- ثروات هائلة خفية في القمر، والحفر الغامضة قد تكون أكبر سبب للصراع
- الشركات الأمريكية والصينية قد تتنافس عليه قريباً
- لماذا قد ينشب صراع بشأن استعمار القمر رغم حجمه الكبير؟
- صدام حول القمر قد يقع بين العلماء والشركات
- ما هي اتفاقيات أرتميس التي تقودها الولايات المتحدة وتراها الصين وسيلة لـ"استعمار القمر"؟
- أمريكا والصين تريدان استعمار نفس المناطق بالقمر
- ما هي المواقع ذات الأهمية العلمية الاستثنائية (SESIs)؟
- لجنة أممية تحاول تحاول تنظيم التنافس حول القمر
يبدو أن شبح نشوب صراع حول استعمار القمر واستغلال موارده الطبيعية يلوح في الأفاق مع تزايد الأنشطة الفضائية للعديد من الدول في مقدمتها الولايات المتحدة والصين، إضافة للشركات الخاصة.
إذ يعتقد كثير من المعنيين الصراعات ستكون حتمية على الأراضي القمرية ما لم تتخذ الدول خطوات الآن لإيجاد أرضية مشتركة للتعاون.
ثروات هائلة خفية في القمر، والحفر الغامضة قد تكون أكبر سبب للصراع
في العقدين الماضيين، كشفت البحوث القمرية النقاب عن صورةٍ ثرية للقمر فالحفر القمرية، التي تقود إلى أنابيب حمم بركانية كبيرة بما يكفي لإيواء قواعد قمرية سوف تكون محمية بصورة طبيعية من الإشعاع الفضائي عن طريق صخور متدلية.
والحفر العميقة في قطبي القمر تحتوي على رواسب جليدية، أي أنها مصدر مائي ثمين، ومصدر للأوكسجين والهيدروجين. ويحدّ بعض هذه الحفر حوافٌّ عاليةٌ تلتقط الشمس -التي تعد ضرورية للطاقة الشمسية- على مدار العام.
وتمتزج كل هذه الكمية من التربة والصخور، بجميع أنواع الموارد الثمينة الأخرى: التيتانيوم، والألومنيوم، والهيليوم-3، والمعادن الثمينة، والعناصر الأرضية النادرة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
المشكلة التي تواجه العلماء: هي أنه "تم اكتشاف عدد قليل من الحفر القمرية العميقة التي كانت مغطاة بالظل منذ تشكل القمر قبل مليارات السنين. لم يصل ضوء الشمس إلى أرضياتهم مطلقاً، لذا فهم باردون بشكل لا يصدق – ربما بضع عشرات فقط من الدرجات فوق الصفر المطلق (الحد الأدنى لمقياس درجة الحرارة الديناميكي الحراري ويقدر بـ−273.15 درجة مئوية) وهذا يجعلها ذات قيمة علمية كبيرة".
الشركات الأمريكية والصينية قد تتنافس عليه قريباً
في الوقت الحالي، يظل القمر شاغراً. ولكن هذا أيضاً سوف يتغير مع سعي الصين والولايات المتحدة وشركاتها الخاصة إلى تحقيق طموحات لاستخراج المياه والموارد الأخرى من سطح القمر، حسبما ورد في تقرير نشر في وكالة Bloomberg الأمريكية في سبتمبر/أيلول 2022.
وسوف يتطلب القيام بذلك بناء بنية تحتية باهظة الثمن ومستوطنات بشرية سوف تتردد الشركات الخاصة والدول القومية في تمويلها إذا لم يكن من الممكن احتلال الأراضي والمطالبة بملكية الموارد أي استعمار القمر بشكل أو بآخر.
ولكن في نظر الكثيرين، فإن هذين النشاطين يتعارضان مع معاهدة الفضاء الخارجي التي أبرمت عام 1967 بسبب المخاوف من نشوب صراع بشأن استعمار القمر وغيره من الأصول الفضائية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.
