تواجه سفينة شحن بريطانية خطر الغرق في خليج عدن بعدما استهدفها الحوثيون، في أكبر ضربة من نوعها منذ بدأت الجماعة المدعومة من إيران شن الهجمات في الخريف الماضي في البحر الأحمر، الأمر يشير إلى أن قوة الحوثيين العسكرية لم تتأثر كثيراً بالهجمات الأمريكية ضدهم.
تأتي الهجمات الجريئة على نحو متزايد رغم أسابيع من الضربات الجوية الأمريكية، وهي تُسلِّط الضوء على التحديات أمام الولايات المتحدة لردع الجماعة، التي تسعى لتحويل نفسها من لاعب هامشي بين القوى المتحالفة مع إيران، إلى واحدة من أقوى المجموعات المسلحة في الشرق الأوسط، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
الحملة العسكرية الأمريكية عزَّزت نفوذ الحوثيين باليمن رغم انتهاكاتهم الحقوقية
وتقول وكالة أسوشيتد برس (Associated Press) الأمريكية، إنَّ الحملة العسكرية على الحوثيين قد عزَّزت مكانة الجماعة المتمردة في العالم العربي، رغم انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها في حرب اليمن، المتوقفة منذ عام.
ويحذر المحللون من أنَّه كلما طال أمد هجمات الحوثيين زاد خطر بدء التعطُّلات التي تشهدها حركة الشحن العالمية في إثقال كاهل الاقتصاد العالمي.
وتثير الضربات الحوثية المستمرة تساؤلات جديدة لإدارة بايدن، بشأن كيفية وقف الهجمات ومنع الحرب المستمرة في غزة من تأجيج صراعٍ إقليمي أكثر زعزعةً للاستقرار.
وينظر الكثيرون في العالم العربي إلى أن قوة الحوثيين العسكرية على أنها أداة الضغط الرئيسية الفعالة على الغرب لوقف الحرب على غزة، فيما تجنَّبت أغلب الحكومات العربية إدانة هجمات الحوثيين، رغم تضررها من تراجع الملاحة بالبحر الأحمر.
في أخطر هجوم من نوعه.. سفينة بريطانية تصاب بصاروخين حوثيين وطاقمها يغادرها
تلقّت محاولات ردع أمريكا لـ"قوة الحوثيين العسكرية" ضربة أخرى، الأحد الماضي، 18 فبراير/شباط، حين أدَّى هجوم للحوثيين إلى شلِّ ناقلة البضائع السائبة المملوكة للمملكة المتحدة "Rubymar" (روبيمار) في البحر الأحمر. ووفقاً لشركة Vanguard Tech البريطانية، فقد أجبر ذلك الطاقم على مغادرة السفينة وسط مخاوف بشأن إمكانية غرقها.
وقال مالكو السفينة إن صاروخاً أصاب جانبها بالقرب من غرفة المحرك، وكانت على وشك أن تميل، وأصاب صاروخ ثانٍ سطح السفينة. وتخلى الطاقم عن السفينة، وتم نقلهم إلى دولة جيبوتي القريبة.
وعرض موقع هيئة الإذاعة البريطانية "BBC" صوراً يرجح أنها للسفينة وهي مازالت طافية على الماء، ولكن مؤخرتها هبطت في المياه بشكل كبير.
وقال إيلي شفيق، مدير المعلومات البحرية بشركة Vanguard Tech، إنَّ استعادة السفينة تبدو مستبعدة.
ومثَّل الهجوم على السفينة "روبيمار" واحداً من الضربات المباشرة الخطيرة القليلة التي شنّها الحوثيون على حركة الملاحة، بحسب وكالة أسوشيتد برس.
وأدَّت ضربة مباشرة أخرى، في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، إلى اشتعال النيران في ناقلة نفط تحمل علم جزر مارشال لساعات.
غرق السفينة قد يُلحق ضرراً بالغاً بالملاحة في البحر الأحمر
ويشير تقرير الوكالة الأمريكية إلى أنَّ صور الأقمار الصناعية من شركة Planet Labs PBC، والتي حللتها الوكالة، قد أظهرت أنَّ سفينة روبيمار كانت لا تزال طافية حتى الساعة الثانية من مساء الثلاثاء، 20 فبراير/شباط، بالتوقيت المحلي، إلى الشمال مباشرةً من مضيق باب المندب. وتقبع بقعة نفط كبيرة خلف السفينة.
قال آمي دانيال، المدير التنفيذي لشركة الذكاء الاصطناعي البحرية الكائنة في لندن Windward، إنَّه في حال غرقت السفينة روبيمار، فإنَّ ذلك "سيؤدي على الأرجح إلى حذر أكبر من جانب العديد من الأطراف المعنية" العاملة حول اليمن. وأضاف: "بالتالي، من المرجح أن يتفاقم التراجع في حركة التجارة بالمنطقة أكثر".
