ترامب يُمسك بلجام نتنياهو.. كيف تُسيطر أمريكا على القرار العسكري والسياسي الإسرائيلي في غزة منعاً لإشعال الحرب؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/25 الساعة 13:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/25 الساعة 14:04 بتوقيت غرينتش
رقابة أمريكية على سلوك الجيش الإسرائيلي بغزة للحفاظ على خطة ترامب/ عربي بوست

شهدت تل أبيب مؤخراً حراكاً مكثفاً من المسؤولين الكبار في البيت الأبيض، من أجل الدفع بالانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة ترامب، في ظل قلق أمريكي من تقويض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتفاق وقف إطلاق النار بغزة وإشعال الحرب، وسط مراقبة أمريكية دقيقة لسلوك الجيش الإسرائيلي في القطاع.

ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مصادر أمنية أن المسؤولين الأمريكيين أكدوا أنهم لن يتسامحوا مع أي مفاجآت من شأنها تقويض الاتفاق، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة تقوم بتجريد إسرائيل من صلاحياتها الأمنية.

وبعد زيارة قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تل أبيب، مكث جاريد كوشنر، صهر ترامب، والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف في إسرائيل، ثم وصل جيه دي فانس للقاء المسؤولين الإسرائيليين، ولحقه بعد ذلك وزير الخارجية ماركو ربيو، على أن يصل قريباً رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.

قلق أمريكي من إشعال الحرب مجدداً

وفي تعليقه على الزيارات الأمريكية المكثفة إلى إسرائيل، قال المحلل العسكري في "هآرتس" عاموس هارئيل إنها سلسلة زيارات ضمن ما يعرف بـ "رعاية الأطفال"، في إطار الإشراف الدقيق على القيادة الإسرائيلية لمنعها من إشعال فتيل الحرب على قطاع غزة مجدداً.

وتعتقد مصادر أمنية أن هناك "حراسة أمريكية"، وأن هذا يعني عملياً اغتصاب صلاحيات إسرائيل في مجال الأمن والعلاقات الخارجية، رغم مواصلة نتنياهو إنكار الواقع، بحسب "هارئيل".

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مصادر أن الإدارة الأمريكية لا تثق بنتنياهو، فيما لم يخف ترامب رأيه في "بيبي"، بحسب صحيفة "هآرتس"، التي أشارت إلى أنه في المقابلة مع مجلة التايمز، لم يخفِ انزعاجه منه، قائلاً: "أخبرته أن إسرائيل لا تستطيع القتال في جميع أنحاء العالم، لقد أوقفته، وإلا لاستمر الوضع لسنوات".

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أنه ما دام الأمريكيون هنا، فإنهم يقيدون نتنياهو، وخلف ابتساماتهم ولغتهم الدبلوماسية، فإنهم يلوحون بعصا غليظة.

زيارة نائب الرئيس الأمريكي إلى إسرائيل/ رويترز
زيارة نائب الرئيس الأمريكي إلى إسرائيل/ رويترز

ولطالما كان مفهوم "تدويل الصراع" مبتذلاً في قاموس اليمين الإسرائيلي، تماماً مثل "الدولة الفلسطينية"، ولكن الآن، في ظل وجود رئيس يميني قوي وحكومة قومية يمينية، حُلّ الصراع، ومهد الطريق إلى دولة فلسطينية، بحسب الصحيفة.

وفي تحليل للمحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، قال إن الرسائل الواردة من الولايات المتحدة خلال الأيام الماضية واضحة تماماً، وهي أن ترامب عازم على المضي قدماً في تنفيذ الاتفاق، ويعتبر نفسه المرجع النهائي في تحديد ما إذا كانت الأطراف قد لبت المطالب الموكلة إليها.

ونقل هارئيل عن مصادر أمنية إسرائيلية، أنه "في ظل الواقع الجديد، أصبحت أدوات الضغط المتاحة لنا محدودة، وتحرص إدارة ترامب على توضيح أن رجلاً جديداً قد وصل إلى السلطة، وأنه سيحدد وتيرة التقدم. لقد انطلق قطار الاتفاق، وهو يمضي قدماً بكل قوته دون النظر إلى الوراء".

ورأى أن إدارة ترامب غيرت مواقفها تجاه حكومة نتنياهو، وبدأت بالضغط لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار، عقب المحاولة الفاشلة لاغتيال قادة حماس في قطر، كما أن الحدث الذي وقع في رفح قبل أيام، ما أدى إلى مقتل جنديين إسرائيليين في اشتباك داخل "الخط الأصفر"، أثّر على التحركات الأمريكية، حيث يخشى ترامب من أن يؤدي أي حادث محلي آخر إلى إحباط استمرار تنفيذ الاتفاق، وبالتالي تجدد الحرب.

وبالفعل، تبرز العديد من الشواهد حول المراقبة الأمريكية الدقيقة لتصرفات إسرائيل مؤخراً، تمثلت بـ:

أولاً: الحصول على تحديث قبل أي عمل غير عادي في غزة.

وذكرت وسائل إعلام عبرية أن الولايات المتحدة منعت إسرائيل من توسيع هجماتها التي قامت بها في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2025، عقب مقتل جنديين في حدث أمني في منطقة رفح.

ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" عن مسؤول إسرائيلي قوله إن إدارة ترامب حثت إسرائيل على ضبط النفس في ردها لتجنب انهيار الاتفاق. وأضاف أن الضغط الأمريكي جعل رد إسرائيل أكثر اعتدالاً من بعض الخيارات التي نوقشت.

