“الفاشر بلون الدم”.. كل ما نعرفه عن سقوط المدينة السودانية في أيدي ميليشيا “الدعم السريع”

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/28 الساعة 11:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/28 الساعة 11:27 بتوقيت غرينتش
"الفاشر بلون الدم".. كل ما نعرفه عن سقوط المدينة السودانية في أيدي ميليشيا "الدعم السريع" /عربي بوست

بعد حصار دام أكثر من 5 أشهر، أعلنت ميليشيا الدعم السريع سيطرتها على مدينة الفاشر السودانية، مركز ولاية شمال دارفور غربي البلاد، بعد اشتباكات ضارية مع قوات الجيش السوداني، وسط تحذيرات أممية من تردّي الأوضاع الإنسانية في المدينة التي تئن تحت وطأة الحصار.

واتّهمت القوة المشتركة للحركات المسلحة في دارفور، غربي السودان، الثلاثاء 28 أكتوبر/تشرين الأول، ميليشيا الدعم السريع بقتل ألفي مدني في مدينة الفاشر خلال اليومين الماضيين.

وخيمت عبارات مثل "الفاشر بلون الدم"، و"أنقذوا الفاشر"، على التغطية الإعلامية، ونداءات على منصات التواصل تتصاعد عربياً، بشأن تلك المدينة السودانية.

واحتوت بعض الهاشتاغات الداعمة للمدينة على عبارات تشير إلى أن "السودانيين في مدينة الفاشر يموتون بأبشع أنواع الطرق، يُبادون دون أي سبب، ولا يستطيعون حتى النزوح إلى أي مكان، والموت يلوح في كل شبر في تلك المدينة".

ومنذ 15 أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش وميليشيا الدعم السريع، بزعامة عبد الرحمن دقلو، المعروف باسم حميدتي، حرباً لم تفلح وساطات إقليمية ودولية عديدة في إنهائها، قُتل خلالها نحو 20 ألف شخص، وتشرد أكثر من 15 مليوناً بين نازحٍ ولاجئ، وفقاً لتقارير أممية ومحلية، في حين قدّرت دراسة أعدّتها جامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألف شخص.

ماذا حدث؟

قالت ميليشيا الدعم السريع في السودان، الأحد 26 أكتوبر/تشرين الأول، إنها سيطرت على مقر قيادة الجيش في الفاشر، وهي آخر مدينة يحتفظ الجيش بالسيطرة عليها في إقليم دارفور بغرب البلاد.

وأظهرت مقاطع مصوّرة نشرتها الدعم السريع بعض أفرادها يهتفون أمام لافتات لقيادة الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش.

وقالت منظمة الهجرة الدولية، الإثنين، إن التقديرات الميدانية تشير إلى نزوح أكثر من 26 ألف شخص من مدينة الفاشر خلال 48 ساعة.

ولفتت إلى أن هذه الأرقام أولية وقابلة للتغيير، نظراً لاستمرار انعدام الأمن وتسارع وتيرة النزوح.

كما سيطرت ميليشيا الدعم السريع، الإثنين، على مدينة بارا في ولاية شمال كردفان، التي تمثل حاجزاً بين دارفور والعاصمة السودانية، والنصف الشرقي من البلاد الذي يسيطر عليه الجيش.

لماذا انسحبت قوات الجيش من الفاشر؟

قال رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان، إن القيادة العسكرية قررت مغادرة مدينة الفاشر لتجنيب المواطنين والمدينة مزيداً من "التدمير والقتل الممنهج" على يد الدعم السريع.

وقال البرهان، الذي يتولى قيادة الجيش، في خطاب متلفز بثه التلفزيون الرسمي: "الجميع يتابع ما حدث في الفاشر، والقيادة الموجودة هناك، بما فيها لجنة الأمن، قدّروا أنه يجب أن يغادروا المدينة لما تعرضت له من تدمير ممنهج وقتل ممنهج للمدنيين".

وأوضح أن القيادة العسكرية في الفاشر "رأوا أن يغادروا، ووافقناهم، على أن يغادروا المدينة إلى مكان آمن حتى يُجنّبوا بقية المواطنين وبقية المدينة الدمار".

وأضاف: "هذه محطة من محطات العمليات العسكرية التي فُرضت علينا كشعب سوداني، ونحن نقولها دوماً ونكرّرها: الشعب السوداني سينتصر، والقوات المسلحة السودانية ستنتصر".

ومترحّماً على ضحايا القتال في المدينة، قال البرهان: "نخصّ الآن شهداء مدينة الفاشر، الفاشر الصمود، التي قدّمت، وقدم أبناؤها جميعاً، دروساً في الوطنية، ودروساً في الشجاعة ونكران الذات".

