في الوقت الذي نجح فيه دونالد ترامب في تمرير المرحلة الأولى من خطته لإنهاء الحرب في غزة، تلوح في الأفق تساؤلات جادة بشأن قدرة الرئيس الأمريكي على إجبار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على الالتزام بباقي مراحل الاتفاق.
ورغم التفاؤل الحذر الذي يسود الأوساط الإقليمية والدولية مع دخول وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، تكتسب هذه التساؤلات زخماً كبيراً، لا سيما أن هناك عقبات يتعيّن على أطراف التفاوض تجاوزها للوصول إلى المرحلة التالية والهدف النهائي المتمثل في إنهاء الحرب.
وبينما استعرض ترامب نجاحه في التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في غزة خلال القمة التي عُقدت، الإثنين 13 أكتوبر/تشرين الأول، في مدينة شرم الشيخ المصرية بمشاركة قادة عرب وأجانب، يرى محللون أن ترسيخ الاتفاق بشكل دائم يتطلب من الرئيس الأمريكي أن يواصل الضغط على نتنياهو الذي سيحتاج إلى دعمه في المراحل التالية من خطته، وفق تقرير لوكالة رويترز.
🔴 #عاجل | وثيقة للبيت الأبيض باسم الدول الموقعة على اتفاق #غزة: متحدون في عزمنا على تفكيك التطرف والتشدد بجميع أشكاله، ونلتزم بحل النزاعات المستقبلية من خلال الحوار والتفاوض. pic.twitter.com/bViTQDAA6o
— عربي بوست (@arabic_post) October 13, 2025
ووجد الرؤساء الأمريكيون، بدءاً من بيل كلينتون وحتى جو بايدن، صعوبة في العمل مع نتنياهو، وحتى مسؤولو إدارة ترامب شعروا بالإحباط من بعض الضربات العسكرية الإسرائيلية التي يرون أنها تقوّض السياسة الأمريكية، بحسب رويترز.
يأتي ذلك بينما برزت خلال العامين الماضيين وقائع عدة تُظهر كيف سعى نتنياهو لإطالة أمد الحرب في غزة من أجل بقائه السياسي، وكيف حاول جاهداً إفشال مفاوضات وقف إطلاق النار في القطاع الفلسطيني، حتى إنه رفض في مارس/آذار الماضي المضي قدماً في تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في يناير/كانون الثاني الماضي.
هل يستطيع ترامب الإبقاء على التزام نتنياهو باتفاق غزة؟
تتباين الآراء بشأن قدرة ترامب على الضغط على نتنياهو للالتزام ببنود الاتفاق بشكل تام، وعدم استئناف الحرب في غزة مرة أخرى.
وقال تقرير لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية إن خطاب الزعيمين في الكنيست، أمس الإثنين، يعكس مدى اختلاف المخاطر السياسية والدبلوماسية بالنسبة إلى كل زعيم في المستقبل.
وبينما رأى محللون ودبلوماسيون أن ترامب يحظى حالياً بنفوذ كبير لدى نتنياهو بسبب دعمه القوي لإسرائيل، ونجاحه في الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس، قال آخرون إن انتخابات العام المقبل في تل أبيب ربما تغيّر حسابات نتنياهو السياسية بشكل يصعب التنبؤ به، خاصة أن إسرائيل وحماس منقسمتان بشكل حاد حول عدد من جوانب خطة ترامب المكونة من 20 بنداً.
وقال نمرود جورن، رئيس المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية (ميتفيم)، وهو مركز أبحاث إسرائيلي، لرويترز: "ندخل عاماً سياسياً يرتبط فيه كل شيء بالحملات الانتخابية، وربما تنقلب حسابات نتنياهو من الرضوخ للضغوط إلى محاولة لضمان بقائه السياسي".
فمن الناحية النظرية، يمكن أن يهدد أنصار السياسيين اليمينيين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش حكومة نتنياهو الائتلافية إذا ما زاد غضبهم من قرار وقف العمليات العسكرية ضد حماس.

وقد يتذرع عناصر يمينية في الحكومة من عدم استجابة حماس لنزع سلاحها ويمارسون الضغط على نتنياهو لاستئناف العمليات العسكرية في غزة، ما ينسف عملياً اتفاق ترامب.
وكانت حماس أعربت عن موقفها بشأن نزع سلاحها، مشيرة إلى أنها ستسلم سلاحها فقط للدولة الفلسطينية القادمة، وهو ما أكده في تصريحات سابقة عضو المكتب السياسي للحركة، موسى أبو مرزوق.
وقال سيمحا روتمان، العضو في حزب الصهيونية الدينية وفي الائتلاف الحاكم بزعامة نتنياهو، لرويترز: "نحن منزعجون من حقيقة أن حماس لا تزال تعلن حتى اليوم أنها ستبقى في السلطة في غزة".
وهناك مسألة أخرى قد تكون مزعجة، وهي التي وردت في بند بخطة غزة يعترف بإمكانية قيام دولة فلسطينية في المستقبل. ويقول محللون إن معظم الإسرائيليين سيجدون صعوبة في قبوله، خاصة وأن العديد من قادة الحكومة بما فيهم نتنياهو قد أعلنوا رفضهم قيام دولة فلسطينية.
وقال دان شابيرو، وهو سفير أمريكي سابق لدى إسرائيل، لرويترز إن رغبة الدول العربية في دفع حماس للوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاق ترامب ربما تصبح محدودة إذا ما شن السياسيون في الحكومة والمعارضة حملة كبيرة ضد إقامة دولة فلسطينية.
وتابع: "كان من الضروري جداً إدراج (هذا البند) للحصول على دعم الدول العربية والقيام بدورها".
وأضاف: "إذا كان الخطاب السياسي هو الرفض التام لقيام دولة فلسطينية إلى الأبد، أعتقد أن ذلك قد يؤثر على حماسة الأطراف العربية في القيام بالأدوار التي يجب أن تقوم بها".
في المقابل، أشار مسؤول أمريكي كبير إلى أن ترامب اكتسب نفوذاً لدى نتنياهو بصورة ما من خلال دعمه القوي لإسرائيل في قضايا مهمة أخرى.
واعترفت إدارة ترامب خلال فترته الرئاسية الأولى رسمياً بالقدس عاصمة لإسرائيل وبضم هضبة الجولان إلى إسرائيل، وهما أمران لطالما سعت إليهما الحكومات الإسرائيلية.

