الأصول الروسية المجمدة بين الخلاف الأمريكي الأوروبي والتهديد الروسي

عربي بوست
تم النشر: 2025/12/18 الساعة 12:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/12/18 الساعة 12:23 بتوقيت غرينتش
الأصول الروسية المجمدة بين الخلاف الأمريكي الأوروبي والتهديد الروسي /عربي بوست

في لحظة قد تكون حاسمة بالنسبة لأوروبا، وبعد أشهر من النقاش، سيقرر قادة الاتحاد الأوروبي خلال القمة التي ستعقد على مدار يومي الخميس والجمعة ما إذا كانوا سيستخدمون الأصول الروسية المجمدة لتمويل أوكرانيا أم لا، وسط انقسام بين دول الاتحاد ومعارضة أمريكية وتهديدات روسية برد فعل "قاسٍ".

وتُقدَّر احتياجات كييف التمويلية، المدنية والعسكرية على حد سواء، بنحو 159 مليار دولار للعامين المقبلين، ومن المتوقع أن تعاني عجزاً في الميزانية في أبريل/نيسان 2026.

ووافق الاتحاد الأوروبي قبل عدة أيام على تجميد أصول البنك المركزي الروسي المودعة في أوروبا إلى أجل غير مسمى، في خطوة تزيل عقبة كبرى أمام استخدام هذه الأموال لدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا.

وتتمثل الخطوة الأولى، التي وافقت عليها دول الاتحاد الأوروبي، في تجميد 210 مليارات يورو (246 مليار دولار) من الأصول السيادية الروسية طالما اقتضت الحاجة، بدلاً من التصويت كل ستة أشهر على تمديد التجميد.

ما هو المقترح الأوروبي؟

يسعى الاتحاد الأوروبي إلى استخدام الأموال الروسية المجمدة، والتي يُحتفَظ بمعظمها لدى شركة يوروكلير، وهي شركة أوراق مالية بلجيكية تتخذ من بروكسل مقراً لها، لتقديم قرض لأوكرانيا لتمويل احتياجات الحرب.

وبموجب الخطة المعقدة، سيقترض الاتحاد الأوروبي من يوروكلير لتزويد أوكرانيا بقرض أولي بقيمة 90 مليار يورو، أي ما يقرب من ثلثي احتياجات كييف التمويلية لعامي 2026 و2027.

ويعتزم الاتحاد الأوروبي المساهمة بمبلغ 90 مليار يورو، بالإضافة إلى 45 مليار يورو أخرى من دول مجموعة السبع. أما المبلغ المتبقي من الأصول الروسية المجمدة، والبالغ 120 مليار يورو، فسيبقى كورقة ضغط في المفاوضات مع روسيا.

ولن تسدد كييف الأموال للاتحاد الأوروبي إلا إذا وافقت روسيا على دفع تعويضات عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بها خلال الحرب. وسيقوم الاتحاد الأوروبي حينها بسداد المبلغ إلى يوروكلير. وستبقى روسيا المالك القانوني للأصول طوال هذه الفترة، بحسب صحيفة الغارديان.

لماذا الآن؟

وافق قادة الاتحاد الأوروبي في عام 2024 على تحميل فوائد صندوق الثروة السيادية الروسي المجمد لصالح أوكرانيا. إلا أن المساس بهذه الأصول يُعد خطوة مثيرة للجدل. فقد خشي صناع القرار في بروكسل وباريس وبرلين من الإضرار بثقة المستثمرين العالميين في منطقة اليورو.

ومع ذلك، تغيرت الحسابات في أكتوبر/تشرين الأول عندما أعلن المستشار الألماني، فريدريش ميرز، تأييده القاطع لخطة استخدام الأصول دون مصادرتها.

وبينما تشارك ألمانيا المخاوف بشأن استقرار منطقة اليورو، إلا أنها ترى أن التهديد الاقتصادي الأكبر يكمن في طموحات روسيا الإمبريالية.