ومن بين بنود أخرى، تؤكد المعاهدة أنه لا يمكن لأي دولة أن تطالب بالسيادة على أي جرم سماوي، بما في ذلك القمر، مع الحفاظ على الحق في "استكشاف واستخدام" الفضاء للبشرية جمعاء. وحتى الآن، صدقت 112 دولة على الاتفاقية، بما في ذلك الصين.
ولكن الآن مع اكتشاف مزيد من الموارد والآفاق تتزايد احتمالات نشوب صراع أو سباق لـ"استعمار القمر"، خاصة أن وكالات الفضاء والشركات الخاصة تخطط للقواعد، والتجارب العلمية، وعمليات التعدين على سطح القمر.
لماذا قد ينشب صراع بشأن استعمار القمر رغم حجمه الكبير؟
بالنظر إلى حجمه الكبير، فربما لن يكون اكتظاظ القمر بهذه القواعد والعمليات مصدر قلق قريباً بأي حال؛ فسطح القمر يبلغ حجمه ثلاثة أضعاف حجم القارة القطبية الجنوبية، أي أنه يبدو للوهلة الأولى أنه يمكن للقوى العظمى تقاسم استعمار القمر.
ولكن ثمة القليل من البقع الرئيسية في القمر، ومن المتوقع أن تحظى الأراضي، التي تعد مثالية للتجارب العلمية، بنصيب الأسد من البعثات، مع وضع الأنشطة الأخرى في الحسبان.
في ستينيات القرن العشرين، كان عدد قليل من صانعي السياسات يشعرون بالقلق إزاء التوتر بين الحق في استكشاف و"استخدام" الفضاء، وحظر المطالبة بالأراضي الكونية. بدا الفضاء شاسعاً، وكانت التكنولوجيا -إن وجدت- صعبة للغاية ومكلفة للغاية؛ بحيث لا يمكن نشرها على نطاق واسع، الأمر الذي جعل مسألة استعمار القمر درباً من الخيال.
وقد تغير هذا الوضع بسرعة على مدى العقدين الماضيين بفضل تطوير شركات الصواريخ المنخفضة التكلفة التابعة للقطاع الخاص والتوسع السريع لبرنامج الفضاء الصيني.
في عام 2022، أطلق شركة SpaceX وحدها صاروخاً إلى مدار الأرض بشكل أسبوعي تقريباً. وفي عام 2021، سجل برنامج الفضاء الذي تديره الحكومة الصينية وصناعة الفضاء الخاصة المزدهرة بشكل جماعي 53 عملية إطلاق ناجحة، حسب تقرير Bloomberg.
صدام حول القمر قد يقع بين العلماء والشركات
ويقول علماء الفلك إن إطلاق العشرات من المسابير القمرية يمكن أن يعرض للخطر الأبحاث والموارد القيمة مثل الجليد البحري في الحفر القمرية، حسبما ورد في تقرير آخر لصحيفة the Guardian البريطانية.
إذ يبدو أن العلم وقطاع الأعمال يتجهان نحو صراع حول القمر واستغلال موارده في المستقبل.
وحذرت وكالة ناسا من أن موارد القمر يمكن أن "تدمر بسبب الاستغلال الطائش".
وتهدد المناوشات السماوية بالانفجار بسبب خطط الشركات لإطلاق العشرات من المسابر لمسح المشهد القمري خلال السنوات القليلة المقبلة.
الهدف من هذا الأسطول خارج كوكب الأرض – الممول إلى حد كبير من خلال مبادرة خدمات الحمولة القمرية التجارية (CLPS) التابعة لناسا والتي تبلغ قيمتها 2.6 مليار دولار – هو مسح القمر، بحيث يمكن استخراج المعادن والمياه والموارد الأخرى لبناء قواعد دائمة وصالحة للسكن هناك. ستوفر هذه لاحقاً نقطة انطلاق للبعثات المأهولة إلى المريخ.
لكن علماء الفلك حذروا من أن الاندفاع غير المحدود لاستغلال القمر يمكن أن يسبب أضراراً لا يمكن إصلاحها للمواقع العلمية الثمينة. ويقولون إن أبحاث موجات الجاذبية، ورصد الثقب الأسود، والدراسات التي تهدف إلى تحديد الحياة في عوالم صغيرة تدور حول نجوم بعيدة، وغيرها من الأبحاث، يمكن أن تتعرض للخطر.
