في وقت ما زال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يكرر تهديداته باجتياح مدينة رفح في جنوب قطاع غزة، قامت حكومة الاحتلال بتقليص القوات الإسرائيلية في غزة وسحب معظمها باستثناء لواء واحد.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن القوات الإسرائيلية التي انسحبت من قطاع غزة الأحد فعلت ذلك استعداداً لعمليات مستقبلية، وقال خلال اجتماع مع مسؤولين عسكريين إسرائيليين، إن "القوات تخرج وتستعد لمهامها المقبلة، وقد رأينا أمثلة على مثل هذه المهام في عملية مستشفى الشفاء، وكذلك مهمتها القادمة في منطقة رفح".
وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي في وقت سابق الأحد، إن الفرقة 98، التي كانت متمركزة في جنوب قطاع غزة في الأشهر الأخيرة، وخاصة في منطقة خان يونس، قد خرجت من القطاع، حسبما ورد في تقرير نشر في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية "Ynet".
كما بدأ اللواء المدرع السابع انسحابه من قطاع غزة مساء السبت، بعد انخراطه في القتال في القطاع منذ بدء العمليات البرية في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وعمل اللواء المدرع السابع خلال الأشهر الثلاثة الماضية في خان يونس ضمن الفرقة 98، وقبل ذلك كان يتمركز في شمال ووسط غزة ضمن الفرقة 36. ويمثل هذا مزيداً من التخفيض لقوات الجيش الإسرائيلي في غزة.
وفي الوقت الحالي، يظل لواء ناحال، الذي يسيطر على شارع 749 الذي يقسم قطاع غزة، هو الوحدة الوحيدة التي لا تزال تعمل هناك.
قال قادة كبار في جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأحد 7 أبريل/نيسان 2024، إن الانسحاب من مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، جاء بسبب "الإرهاق القتالي" وليس كبادرة للترويج لصفقة تبادل أسرى، وبسبب "استنفاد القدرات القتالية والاستخباراتية في المنطقة".
ونقلت صحيفة "هآرتس" عن قادة كبار في جيش الاحتلال الإسرائيلي فضلوا عدم الكشف عن أسمائهم، فإن "الجيش يدرك منذ فترة طويلة أن الوجود المستمر للمقاتلين في جنوب القطاع دون التقدم إلى مناطق قتال جديدة يعرّض حياتهم للخطر".
هل الهدف من سحب أغلب القوات الإسرائيلية فتح جبهة أخرى؟
في اليوم ذاته لإعلان سحب معظم قواته من غزة، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأحد 7 أبريل/نيسان 2024، إنه أكمل مرحلة أخرى من الاستعداد لحرب محتملة على جبهته الشمالية مع لبنان وسوريا، وأضاف في بيان بعنوان "الاستعداد للانتقال من الدفاع للهجوم"، "على مدى الأيام القليلة الماضية، اكتملت مرحلة أخرى من استعداد القيادة الشمالية للحرب، مع التركيز على مخازن الطوارئ التشغيلية لتعبئة واسعة النطاق لقوات الجيش الإسرائيلي عند الحاجة".
وفيما بدا أنه محاولة أمريكية للتقليل من احتمال دخول إسرائيل جبهة جديدة أو معارك أخرى، علق جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض على تقليص القوات العسكرية الإسرائيلية في جنوب قطاع غزة قائلاً يبدو أنه "راحة وتجديد"، ولا يشير بالضرورة إلى أي عمليات جديدة، وذلك عكس ما تشير إليه تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي
وقال كيربي في مقابلة مع قناة "إيه.بي.سي نيوز" اليوم الأحد: "كما نفهم الأمر ومن خلال إعلاناتهم، فإن الأمر يتعلق فقط بتوفير الراحة والتجديد لهذه القوات.. ولا نقول إنها تدل بالضرورة على بعض العمليات الجديدة القادمة لهذه القوات".
في غضون ذلك، جدد نتنياهو الذي تلقى أول إنذار من الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ بداية الحرب التأكيد على أهدافه التقليدية من المعارك، إذ قال: "نحن مصممون على تحقيق النصر الكامل في الحرب، وإعادة جميع أسرانا، واستكمال القضاء على حماس في جميع أنحاء قطاع غزة، بما في ذلك رفح، وضمان ألا تشكل غزة تهديداً لإسرائيل".
