أعلنت القيادة الصينية عن الخطة الخمسية الخامسة عشرة التي ستوجه سياسات البلاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية خلال العقد المقبل. حيث ستركز الصين على ضخ المزيد من الأموال في الصناعات التكنولوجية المتقدمة والهايتك، والبحث العلمي، والقطاعات التصديرية التي حافظت على تماسك الاقتصاد خلال خمس سنوات اتسمت بأزمات العقارات وديون الحكومات المحلية.
مع تسارع وتيرة الابتكار التقنية عالمياً وكذلك التوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة وحلفائها المحيطين بالصين، تبدو الخطة الخمسية الصينية للفترة 2026–2030 بمثابة محرّك مركزي لرؤية بكين طويلة الأمد لإعادة تشكيل أركان القوة الصينية، من خلال تعزيز قدراتها التكنولوجية، تأمين سلاسل الإمداد، وتحديث القاعدة الصناعية بطريقة توفر مزيدًا من الاعتماد على الذات. والأهم، أن الخطة تعكس رغبة القيادة في تأمين السيادة التكنولوجية في مواجهة بيئة دولية أكثر غموضًا وتنافسًا.
فكيف ستحقق الصين الاكتفاء الذاتي في التكنولوجيا؟ وما مدى قدرتها على إعادة تشكيل صناعاتها التقليدية؟ وكيف ستتفاعل استراتيجية بكين هذه مع الاقتصاد العالمي – لاسيما مع الولايات المتحدة التي تراها منافسًا استراتيجيًا؟
ما هي الخطة الخمسية للصين؟
الخطة الخمسية في الصين هي وثيقة توجيهية وطنية واسعة تحدّد أولويات الدولة الاقتصادية-الاجتماعية والسياسية والعسكرية خلال فترة خمس سنوات. وهي أشبه بإستراتيجية عليا تُلزم الحكومة المركزية، والحكومات المحلية، والقطاع العام، وتؤثر أيضاً في سياسات القطاع الخاص.
وبدأت فكرة الخطط الخمسية في الصين كبرنامج تخطيطي شامل في أوائل الخمسينيات٬ وتصدره الحكومة الصينية كل خمس سنوات٬ حيث وضعت مؤخراً الخطة رقم 15، حيث تضع هذه الخطة أهدافاً كمية ونوعية تشمل:
- النمو الاقتصادي
- التكنولوجيا والابتكار
- الأمن القومي والعسكري
- التحول الصناعي
- الطاقة والبيئة
- السياسات الاجتماعية مثل التعليم والصحة ومحاربة الفقر
وتقول بكين إن هذه الخطة ليست "توجيهات" بل تُترجم إلى قوانين معمول بها بما يشمل تمويل المشاريع العملاقة، وإعادة تنظيم للمؤسسات الحكومية والشركات الكبرى. حيث إن التحولات الهيكلية الكبرى التي مر بها الاقتصاد الصيني خلال العقود الماضية – مثل تحرير الزراعة في ثمانينيات القرن الماضي، والدفعة الهائلة لتطوير البنية التحتية في تسعينيات القرن الماضي، والانتقال نحو النمو القائم على الابتكار في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين – قد تم تحديدها وتنظيمها وتنسيقها من خلال خطط خمسية.
تُحدد كل خطة خمسية مسار الأولويات الاجتماعية والاقتصادية للبلاد لنصف عقد، مع تأثيرات تمتد إلى ما وراء حدود الصين. لذا، فإن الخطة الخمسية الخامسة عشرة الجديدة ليست مجرد وثيقة بيروقراطية؛ بل هي أهم خارطة طريق اقتصادية ستحدد مسار ثاني أكبر اقتصاد في العالم حتى عام 2030 كما تصفها مجلة The diplomat.
وتتابع الولايات المتحدة الأمريكية الخطط الخمسية الصينية عن كثب لأنها تمنحها رؤية واضحة عن توجهات بكين المستقبلية، خاصة في مجالات التكنولوجيا (مثل أشباه الموصلات، الذكاء الاصطناعي) والبنية التحتية والطاقة٬ ولا شك أن الولايات المتحدة تخشى استمرار الصعود الصيني الذي يمكن أن يجعل هيمنتها تتآكل عالمياً.
