية أرض الصومال الانفصالية
واتفاقية الوصول إلى ميناء بربرة في جمهورية أرض الصومال ليست ملزمة قانوناً حتى الآن، ولكن يعتقد أنه سيكون هناك مفاوضات مكثفة في الأشهر المقبلة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى معاهدة قابلة للتنفيذ بين إثيوبيا وجمهورية أرض الصومال الانفصالية غير المعترف بها دولياً.
وتنص مذكرة التفاهم على أن تتمكن إثيوبيا من الوصول إلى مضيق باب المندب في خليج عدن عبر ممر ستستأجره من أرض الصومال لمدة 50 عاماً. ويمكن لإثيوبيا إنشاء قاعدة عسكرية ومنشآت تجارية هناك. وفي المقابل، ستحصل أرض الصومال على حصة لم تحدد من الخطوط الجوية الإثيوبية.
وفقاً للاتفاق يمكن لإثيوبيا إنشاء قاعدة عسكرية ومنشآت تجارية هناك.
وبينما قال رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي إن إثيوبيا ستعترف رسمياً ببلاده كدولة ذات سيادة، قالت أديس أبابا إن هذه القضية لا تزال قيد التقييم.
وأثارت مذكرة التفاهم غضب حكومة الصومال في مقديشو المعترف بها دولياً، وطلبت عقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب، كما قوبل الاتفاق بانتقادات حادة من قبل مصر والسودان والجامعة العربية.
وعقدت الحكومة الصومالية برئاسة رئيس الوزراء حمزة عبدي بري اجتماعاً طارئاً عقب الصفقة، ووصفت الاتفاق بأنه "باطل وملغى"، وطلبت من الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عقد اجتماعات بشأن هذه القضية. كما استدعت الصومال سفيرها لدى إثيوبيا لإجراء مشاورات عاجلة.
وألقى الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، خطاباً حازماً أمام البرلمان بعد ظهر الثلاثاء الماضي، تعهد فيه بالدفاع عن سيادة بلاده، وقال: "إن الصومال ملك للصوماليين"، مضيفاً: "سوف نحمي كل شبر من أرضنا المقدسة ولن نتسامح مع محاولات التخلي عن أي جزء منه".
وشدّد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على وجوب احترام سيادة الصومال بعد الاتفاق، وقال الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، إنّ احترام سيادة الصومال هو "مفتاح" السلام في القرن الأفريقي، بينما طالب الاتحاد الأفريقي بالتهدئة.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر للصحفيين إن "الولايات المتحدة تعترف بسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية ووحدة أراضيها".
وأضاف ميلر: "نحن ننضم إلى الشركاء الآخرين في التعبير عن قلقنا العميق إزاء تفاقم التوترات في القرن الأفريقي، وحضّ كل الأطراف المعنية على الانخراط في حوار دبلوماسي".
الصومال تخشى الاستيلاء على أراضيها وتفتيت وحدة البلاد نهائياً
كان رد فعل السلطات في مقديشو، عاصمة الصومال، غاضباً بشكل خاص بسبب الأنباء التي تفيد بأن إثيوبيا مستعدة للتخلي عن التزامها بسياسة الاتحاد الأفريقي القائمة منذ فترة طويلة ضد إعادة رسم الخريطة القارية، في إشارة إلى أن الاتفاق قد يكون تمهيداً للاعتراف الإثيوبي بجمهورية أرض الصومال أو ضم الميناء والشريط الساحلي الذي تضمنه الاتفاق.
ويشتكي أحد مستشاري حسن شيخ محمود، الرئيس الصومالي، من أن "آبي يفسد الأمور في الصومال". وقبل ثلاثة أيام فقط، وقع الرئيس الصومالي ورئيس جمهورية أرض الصومال غير المعترف بها دولياً، السيد عبدي، اتفاقاً بوساطة رئيس جيبوتي المجاورة، لاستئناف المحادثات بشأن الوضع الدستوري المتنازع عليه في أرض الصومال، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the Economist البريطانية.
وهذه الصفقة الرامية لتوحيد الشطرين أصبحت الآن في حالة يرثى لها.
وفي أعقاب اجتماع طارئ لمجلس الوزراء الصومالي في 2 كانون الثاني/يناير، أعلنت مقديشو أن الاتفاقية الجديدة "ملغاة وباطلة" واستدعت سفيرها من أديس أبابا. وحث رئيس الصومال آبي أحمد على إعادة النظر، وقال إن الصفقة لن تؤدي إلا إلى زيادة الدعم لحركة الشباب، الجماعة الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي تسيطر على جزء كبير من الريف، والتي ظهرت لأول مرة رداً على غزو إثيوبيا للصومال في عام 2006.
آبي أحمد يبدأ في تحقيق حلمه بالتوسع بحراً
وعلى النقيض من ذلك، صور آبي الاتفاق على أنه انتصار دبلوماسي يحقق سعي إثيوبيا المستمر منذ عقود للوصول المباشر إلى البحر. في الأشهر الأخيرة، أثار رئيس الوزراء قلق المراقبين ودول المنطقة من خلال دعوات عدوانية لسكان إثيوبيا البالغ عددهم نحو 120 مليون نسمة للهروب مما سماه "السجن الجغرافي".
