تقنية الإبادة.. كيف وظفت “إسرائيل” الذكاء الاصطناعي لصنع قوائم الموت في غزة على مدار عامين؟

تم النشر: 2025/10/07 الساعة 08:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/07 الساعة 10:30 بتوقيت غرينتش

منذ سنوات طويلة، تُعامل غزة ليس فقط كمنطقة محاصرة ومعزولة وسجن كبير، بل كحقل تجارب مفتوح أمام آلة الحرب الإسرائيلية تكررت في عدة حروب على القطاع. وفي كل عدوان أو جولة تصعيد، يظهر نمط ثابت: استخدام أدوات وتقنيات عسكرية وأمنية جديدة متطورة، مراقبة نتائجها على أرض الواقع، ثم تسويقها عالمياً كسلاح "مجرّب ميدانياً" (battle-tested). هذه الممارسة لا يمكن فصلها عن السياق الأوسع: حرب إبادة ممنهجة، حيث يُختزل ملايين البشر في "عينات" و"أهداف" لبرامج الذكاء الاصطناعي، وصواريخ موجّهة، وطائرات مسيّرة، وأنظمة تعقب ومراقبة متعددة الطبقات.

ولم تتوانَ دولة الاحتلال وحلفاؤها، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وأوروبا، وكبرى شركات "الهايتك" الأمريكية في توظيف أحد برامجها السحابية والرقابية وتقنياتها في الذكاء الاصطناعي لقتل وملاحقة ومراقبة الفلسطينيين ومؤيديهم سواء في داخل الأراضي المحتلة أو خارجها، بحسب ما أشارت تحقيقات وتقارير عديدة منذ أن شنّ جيش الاحتلال الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. 

التقنية في خدمة حرب الإبادة الإسرائيلية 

منذ سنوات٬ حاول جيش الاحتلال الإسرائيلي صقل سُمعته فيما يتعلق بـ"البراعة التقنية" والترويج لها عالمياً، وقد قدم في السابق ادعاءات جريئة ولكن لا يمكن التحقق منها، حول تسخير التكنولوجيا الجديدة. وبعد حرب مايو/أيار 2021 التي عرفت بمعركة "سيف القدس"٬ قال المسؤولون إن إسرائيل خاضت "حربها الأولى في مجال الذكاء الاصطناعي" باستخدام التعلم الآلي والحوسبة المتقدمة. 

لكن حرب الإبادة الجماعية الأخيرة٬ كشفت عن فرصة غير مسبوقة لجيش الاحتلال الإسرائيلي لاستخدام مثل هذه الأدوات في مسرح عمليات أوسع بكثير، باستخدام أنظمة متعددة وواسعة من الذكاء الاصطناعي٬ ساهمت بشكل كبير في تسريع عمليات القتل التي شبَّهها المسؤولون بـ"المصنع". 

وخلال السنوات الأخيرة، ساعد قسم الأهداف جيش الاحتلال الإسرائيلي على بناء قاعدة بيانات ضخمة لما قالت المصادر إنه يتراوح بين 30 ألفاً و40 ألفاً من المسلحين المشتبه بهم. وقالوا إن أنظمة مثل "غوسبل" لعبت دوراً حاسماً في بناء قوائم الأفراد المسموح باغتيالهم. 

وقال أفيف كوخافي، الذي شغل منصب قائد جيش الاحتلال الإسرائيلي حتى يناير/كانون الثاني 2024، إن وحدة الاستهداف "مدعومة بقدرات الذكاء الاصطناعي"، وتضم مئات الضباط والجنود. وفي مقابلة نُشِرَت قبل الحرب، قال إنها "آلة تنتج كميات هائلة من البيانات بشكل أكثر فعالية من أي إنسان، وتترجمها إلى أهداف للهجوم". 

وبحسب كوخافي، "بمجرد تفعيل هذه الآلة" في حرب  جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد حماس والتي استمرت 11 يوماً في مايو/أيار 2021، سجلت 100 هدف يومياً. وقال: "في الماضي كنا ننتج 50 هدفاً في غزة سنوياً. والآن تنتج هذه الآلة مئات الأهداف في اليوم الواحد".