وقال مارتن إلفيس، من مركز الفيزياء الفلكية بجامعة هارفارد وسميثسونيان، لصحيفة الأوبزرفر البريطانية: "لقد أصبحت القضية ملحة". "نحن بحاجة إلى التحرك الآن لأن القرارات المتخذة اليوم ستحدد نغمة سلوكنا المستقبلي على القمر."
وقد أيَّد هذه النقطة عالم الفلك البروفيسور ريتشارد جرين من جامعة أريزونا. "نحن لا نحاول منع بناء القواعد القمرية. ومع ذلك، لا يوجد سوى عدد قليل من المواقع الواعدة هناك، وبعضها ثمين بشكل لا يصدق من الناحية العلمية. علينا أن نكون حذرين للغاية في المكان الذي نبني فيه مناجمنا وقواعدنا".
ما هي اتفاقيات أرتميس التي تقودها الولايات المتحدة وتراها الصين وسيلة لـ"استعمار القمر"؟
هنا يجب الإشارة إلى اتفاقيات أرتميس، وهي اتفاقية بين الولايات المتحدة والدول الشريكة في برنامج أرتميس لاستكشاف القمر، وتشمل الجهات المعنية بالفضاء في الدول الأوروبية واليابان وإسرائيل وكندا إضافة للولايات المتحدة.
وتم تأسيس برنامج أرتميس الذي تقوده وكالة ناسا الأمريكية في عام 2017، ويهدف إلى إعادة الوجود البشري على القمر لأول مرة منذ أبولو 17 في عام 1972، كما أن الهدف المعلن للبرنامج على المدى الطويل هو إنشاء قاعدة دائمة على القمر لتسهيل المهمات البشرية إلى المريخ.
وتحدد اتفاقيات أرتميس "المناطق الآمنة" حول المعدات المُثبتة، لكنها لا تذكر شيئاً حول حماية المواقع الأخرى بخلاف تلك المواقع ذات الأهمية التاريخية. ومع ذلك، تسمح الاتفاقيات للشركات الخاصة باستخراج المواد بهدف الربح.
وفي محاولة للتوفيق بين هذه الصراعات المتصورة، قدمت وكالة ناسا في عام 2020 مجموعة من المبادئ التوجيهية لاستكشاف القمر.
وتتطلب اتفاقيات أرتميس، الشفافية، بما في ذلك الإخطار بالأنشطة القمرية والتنسيق لتجنب التدخلات الضارة. عند اتباع هذه المبادئ، يمكن استخدامها لإنشاء "مناطق آمنة" في المناطق التي قد تؤدي فيها أنشطة أي دولة أو شركة إلى خلق مخاطر.
من الناحية النظرية، ستعمل هذه المناطق على حماية أجهزة المهمة والعلوم ورواد الفضاء. على سبيل المثال، أظهرت الملاحظات التي تم إجراؤها خلال بعثات أبولو أن الغبار القمري الذي تطلقه الصواريخ يمكن أن يكون مدمراً للغاية للأجهزة الموجودة بالفعل على القمر.
ولكن في الصين، بشكل خاص، يتساءل بعض المنتقدين صراحة عما إذا كانت النية الحقيقية وراء مناطق الأمان التي تقترحها ناسا تتلخص في تقديم ذلك النوع من المطالبات الإقليمية التي تحظرها معاهدة الفضاء الخارجي أي أنها تمثل شكلاً من أشكال استعمار القمر.
ولسوء الحظ، فإن الصين ليست الدولة الوحيدة التي تخشى استعمار القمر من قبل منافس أجنبي.
ففي يوليو/تموز 2022، أعرب مدير وكالة ناسا، بيل نيلسون، عن قلقه من أن استعمار القمر من قبل الصين من خلال إعلانها سيادتها عليه بعد تنفيذ مهمات هبوط عليه، وكان أساس مخاوفه هو ما تصفه واشنطن بالجهود العدوانية التي تبذلها الصين لفرض سيادتها على بحر الصين الجنوبي.