وكان لدى إثيوبيا ميناءان بالإضافة إلى قوات بحرية، إلا أنها خسرت هذين الميناءين عندما انفصلت إريتريا، لتشكل دولة خاصة بها في عام 1993. ومنذ الحرب الحدودية الدموية بين عامي 1998 و2000، والتي حرمتها من الوصول إلى إريتريا.
ومنذ ذلك الحين، اعتمدت إثيوبيا على جيبوتي في التجارة الدولية، حيث يمر أكثر من 95% من وارداتها وصادراتها عبر ممر أديس أبابا-جيبوتي، وفقاً للبنك الدولي. حيث إن الرسوم البالغة 1.5 مليار دولار سنوياً التي تنفقها إثيوبيا لاستخدام موانئ جيبوتي هي مبلغ ضخم بالنسبة لدولة وجدت صعوبة في خدمة ديونها الضخمة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة the New York Times الأمريكية.
لسنوات، سعت الحكومة الإثيوبية إلى تنويع الوصول إلى موانئها البحرية، بما في ذلك استكشاف الخيارات في السودان وكينيا. وفي عام 2018، وقعت صفقة مع أرض الصومال وموانئ دبي العالمية، للاستحواذ على حصة 19 بالمئة في ميناء بربرة، مع لكن الصفقة فشلت.
لقد أوضح آبي منذ فترة طويلة طموحاته في جعل إثيوبيا قوة على البحر الأحمر وفي مضيق باب المندب، أحد أكثر ممرات الشحن ازدحاماً والأكثر إثارة للجدل الجيوسياسي في العالم. وقد تم الترحيب باتفاقية السلام مع إريتريا، والتي حصل بسببها على جائزة نوبل في عام 2019، في ذلك الوقت باعتبارها فرصة لإثيوبيا لاستعادة الوصول المعفى من الضرائب إلى موانئ جارتها. كما روج رئيس الوزراء الإثيوبي لاتفاق غامض مع الرئيس الصومالي السابق، محمد عبد الله محمد، يقضي بأن تستخدم إثيوبيا أربعة موانئ لم يذكر اسمها على طول ساحل الصومال، بما في ذلك ميناء أرض الصومال. ولم يتحقق أي منهما، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن آبي أحمد شن حرباً كارثية تركزت على منطقة تيغراي شمال إثيوبيا في عام 2020، وأيضاً لأن سلطة الحكومة المركزية في الصومال بالكاد تمتد إلى خارج مقديشو.
تصريحات عدوانية عن أن البحر الأحمر يمثل حدود إثيوبيا التاريخية
وفي الآونة الأخيرة، أعرب دبلوماسيون ومحللون أجانب عن قلقهم من أن رئيس وزراء إثيوبيا، الذي يتحول بدوره إلى مسيحاني ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته، يخطط لخوض حرب مع إريتريا من أجل الاستيلاء على شريحة من ساحلها.
أصبح آبي أحمد أكثر عدوانية بشأن طموحات بلاده في الحصول على ميناء على طول ساحل شرق أفريقيا. وفي تصريحات بثّها التلفزيون الحكومي في أكتوبر/تشرين الأول، قال إن حكومته بحاجة إلى إيجاد طريقة لإخراج شعبها البالغ عدده 126 مليون نسمة من "سجنهم الجغرافي". وأشار أيضاً إلى محاربي إثيوبيا من القرن التاسع عشر أعلنوا البحر الأحمر باعتباره "الحدود الطبيعية" لإثيوبيا.
وحذر من أن الفشل في تأمين هدف الوصول للبحر الأحمر قد يؤدي إلى الصراع.
وهزّت هذه التعليقات المنطقة، حيث أعربت الصومال وإريتريا وجيبوتي عن غضبها وقالت إنها ستعارض أية محاولة للتعدي على أراضيها.
وأعرب المراقبون والمسؤولون عن قلقهم من أن السيد آبي قد يبدأ حرباً أخرى حيث يواجه انقسامات داخلية، وبعد عام واحد فقط من انتهاء الصراع العنيف في منطقة تيغراي شمال البلاد، ما دفع آبي إلى التراجع عن تصريحاته.
وقالت سميرة جيد، كبيرة محللي شؤون القرن الأفريقي في شركة بلقيس إنسايتس، وهي شركة استشارية بحثية في العاصمة الصومالية مقديشو، إن المنطقة بأكملها كانت غاضبة من هذه التصريحات: "لقد كان الجميع على علم منذ ذلك الحين بكيفية رغبة دولة مهيمنة إقليمية مثل إثيوبيا في الوصول إلى البحر"، حسب ما نقلت عنها صحيفة the New York Times.
