لعبة الغميضة الفضائية: كيف تهدد “أقمار التخفي” الصينية والروسية هيمنة أمريكا العسكرية؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/12/22 الساعة 08:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/12/22 الساعة 08:55 بتوقيت غرينتش
تزعم تقارير أمريكية بأن الصين وروسيا تعملان على تطوير أقمار التخفي في الفضاء/ عربي بوست

تُسرّع الصين وروسيا من وتيرة تطوير ما يُسمى بـ"أقمار التخفي"، المصممة لتقليل إمكانية رصدها وجعل تتبعها من الأرض أكثر صعوبة، ما يمثل تطوراً جديداً في عسكرة الفضاء.

وكشف موقع "Breaking Defense" عن مزاعم للجيش الأمريكي تفيد بأن روسيا والصين تعملان على تطوير أقمار صناعية خفية، يصعب اكتشافها بالرادار أو التلسكوبات.

ووفقاً للموقع، فإن روسيا والصين تعملان على تطوير أجهزة فضائية من هذه الفئة، بما في ذلك القمر الصناعي الروسي "Mozhayets-6" ونموذج الاختبار الصيني "Olive-B".

ويتميز القمر الصناعي الروسي "Mozhayets-6″، الذي أطلقته روسيا مؤخراً إلى مدار أرضي متوسط (MEO)، بقدرة عالية على التخفي، وإمكانية رصده منخفضة للغاية، بحسب رون ليرتش كبير مستشاري نائب رئيس العمليات الفضائية الأمريكية لشؤون الاستخبارات والاستطلاع.

وأشار ليرتش إلى أنه في العام الماضي، تحول السباق الفضائي بين روسيا والصين والولايات المتحدة إلى أشبه بلعبة الغميضة التي لوحظت في المدار الأرضي المنخفض.

ووفقاً للمسؤول العسكري الأمريكي المذكور، تجري الصين اختبارات وتجارب على شكل الأقمار الصناعية الصغيرة منذ عام 2012، وفي عام 2022، كشفت "Olive-B"، وهو "قمر صناعي معدني صغير" كروي الشكل ويقع في كاميرا عديمة الصدى.

كما أظهرت أقمار Shiyan-24 في مدار أرضي منخفض (LEO) مناورات متزامنة مع تباين في البصمات الرادارية، هذه الجهود جزء من خطة طويلة الأمد لتعزيز المناورة والتخفي في الفضاء.

ويقول موقع "META-DEFENSE" لتحليلات الدفاع إن التحذير الذي أصدره المسؤول الأمريكي في القوات الفضائية الأمريكية بشأن التجارب الصينية والروسية الرامية إلى تقليل الرؤية المرئية والرادارية للأقمار الصناعية، يعد جزءاً من تسارع تكنولوجي ملموس.

وتتلاقى الآن ثلاثة عناصر في آن واحد:

  • الأقمار الصناعية الصغيرة ذات الأشكال المُحسّنة والمُقترنة بمناورات مُنسّقة في مدار أرضي منخفض.
  • الأجسام ذات الحجم المنخفض جداً في مدار أرضي متوسط.
  • وظهور رادارات فضائية ثنائية الاستقرار قادرة على الحدّ من التشويش.

فيما تشير هذه التجارب إلى تحول من "لعبة القط والفأر" في المدارات العليا إلى "الاختباء" في مدار أرضي منخفض LEO، مما يهدد القدرات الاستخباراتية ويسرّع عسكرة الفضاء.

كم عدد الأقمار الصناعية المنتشرة في الفضاء؟

يبلغ إجمالي الأقمار الصناعية الفعالة في المدارات الأرضية 14133 قمراً وفقاً لإحصاءات جوناثان ماكدويل حتى 13 ديسمبر/كانون الأول 2025، معظمها تعود للولايات المتحدة.

وتشير قاعدة بيانات ماكدويل إلى أن ستارلينك الأمريكي يشكل الجزء الأكبر من الأقمار الصناعية بواقع (9292)، إلى جانب أقمار أخرى مخصصة لأغراض عسكرية وتجارية أمريكية.

ووفقاً للبيانات، فإن للولايات المتحدة تفوقاً هائلاً يتجاوز 9500 قمر صناعي بالفضاء، أما الصين فلديها ما بين 900 إلى 1100 قمر فعّال مع تركيز عسكري، أما روسيا فلديها ما بين 1500 إلى 1600 قمر مع تركيز على أقمار الاتصالات والمراقبة.

ما معنى "أقمار التخفي"؟

بحسب مجلة "War Wings Daily" فإن الحديث عن التخفي بالنسبة للأقمار الصناعية أمراً غريباً، فعلى عكس الطائرات يخضع الجسم المداري لقوانين الميكانيكا السماوية، ويتم رصده بواسطة أجهزة استشعار متعددة، ومع ذلك فإن التخفي موجود بالفعل، وإن كان بصورة معدلة.

ويعتمد هذا النمط بشكل أساسي على تقليل البصمات المرئية، بما في ذلك بصمات الرادار والبصمات الضوئية وبصمات الأشعة تحت الحمراء، فيما تعمل المواد الماصة والأشكال التي تحد من الانعكاسات والمعالجات السطحية على تقليل الرؤية من رادارات المراقبة الفضائية.

ويمكن للقمر الصناعي الحد من مناوراته، واختيار مدارات أقل ازدحاماً أو استغلال فترات زمنية تكون فيها تغطية أجهزة استشعار العدو أضعف، والهدف ليس الاختفاء التام، بل تعقيد عملية الكشف والتعرف والتتبع الدقيق.