وعلى سبيل المثال تفرض الولايات المتحدة ضوابط على التصدير لتقييد وصول الصين إلى بعض التقنيات المتقدمة التي تُعدّ جزءًا من أولويات الخطة الخمسية (مثل الرقاقات الإلكترونية)٬ وهذا جزء من "المواجهة التقنية" بين بكين وواشنطن. وهو يدفع الطرفين إلى حوارات تجارية وتقنية٬ لكن أمريكا غالبًا ما تقيّد التعاون في المجالات الحساسة. مثلاً، تمّ تحديث اتفاقية العلوم والتكنولوجيا بين البلدين العام الماضي لتشمل حماية أمنية أكبر وتقييد التعاون في بعض التقنيات الحيوية.

ما ملامح الخطة الخمسية الخامسة عشرة الصينية؟
تقول صحيفة global times الصينية إن الخطة الخمسية الخامسة عشرة تعكس خارطة الطريق للحزب الشيوعي الصيني وعزمه على دفع التحديث الصيني، بما يتماشى مع التوقعات العالمية للتقنية والانتعاش الاقتصادي والتحول الأخضر والحوكمة العالمية. وتضيف الصحيفة أن "هذه الخطة لا تحدد اتجاه تنمية الصين فحسب، بل ترسل أيضًا إشارة قوية إلى العالم حول الاستقرار والموثوقية والقدرة الصينية على التنبؤ".
ووفقًا للحكومة الصينية ستدور الخطة الخمسية الخامسة عشرة (2026-2030) حول التحديث الصيني، مع التركيز على الإصلاح الشامل والتنمية عالية الجودة والانفتاح المؤسسي. واستغلال نقاط ضعف الحوكمة العالمية، وتباطؤ النمو، حيث ستواصل الصين، لتوفير زخم مستدام للاقتصاد العالمي بسوقها الكبير ونظامها الصناعي المتكامل.
وتقول "جلوبال تايمز" إن الخطة الخمسية الخامسة عشرة٬ تعكس التركيز الاستراتيجي للصين واتساق سياساتها كقوة عالمية كبرى. وبصفتها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، يُشكّل الاستقرار السياسي للصين واتساق سياساتها "جرعة معزّزة" لمواجهة قلق التنمية الاقتصادية العالمية. وعلى مدى السنوات الخمس المقبلة، سيستمر التوسع، وسيؤدي التكامل العميق بين التصنيع التقني والخدمات الحديثة والاقتصاد الرقمي إلى توليد طلب ثابت وإمدادات عالية الجودة للسلع والخدمات العالمية.
من جهتها٬ تقول مجلة The Diplomat إن من المتوقع أن تُمثل هذه الخطة تحولاً استراتيجياً، من نموذج اقتصادي قائم منذ زمن طويل على الاستثمار في البنية التحتية وقطاع العقارات وفوائض التصدير، إلى نموذج اقتصادي قائم على التكنولوجيا المتقدمة والابتكار. من خلال هذا التحول، تسعى الصين إلى تجاوز صعوباتها الاقتصادية الحالية، وإعادة هيكلة مصادر الشرعية التي تدعم حكم الحزب الشيوعي الصيني، وإعادة تعريف دورها في المنافسة الاقتصادية العالمية – لا سيما في مجال الذكاء الاصطناعي سريع التطور.
يكمن مفتاح فهم الخطة القادمة في الخطاب السياسي الذي برز خلال العام الماضي. وقد هيمن مصطلح "قوى إنتاجية نوعية جديدة" (新质生产力) على الخطابات والتقارير الرسمية الأخيرة. ويُجسّد هذا المصطلح طموح بكين في استبدال محركات النمو القديمة بنموذج تنمية قائم على التكنولوجيا المكثفة، يُركّز على الابتكار والكفاءة والتحديث الشامل.