الحوثيون حاولوا استهداف 45 سفينة حتى الآن وآثار هجماتهم وصلت لكل مكان
أطلقت قوة الحوثيين العسكرية عشرات الطائرات المُسيَّرة والصواريخ على أهداف خلال الشهور الأربعة الماضية، فيما تقول إنَّها محاولة للضغط على إسرائيل من أجل وقف الحرب في غزة.
في المقابل، شنَّت الولايات المتحدة ومجموعة صغيرة من الحلفاء قرابة 24 غارة جوية على أهداف الحوثيين في اليمن، منذ منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، في محاولة لإنهاء الهجمات المسلحة على السفن في البحر الأحمر.
ووفقاً لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، حاول الحوثيون مهاجمة 45 سفينة على الأقل، وأسقط الجيش الأمريكي قرابة 95 طائرة مُسيَّرة وصاروخاً. وشنَّ مقاتلون مدعومون من إيران في أماكن أخرى أكثر من 170 هجوماً في العراق وسوريا والأردن، تستهدف الجيش الأمريكي، وأسفرت عن مقتل ثلاثة عسكريين أمريكيين وإصابة 180 آخرين.
قلَّصت هجمات الحوثيين حركة الشحن العالمية، وتنتشر موجات الصدمة الاقتصادية المستمرة في مختلف أنحاء العالم. فوفقاً لشركة Windward، تراجع حجم مرور السفن من أمريكا الشمالية وأوروبا عبر البحر الأحمر بنسبة 67%، في 17 فبراير/شباط، مقارنةً بحجمها في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وتوقفت بعض شركات التأمين، مثل شركة Assuranceforeningen Skuld النرويجية، عن تغطية كل الرحلات البحرية قرب المياه اليمنية تماماً.
هجمات حلفاء إيران تراجعت في كل مكان ولكن الحوثيين يواصلون التصعيد
في حين تراجعت الهجمات على القوات الأمريكية في الأردن وسوريا والعراق في الأيام الأخيرة، من قبل حلفاء إيران، تستمر هجمات الحوثيين بلا توقف.
وقال مسؤول أمريكي إنَّ الحوثيين تعمّدوا استهداف سفن حربية أمريكية، الإثنين 19 فبراير/شباط، باستخدام صواريخ باليستية مضادة للسفن للمرة الأولى.
ونشر الحوثيون صباح الثلاثاء لقطات لما قالوا إنَّه صاروخ أرض جو يُسقِط طائرة أمريكية مُسيَّرة من طراز MQ-9 Reaper، قبالة سواحل مدينة الحديدة اليمنية الساحلية المطلة على البحر الأحمر، والتي تسيطر عليها الجماعة. وضمَّت اللقطات مقطع فيديو لرجال يسحبون قطعاً من حطام الطائرة من المياه إلى الشاطئ. وبدا أنَّ صور الحطام تُظهِر مكونات معروفة من طائرات Reaper، وهي الطائرات التي تُستخدَم عادةً في مهام هجومية وطلعات مراقبة. وصرَّحت المتحدثة باسم البنتاغون سابرينا سينغ للصحفيين، في إحاطة صحفية، بأنَّ الحوثيين أسقطوا الطائرة.
وسبق أن اعترف البنتاغون، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بخسارة طائرة مُسيَّرة من طراز MQ-9، أسقطها الحوثيون أيضاً فوق البحر الأحمر. وقالت القيادة المركزية الأمريكية يوم الثلاثاء إنَّ الولايات المتحدة أسقطت يوم الإثنين 10 طائرات مُسيَّرة حوثية تحمل متفجرات، فضلاً عن صاروخ باليستي، كانت متجهة صوب المدمرة الأمريكية USS Laboon (يو إس إس لابون) من طراز "آرلي بيرك".
طبيعة قوة الحوثيين العسكريين وشكل علاقتهم مع إيران يجعلانها أكثر قدرة على تحمل الهجمات الأمريكية، وأقل انصياعاً للضغوط الإيرانية التي تخشى التصعيد مع واشنطن.
وقال علي فايز، مدير مشروع إيران بمجموعة الأزمات الدولية، وهو مركز أبحاث في واشنطن، إنَّ الحوثيين أقل احتمالاً لاتّباع أي توجيه من طهران لكبح هجماتهم.
