انطلق العام الدراسي الجديد بالمدارس المصرية الحكومية والخاصة والدولية، إذ انتظم أكثر من 25 مليون طالب في ما يقرب من 60 ألف مدرسة موزعين على المحافظات المختلفة، وسط حالة من الارتباك والسخط التي سادت بين المعلمين وأولياء الأمور والطلاب.
وتسببت الإجراءات العديدة التي اتخذها وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف، في تعميق المشكلات بدلاً من حلها، وتزايدت الشكاوى من عدم وجود معلمين في الفصول الدراسية جراء العجز الذي وصل إلى 470 ألف معلم.
وقررت وزارة التربية والتعليم المصرية هذا العام التوسع في الاعتماد على الفترات المسائية، إذ يتم استغلال المبنى المدرسي ليتواجد فيه الطلاب صباحًا ويحل مكانهم آخرون في المساء وهو ما يجعل اليوم الدراسي ينتهي في السادسة مساءً.
وحدد وزير التعليم معدلات الكثافات في الفصول لتتراوح ما بين 47 طالبًا و52 طالبًا على أقصى تقدير وعمد إلى استغلال الفراغات الموجودة في المدارس لاستيعاب الطلاب، لكنه في الوقت ذاته لم يقدم على تعيين معلمين جدد يستطيعون استيعاب القرارات التي قادت إلى توفير 100 ألف فصل دراسي جديد هذا العام.
صعوبة توفير مدرسين
وكشف مصدر مطلع بوزارة التربية والتعليم، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، عن أن أيام الدراسة الأولى كانت شاهدة على مجموعة من المشكلات في مقدمتها عدم قدرة المديريات التعليمية على توفير العدد الكافي من المعلمين للطلاب.
وأضاف المصدر نفسه أن الموازنات التي حددتها وزارة المالية تكفي للتعاقد مع نحو 50 ألف معلم، بينما العجز يقترب من نصف مليون معلم، والأكثر من ذلك أن إجراءات تسكينهم داخل المدارس لم تنته بعد، بانتظار بعض الإجراءات الإدارية المرتبطة بتوزيعهم على الإدارات التعليمية المختلفة.
وأشار المصدر نفسه الذي تحدث لـ"عربي بوست" إلى أن المديريات وجدت صعوبة في جذب المعلمين الجدد، إذ إن معلمي الحصة المتواجدين حاليًا لم يحصلوا على المكافآت الخاصة بهم من العام الدراسي الماضي.
وأضاف المصدر ذاته، أن الوزارة أرسلت تعليماتها إلى المديريات التعليمية بفتح باب التطوع على نحو كبير، كما أن المدارس تنتظر توزيع طلبات الخدمة العامة عليها، وهناك مساع لإقناع المعلمين بالحصول على نصاب حصص مضاعف قد يوفر لهم 4500 جنيه شهريًا في حال حصل كل معلم على 22 حصة إضافية في الأسبوع.
لكن، حسب المتحدث نفسه، هناك صعوبة في تحقيق ذلك على أرض الواقع لأن أغلب المدرسين يكون لديهم نفس هذا العدد ومن الصعب مضاعفته وسيكون المعلمون بحاجة للعمل ما يقرب من 12 ساعة يوميًا.
وشدد المصدر ذاته على أن إصرار وزير التربية والتعليم على أن تكون الكثافة الطلابية في الفصل الواحد 50 طالبًا فقط، أمر يواجه صعوبات عديدة أثناء تطبيقه، وليس من المستبعد التراجع عنه أو منح المديريات والإدارات التعليمية حرية الحركة نحو زيادة الكثافة أو مضاعفتها لتصل إلى 100 طالب.
وفي تلك الحالة أيضًا لن يكون هناك كثافات كالتي كانت حاضرة في العام الدراسي الماضي والتي وصلت إلى 150 و180 طالبًا في الفصل الواحد، والأمر يتوقف على مدى قدرة المدارس على توفير المعلمين للطلاب.