ستُظهر هذه الخطة الخمسية الجديدة بوضوح تام اعتماد الصين الكامل على التكنولوجيا كمفتاح رئيسي لحل تحدياتها المحلية المتفاقمة، والتي تشمل معدلات بطالة قياسية بين الشباب، و"التراجع" الاقتصادي الذي يتميز بمنافسة شرسة وعوائد متناقصة، وشيخوخة سكانية سريعة وتناقص في عدد السكان. من خلال دمج الذكاء الاصطناعي والروبوتات والبنية التحتية الرقمية في مختلف القطاعات، تأمل بكين في خلق وظائف جديدة تتطلب مهارات عالية، وتعزيز الإنتاجية، وتعويض التراجع الديموغرافي من خلال الأتمتة وزيادة الكفاءة.
ويرى قادة الصين أن التفوق التكنولوجي هو السبيل الرئيسي لتحقيق الهيمنة الاقتصادية والجيوسياسية العالمية، مما يجعل الصين رائدةً في وضع المعايير وموردًا لا غنى عنه في الصناعات الاستراتيجية، من الطاقة النظيفة إلى شبكات المعلومات من الجيل التالي. إن ما هو قادم، أكثر من مجرد برنامج تنمية، هو رهان وطني على قدرة التكنولوجيا على تحقيق استقرار المجتمع المحلي ورفع مكانة الصين الدولية في آنٍ واحد.

يقع الذكاء الاصطناعي في قلب هذا التحول. بالنسبة للقيادة الصينية، يُعد الذكاء العصب الرئيسي لنموذج تقني-اقتصادي جديد. وقد اتبعت بكين ما يمكن تسميته باستراتيجية "النشر أولاً": فبدلاً من التركيز فقط على تطوير نماذج رائدة، ركزت على دمج الذكاء الاصطناعي في جميع جوانب الاقتصاد. تنتشر تطبيقات الذكاء الاصطناعي بسرعة عبر شبكات اللوجستيات، وأنظمة التصنيع، ومنصات المراقبة، والتخطيط الحضري، وخدمات الرعاية الصحية، و"اقتصاد الطيران منخفض الارتفاع" المتنامي بسرعة بفضل الطائرات بدون طيار والروبوتات.
من خلال بناء بنية تحتية مادية وتنظيمية كثيفة لدعم هذه التقنيات، تهدف الصين إلى إنشاء نظام بيئي معزز ذاتيًا، تتكامل فيه قدرات الحوسبة، وحوكمة البيانات، وسلاسل توريد الأجهزة، والتطبيقات الصناعية. قد تُمكّن استراتيجية تكامل الأنظمة هذه الصين من تحقيق مكاسب إنتاجية واسعة النطاق أسرع من النهج القائم على المختبرات فقط.
من الرابحون والخاسرون من الخطة الخمسية الصينية الجديدة؟
يقول تقرير لمعهد atlantic council الأمريكي إن الرابح الأول من هذه الخطة هو الصناعات التي تقع في قلب استراتيجية بكين للتنمية عالية الجودة وبناء الاعتماد على الذات في العلوم والتكنولوجيا. هذا التوجه قاد الصين إلى الصدارة في تقنيات الطاقة النظيفة، مثل الطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية، إضافة إلى سيطرتها على سلاسل التوريد المرتبطة بالمعادن الأرضية النادرة. تسعى بكين الآن لتوسيع هذا النجاح ليشمل مجالات أشباه الموصلات المتقدمة، والتكنولوجيا الحيوية، والحوسبة الكمومية.
كما تستفيد شريحة واسعة من الشركات المصنعة التقليدية التي لعبت دورا محوريا في صعود الصين كقوة تصديرية. إلا أن هذه الشركات تواجه اليوم مشكلات الفائض الصناعي وتباطؤ الطلب المحلي وتراجع الأرباح. البيان الصادر عن الجلسة أكد ضرورة الحفاظ على نسبة معقولة من التصنيع وتحديث الصناعات التقليدية. الرسالة واضحة. الحكومة مستعدة لدعم القطاعات حتى تلك المهددة بالتراجع. وزادت دلالات هذا الدعم مع نشر صحيفة الشعب اليومية تغطيات لزيارات الرئيس شي جين بينغ لمصانع قديمة وإشادته بالاقتصاد الحقيقي.