القلق الأوروبي من توسع الحرب
علم الاتحاد الأوروبي في بروكسل/الأناضول

وفي غضون ذلك، أوقف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المساعدات العسكرية الأمريكية الجديدة لأوكرانيا. ووفقاً لمعهد كيل في ألمانيا، فإن الدول الأوروبية، التي تعاني من ركود اقتصادي وضغوط على الإنفاق العام، لا تبذل ما يكفي لسد الفجوة.

وتواجه أوكرانيا أزمة مالية حادة. وبدون تمويل جديد بحلول الربيع، تُخاطر أوكرانيا بالإفلاس وعجزها عن دفع رواتب الجنود والمعلمين والشرطة.

كما حفزت مقترحات ترامب بشأن استفادة الشركات الأمريكية من الأصول الروسية، بما في ذلك من خلال مشاريع مشتركة مع روسيا، القادة الأوروبيين على تأمينها لأوكرانيا.

ماذا تقول روسيا؟

تعارض موسكو بشدة المقترح الأوروبي، وصرح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بأن استخدام الأصول المجمدة لتمويل أوكرانيا يُعد بمثابة "سرقة ممتلكات الغير".

ووجّه الرئيس الروسي ومستشاروه تحذيرات شديدة اللهجة بشأن عواقب ذلك على الاستقرار الاقتصادي الأوروبي وثقة المستثمرين في منطقة اليورو.

ورفع البنك المركزي الروسي دعوى قضائية بقيمة 230 مليار دولار ضد شركة يوروكلير، التي تواجه أكثر من 100 قضية قانونية في روسيا.

ووقّع بوتين سلسلة من المراسيم، كان آخرها في أكتوبر/تشرين الأول، تُسهّل على الكرملين مصادرة الأصول الخاصة والعامة الغربية في روسيا، رداً على أي مصادرة للأصول.

ما هو موقف أوكرانيا؟

دعا الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، حلفاء أوكرانيا إلى تأمين الدعم لكييف والتوضيح لروسيا أن مواصلة حربها "لا طائل منها".

ودعا زيلينسكي، الأربعاء 17 ديسمبر/كانون الأول، شركاء أوكرانيا إلى اتخاذ قرار بشأن استخدام الأصول السيادية الروسية لدعم قرض لأوكرانيا.

وقال زيلينسكي: "ينبغي أن يتحلى جميع شركائنا بالشجاعة لرؤية الحقيقة والاعتراف بها والتصرف وفقاً لذلك". وأضاف أن روسيا تُظهر بأفعالها أنها تنوي مواصلة القتال في العام المقبل.

قراءة في كتاب
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين | عربي بوست

ما هو موقف أمريكا؟

تعارض الولايات المتحدة خطة الاتحاد الأوروبي. وحذرت واشنطن سراً من أنها ستطالب بـ"استرداد الأموال" إذا تحرك الاتحاد الأوروبي، إلى جانب بريطانيا، للاستيلاء على الأصول الروسية المجمدة.

وكشفت صحيفة التايمز البريطانية أن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً على القادة الأوروبيين وحكوماتهم لثنيهم عن مصادرة الأصول. وقد حظيت الولايات المتحدة بدعم محدود من جورجيا ميلوني، رئيسة الوزراء الإيطالية الشعبوية المقربة من ترامب.

وقال مصدر مقرب من المناقشات والسياسات الأمريكية الداخلية بشأن استعادة الموارد الروسية كجزء أساسي من خطة التسوية التي اقترحها ترامب للحرب في أوكرانيا: "سيتعين على الأوروبيين إعادتها".

وعلى مدار الأسبوع الماضي، شنت أمريكا حملة خلف الكواليس لتحذير الدول الأوروبية من منح الأموال الروسية المجمدة إلى أوكرانيا.

لماذا تعارض بلجيكا مصادرة الأصول الروسية؟

تعارض بلجيكا، التي تستضيف الحصة الأكبر من الأصول، تحويل الأموال إلى أوكرانيا خشية أن تصبح مسؤولة قانونياً عن هذا المبلغ في المستقبل، والذي يعادل ثلث ناتجها المحلي الإجمالي السنوي، بحسب موقع دويتشه فيله الألماني.