جندي إسرائيلي من الوحدة 8200 الاستخباراتية – DIF

وفي يلي أبرز الأنظمة والبرامج التقنية المتطورة التي يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي في حرب الإبادة الجماعية على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023

1- نموذج محاكاة سري مشابه لـ ChatGPT

بعد أن أطلقت OpenAI برنامج ChatGPT أواخر عام 2022 عمل خبراء الذكاء الاصطناعي في الوحدة 8200 تطوير أداة أكثر شمولاً تُشبه روبوت المحادثة. ويُعد ChatGPT الآن أحد أكثر برامج إدارة التعلم استخدامًا في العالم، ويستند إلى ما يُسمى "النموذج الأساسي"، وهو ذكاء اصطناعي متعدد الأغراض مُدرّب على كميات هائلة من البيانات وقادر على الاستجابة للاستفسارات المعقدة.

ومنذ بداية الحرب وحتى اللحظة٬ استخدمت الوحدة 8200 التابعة للاستخبارات الإسرائيلية مجموعة بيانات لاتصالات الفلسطينيين التي اعترضتها لبناء أداة ذكاء اصطناعي مشابهة لبرنامج تشات جي بي تي، بحسب تحقيق مشترك لصحيفة الغارديان البريطانية مع مجلة +972 الإسرائيلية وموقع Local Call الناطق بالعبرية.

التحقيق أشار إلى أن الوحدة 8200 دربت نموذج الذكاء الاصطناعي على فهم اللغة العربية المنطوقة باستخدام كميات كبيرة من المحادثات الهاتفية والرسائل النصية، التي تم الحصول عليها من خلال مراقبتها المكثفة للأراضي المحتلة.

وأضاف التحقيق أن الوحدة شرعت في بناء النموذج لإنشاء أداة متطورة تشبه روبوت المحادثة، قادرة على الإجابة على أسئلة حول الأشخاص الذين تراقبهم، وتوفير رؤى حول كميات هائلة من بيانات المراقبة التي تجمعها. وسارعت الوحدة إلى تطوير النظام الذي يعرف باسم نموذج اللغة الكبيرة "إل إل إم" LLM بعد بدء الحرب في غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفقاً للتحقيق.

2- نظام أربيل (Arbel) 

كشفت وثائق أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستخدم نظام أسلحة يعتمد على الذكاء الاصطناعي في غزة، تم إنتاجه بالاشتراك مع شركة دفاع هندية، وأطلق عليه اسم Arbel "أربيل". التقارير أضافت أن النظام يحول المدافع الرشاشة والبنادق الهجومية إلى آلات قتل محوسبة، مع تعزيز القدرة على ضرب الأهداف بدقة وكفاءة أكبر باستخدام الخوارزميات.

يُروَّج لنظام أربيل باعتباره "نظاماً ثورياً يغير قواعد اللعبة ويحسن من قدرة المشغل على القتل والقدرة على البقاء". حيث يعمل النظام على تحسين قدرة المدافع الرشاشة والأسلحة الهجومية ــ مثل "تافور" و"كارمل" و"نيجيف" التي تنتجها شركات الأسلحة الإسرائيلية ــ وتحويلها إلى سلاح يستخدم الخوارزميات لتعزيز فرص الجنود في ضرب الأهداف بدقة وكفاءة أكبر.

3- برنامج لافندر (Lavender)

التقارير بشأن توظيف إسرائيل لبرنامج ذكاء اصطناعي يُدعى "لافندر" جاءت من خلال تحقيق استقصائي مشترك أجراه موقع +972 Magazine وموقع Local Call الناطقان بالعبرية. بحسب التحقيق، اعتمد برنامج لافندر على معايير واسعة من أجل تحديد الأهداف المحتملة، واختار نحو 37 ألف شخص للاستهداف بالقصف الجوي في غزة. 

بحسب تحقيقات +972 Magazine وLocal Call، يُستخدم هذا النظام السري الذي كشف عنه خلال الحرب٬ لتصنيف الفلسطينيين في غزة حسب فرضية ارتباطهم بحماس أو الجهاد الإسلامي أو غيرها من التنظيمات المسلحة. حيث يُعطى كل فرد درجة ما بين 1 و100 على أساس "خصائص" مثل الانتماء لمجموعات واتساب مع أفراد معروفين، تغيير الهاتف أو العنوان، وغيرها.

