تثير صفقات الأسلحة الأمريكية المحتملة مع دول الخليج قلقاً إسرائيلياً، في ظل سعي تل أبيب إلى الحفاظ على التفوّق العسكري النوعي الذي تتمتع به بين دول المنطقة منذ عقود.
وكشفت تقارير إعلامية أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تراجع برنامج التفوّق العسكري النوعي الإسرائيلي، في وقت تتطلع فيه إلى إبرام صفقات أسلحة كبيرة محتملة مع كلٍّ من السعودية وقطر، وهو ما تخشى إسرائيل أن يُخلّ بالتوازن العسكري للقوى في الشرق الأوسط.
ونقل موقع ميدل إيست آي البريطاني عن مصادر أمريكية وعربية أن كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين عقدوا عدة اجتماعات سرية للغاية في مبنى الكابيتول، شملت أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ ولجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، لمناقشة صفقات دفاعية محتملة.

كما قام مسؤول كبير في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، والمشرف على مبيعات الأسلحة، بزيارة إلى تل أبيب مؤخراً لإجراء مناقشات بشأن برنامج التفوّق العسكري النوعي الإسرائيلي، بحسب ما صرّح مسؤول أمريكي لموقع ميدل إيست آي.
ما هي الصفقات العسكرية الأمريكية المحتملة مع دول الخليج؟
بحسب تصريحات علنية وتقارير إعلامية، تتطلع إدارة ترامب إلى إبرام صفقتين كبيرتين لبيع الأسلحة إلى كلٍّ من قطر والسعودية.
وأكد ترامب، خلال اجتماع عقده في نوفمبر/تشرين الثاني مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أن إدارته ستبيع مقاتلات من طراز "إف-35" إلى السعودية. كما صرّح الرئيس الأمريكي علناً بأن إسرائيل تمارس ضغوطاً عليه لبيع المملكة طائرات "إف-35" أقل تطوراً من تلك الموجودة في الترسانة الإسرائيلية.
وأفادت القناة 12 الإسرائيلية بتزايد القلق في إسرائيل إزاء تجدد المحادثات الأمريكية مع قطر بشأن احتمال بيع مقاتلات من طراز "إف-35".
ووفقاً للتقرير، أعادت الدوحة فتح طلب شراء هذه الطائرات الشبحية بعد رفض عرض مماثل قبل خمس سنوات. إلا أن هذه المرة، تشير التقارير إلى أن اتصالات فعلية تجري بالفعل بين مسؤولين قطريين وأمريكيين.
وتُعد إسرائيل الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك مقاتلات "إف-35" في ترسانتها، إذ تُشغّل حالياً 45 طائرة، ولديها 30 طائرة أخرى قيد الطلب.
ما هو رد الفعل الإسرائيلي؟
أعربت إسرائيل عن قلقها من أن تؤدي موجة مبيعات الأسلحة الأمريكية المتقدمة في المنطقة إلى تآكل التفوّق العسكري النوعي لسلاح الجو الإسرائيلي. ورداً على ذلك، أعدّت المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية حزمة من الطلبات للإدارة الأمريكية، في محاولة لتأمين قدرات تعويضية، وفقاً لتقرير نشره موقع تايمز أوف إسرائيل.
وتشمل هذه الطلبات، بحسب التقرير، سربين من الطائرات المقاتلة المتطورة، أحدهما من طراز "إف-35"، والآخر من طراز "إف-15 آي"، وهو طراز صُمم خصيصاً لتلبية الاحتياجات العملياتية لإسرائيل، إضافة إلى توسيع نطاق الوصول إلى الذخائر المتطورة والأنظمة ذات الصلة.
وأشار التقرير إلى أن المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون أن هناك فرصة محدودة للتحرك قبل أن يتم ملء فترات الإنتاج من قبل مشترين آخرين.
وفي هذا السياق، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى طلب الحصول على ضمانات من وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، بعدما اقترح ترامب تزويد طائرات "إف-35" التي ستتعاقد عليها السعودية بتكنولوجيا مماثلة لتلك التي حصلت عليها إسرائيل.