وأردف: "نُطمئن أهلنا في كل مكان بأننا عازمون على أن نقتص لكل شهدائنا، عازمون على أن نقتص لما حدث من الجرائم التي ارتُكبت اليوم في الفاشر".

ولفت البرهان إلى أن "هذه الجرائم ارتُكبت قبل ذلك في كل بقاع السودان، على مرأى ومسمع من العالم، ومخالفة لقرارات مجلس الأمن".

وشدّد على أن "كل الأعراف الدولية الآن يتم انتهاكها، ولا أحد يتحدث عن ذلك، ولا أحد يُحاسب".

ما أهمية مدينة الفاشر؟

تحظى مدينة الفاشر، وهي عاصمة ولاية شمال دارفور، بل ومركز إقليم دارفور برمّته، بأهمية استراتيجية كبيرة لكلٍّ من طرفَي الصراع في السودان.

وكانت المدينة آخر معاقل الجيش السوداني في ولايات دارفور الخمس، التي استولت قوات الدعم السريع على عواصمها خلال عام من الحرب، وهي: الجنينة (غرب دارفور)، ونيالا (جنوب دارفور)، والضعين (شرق دارفور)، وزالنجي (وسط دارفور).

وفي الآونة الأخيرة، كثّفت الدعم السريع من هجماتها على المدينة من عدة محاور، بعد أكثر من عام من حصارها، إلا أن قوات الجيش أعلنت، حتى السبت، نجاحها، بمساندة القوات المشتركة للحركات المسلحة الموقّعة على اتفاق سلام، والمقاومة الشعبية، في التصدي للهجوم والدفاع عن المدينة.

وبلغ عدد هجمات الدعم السريع على المدينة حوالي 267 هجوماً، تمكّنت قوات الجيش من صدّها، بحسب الفرقة السادسة مشاة للجيش بالفاشر.

محلية مليط في السودان مفاوضات وقف إطلاق النار في السودان
قائد قوات الدعم السريع/ رويترز

وتكمن أهمية الفاشر في موقعها الجغرافي الاستراتيجي، إذ تحدّها تشاد غرباً، وليبيا شمالاً، ما يجعل السيطرة عليها هدفاً حيوياً للطرفين، كما تُعدّ مفتاح السيطرة على الإقليم الواقع غرب السودان.

ويوجد في الفاشر، التي تبعد أكثر من 800 كم إلى الغرب من العاصمة الخرطوم، ونحو 195 كم عن مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، مطار رئيسي يستقبل المساعدات الإنسانية المحلية والدولية، كما تقع بمحاذاته قاعدة جوية للجيش السوداني.

وولاية شمال دارفور، التي تضم الفاشر، هي أكبر ولايات إقليم دارفور الخمس، وتحتل أكثر من نصف مساحة الإقليم، بمساحة تبلغ 290 ألف كيلومتر مربع.

ويجعل موقعها المتميّز الوصول إليها ممكناً من مدن شمال السودان، لإيصال المساعدات القادمة من ميناء بورتسودان على البحر الأحمر.

كما تحتضن عشرات مخيمات النازحين التي أُقيمت منذ اندلاع الحرب في دارفور عام 2003، إلى جانب موجات نزوح جديدة منذ حرب أبريل/نيسان 2023.

وصارت المدينة مركزاً تجارياً مهماً في المنطقة، لاحتوائها على أكبر الأسواق التجارية فيها، ووقوعها في بقعة تتوسط ولايات دارفور، وشمال كردفان، والعاصمة الخرطوم، والولاية الشمالية، وفق تقرير لموقع بي بي سي.

وفي عام 2008، اختارت البعثة المشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، المعروفة باسم "يوناميد"، الفاشر مقراً رئيسياً لها، ما عزّز مكانتها وأسهم في نموّها العمراني وتطوير بنيتها التحتية.

ماذا يعني سقوط المدينة بأيدي الدعم السريع؟

من شأن السيطرة الكاملة على المدينة من جانب الدعم السريع أن تُكرّس تقسيماً جغرافياً فعلياً للبلاد بين الفصائل العسكرية المتناحرة، وفق تقرير لوكالة رويترز.

وفي حال صحّ سقوط الفاشر، سيشكّل ذلك انتصاراً سياسياً مهماً للدعم السريع، وقد يُعجّل بتقسيم البلاد بين شرق يسيطر عليه الجيش وغرب تحت سيطرة الدعم السريع، وسيمكّن القوة شبه العسكرية من تعزيز سيطرتها على إقليم دارفور المترامي الأطراف، الذي اتخذته قاعدة لحكومة موازية شكّلتها في صيف هذا العام، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

وقال مسعد بولس، كبير مستشاري البيت الأبيض للشؤون العربية والأفريقية، في تصريحات تلفزيونية لقناة الجزيرة مباشر: "إذا كانت هناك سيطرة كاملة على منطقة دارفور للدعم السريع، فسيكون لذلك تداعيات نوعاً ما خطرة ومقلقة للمستقبل بما يتعلّق بالتقسيم".