تُقدّر دقّة نظام لافندار بحوالي 90٪، لكن حتى هذا المستوى من الدقّة ينطوي على عدد كبير من الأخطاء — إذ إن آلاف الأشخاص الذين لا ينتمون إلى أي فصيل عسكري يُصنّفون خطأً كمتشبه بهم.

4- نظام غوسبل (The Gospel)

هناك أنظمة مساعدة أخرى مثل "The Gospel" يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي في هندسة حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني٬ ويستخدم هذا النظام لتحديد المباني التي يزعم أنها تستخدم كمقرّات عسكرية٬ وهو معني بتحديد الأهداف بوتيرة سريعة". 

وبحسب تحقيق لصحيفة الغارديان٬ فمن خلال الاستخراج السريع والآلي للمعلومات الاستخباراتية، يصدر "غوسبل" توصيات مستهدفة لباحثيه "بهدف المطابقة الكاملة بين توصية الآلة والتعرف الذي يقوم به الشخص". وأكدت مصادر متعددة مطلعة على عمليات الاستهداف التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي٬ لصحيفة الغارديان٬ أن برنامج غوسبل استُخدِمَ لإصدار توصيات آلية لمهاجمة الأهداف، مثل المنازل الخاصة للأفراد المشتبه فيهم.

الوحدة 8200 الإسرائيلية - IDF
الوحدة 8200 الإسرائيلية استخدمت أنظمة ذكاء اصطناعي متعددة الطبقات خلال الحرب على غزة- IDF

5- برنامج Where's Daddy؟

وهو برنامج سري يستخدم لتتبّع هدف حتى وصوله منزل عائلته لشنّ ضربة جوية٬ وبحسب التحقيقات٬ فإن أداة "أين بابا؟" تزعم أنها تستطيع أن تُحدد متى يكون الهدف (المقاوم) في موقع مُحدد مثل منزله ليتم استهدافه هناك مع عائلته. ويستخدم هذا البرنامج مع نظام Lavender لتكملة آليات الاستهداف ضد الفلسطينيين٬ بحسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش.

6- نظام رصد إخلاء المنازل ومراقبة حركة السكان خلال النزوح

منذ بداية الحرب٬ أصدر جيش الاحتلال أوامر إخلاء لجميع سكان غزة وتمت حركة نزوح داخلية تقريباً لجميع سكان غزة الذين حشروا الآن في مناطق المواصي والوسطى بشكل عام، حيث يعيش أكثر من مليون شخص هناك، رغم أن هذا لا يعني أن هذه المناطق ستكون آمنة٬ أو حتى عمليات النزوح٬ حيث استهدف جيش الاحتلال الكثير من النازحين من الجنوب والشمال نحو وادي غزة٬ كما أن قصفه لا يتوقف للمناطق التي يدعي أنها "آمنة".

ولذلك٬ طور جيش الاحتلال أداة تعتمد على رصد الإخلاء٬ من خلال تتبع بيانات موقع الهاتف المحمول الذي يرصد حركة السكان في غزة. واستنادًا إلى تقرير صحيفة نيويورك تايمز المنشور في 16 أكتوبر/تشرين الأول، أي قبل أسبوع من بدء الجيش الإسرائيلي عملياته البرية الكبرى في شمال غزة، كان الجيش يستخدم هذا النظام لرصد إخلاء الفلسطينيين من منازلهم شمال وادي غزة. ونشرت صحيفتا واشنطن بوست والغارديان لاحقًا تفاصيل إضافية حول هذا النظام.

