تتنافس شركات أمريكية للفوز بعقود إعادة الإعمار في غزة بعد عامين من الحرب الإسرائيلية على القطاع الفلسطيني، والتي خلفت دماراً واسعاً طال كافة البنى التحتية، بما في ذلك المنازل والمدارس والمشافي والمراكز الطبية ومرافق الطاقة.
وكشف تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية عن سعي مقربين من إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وشركات تنتمي لشخصيات ذات صلة بالحزب الجمهوري، للسيطرة على عقود المساعدات الإنسانية ولوجستيات إعادة الإعمار في قطاع غزة المدمر.

وقالت الصحيفة إنه ومع تضرر أو تدمير ثلاثة أرباع مباني غزة جراء عامين من القصف الإسرائيلي، فإن جهود إعادة الإعمار المستقبلية قد تكون بمثابة جائزة ثمينة للشركات المتخصصة في البناء والهدم والنقل والخدمات اللوجستية.
وأفادت الوثائق أيضاً بتشكيل إدارة ترامب لفريق عمل داخلي للإشراف على جهود إعادة الإعمار في غزة وآليات توزيع المساعدات الإنسانية في القطاع.
ماذا نعرف عن فريق عمل البيت الأبيض المكلف بالإشراف على إعادة إعمار غزة؟
بينما لا توجد حتى الآن آلية لإصدار عقود طويلة الأجل تتعلق بإعادة الإعمار أو المساعدات الإنسانية في غزة، أنشأ البيت الأبيض فرقة عمل خاصة به بشأن غزة بقيادة جاريد كوشنر وستيف ويتكوف وأريه لايتستون.
وعلمت صحيفة الغارديان أن اثنين من المسؤولين السابقين في وزارة الكفاءة الحكومية، واللذين كانا يعملان ضمن فريق إيلون ماسك لتقليص حجم الحكومة وتسريح عدد كبير من الموظفين الفيدراليين، يقودان نقاشات المجموعة حول المساعدات الإنسانية وإعادة إعمار غزة بعد الحرب.
وقد وزعا عروضاً تقديمية تتضمن خططاً تفصيلية للعمليات اللوجستية، تشمل الأسعار والتوقعات المالية ومواقع المستودعات المحتملة.

ولم يقدم إيدي فاسكيز، المتحدث باسم فريق عمل البيت الأبيض المعني بغزة، إجابات تفصيلية حول العملية التي يقودها البيت الأبيض.
وقال في رسالة إلكترونية: "نحن في المراحل الأولى من التخطيط، وهناك العديد من الأفكار والمقترحات قيد المناقشة حالياً، ولم يتم اتخاذ أي قرارات نهائية بعد".
وفي الوقت نفسه، تقول مصادر إن المقاولين كانوا يسافرون جواً إلى المنطقة من أجل الاجتماع مع مسؤولين أمريكيين مؤثرين وشركاء أعمال محتملين قبل العطلات.
وقال أحد المقاولين المخضرمين المطلعين على العملية: "الجميع يحاول الحصول على نصيب من إعادة الإعمار".
وأضاف: "يتعامل الناس مع هذا الأمر كما لو كان حرباً أخرى مثل حرب العراق أو أفغانستان، ويحاولون، كما تعلمون، الثراء من ورائه".
ما هي أبرز الشركات المتنافسة على عقود إعادة الإعمار؟
من بين أبرز الشركات التي كشفت عنها وثائق وخطط تقديمية اطلعت عليها صحيفة الغارديان برز اسم شركة غوثامز المحدودة، وهي شركة مقاولات فازت بعقد قيمته 33 مليون دولار للمساعدة في إدارة مركز احتجاز سيئ السمعة في جنوب فلوريدا ملقب بـ "ألكاتراز التمساح"، حيث يتم إيواء المهاجرين في خيام ومقطورات.
وأشارت الوثائق وثلاثة أشخاص مطلعين على الخطط إلى أن الشركة تحظى بـ "مسار داخلي" للفوز بما قد يكون "العقد الأكثر ربحية في تاريخها"، حسبما وصفت الغارديان.
ولكن في مقابلة حديثة، وبعد أسئلة من صحيفة الغارديان، قال مؤسس الشركة، مات ميكلسن، إنه أعاد النظر في مشاركة شركته وقرر الانسحاب، مشيراً إلى مخاوف أمنية.
واستعرضت صحيفة الغارديان مقترحاً من شركة غوثامز، موقعاً من المدير المالي للشركة وموجهاً إلى مجلس السلام.
وكتبت غوثامز: "استجابةً لطلبات تقديم مقترح إلى مجلس السلام المستقبلي، فإننا نقدم نظاماً لوجستياً إنسانياً متكاملاً لدعم عمليات الإغاثة واسعة النطاق في غزة".
The same people that did alligator Alcatraz in Florida are using the same contractors in Gaza ‼️ pic.twitter.com/sfW3jgY7IS
— Heather from Florida (@flrainh) December 14, 2025
وتقول ثلاثة مصادر إن شركة غوثامز كانت المرشح الأبرز، على ما يبدو، للتعامل مع الخدمات اللوجستية، وقد قامت بتأمين الموردين والمقاولين من الباطن.
وقد تبرع ميكلسن، مؤسس الشركة، وهو جمهوري ذو علاقات سياسية، بسخاء لحملات مسؤولين جمهوريين، من بينهم غريغ أبوت وحاكم فلوريدا رون ديسانتيس.
وبعد مسيرة مهنية واسعة النطاق جعلته على اتصال مع العديد من أباطرة وادي السيليكون، بما في ذلك المديرين التنفيذيين في ميتا وبالانتير، اتجه ميكلسن إلى مجال الاستجابة للكوارث، وأسس شركة غوثامز في عام 2019.
وشهدت الشركة نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة بفضل عقود حكومية سخية. فقد منحت مئات الملايين من الدولارات كتمويل حكومي لإدارة برامج مكافحة كوفيد-19 خلال الجائحة، وتوفير الخدمات اللوجستية في قطاع عمليات الاحتجاز الحكومية المزدهر.
ما هي مخططات فريق عمل البيت الأبيض لآلية توزيع المساعدات وإعادة الإعمار؟
أفادت الغارديان أن مسؤولين سابقين من وزارة الكفاءة الحكومية الأمريكية، وهما جوش غرينباوم وآدم هوفمان، أرسلا إلى المنطقة مع تصاعد وتيرة التخطيط لقطاع غزة ما بعد الحرب هذا الخريف.
ويشغل غرينباوم حالياً منصب كبير مستشاري فريق عمل غزة. وانضم هوفمان، خريج جامعة برينستون والبالغ من العمر 25 عاماً، إلى جهود إيلون ماسك في وزارة الكفاءة الحكومية في مارس/آذار الماضي.
ويقول شخصان تعاملا مباشرةً مع المستشار الشاب إن هوفمان أصبح قوة دافعة في أحدث الخطط.
وقال شخص مطلع على العملية: "الانطباع السائد هو أن كل ما يقوله هؤلاء الرجال سيحدث. هذا هو الانطباع السائد على أي حال".