⭕️ Netanyahu boasted today about the U.S. legal requirement that any American arms sale to a Middle Eastern country must not erode Israel's Qualitative Military Edge (QME).
— Drop Site (@DropSiteNews) November 20, 2025
He said Sen. Marco Rubio assured him that the newly finalized F-35 sale to Saudi Arabia will meet that… pic.twitter.com/c2zKoAqpgs
ماذا نعرف عن التفوّق العسكري النوعي الإسرائيلي؟
بدأ الالتزام الأمريكي الرسمي بضمان التفوّق العسكري النوعي لإسرائيل يتبلور في سبعينيات القرن الماضي.
وتم التعبير عنه لأول مرة بوصفه سياسة أمريكية واضحة في عهد إدارة الرئيس رونالد ريغان عام 1981، عندما أدلى وزير الخارجية آنذاك، ألكسندر هيغ، بشهادته أمام الكونغرس، قائلاً إن "أحد الجوانب المحورية للسياسة الأمريكية منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 هو ضمان احتفاظ إسرائيل بتفوّق عسكري نوعي".
غير أن هذا الالتزام لم يُعرَّف رسمياً في القانون الأمريكي إلا في عام 2008. فقد عرّف قانون "نقل السفن البحرية" لعام 2008 التفوّق العسكري النوعي على النحو التالي:
- القدرة على مواجهة وهزيمة أي تهديد عسكري تقليدي موثوق من أي دولة منفردة أو تحالف محتمل من الدول، أو من جهات فاعلة غير حكومية، مع تحمّل الحد الأدنى من الأضرار والخسائر، من خلال استخدام وسائل عسكرية متفوقة ومتوافرة بكمية كافية، بما في ذلك الأسلحة، وقدرات القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، التي تتفوق في خصائصها التقنية على تلك التي تمتلكها هذه الدول أو التحالفات أو الجهات الفاعلة غير الحكومية.
كما ألزم قانون "نقل السفن البحرية" الحكومة الأمريكية بإجراء تقييم دوري كل أربع سنوات لمدى الحفاظ على التفوّق العسكري النوعي الإسرائيلي، وعدّل قانون مراقبة صادرات الأسلحة لعام 1976 (AECA) بحيث يشترط ألا يؤثر أي نقل كبير للأسلحة الأمريكية إلى دول أخرى في الشرق الأوسط سلباً على هذا التفوق.
وأضافت تعديلات عام 2014 شرطاً جديداً يُلزم الإدارة الأمريكية بتعزيز "قدرة إسرائيل على التعامل مع القدرات المُحسّنة التي توفرها هذه المبيعات أو الصادرات". ووفقاً للتعريف الأصلي، فإن الحفاظ على التفوق النوعي يتطلب أن تظل إسرائيل قادرة على دحر التهديدات العسكرية التقليدية الموثوقة، سواء من الدول أو من الجهات الفاعلة غير الحكومية.
وفي هذا السياق، مُنحت إسرائيل امتيازات غير مسبوقة، من بينها إمكانية إدخال تعديلات خاصة على أنظمة الأسلحة الأمريكية التي تحصل عليها.
Israel expresses concern over Qatar's negotiations with the U.S. for F-35 jets, fearing potential threats to its military advantage in the region.#Israel #Qatar #F35 #MiddleEast #MilitaryNews pic.twitter.com/WmqyvEsluL
— The Inquiry (@InquiryTh) December 16, 2025
ومنذ عام 2008، تتولى وزارة الخارجية الأمريكية مسؤولية ضمان امتثال عمليات نقل الأسلحة المقترحة إلى الشرق الأوسط للمتطلبات القانونية المرتبطة بالحفاظ على التفوّق العسكري النوعي الإسرائيلي، وذلك في إطار عملية مراجعة صفقات نقل الأسلحة.
وتُعرّف الوزارة المنطقة المعنية بأنها الدول الواقعة ضمن اختصاص مكتب شؤون الشرق الأدنى، الذي يغطي المنطقة الممتدة من المغرب إلى إيران. وعملياً، وبما أن إيران غير مؤهلة للحصول على شحنات أسلحة أمريكية منذ ثورة عام 1979، فإن هذا التشريع ينطبق فعلياً على الدول العربية.