ووصف صحفيون زيارة مكتب في مقر القيادة الجنوبية بمدينة بئر السبع٬ حيث عُرضت عليهم شاشات كبيرة عليها خريطة غزة، مقسمة إلى 620 قسمًا، كل قسم ملون حسب درجة إخلاء السكان. وتضمنت الخريطة أيضًا أسماء مستشفيات ومساجد وملاجئ ومنشآت أخرى. وتشير التقارير إلى أن عدد الهواتف المحمولة التي تم تتبعها في ذلك الوقت تجاوز المليون هاتف؛ وقبل أكتوبر/تشرين الأول 2023، أفادت وزارة الاتصالات في غزة بإجمالي 1,041,198 اشتراكًا نشطًا في الهواتف المحمولة في غزة.

وفقًا لهذه التقارير، يستخدم النظام تقنية تحديد مواقع أبراج الاتصالات وبيانات مراقبة أخرى لتوفير رؤية مباشرة لتحركات سكان غزة. وصرح ضباط عسكريون إسرائيليون للصحفيين بأن هذه المعلومات استُخدمت لتحديد الإجراءات التي يمكن للجيش اتخاذها في أماكن معينة، وأنواع الأسلحة التي سيستخدمها.

7- نظام "هبسورا" لتحليل الخوارزميات

نظام "هبسورا" هو برنامج للتعلم الآلي مبني على مئات من الخوارزميات التنبؤية، والذي يسمح للجنود بالاستعلام بسرعة عن مجموعة ضخمة من البيانات. وبمراجعة كميات هائلة من البيانات المستمدة من الاتصالات التي تم اعتراضها، ولقطات الأقمار الصناعية، والشبكات الاجتماعية، تعمل الخوارزميات على استخراج إحداثيات الأنفاق والصواريخ وغيرها من الأهداف العسكرية.

باستخدام تقنية التعرف على الصور في البرنامج، يمكن للجنود اكتشاف أنماط دقيقة، بما في ذلك تغييرات طفيفة جرت خلال سنوات، من لقطات الأقمار الصناعية لغزة تشير إلى أن حماس دفنت قاذفة صواريخ أو حفرت نفقاً جديداً في أرض زراعية.

بدأ العمل على تطوير البرنامج منذ عام 2020 تحت قيادة يوسي سارييل، قائد وحدة الاستخبارات الإسرائيلية 8200، التي تعد العمود الفقري لمنظومة الاستخبارات الإسرائيلية، حيث تختص بالتجسس الإلكتروني وجمع الإشارات وتحليل البيانات.

8- تكنولوجيا الحوسبة السحابية التي توفرها الشركات الأمريكية لجيش الاحتلال

استخدمت دولة الاحتلال بيانات تراكمية ضخمة عن الفلسطينيين في الضفة وغزة٬ من مراقبة مستمرة لموقع سكانهم، المكالمات والاتصالات، الرسائل٬ المواقع المحتملة، البيانات البيومترية، وغير ذلك. وتم استغلال هذه البيانات بذريعة "التنبؤ" أو "الإنذار المبكر" أو "التصنيف الأمني". ولذلك٬ قدمت شركات أمريكية مثل "غوغل" و"مايكروسوفت" و"أمازون" خدماتها السحابية لصالح جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة٬ حيث استخدم جيش الاحتلال خدمات هذه الشركة ووظفها في حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين. 

وقبل الحرب على غزة بنحو 3 أشهر٬ تحدثت قائدة وحدة مركز الحوسبة ونظم المعلومات في جيش الاحتلال الإسرائيلي في مؤتمر بعنوان "تكنولوجيا المعلومات لجيش الدفاع الإسرائيلي" في تل أبيب. وفي خطابها أمام حوالي 100 عسكري وصناعي، أكدت العقيد راشيلي ديمبينسكي علناً لأول مرة استخدام أن الجيش خدمات التخزين السحابي والذكاء الاصطناعي التي تقدمها شركات التكنولوجيا العملاقة٬ في هجوم إسرائيل المستمر على قطاع غزة. وفي العرض الذي قدمته ديمبينسكي ظهرت شعارات شركات Amazon Web Services التي تعرف اختصاراً بـ(AWS) وGoogle Cloud وMicrosoft أكثر من مرة.