وأفادت ثلاثة مصادر مطلعة على العملية بأن هوفمان، الذي عمل لفترة وجيزة في الإدارة الأولى لترامب في مجلس المستشارين الاقتصاديين، كان يستطلع أفكاراً بشأن مخطط لوجستي جديد في غزة.
واطلعت صحيفة الغارديان على وثيقة تخطيطية، تقول المصادر إن هوفمان هو من عممها، تتضمن تفاصيل "هيكلية لوجستية جديدة لنظام الإمداد في غزة".
وتحت عنوان "حساس لكن غير سري"، تدعو وثيقة هوفمان التخطيطية إلى تعيين "مقاول رئيسي" لتوفير 600 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية والتجارية إلى غزة يومياً.
وتقترح الوثيقة فرض رسوم قدرها 2000 دولار على كل شحنة من المساعدات الإنسانية، ورسوم قدرها 12000 دولار على الشاحنات التجارية.
وبحسب الوثيقة، يمكن للمقاول، من خلال العمل كجهة مانحة للترخيص، أن يحقق عائداً مجزياً من العملاء الذين يدخلون غزة.
وتشير تقديرات صحيفة الغارديان إلى أنه إذا نفذ "المقاول الرئيسي" مهامه بكفاءة، فقد تصل إيراداته السنوية من رسوم النقل بالشاحنات وحدها إلى 1.7 مليار دولار.
وسيكون النقل بالشاحنات بالغ الأهمية لأي جهود لإعادة إعمار غزة. وقبل الحرب، كان نحو 500 شاحنة تدخل القطاع يومياً، موفرةً واردات حيوية لسكان يعيشون تحت الحصار العسكري الإسرائيلي منذ عقود.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فرضت إسرائيل قيوداً متقطعة على جميع مداخل ومخارج غزة، ما حد من وصول السلع الأساسية، بما في ذلك الغذاء والوقود ومواد البناء.
وبينما نص اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في أكتوبر/تشرين الأول على دخول 600 شاحنة مساعدات إلى القطاع يومياً، إلا أن إسرائيل حصرت الدخول في المتوسط بـ 140 شاحنة فقط يومياً.
كم تبلغ تكلفة إعادة إعمار غزة؟
في الوقت الذي قدرت فيه تقارير أن تكلفة إعادة إعمار غزة قد تصل إلى حوالي 50 مليار دولار، كما نشرت صحيفة التايمز البريطانية، أظهرت تقديرات أممية أن تكلفة إعادة إعمار القطاع تقدر بنحو 70 مليار دولار.
وأشار ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الخاص في فلسطين، جاكو سيليرز، في تصريحات سابقة، إلى وجود دمار مروع في غزة.
وأضاف: "تشير تقديرات التقييم السريع المؤقت للأضرار والاحتياجات الذي أجرته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي بشكل مشترك إلى أن هناك حاجة لنحو 70 مليار دولار من أجل إعادة إعمار غزة".
وأردف: "هذا يعني أن هناك حاجة إلى حوالي 20 مليار دولار في السنوات الثلاث المقبلة".
ما هي المدة المتوقعة لإنجاز إعادة الإعمار؟
بحسب تقارير، قد تستغرق عملية إعادة الإعمار في غزة ما بين 10 إلى 15 عاماً.
وقال تقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي العام الماضي إن الأمر قد يستغرق حتى عام 2040 على الأقل.
وحمل تقرير صحيفة التايمز بشأن إعادة إعمار غزة عنوان: "إعادة إعمار غزة: عشر سنوات، 50 مليار دولار، و54 مليون طن من الأنقاض".