أسباب اقتصادية قد تكون وراء قرار تقليص القوات الإسرائيلية في غزة
ويخفض جيش الاحتلال أعداد قواته في غزة منذ بداية العام للتخفيف من عدد جنود الاحتياط الذين يمثلون قوام الأيدي العاملة الإسرائيلية.
وانكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 7% مع نشوب الحرب وكان جزءاً كبيراً من خسائره مرتبطاً بإخراج العمال من وظائفهم.
كما قد يكون تقليص قوات الاحتلال بغزة قد جاء تحت ضغط متزايد من حليفة إسرائيل الرئيسية واشنطن لتحسين الوضع الإنساني، حسبما ورد في تقرير لوكالة رويترز.
غموض حول تأثير القرار على عملية رفح
ليس من الواضح ما إذا كان الانسحاب سيؤخر التوغل الذي هدد به الاحتلال منذ فترة طويلة في مدينة رفح بجنوب غزة، والذي يقول نتنياهو إنه ضروري للقضاء على حماس.
وقال سكان فلسطينيون في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، والتي تعرضت لقصف إسرائيلي في الأشهر الأخيرة، إنهم رأوا القوات الإسرائيلية تغادر وسط المدينة وتتراجع إلى المناطق الشرقية.
وفي الوقت نفسه، تستعد مصر لاستضافة جولة جديدة من المحادثات التي تهدف إلى التوصل إلى وقف إطلاق النار واتفاق إطلاق سراح الرهائن، والتي قالت إسرائيل وحماس إنهما ستحضرانها.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الأحد 7 أبريل/نيسان 2024، إن إسرائيل لن توافق على وقف إطلاق النار حتى يتم إطلاق سراح الأسرى المحتجزين في القطاع الفلسطيني.
وزعم أن "إسرائيل ليست هي التي تعرقل التوصل إلى اتفاق، بل حماس هي التي تعرقل التوصل إلى اتفاق بسبب مطالبها التي وصفها بالمتطرفة، والتي تهدف إلى إنهاء الحرب مع الحفاظ على حكمها، وضمان بقائها وإعادة تأهيلها".
وأردف قائلاً: "ولكن الاستسلام لمطالب حماس سيمكنها من تكرار هجوم7 أكتوبر/تشرين الأول 2023".
ورغم وعيد الاحتلال بشن هجوم على رفح، فإن تقليص القوات الإسرائيلية في غزة إلى لواء واحد، مؤشر على أن مثل هذا الهجوم إن حدث لن يكون كبيراً، وقد يكون تشبيه وزير الدفاع الإسرائيلي الهجمات المحتملة القادمة بهجوم مستشفى الشفاء، مؤشر على أن تل أبيب تريد تقليص القوات الإسرائيلية في غزة وسحب معظمها مع احتفاظ الاحتلال بالقدرة على تنفيذ هجمات خاطفة تثير الرعب بين الفلسطينيين وترضي الجمهور الإسرائيلي المتعطش للدماء أكثر من كونها تحقق أهدافاً عسكرية كبيرة,
القوات الإسرائيلية تعاني من أجل السيطرة على غزة
وتتناقض أعداد القوات الحالية بشكل صارخ مع 360 ألف جندي احتياط تم حشدهم لمواجهة الهجوم الذي قادته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول.
ومع وجود لواء واحد فقط في جنوب غزة – تعاني قوات الاحتلال من أجل السيطرة على الأراضي والاحتفاظ بها في ظل وجود مئات الأميال غير معروفة من الأنفاق التي تسمح للمقاتلين الفلسطينيين بالتنقل، بمساعدة ما يبدو أنها شبكة أنفاق لا تزال صالحة للاستعمال، والتي قال مسؤول استخبارات غربي لـ"بي بي سي" في فبراير/شباط الماضي إن تقليص حجمها بمقدار الثلث فقط، أجبر القوات الإسرائيلية على القيام بمطاردة مميتة عبر القطاع.
وبعد مرور ستة أشهر على الحرب، سرد نتنياهو ما اعتبرها "إنجازات هامة" حققتها إسرائيل، بما في ذلك تفكيك "19 كتيبة من أصل 24 كتيبة تابعة لحماس، بما في ذلك كبار القادة". وكرر مزاعمه عن تطهير تجمعات المقاومة في مستشفى الشفاء بمدينة غزة ومراكز القيادة الأخرى.