لكن هذا الدعم يزيد المخاوف لدى شركاء الصين التجاريين. فالتوجه نحو تعزيز التصدير قد يرفع التوترات التجارية، خاصة مع الولايات المتحدة التي تستعد لعقد اجتماع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الصيني. فقد قفز فائض الصين التجاري العالمي ليقترب من 1.2 تريليون دولار في 2024 مقارنة ب 676 مليار دولار في 2021. ومع تراجع الطلب الأمريكي بسبب الرسوم الجمركية، ارتفعت الصادرات الصينية لدول أخرى، الأمر الذي دفع حكومات عدة إلى التفكير باتخاذ إجراءات حمائية.
لكن أحد أبرز الخاسرين بحسب atlantic council هو المستهلك الصيني. فقد أدت جائحة كورونا إلى ضرب الثقة، وتسببت أزمة العقارات في محو جزء كبير من الثروة الشخصية. يتفاقم الوضع مع ارتفاع بطالة الخريجين وصعوبة تغطية تكاليف المعيشة.
ورغم أن البيان الحكومي تحدث عن تعزيز التوظيف وتطوير التعليم وتحسين توزيع الدخل وتوسيع الضمان الاجتماعي، إلا أن هذه الوعود تكرر نفسها منذ سنوات دون تنفيذ جوهري. ويزداد التحدي مع أزمة مالية تعيشها الحكومات المحلية، ما يجعل تعزيز الإنفاق الاجتماعي أقل أولوية مقارنة بدفع مسار التنمية الصناعية الذي يفضله شي جين بينغ. بهذا، تُظهر الخطة أن الصين تتقدم بقوة في الصناعات الاستراتيجية، لكنها تفعل ذلك على حساب رفاه المستهلكين وفي سياق توترات تجارية عالمية متصاعدة٬ كما يقول معهد atlantic council.
كيف ستؤثر الخطة الخمسية الصينية الطموحة على الولايات المتحدة؟
يقول معهد atlantic council إن إن الخطة الخمسية الجديدة التي وضعتها الصين ينبغي أن تكون بمثابة جرس إنذار للولايات المتحدة. حيث سيحتاج قادة الأعمال الأمريكيون، وكذلك كبار المسؤولين الاقتصاديين والدفاعيين إلى إيلاء اهتمام خاص لكيفية ارتباط الخطط برغبة الصين في تعزيز دورها كقوة صناعية شديدة التنافسية بالفعل، غالبًا في منتجات كانت تهيمن عليها سابقًا الولايات المتحدة أو الغرب.
وبحسب المعهد الأمريكي فينبغي عليهم أيضًا توقع العديد من اللوائح الجديدة، وسياسات حماية وخصوصية البيانات، وتقنيات التطوير العالمي للأجهزة والبرمجيات التكنولوجية المتقدمة التي تركز على الصين. ومن المرجح أيضًا وضع سياسات بشأن المعادن الأرضية النادرة ذات الأهمية التكنولوجية. وينبغي على الاستراتيجيين العسكريين الأمريكيين، على وجه الخصوص، مراعاة الروابط المتنامية بسرعة بين التكنولوجيا والأمن القومي. ستؤثر هذه العناصر تقريبًا على جميع جوانب علاقات الصين مع الولايات المتحدة.
وبحسب مجلة The Diplomat يُغيّر هذا التحوّل الصيني أيضًا طبيعة المنافسة التكنولوجية بين الصين والولايات المتحدة. فقد ركّز جزء كبير من النقاش في الولايات المتحدة على سباق الابتكار الرائد، لا سيما في قدرات نماذج الذكاء الاصطناعي وتصميم أشباه الموصلات. ومع ذلك، تلعب الصين لعبةً أطول وأكثر براعة. فهي لا تقتصر على ابتكار أحدث التقنيات فحسب، بل على نشر تقنيات "جيدة بما يكفي" على نطاق واسع، ودمجها في الأنظمة المادية، وتصديرها كجزء من حزم شاملة.
وبحسب مجلة "ذي دبلومات" قد لا تتمحور المنافسة الحقيقية حول من يصل إلى الذكاء الاصطناعي العام أولاً، بل حول من يستطيع تنظيم البيانات والحوسبة والأجهزة والأطر التنظيمية والتطبيقات الصناعية في أنظمة عاملة بأقصى فعالية. في "لوجستيات الذكاء" هذه، غالبًا ما يكون الحجم والتنسيق أهم من البراعة التكنولوجية الصرفة.