فيما أعرب مسؤولون أمنيون عن إحباطهم من قرار استئناف المساعدات إلى غزة بناءً على طلب واشنطن، مشيرين إلى أنه لم يعد هناك شك بشأن تدخل الأمريكيين، وأنه لن نتحرك أبداً في غزة دون موافقتهم.

من قصف إسرائيلي على قطاع غزة/ رويترز
من قصف إسرائيلي على قطاع غزة/ رويترز

وأكد المسؤولون الأمنيون لصحيفة "يسرائيل هيوم" أن أي قرار يتعارض مع رغبات واشنطن سيتم إلغاؤه فوراً، وإسرائيل لا تستطيع اتخاذ قرارات بشأن غزة، ولا يمكنها تطبيق نموذج لبنان، وهذا مقلق.

في هذا الإطار، يقول عاموس هارئيل إن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل إخطارها مسبقاً بأي هجوم غير اعتيادي على القطاع، بما في ذلك الغارات الجوية.

ووفقاً لمصادر أمنية إسرائيلية، فإن الأمريكيين لا يعتبرون هذا طلباً للحصول على الضوء الأخضر منهم قبل أي عمل هجومي من جانب الجيش الإسرائيلي، لكنهم عملياً يوضحون بجلاء أنهم لن يتسامحوا مع أي مفاجآت إسرائيلية أخرى من شأنها تقويض اتفاق وقف إطلاق النار.

وأوضح هارئيل أنه عملياً لا تزال حوادث إطلاق النار قائمة، لا سيما عندما يطلق الجنود النار على فلسطينيين يعبرون الخط الأصفر ويحاولون التوجه شرقاً، لكن أي شيء يتجاوز إطلاق النار المحلي يتطلب نقاشاً مع الأمريكيين، وفقاً لمطالبهم.

ثانياً: قاعدة ومسؤول أمريكي لمراقبة وقف إطلاق النار

في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2025، افتتحت الولايات المتحدة مركز التنسيق المدني/العسكري (CMCC) في "كريات غات"، بهدف "دعم استقرار غزة".

وذكرت "سنتكوم" في بيان أن الغرض من إنشاء المركز:

  • دعم جهود الاستقرار، والمساهمة في تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية واللوجستية والأمنية من الشركاء الدوليين إلى داخل القطاع.
  • مراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، من خلال قاعة عمليات تتيح للطاقم تقييم التطورات في غزة لحظة بلحظة.

وفق كوبر، فإن المركز "أنشأه نحو 200 من أفراد القوات الأمريكية، من ذوي الخبرة بمجالات النقل والتخطيط والأمن واللوجستيات والهندسة، تحت قيادة الفريق باتريك فرانك، قائد القيادة المركزية لقوات الجيش الأمريكي".

وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن المركز الجديد في "كريات غات" يضم أيضاً قوات من دول أخرى، منها من انتقد إسرائيل بسبب الحرب على غزة.

وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن القاعدة الأمريكية أصبحت موطناً للعديد من الدول، بما فيها جنود فرنسيون وإسبان، وهما الدولتان اللتان تعتبران ربما أشد منتقدي إسرائيل في الغرب.

زيارة وزيرة الخارجية الأمريكي للمقر الأمريكي في كريات غات/ رويترز
زيارة وزيرة الخارجية الأمريكي للمقر الأمريكي في كريات غات/ رويترز

ورداً على ذلك، تحاول إسرائيل، وتحديداً رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الادعاء بأن هذه الخطوة لا تعكس تحول إسرائيل إلى محمية عاصمتها الجديدة في "كريات غات"، بل مقر يُدار بالاشتراك مع الولايات المتحدة.

لكن، بحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن دولة واحدة فقط تدير المكان في "كريات غات"، وهي الولايات المتحدة، ورغم وجود جنود من الجيش الإسرائيلي فيه، لكنهم يدركون أن الأمريكيين هم المسيطرون في المكان.

إلى ذلك، عينت الولايات المتحدة السفير الأمريكي السابق لدى اليمن، ستيفن فاجن، مسؤولاً عن التنسيق المدني العسكري في المقر.

وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن فاجن لديه مهمة محورية، وهي ضمان استمرار وقف إطلاق النار في قطاع غزة من المقر الجديد، وتنسيق دخول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة، وتلقي التحديثات المنتظمة.

ثالثاً: مراقبة وقف إطلاق النار من الجو

في الماضي، استخدمت الطائرات المسيرة للمساعدة في تحديد أماكن الأسرى الإسرائيليين، لكنه، وفقاً لمصادر لصحيفة "نيويورك تايمز"، فإنها الآن ستراقب الأنشطة البرية في قطاع غزة.

وبدأت الولايات المتحدة في مراقبة النشاط البري في قطاع غزة باستخدام الطائرات المسيرة خلال الأيام الأخيرة، ووفقاً للصحيفة الأمريكية، وافقت إسرائيل على أن تراقب الطائرات النشاط البري في قطاع غزة، كجزء من عمل مركز التنسيق الأمريكي في "كريات غات".

ونقلت الصحيفة عن السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، دانيال شابيرو: "هذه نسخة متدخلة للغاية من المراقبة الأمريكية على خط المواجهة، حيث تُحدِّد إسرائيل تهديداً نشطاً".

وأضاف: "لو كانت هناك شفافية وثقة كاملتان بين إسرائيل والولايات المتحدة، لما كان هذا ضرورياً، لكن من الواضح أن الولايات المتحدة تريد استبعاد أي احتمال لسوء الفهم".

تحميل المزيد