تسكين مدرسين على غير موادهم
وقال المصدر نفسه، الذي تحدث لـ"عربي بوست" إن هناك أزمة ترتبط بأكثر من 90 ألف معلم للغة الفرنسية هؤلاء يمكن الاستفادة من نصفهم تقريبًا في حال استجابوا لفتح باب التحويل لتدريس مناهج أخرى، وهناك إصرار لدى البعض منهم على البقاء كمعلمين لهذه المادة التي جرى إلغاؤها من ضمن مواد المرحلة الثانوية.
وأصبحت مادة غير مضافة للمجموع ويدرسها الطلاب مرة واحدة فقط في الأسبوع، وهناك العديد من المشكلات التي تتعلق بكيفية توظيف هؤلاء لأن تسكينهم على مواد أخرى لا يضمن معرفتهم بها وسيكون الطالب المتضرر الأكبر.
وشدد على أن وزارة التربية والتعليم كان من المقرر أن تعلن بشكل رسمي عن مناهج المرحلة الثانوية مع بدء العام الدراسي، لكن مع وجود شكاوى حول المناهج التي تم إعلانها بصفة تجريبية تقوم الوزارة الآن بإجراء تعديلات عليها، وهو ما يجعل أكثر من 3000 مدرسة وما يقرب من 2 مليون طالب ينتظرون إتاحتها إليهم، ويقود ذلك لحالة من الارتباك بشأن ضرورة عدم التأخر في إتاحة هذه المواد مبكرًا تحديدًا لطلاب الشهادة الثانوية (البكالوريا).
وذكر أن هناك أزمة أخرى تُثار هذا العام تتعلق بما يقرب من 300 ألف طالب بشأن عدم تسليمهم الكتب المدرسية أو التابلت المدرسي، وهؤلاء يمثلون طلاب المرحلة الثانوية في المدارس الخاصة بعد أن قررت وزارة التربية والتعليم هذا العام عدم تسليمهم التابلت والاكتفاء فقط بطلاب المدارس الحكومية.
والسبب في ذلك هو توقف طباعة كتب المرحلة الثانوية منذ خمس سنوات، وليس معروفًا حتى الآن الوسيلة التي سيتم من خلالها إتاحة المناهج للطلاب، لا تزال الوزارة تشرع في إتاحة منصة رقمية تتوفر عليها كافة المناهج والمراجعات والتدريبات.
مصروفات الطلاب لا تذهب للمدارس
أكد وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف، أن قرار إعادة هيكلة الثانوية العامة تم من خلال دراسة قام بإجرائها المركز القومي للبحوث التربوية ومن خلال تربويين متخصصين حول نظام التعليم في أهم 20 دولة في العالم.
وأكد أن الهدف من هذا القرار هو إتاحة الفرصة للمعلم لأداء عملية تعليمية جيدة داخل الفصل، بعدد ساعات معتمدة للمواد الأساسية، بحيث يكون لديه الفرصة والوقت لتدريس المحتوى، وكذلك تنمية مهارات الطلاب.
وأضاف أنه في الوضع السابق كان لدينا 32 مادة تُدرس خلال الفصل الأول والثاني والثالث الثانوي، في حين أن الأسبوع الدراسي يحتوي على 5 أيام حضور للدراسة فقط ويتضمن اليوم الدراسي 7 أو 8 حصص بحيث يصل عدد الحصص خلال الأسبوع إلى 35 حصة.
وحسب المتحدث كانت هناك صعوبة في تقسيم المواد الدراسية على عدد الحصص خلال الأسبوع، وتم اتخاذ القرار بتخفيض عدد المواد وتقليل محتوى المناهج بما يتناسب مع الخريطة الزمنية للعام الدراسي.
وأشار الوزير إلى أن الكثافة الطلابية بلغت 150 طالبًا وأكثر في فصول بعض المدارس في الإدارات المزدحمة، ولا يستطيع أي معلم أن يقوم بالتدريس لكل هذا العدد من الطلاب، وتم وضع حلول بعد زيارات ميدانية ولقاءات مكثفة مع مديري المدارس والإدارات التعليمية على مستوى الجمهورية، بحيث يتم اختيار الآليات المناسبة لكل إدارة تعليمية وفق الواقع والإمكانيات المتاحة التي تتوافق مع طبيعة كل إدارة، والقابلة للتنفيذ.