ولكن يبدو أن هدف إسرائيل بالقضاء على حماس بعيد المنال، فأولاً الاحتلال يتحدث دوماً عن تفكيك كتائب حماس وليس تدميرها أو قتل أعضائها، وتفكيك مصطلح فضفاض للغاية، خاصة مع حركة مقاتلة مثل حماس وليست جيشاً رسمياً، إذ تستطيع الحركة إعادة بناء ودمج الكتائب التي تصفها إسرائيل بالمفككة.
وتزعم إسرائيل أنها قتلت نحو 12 ألف مقاتل، حسبما ورد في مقال للكاتب المتخصص في الحركات الإسلامية سيمون سبيكمان كوردال نشر بموقع قناة الجزيرة بالإنجليزية.
ولكن ليس هناك أدلة على صحة هذا الرقم، وفي المقابل قدر مصدر غزاوي مطلع في حديث مع عربي بوست عدد شهداء حماس قبل نحو أسبوعين بخمسة آلاف، في حين أن مقاتلي حماس يقدرون بنحو 40 ألفاً، إضافة إلى آلاف من مقاتلي الفصائل الأخرى.
وما تريده إسرائيل في غزة لا يزال غير واضح، ولا يوجد إجماع فلسطيني أو دولي أو إسرائيلي حول من سيدير القطاع في المستقبل.
ويبدو أن مشروع إيجاد بديل لحكم غزة من بعض المجموعات العشائرية قد فشل، وخيار تجويع الشعب الفلسطيني لينفض من حول المقاومة، قد أصبح يثير جدلاً عالمياً، والهجوم على رفح قد يسبب كارثة، إضافة لشكوك حول جدواه العسكرية.
كما أن عودة قوات الاحتلال إلى غزة بالأعداد اللازمة لاحتلال القطاع بشكل دائم ستكون عملية مكلفة.
كل ذلك يؤشر لأن إسرائيل تطيل الحرب لأنها فشلت في وضع خطة لليوم التالي للحرب، عكس حماس على ما يبدو.
إذ تقول صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية إن حماس تحافظ على قواتها لليوم التالي للحرب، حيث رصدت وسائل عربية تغييرات في تكتيكات الحركة بهدف الحفاظ على بنيتها القتالية، وتتبنى سياسة تقوم على شن هجمات انتقائية ضد جنود الاحتلال.
لكن كبار مسؤولي حماس يهددون بأن الدخول إلى جنوب مدينة غزة سيكون "قصة مختلفة تماماً".
أمريكا تحذر إسرائيل من أن حماس ستقاومها لسنوات قادمة
وقالت الولايات المتحدة في تقييم عن الوضع في غزة صدر في مارس/آذار 2024 إن إسرائيل "ستواجه على الأرجح مقاومة مسلحة طويلة الأمد من حماس لسنوات قادمة، وسيكافح جيش الاحتلال لتحييد البنية التحتية تحت الأرض لحماس، والتي تسمح للمقاومين بالاختباء واستعادة قوتهم ومفاجأة القوات الإسرائيلية".
قد يكون سحب القوات الإسرائيلية من غزة استجابة لدعوة أمريكية لتخفيف وتيرة الحرب، وقد يكون لدى الإدارة الأمريكية تطلع أن يكون هذا التخفيف مقدمة لإنهاء الحرب، ولكن على الجانب الإسرائيلي فإنه ليس من مصلحة نتنياهو وقف الحرب؛ لأنها قد تفتح الباب لمحاسبته على إخفاق 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وبالتالي فقد يكون سحب معظم قوات الاحتلال مناورة عسكرية وسياسية، يسعى من خلالها نتنياهو للاستجابة الجزئية للضغط الأمريكي عبر تخفيف وتيرة الحرب، وفي الوقت ذاته تقليل تكلفتها على الجيش والاقتصاد الإسرائيلي بتحويلها لحرب منخفضة الكثافة، ولكن طويلة الأمد، خاصة إذا نفذ وعيده بشن هجوم على رفح، حيث قد يكون هذا الهجوم آخر المعارك الكبرى ولكن لن يعني ذلك بالضرورة نهاية الحرب.