وأضاف: "لا يستطيع الإيرانيون كبح الحوثيين فعلاً، نرى في العراق الآن أنَّهم نجحوا على الأقل في وقف الهجمات على القوات الأمريكية، في الغالب بشكل مؤقت، لكن ليس هذا نوع النفوذ الذي يملكونه على الحوثيين".
إليك التقديرات بشأن حجم قوة الحوثيين العسكرية
تشير الوكالة إلى أنَّ الحوثيين لم يصيبوا حتى الآن أي بحار أو طيار أمريكي منذ شنّت أمريكا ضرباتها الجوية على المتمردين، في يناير/كانون الثاني الماضي، لكنَّ الولايات المتحدة تواصل خسارة طائرات مُسيَّرة بعشرات الملايين من الدولارات، وتُطلِق صواريخ كروز بملايين الدولارات لمواجهة الحوثيين الذين يستخدمون حتى الآن أسلحةً أرخص بكثير، يعتقد الخبراء أنَّهم حصلوا عليها من إيران.
ولا يُعرف حجم الضرر الذي أصاب قوات الحوثيين العسكرية من الهجمات الأمريكية، لأن الحوثيين لم يقدموا معلومات كثيرة بخصوص خسائرهم، ولو أنَّهم اعترفوا بسقوط 22 على الأقل من مقاتليهم في الضربات التي تقودها الولايات المتحدة.
ووفقاً للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، تُقدَّر أعداد قوة الحوثيين العسكرية التي تضم الحوثيين وقبائل حليفة لهم في اليمن بنحو 20 الف مقاتل. ويمكن لهؤلاء العمل في وحدات صغيرة بعيداً عن القواعد العسكرية، ما يجعل استهدافهم مهمة صعبة.
إسرائيل قد تورط أمريكا في اضطرابات أوسع بالمنطقة
تعهَّدت إسرائيل بمواصلة الحرب حتى إطلاق الأسرى، والقضاء على تهديد حماس، لكنَّ الضغوط الدولية تتزايد عليها من أجل إيجاد نهاية دبلوماسية للقتال.
ويرى تقرير وكالة أسوشيتد برس أنَّه إذا ما استمرت هجمات الحوثيين، فقد يجبر ذلك الولايات المتحدة على تصعيد وتوسيع هجماتها المضادة في أرجاء الشرق الأوسط المضطرب بالفعل.
وكتبت إليونورا أرديماغني، الزميلة بالمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية: "دون وقف لإطلاق النار في غزة، قد يميل الحوثيون إلى مزيد من التصعيد ضد المصالح الأمريكية في البحر الأحمر والمنطقة". وتضيف أرديماغني أنَّ "خيارات ردع قوة الحوثيين العسكرية" بالنسبة لواشنطن تضيق أكثر فأكثر.
البعض يقترح دعم الحكومة اليمنية الشرعية وآخرون يقولون إنه لا مفر من وقف حرب غزة
واحتمالات توسيع أمريكا حربها ضد الحوثيين تمثل إشكالية لواشنطن، خاصةً خيار شن هجوم بري عليهم، والإشكالية لا تنبع فقط من الطابع المرن لـ"قوات الحوثيين العسكرية" التي نجت من حملة قصف استمرت لسنوات من يبل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، ولكن من الجغرافيا اليمنية.
إذ يعد اليمن واحداً من أكبر بلدان العالم وعورة، وتتحصن قوة الحوثيين العسكرية بمواقع جبلية وعرة، وأخفق التحالف العربي على مدار أكثر من خمس سنوات في إضعاف قوة الحوثيين العسكرية، رغم أن لديه مجموعة من أفضل المقاتلات الغربية، وكانت الولايات المتحدة تزوده بالذخيرة والوقود، وفي الأغلب بالمعلومات.
وترى ندوى الدوسري، الزميلة غير المقيمة بمعهد الشرق الأوسط والمتخصصة في شؤون اليمن، أنَّ توسيع الحملة العسكرية الأمريكية لن يكون فعَّالاً.
وأضافت: "الضربات الجوية لن تُحيِّد قوة الحوثيين العسكرية، بل إنَّ الضربات الجوية تثبت صحة رواية الحوثي بأنَّهم في حرب مع أمريكا وإسرائيل".
وشجَّعت الدوسري الولايات المتحدة على تعزيز دعمها العسكري المباشر للحكومة اليمنية، والتي عانت من أجل هزيمة الحوثيين على مدار عقد من الحرب الأهلية.
من جانبه، قال فايز وكيفن دونيغان، وهو نائب أدميرال متقاعد كان يقود القوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط، بصفته قائداً للأسطول الخامس بين عامي 2015 و2017، إنَّ الطريقة الأكثر فاعلية لكبح التهديد الحوثي هي إنهاء الحرب في غزة.