ووصفت بلجيكا خطة الاتحاد الأوروبي بأنها "خاطئة جوهرياً". وتجادل الحكومة البلجيكية بأنه وبدون ضمانات قوية من الاتحاد الأوروبي، قد تُضطر إلى دفع فواتير بمليارات اليورو إذا نجحت موسكو في مقاضاة يوروكلير والاستيلاء على الممتلكات البلجيكية في روسيا.

وفي حين أن محاكم الاتحاد الأوروبي لن تعترف بحكم محكمة روسية، فإن السلطات القضائية الموالية لموسكو، مثل كازاخستان أو الصين، يمكن أن تسعى إلى إنفاذ أي مطالبة ضد بلجيكا عن طريق الاستيلاء على الأصول في بلدانها.

وأعلنت بلجيكا أنها لن تقبل بالخطة ما لم تُلبَّ جميع مطالبها، بما في ذلك ضمانات قوية من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى تغطي 100% من أي مطالبات ضد يوروكلير.

كما تطالب الحكومة البلجيكية دولاً أخرى لديها أصول روسية مجمدة باستخدامها في أوكرانيا، بما في ذلك المملكة المتحدة واليابان وكندا والولايات المتحدة وسويسرا والنرويج.

هل يوجد بديل؟

نظرياً، هناك خطة بديلة، إذ يمكن للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الاقتراض من ميزانية الاتحاد الأوروبي، وهو ما يتطلب إجماعاً بين دول التكتل، وهو عائق قد يكون من الصعب تجاوزه، نظراً لمعارضة حكومة المجر، الصديقة لروسيا، للتمويل في السابق لأوكرانيا، بحسب وكالة رويترز.

وتؤكد بلجيكا، بدعم من إيطاليا وبلغاريا ومالطا، أن هذه الطريقة أكثر أماناً من الناحية القانونية لمساعدة كييف، مع الحفاظ على مليارات الدولارات الروسية لإعادة إعمار أوكرانيا.

ويرى مسؤولون آخرون مشاركون في القرار أن خطة تجميد الأصول هي الخيار الوحيد المتاح، خاصة أن إقرار الخطة يتطلب موافقة الأغلبية دون الحاجة إلى الحصول على إجماع من جميع الدول الأعضاء.

أوكرانيا
ذخائر مدفعية في أوكرانيا/رويترز

ماذا يحدث إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق؟

إذا انتهت القمة دون خطة واضحة لتمويل أوكرانيا، فإن مصداقية الاتحاد الأوروبي ستنهار تماماً. وسيصبح من الصعب على أوروبا التأثير في محادثات السلام التي يديرها رئيس أمريكي سبق له أن وصف قادة القارة بالضعفاء، بحسب صحيفة الغارديان.

وأصدر ميرز تحذيراً شديد اللهجة بشأن مخاطر الفشل في الاتفاق على خطة تجميد الأصول: "إذا لم ننجح في ذلك، فإن قدرة الاتحاد الأوروبي على العمل ستتضرر بشدة لسنوات، إن لم يكن لفترة أطول، وسنظهر للعالم أننا غير قادرين على الوقوف معاً والعمل في مثل هذه اللحظة الحاسمة من تاريخنا".

وإذا تم التوصل إلى اتفاق، فماذا بعد؟

من شأن الاتفاق أن يُحدث انفراجة كبيرة، لكن الصعوبات لن تنتهي بعد. فحتى لو وافق قادة الاتحاد الأوروبي على فكرة تجميد الأصول، فسيظل من الضروري تحويلها إلى قانون لتلبية الاحتياجات العسكرية والمدنية العاجلة لأوكرانيا بحلول الربيع.

ولا تزال القرارات المتعلقة بالتكلفة الباهظة لإعادة إعمار أوكرانيا، والتي تُقدَّر بنحو 524 مليار دولار وفقاً لأحدث التقديرات، غير واضحة. كما يجب أن يُعالج أي اتفاق سلام مسألة حدود أوكرانيا وأمنها، في ظل عدم إبداء روسيا أي اهتمام واضح بإنهاء الحرب.

تحميل المزيد