تتمتع الصين ببعض المزايا الواضحة في هذا المجال على الولايات المتحدة. حيث يسمح نظامها السياسي بتعبئة سريعة للموارد لتحقيق الأولويات الوطنية، ويمكن لنموذجها الرأسمالي الحكومي تنسيق السياسات الصناعية والبنية التحتية الحضرية والتمويل بطرق يصعب على اقتصادات السوق الليبرالية مواكبتها.
كما يمكن للحكومات المركزية والمحلية توجيه المشتريات العامة، وتنظيم البرامج التجريبية على مستوى المدن، وتركيز الاستثمار في العقد الأساسية لمنظومة الذكاء الاصطناعي، مثل سعة الحوسبة والبنية التحتية للبيانات. توفر القاعدة الصناعية المتكاملة للصين – وخاصة في قطاعات مثل الروبوتات والطائرات بدون طيار والطاقة الخضراء – أرضًا خصبة لدمج الذكاء الاصطناعي في تطبيقات العالم الحقيقي. علاوة على ذلك، فإن تركيزها على نماذج الذكاء الاصطناعي المفتوحة أو القابلة للتكيف يمنحها موطئ قدم في الأسواق النامية حيث تكون التكلفة والتخصيص أهم من الأداء المتطور.
مع ذلك، فإن النظام السياسي الذي يُمكّن من تركيز الموارد على المدى الطويل قد يُقيّد أيضًا قدرة الصين على تحقيق الأهداف الطموحة للخطة الجديدة. يكمن جوهر فلسفة شي جين بينغ في الحوكمة، حيث تُعتبر السيطرة السياسية الهدف الأسمى، وتُخضع الاستراتيجيات الاقتصادية والتكنولوجية لها. وهذا يُولّد توترات هيكلية.
علاوة على ذلك، فإن النهج الذي يُعطي الأولوية للأمن في التعامل مع البيانات والمعلومات – الرقابة الصارمة، وقواعد التوطين الصارمة، وتوسيع الضوابط على التبادل الأكاديمي والتكنولوجي – يُهدد بعزل الصين عن تدفقات المعرفة العالمية.
في قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي، حيث تعتمد الاختراقات على الوصول إلى المواهب والتعاون ومصادر البيانات المتنوعة، يُمكن أن تُبطئ هذه العزلة التقدم بمرور الوقت. كما أن السيطرة السياسية تُؤدي إلى تقلب البيئة التنظيمية في الصين: فالحملات أو الحملات المفاجئة، التي غالبًا ما تكون مدفوعة بمخاوف أيديولوجية أو أمنية بدلاً من مؤشرات السوق، يُمكن أن تُضعف ثقة القطاع الخاص وتُثبط الاستثمارات طويلة الأجل الضرورية لاستدامة الابتكار.
بالنسبة للولايات المتحدة، ينبغي النظر إلى استراتيجية الصين ليس فقط على أنها تحدٍّ، بل أيضًا كفرصة لصقل نهجها الخاص٬ كما تقول مجلة "ذي دبلومات"٬ حيث تحتفظ الولايات المتحدة بنقاط قوة: جامعات رائدة عالميًا، وثقافة البحث الحر، وأسواق رأس مال متعمقة، وشركات خاصة مبتكرة، وشبكة تحالف عالمية تُضخّم نفوذها. لمواجهة هذا التحدي، ينبغي على واشنطن التركيز على تعزيز القدرة على النشر، والاستثمار في البنية التحتية الرقمية والمادية، وضمان وصول واسع النطاق إلى موارد الحوسبة، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص الذي يُسرّع دمج الذكاء الاصطناعي في تطبيقات العالم الحقيقي.
في النهاية٬ تُمثل الخطة الخمسية الخامسة عشرة لحظةً محوريةً في مسار التنمية في الصين. إذا نجحت الخطة، فقد تُعزز القدرة التكنولوجية للصين وتُعيد تشكيل المشهد التنافسي العالمي. لكن إصرار الحزب الشيوعي الصيني على إخضاع كل شيء – بما في ذلك الابتكار نفسه – للأمن السياسي قد يُشكل عائقًا داخليًا كبيرًا أمام طموحاته.