وقارن بولس هذا السيناريو بليبيا، حيث أدّى تنافس حكومتين مرتبطتين بفصائل عسكرية متمركزة في الشرق والغرب إلى انقسام جغرافي فعلي.

سفيرة أمريكا بالأمم المتحدة تطالب الإمارات ودولاً أخرى بوقف دعم طرفي الصراع بالسودان
مسلحون من قوات الدعم السريع في الخرطوم، السودان/ رويترز

كما يُثير تقدم ميليشيا الدعم السريع مخاوف أيضاً من أعمال انتقامية محتملة بحق نحو 250 ألف شخص لا يزالون في الفاشر، وسط تحذيرات من تصاعد القتال في مناطق أخرى من البلاد.

وقال شهود ومصادر إنسانية وعسكرية لرويترز إن مقاتلي الدعم السريع يحتجزون مدنيين فارين في بلدات وقرى مجاورة، منذ إعلان الميليشيا سيطرتها على مقر الجيش في الفاشر.

وقال محللون إن قوات الدعم السريع قد تستغل هذا الزخم لمحاولة استعادة السيطرة على مناطق أخرى في السودان.

وقال آلان بوزويل، من مجموعة الأزمات الدولية: "لم نلحظ أي مؤشر على أن قيادة قوات الدعم السريع تكتفي بغرب السودان فقط. وطالما أنهم يتلقّون إمدادات كافية لمواصلة المجهود الحربي، فإنهم يبدون وكأنهم مستمرون في تصعيد هذه الحرب".

ما مصير مفاوضات الرباعية بشأن الحرب في السودان؟

أفادت تقارير أن مدينة الفاشر سقطت بأيدي ميليشيا الدعم السريع بعد ساعات من انهيار مفاوضات وقف إطلاق النار التي كانت جارية في واشنطن.

وكانت هناك آمال أواخر الأسبوع الماضي في أن تتمكن المحادثات، التي ترعاها الولايات المتحدة بمشاركة الإمارات ومصر والسعودية، والتي تُشكّل إلى جانب الولايات المتحدة "الرباعية" المكلّفة بوضع حد للحرب السودانية المستمرة منذ عامين، من تحقيق نوع من الاختراق.

لكن مصادر قالت لموقع ميدل إيست آي البريطاني إن الإمارات، التي أشارت تقارير عدة إلى دعمها لقوات الدعم السريع، رفضت التطرق إلى الوضع في الفاشر، التي تشهد حصاراً منذ أكثر من 500 يوم.

وقالت مصادر دبلوماسية لميدل إيست آي إن الإمارات عرقلت أي مناقشات بشأن الفاشر.

وقال مصدر دبلوماسي: "لم يرغب الإماراتيون في وصف الوضع بالحصار، وقالوا إن الجانبين يتحملان المسؤولية بالتساوي عن الجرائم في الفاشر".

النزوح في السودان
أزمة النزوح في السودان هي الأشد على مستوى العالم بحسب الأمم المتحدة/ رويترز

وقال مصدران مطلعان على المحادثات إن وفد القوات المسلحة السودانية رفض مشاركة الإمارات في المحادثات إطلاقاً، واعتبرها طرفاً عدائياً.

وأفاد أحد المصادر الدبلوماسية: "وضع الجانبان شروطهما على الطاولة. وطالب مسعد بولس القوات المسلحة السودانية بتقليص نفوذ الإسلاميين، ووقف تهريب الأسلحة من إيران، ودعم اتفاقيات إبراهيم، بالإضافة إلى إجراءات أخرى مثل مواجهة المصالح الاقتصادية الروسية والصينية".

من ناحية أخرى، طلب البرهان من الولايات المتحدة وقف تدخل الإمارات، وتفكيك ميليشيا الدعم السريع، أو على الأقل دمج القوات شبه العسكرية داخل القوات المسلحة السودانية، وكذلك رفع العقوبات الأمريكية عن المسؤولين السودانيين.

وبعد انهيار المفاوضات في واشنطن، السبت الماضي، ومع ظهور تفاصيل الهجوم على الفاشر، دعا بولس عبر منصة "إكس" الدعم السريع إلى "حماية المدنيين ومنع المزيد من المعاناة".

تحميل المزيد