لكن الولايات المتحدة وحلفاءها تمتلك شبكات مراقبة فضائية متطورة، تجمع بين الرادارات والتلسكوبات البصرية وأجهزة الاستشعار بالأشعة تحت الحمراء.

كما تستطيع أنظمة مثل سياج الفضاء رصد الأجسام الصغيرة في المدارات المنخفضة، بحسب المجلة.
وبالتالي، فلا يعني التخفي الاختفاء التام، بل يهدف إلى تأخير الكشف، وتعقيد عملية تحديد الهوية، وإحداث حالة من عدم اليقين.

قدرات أمريكية في التخفي

ولا تؤكد الولايات المتحدة صراحة امتلاك أقمار تخفي علنية، لكن برامج مثل X-37B (مركبة فضائية سرية تعمل منذ 2010 في مدار منخفض بمناورات غير معلنة، كما في مهمة OTV-8 عام 2025)، وGSSAP (أقمار استطلاع في مدار جيوسنكرونوس صغيرة الحجم منذ 2014، بكتلة منخفضة وألواح شمسية قابلة للطي) توفر قدرات شبه تخفٍ من خلال المناورة المتقدمة والحجم المنخفض، ما يصعب تتبعها.

كيف تؤثر "أقمار التخفي" على التوازن العسكري والردع الدولي؟

بحسب مجلة (War Wings Daily) فإن ظهور الأقمار الصناعية الشبحية يغير التوازن الاستراتيجي، إذ يُؤجّج التنافس بين القوى الكبرى ويُزيد من انعدام الثقة.

فيما يُنظر إلى القمر الصناعي الذي يصعب رصده على أنه قد يكون هجومياً، حتى لو كان يؤدي مهمة دفاعية، ويُؤجّج هذا الغموض خطر التصعيد.

ففي أوقات الأزمات، قد يؤدي فقدان الرؤية الواضحة لقدرات الخصم إلى اتخاذ قرارات أسرع وأكثر عدوانية، وهكذا بات الفضاء مجالاً يتضاءل فيه مستوى الشفافية، على عكس الفترات السابقة التي كانت فيها المدارات والمهام أكثر قابلية للتنبؤ.

ووفقاً للمجلة، فإن امتلاك الصين وروسيا أقماراً خفية يقلل من الهيمنة الأمريكية في الوعي بالمجال الفضائي بنسبة تصل إلى 20-30% في المدارات المنخفضة، حيث يتطلب كشفها جهوداً إضافية، ما يزيد التكاليف ويفتح نافذة لعمليات سرية، لكنه لا يهدد الشبكات الأمريكية الكبيرة بفضل التفوق العددي.

بالنسبة للصين وروسيا، تُعدّ هذه الأقمار الصناعية أيضاً وسيلةً للتعويض عن عدم التكافؤ المُتصوَّر مع القدرات الأمريكية، فهما تسعيان لضمان حرية عملهما في الفضاء مع التهديد الضمني لحرية عمل منافسيهما.

كما تُعزز الأقمار الصناعية الشبحية القادرة على العمل لفترات أطول في البيئات المتنازع عليها المصداقية العسكرية الشاملة. كما أنها تُوسع القدرة على توجيه الضربات بدقة وتنسيق العمليات المعقدة.

أما في العقيدة العسكرية، فيدفع هذا التطور الجيوش إلى إعادة النظر في عقيدتها، حيث أصبحت حماية الأقمار الصناعية مهمة ذات أولوية، تضاهي الدفاع الجوي والصاروخي.

بحسب المجلة، فإن الصين وروسيا تجمعان بين التخفي والانتشار، فبدلاً من الاعتماد على عدد قليل من الأقمار الصناعية المتطورة للغاية، فإنهما تستكشفان بنى تحتية أكثر انتشاراً، حيث لا يؤدي فقدان عنصر واحد إلى انهيار النظام، وهذا النهج يعقد مهمة الخصم، الذي يجب عليه اكتشاف وتحديد وتحييد عدد متزايد من الأهداف المحتملة.

كيف تتسبب الأقمار الخفية بمخاطر في الفضاء؟

لكن الفضاء قد يواجه خطر الانتشار غير المنضبط للأقمار الصناعية التي يصعب تتبعها، ما يزيد من احتمالية الاصطدامات، لا سيما في المدار الأرضي المنخفض المكتظ بالفعل.

ووفقاً للمجلة، فإن التنافس على الأقمار الصناعية الخفية قد يؤدي إلى تصعيد تكنولوجي مكلف، دون ضمان ميزة حاسمة على المدى الطويل.

وتنقل صحيفة "واشنطن بوست" عن كلينتون كلارك، وهو كبير مسؤولي في شركة ExoAnalytic Solutions، وهي شركة تراقب النشاط في الفضاء: "تقليدياً، لم تكن الأقمار الصناعية مصممة للقتال، ولم تكن مصممة لحماية نفسها في القتال. كل هذا يتغير الآن".

ويقول الجنرال ستيفن وايتينغ، قائد قيادة الفضاء الأمريكية، في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست: "إن دولاً مثل الصين تُجري مناورات لمركباتها الفضائية بطرق قد تُمكّنها، في حال نشوب صراع، من محاولة تحقيق تفوق على الولايات المتحدة".

تحميل المزيد