وقال المسؤول الأمريكي: "أحد الأمور التي فعلها الرئيس ترامب مع إسرائيل… هو أنه لا يحاول أن يكون في منتصف الطريق. لقد وقف جنباً إلى جنب مع إسرائيل بنسبة مئة في المئة. وبفضل ذلك، تمكن من مساعدتهم في السير في الاتجاه الصحيح".
ولترامب سجل متباين فيما يتعلق بممارسة الضغط السياسي على نتنياهو. فبينما وفّر الرئيس الأمريكي لنتنياهو غطاءً سياسياً في غزة طيلة أشهر رغم المخاوف الإنسانية المتزايدة بين الحلفاء الأوروبيين والعرب، فقد ظهر أكثر صرامة في الأسابيع القليلة الماضية، وأجبر نتنياهو على الاتصال بأمير قطر للاعتذار له بعد غارة غير ناجحة شنتها إسرائيل في سبتمبر/أيلول لاستهداف وفد حماس المفاوض في الدوحة. وأجبر نتنياهو على التوقيع على الخطة الأمريكية المكونة من 20 بنداً رغم مخاوفه.
وقال جون ألترمان، خبير شؤون الشرق الأوسط في مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية والدولية والمسؤول السابق في وزارة الخارجية، إن ترامب يستطيع على الأرجح التأثير على نتنياهو بسبب شعبيته الكبيرة في إسرائيل.
وأضاف: "أكبر ورقة نفوذ في يد ترامب هي أنه يتمتع بشعبية سياسية في إسرائيل أكبر بكثير من نتنياهو… يمكنه إما دعم مستقبل نتنياهو السياسي أو القضاء عليه".
هل يثق العرب في ترامب؟
تشكل ثقة العرب على الصعيد الرسمي والشعبي في قدرة ترامب على المضي قدماً في خطته في غزة جانباً آخر مهماً في المدى القريب، إلى الحد الذي اعتبرت فيه مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن "كل شيء تقريباً يتوقف على ضمانة رجل واحد: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب".
وبينما قوّض ترامب ثقة الأطراف العربية فيه في مارس/آذار الماضي عندما بارك انسحاب إسرائيل من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بل واقترح سيطرة الولايات المتحدة على غزة وإفراغها من سكانها، وسمح لإسرائيل بشن هجومها المفاجئ على إيران في يونيو/حزيران، ربما تشهد الفترة الحالية تحولاً في موقف القادة العرب و حماس تجاه الرئيس الأمريكي.
ففي الوقت الذي وصفت فيه حماس في وقت سابق ترامب بأنه عنصري ورجل ذو رؤية عبثية لغزة، قال مسؤولان فلسطينيان لرويترز إن اعتذار نتنياهو لقطر الشهر الماضي ساعد في إقناع حماس بأن الرئيس الأمريكي قد يجبر إسرائيل على قبول اتفاق سلام حتى لو سلّمت الحركة كافة الرهائن الذين يمنحونها نفوذاً في الحرب في غزة.
وقال المسؤولان إن تعامل ترامب مع الهجوم على قطر أعطى الحركة مزيداً من الثقة حيال قدرته على الوقوف في وجه نتنياهو، وأنه جاد بشأن إنهاء الحرب في غزة.

والآن، وبعد التوقيع على وقف إطلاق النار، وضعت حماس المزيد من الثقة في ترامب. وقال أحد مسؤولي حماس إن قادة الحركة يدركون جيداً أن مجازفتهم قد تأتي بنتائج عكسية. ويخشون من أنه بمجرد إطلاق سراح الرهائن، قد تستأنف إسرائيل حملتها العسكرية، كما حدث بعد وقف إطلاق النار في يناير/كانون الثاني.
فكل تنازل قدمته حماس لا رجعة فيه، في حين أن كل تنازل تقدمه إسرائيل يمكن التراجع عنه، بحسب فورين بوليسي.
وعلى سبيل المثال، إذا انسحب جيش الاحتلال من غزة بموجب الشروط الحالية للاتفاق، فبإمكانه إعادة الانتشار في القطاع في اليوم التالي، وإذا أطلقت إسرائيل سراح ألف أسير فلسطيني اليوم، فبإمكانها إعادة اعتقالهم غداً.
من ناحية أخرى، فإن إفراج حماس عن الرهائن الإسرائيليين يعني عدم عودتهم إلى الأبد. وإذا قررت نزع سلاحها، فقد تُوضع آلية لاستعادته إذا تراجعت إسرائيل عن الاتفاق، ولكن سيكون من الصعب عليها فعل ذلك عملياً.