وخلال الاجتماع السنوي للمجموعة السياسية–العسكرية المشتركة في وزارة الدفاع الأمريكية، يقدم المسؤولون الإسرائيليون عادة عرضاً يتضمن قائمة بالأنظمة والتقنيات التي يرون أنها تشكل تهديداً لمنظومة التفوّق العسكري النوعي لإسرائيل.
وعند النظر في مقترحات مبيعات الأسلحة إلى المنطقة، والتي قد تمثل تحدياً لهذا التفوّق ، يمكن للحكومة الأمريكية اللجوء إلى أحد ثلاثة خيارات:
- تزويد إسرائيل بقدرات عسكرية إضافية لضمان استمرار تفوقها.
- فرض قيود على عملية البيع.
- رفض الصفقة المقترحة بالكامل للحفاظ على التفوّق العسكري النوعي الإسرائيلي.
لماذا يثير التفوّق العسكري النوعي الإسرائيلي قلقاً أمريكياً؟
من وجهة النظر الأمريكية، قد يؤدي ضمان التفوّق العسكري النوعي الإسرائيلي إلى خلق حوافز لدى دول الشرق الأوسط للتحول نحو سلاسل توريد دفاعية بديلة، عبر دول مثل الصين أو روسيا، التي لا تلتزم بمثل هذا النهج، فضلاً عن احتمال تأجيج سباقات تسلح إقليمية، وذلك بحسب جوش باول، المسؤول السابق في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية بوزارة الخارجية الأمريكية.
وأضاف باول، في مقال نشرته مجلة ريسبونسبل ستات كرافت، أن مفهوم التفوّق العسكري النوعي الإسرائيلي يثير قلقاً أوسع نطاقاً، لا سيما فيما يتعلق بتأثيره على السياسة الخارجية والأمنية لإسرائيل نفسها. فطالما ظلت إسرائيل مطمئنة إلى أن الولايات المتحدة ستساعدها على الحفاظ على تفوّقها العسكري في المنطقة بأسرها، فقد تشعر بقدرتها على الاعتماد على هذا التفوّق بدلاً من اللجوء إلى الأدوات الدبلوماسية.
غير أن اعتماد إسرائيل المتكرر على القوة العسكرية في إدارة الصراعات السياسية الإقليمية يُسهم، بلا شك، في زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ككل.
وفي هذا السياق، قد يُغذي مفهوم التفوّق العسكري النوعي، من دون قصد، ديناميكيات عدم الاستقرار الإقليمي، بما يؤدي إلى تأجيج التهديدات التي يُفترض أن يسهم هذا التفوق في الحد منها بالنسبة لإسرائيل، بحسب باول.

ما هو مستقبل التفوّق العسكري النوعي الإسرائيلي؟
يرجّح باول أن يُضعف التحسن الملحوظ في آفاق الأمن الإقليمي، الذي وعدت به اتفاقيات أبراهام، الحاجة المُلحّة للولايات المتحدة إلى ضمان التفوّق العسكري النوعي الإسرائيلي. كما تساءل عن مدى حاجة إسرائيل إلى هذا التفوّق في مواجهة دول تربطها بها علاقات دبلوماسية وتجارية ودّية.
كما قد تؤدي المقترحات الرامية إلى توسيع تعريف التفوّق العسكري النوعي ليشمل تركيا، بوصفها دولة يتعين على إسرائيل الحفاظ على تفوق عسكري نوعي عليها، إلى تعقيدات إضافية، من خلال إعطاء أولوية للدفاع عن إسرائيل على حساب الدفاع عن دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ومن جانب آخر، يرى محللون عسكريون أن العالم يقف على أعتاب ثورة عسكرية جديدة، تتسم بانتشار أنظمة أسلحة منخفضة التكلفة قادرة على تحييد القدرات التكنولوجية المتقدمة. وإذا صح هذا التقدير، فإنه يشير إلى أن التفوّق العسكري النوعي الإسرائيلي من غير المرجح أن يظل سمة دائمة للتوازن العسكري في الشرق الأوسط.