لكن بحسب مدير إحدى المدارس، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، فإن قرارات الوزير يصعب تطبيقها على أرض الواقع، فرغم أنه نجح بالفعل في توفير أربع غرف بالمدرسة وتحويلها إلى فصول، إلا أن الوزارة لم تقم بدورها في تجهيز هذه الفصول.
وقال المتحدث إنه أضحى لزامًا على إدارة المدرسة شراء المقاعد والسبورات للطلاب، ويتطلب ذلك تكلفة باهظة لا تتحملها المدرسة التي تجد نفسها مقيدة في أوجه الصرف ولا يصل إليها مصروفات الطلاب، مع أنهم ازدادت، وإنما تذهب مباشرة إلى المديريات التعليمية والوزارة.
وشدد على أنه اضطر للتوسع في الحصول على تبرعات من أولياء أمور الطلاب، حيث تكفل الأهالي بتجهيز هذه الفصول، من خلال ربط عملية التحويل بشراء ولي الأمر مقعدًا مدرسيًا أو مروحتي، وواجهتنا مشكلة متعلقة بأن بعض الأسر لا تستطيع شراء هذه التجهيزات، وكان لزامًا علينا قبولهم، كما أن إدارة المدرسة وقعت في مخالفات إدارية لكن ليس هناك سبيل آخر لضمان انتظام الدراسة في اليوم الأول.
وأشار إلى أنه بعد أن قام بتجهيز الفصول واجهته أزمة أخرى أكبر تتمثل في عدم وجود معلمين، وأنه ناشد الإدارة التعليمية لتلبية العجز لديه حيث أنه بحاجة إلى ما يقرب 12 معلم في مواد دراسية مختلفة، وإلا فإنه سيكون مضطرًا لضم الفصول مرة أخرى وعدم الالتزام بتعليمات الوزارة بتحديد 50 طالبًا في الفصل الواحد.
حالة فوضوية
وقال مصدر مطلع بوزارة التربية والتعليم، إن قرارات الوزارة المرتبطة بالاستفادة القصوى من معلمي المواد التي تم إلغاؤها والأخرى التي أصبحت لا تضاف للمجموع، لم يتم تنفيذها على أرض الواقع وكان من المقرر توفير ما يقرب من 100 ألف معلم لسد العجز غير أن المعلمين واجهوا ذلك بقدر من التمرد.
كما أن قرارات الوزارة المرتبطة بإتاحة تدريس المواد وفقًا للمؤهل الدراسي القريب من هذا التخصص لم يتم تطبيقها بالصورة الصحيحة وهناك ارتباط بين المعلمين والمواد التي يقومون بتدريسها منذ سنوات طويلة، إلى جانب الغضب الذي اشتعل لدى موجهي بعض التخصصات نتيجة رغبة بعض المعلمين في التحويل إلى مواد أخرى في وقت يعانون فيه هم بالأساس من عجز في المعلمين وهو ما تسبب في حالة فوضوية تحاول الوزارة التعامل معها.
وشدد على أن معلمي اللغة الفرنسية ليس لديهم المؤهلات الكافية لتدريس اللغة الإنجليزية، وكذلك الوضع بالنسبة لمعلمي علم النفس فهؤلاء أيضًا غير مؤهلين لتدريس الدراسات الاجتماعية، ومن المفترض عقد مجموعة من التدريبات للمعلمين لكنها ستأخذ مزيدًا من الوقت لحين الانتهاء منها. مشيرًا إلى أن الوزارة تعاني مشكلات أخرى مرتبطة بالالتزام بتعيين 30 ألف معلم سنويًا ورغم أن المخطط كان تعيين 150 ألف معلم في غضون خمس سنوات إلا أنه في خلال ثلاث سنوات لم يتم تعيين سوى 30 ألف معلم فقط وهناك مشكلات جمة تواجه عملية الاختبارات العديدة التي يترتب عليها استبعاد العديد من الفائزين في المسابقات.