لن يكون من السهل بناء الثقة في الفضاء بينما لا توجد ثقة على الأرض. ولن تتخلى الصين عن مطالباتها الإقليمية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ومن غير المرجح أن تلغي الولايات المتحدة بنداً قائماً منذ فترة طويلة في القانون الأمريكي ــ المعروف باسم تعديل وولف ــ والذي يقيد قدرة ناسا على التعاون بشكل مباشر مع الصين في استكشاف الفضاء.
وبغض النظر عما تقرره اتفاقيات أرتميس، فإن روسيا والصين، اللتين تتعاونان في محطة بحوث قمرية، لا توشكان على الانضمام إليها.
أمريكا والصين تريدان استعمار نفس المناطق بالقمر
وفي سبتمبر/أيلول 2022، أصدرت وكالة ناسا قائمة بمواقع الهبوط والاستكشاف المحتملة على سطح القمر لمهمات أرتميس القادمة.
وتبين أن بعض هذه المواقع قيد النظر أيضاً من قبل برنامج الفضاء الصيني لبرنامجه الطموح لاستكشاف القمر. ويتصور كلا البلدين أن القمر – وتلك المواقع – هي مواقع محتملة للمستوطنات طويلة الأجل واستغلال الموارد.
كل ذلك يؤشر لاحتمال نشوب صراع حول القمر بين الصين وأمريكا تحديداً، ولا يمكن استبعاد أن نرى سباقاً حول استعمار القمر كما جرى مع إفريقيا في القرن التاسع عشر.
ما هي المواقع ذات الأهمية العلمية الاستثنائية (SESIs)؟
تتمثل المهمة الآنية بالنسبة للباحثين الذين يريدون حماية المواقع ذات الأهمية العلمية الاستثنائية (SESIs)، في الاتفاق حول ماهية المواقع التي تحتاج إلى حماية، وماهية هذه الحماية التي تخص كل موقع.
وقالت الدكتورة ألانا كروليكوفسكي، العالمة السياسية لدى جامعة ميزوري للعلوم والتكنولوجيا، والمشاركة في تأليف دراسة حول المخاطر التي تواجه مواقع SESIs نُشرت يوم الإثنين 4 مارس/آذار 2024 في جمعية لندن الملكية لتحسين المعرفة الطبيعية: "من الضروري أن يقيّم العلماء الحقيقة التي تقول إن هذه الأصول العلمية المحتملة تحت التهديد، وإنها في حاجة إلى تعريفها بصورةٍ استباقيةٍ على أنها تستحق الحماية".
ويطالب التقرير بنهج متعدد الجوانب لحماية مواقع SESIs. على المستوى الوطني، يقول التقرير إن الحماية يجب إدراجها ضمن سياسات الفضاء التي تصيغها الحكومات، والتي يمكن أن تأذن بالأنشطة وتنظمها وتفرض أفضل الممارسات. وهذا الأمر هو الأكثر إلحاحاً بالنسبة للبلاد التي لديها بعثات تتجه إلى القمر قريباً.
لجنة أممية تحاول تحاول تنظيم التنافس حول القمر
يبرز نوع ثانٍ من الجهود على صعيد الحوكمة القمرية في لجنة ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ الخارجي في ﺍﻷﻏﺮﺍﺽ ﺍﻟﺴﻠﻤﻴﺔ التابعة للأمم المتحدة (Copuos). يفكر فريق العمل الجديد بهذه اللجنة في القواعد التي تتعلق باستخراج الموارد الطبيعية من الأجرام السماوية، وثمة آمال بأن هذه المجموعة سوف توسع نطاق مسؤوليتها لتغطي مواقع SESIs.
لكن حدوث ذلك وحدوثه في وقت قريب بما يكفي بالنسبة لعلماء الفلك، هو شأن آخر.
قالت ألانا: "نحتاج إلى حماية مواقع SESI في إطار زمني يبلغ نصف عقد زمني أو ما إلى ذلك، لمنع الأشكال المهمة من الضرر غير القابل للإصلاح. من المهم حقاً الوصول إلى ما هو أبعد من المشتبه بهم الاعتياديين في الدول الراسخة في ارتياد الفضاء، وبناء إجماع عالمي حقيقي".