ومع ذلك، يستطيع آبي أن يدعي الآن أنه حقق أهدافه من خلال الدبلوماسية بدلاً من القوة. وأعلن في فيديو ترويجي صدر يوم 1 يناير/كانون الثاني: "وفقاً للوعد الذي قطعناه مراراً وتكراراً لشعبنا، أدركنا الرغبة في الوصول إلى البحر الأحمر". "ليست لدينا الرغبة في إكراه أي شخص بالقوة".
الاتفاق يمثل فرصة لرئيس أرض الصومال للتغلب على معارضيه
بالنسبة لقادة أرض الصومال الانفصالية، يمثل هذا الاتفاق انفراجة في سعيهم المستمر منذ ثلاثة عقود للحصول على الاعتراف الدولي. وفي الواقع، يعتقد بعض الدبلوماسيين الأجانب أن دولة الإمارات العربية المتحدة، المقربة أيضاً من حكومة أرض الصومال، ربما لعبت دوراً في التوسط في الصفقة، وفقاً لتقرير صحيفة the Economist البريطانية.
واتحدت أرض الصومال، والتي كانت محمية بريطانية سابقة تسمى الصومال البريطاني، مع الصومال الإيطالي في عام 1960 بعد الاستقلال، لكنها انفصلت بعد ذلك في عام 1991 بعد اندلاع حرب أهلية تركزت في مقديشو.
وتجري أرض الصومال انتخاباتها الخاصة، وتصدر جوازات سفرها الخاصة، وتطبع عملتها الخاصة، ووقعت صفقات استثمار دولية، بما في ذلك مع شركة موانئ دبي العالمية المحدودة في دبي لتوسيع مينائها الرئيسي، ومع شركة جينيل إنيرجي ومقرها لندن للتنقيب عن النفط. لكنها فشلت في الحصول على اعتراف دولي يسمح لها بتلقي التمويل والمساعدات من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي، حيث لم تعترف سوى تايوان باستقلالها حتى الآن.
وقد وصلت عدة جولات من المفاوضات بين الصومال وأرض الصومال بهدف حل خلافاتهما إلى طريق مسدود، وتم الإعلان عن استئناف المحادثات قبل أيام من إعلان الاتفاق مع إثيوبيا. وزعم إدنا آدان، المبعوث الخاص لأرض الصومال، أن الإقليم يتمتع بسلطة التوقيع على أية اتفاقيات يريدها ولا يحتاج إلى إخطار أي شخص آخر أو الحصول على موافقة منه، حسب ما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
وتعتبر أرض الصومال منطقة هادئة بشكل كبير مقارنة ببقية مناطق الصومال.
ولكن رئيس أرض الصومال الذي وقع هذا الاتفاق المثير للجدل يواجه أزمة داخلية، حيث تجاوز عبدي، الذي وصل إلى السلطة في أواخر عام 2017، فترة ولايته، ويعمل في ظل هيكل موسع لا تعترف به المعارضة السياسية في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، واجهت حكومته تحدياً كبيراً في بلدة لاس عانود، حيث تقول جماعات حقوق الإنسان إن عشرات المدنيين قتلوا وجرحوا في القتال بين السلطات وأفراد عشيرة محلية.
وقالت جيد أنه بالنظر إلى كل هذه التحديات، فإن "هذه الصفقة هي شريان الحياة" لرئيس جمهورية أرض الصومال، وتوفر له أكبر فرصة ليخرج الآن بقدرة أكبر على المساومة".
تأثيرات على منطقة الشرق الأوسط برمتها
وجاء إعلان الصفقة في الوقت الذي استضاف فيه آبي أحمد أمير الحرب القوي في السودان، محمد حمدان دقلو (المعروف باسم حميدتي)، الذي تقترب قواته شبه العسكرية، من النصر على الجيش السوداني.
ومن هذا المنظور، فإن القاعدة العسكرية الإثيوبية في أرض الصومال هي الخطوة الأخيرة في خطة لتأمين مجال النفوذ الإماراتي في جميع أنحاء منطقة الخليج الأوسع والقرن الأفريقي، حسب وصف صحيفة the Economist البريطانية.
ورغم أن حكام إريتريا قد يشعرون بالارتياح لأن آبي أحمد حصل على هدفه بميناء على المحيط الهندي وبالتالي قد يصرف النظر عن فكرة انتزاع ميناء على البحر الأحمر منهم، فإن احتمال وجود بحرية إثيوبية على أعتابهم، على الرغم من أنه بعيد المنال، لن يكون موضع ترحيب.
كما أن جيبوتي، التي من المتوقع أن تخسر المنافسة على التدفقات التجارية إلى إثيوبيا، غير سعيدة أيضاً. ومن المحتمل أيضاً أن تثير الصفقة استياء مصر والمملكة العربية السعودية.
وبينما ناشد الصومال الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التدخل. ولكن تقول the Economist كما لاحظ أحد الدبلوماسيين الغربيين، فإن "هذا هو العصر الذي لن يقف فيه أحد في طريقك إذا كنت قاسياً ومتهوراً". وهذا هو الدرس الذي أخذه آبي على محمل الجد منذ فترة طويلة.