وأوضحت ديمبينسكي في البداية أن وحدتها العسكرية، المعروفة باسم "مامرام" بالعبرية، تستخدم بالفعل "سحابة تشغيلية" مستضافة على خوادم عسكرية داخلية، بدلاً من السحابات العامة التي تديرها شركات مدنية. ووصفت هذه السحابة الداخلية بأنها "منصة أسلحة"، والتي تتضمن تطبيقات لتحديد الأهداف للقصف، وبوابة لعرض لقطات حية من الطائرات بدون طيار فوق سماء غزة، بالإضافة إلى أنظمة إطلاق النار والقيادة والتحكم.

لكن مع بداية الغزو البري لغزة في أواخر أكتوبر 2023، تابعت ديمبينسكي أنه سرعان ما أصبحت الأنظمة العسكرية الداخلية مثقلة بسبب العدد الهائل من الجنود والعسكريين الذين تمت إضافتهم إلى المنصة كمستخدمين، مما تسبب في مشاكل تقنية هددت بإبطاء الوظائف العسكرية الإسرائيلية. لذا قرروا أنهم بحاجة إلى "الخروج إلى العالم المدني"٬ وفقاً لوصفها. 

لذا سمحت الخدمات السحابية التي تقدمها شركات التكنولوجيا الكبرى مثل أمازون وجوجل وماكيروسوفت للجيش بشراء خوادم تخزين ومعالجة غير محدودة بنقرة زر، دون الالتزام بتخزين الخوادم فعلياً في مراكز الكمبيوتر التابعة للجيش.

لكن الميزة "الأكثر أهمية" التي قدمتها شركات الحوسبة السحابية، كما قالت ديمبينسكي، كانت قدراتها المتقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي. وقالت مبتسمة: "لقد وصلنا بالفعل إلى نقطة حيث تحتاج أنظمتنا حقًا إلى هذه الثروة الهائلة من الخدمات والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي". وأضافت أن العمل مع هذه الشركات منح الجيش "فعالية عملياتية كبيرة جدًا" في قطاع غزة على حد تعبيرها.

وكجزء من شروط المناقصة، أنشأت الشركتان الفائزتان، جوجل وأمازون، مراكز بيانات في إسرائيل في عامي 2022 و 2023 على التوالي. وأوضح أناتولي كوشنير، المؤسس المشارك لشركة التكنولوجيا الإسرائيلية Comm-IT، التي تساعد الوحدات العسكرية على الانتقال إلى السحابة أن مشروع نيمبوس "أنشأ بنية تحتية" لمراكز كمبيوتر متقدمة تحت الولاية القضائية الإسرائيلية.

وقال إن هذا الترتيب يجعل من الأسهل على "الكيانات الأمنية، حتى الأكثر حساسية منها"، تخزين المعلومات في السحابة أثناء الحرب دون خوف من المحاكم الخارجية – والتي من المفترض أنها قد تطلب المعلومات في حالة رفع دعوى قضائية ضد إسرائيل.

وأضاف كوشنير: "خلال الحرب، نشأت احتياجات في الجيش لم تكن موجودة [من قبل]، وكان من الأسهل بكثير تنفيذها باستخدام هذه البنية التحتية، لأنها البنية التحتية لمالك عالمي يمكنه نقل الخدمات من الأبسط إلى الأكثر تعقيدًا". وأضاف أن هذه الشركات زودت الجيش الإسرائيلي بـ "الخدمات الأكثر تقدمًا" المتاحة، والتي تم استخدامها في حرب غزة الحالية.

وفي 23 يناير/كانون الثاني 2025 نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريراً سلط الضوء على وثائق مسربة تتضمن كيفية دمج إسرائيل لشركة التكنولوجيا الأمريكية العملاقة "مايكروسوفت" في جهودها الحربية ضد قطاع غزة٬ لتلبية الطلب المتزايد على أدوات الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي. 

وبعد نحو شهر 18 فبراير/شباط 2025 نشرت وكالة أسوشيتد برس تحقيقاً أكدت فيه أن "تقنيات الذكاء الاصطناعي المطورة من قبل مايكروسوفت وأوبن إيه آي- OpenAI استخدمت في برنامج عسكري إسرائيلي لاختيار أهداف القصف في غزة ولبنان"، ما أثار موجة غضب داخل وخارج الشركة. وأشار التحقيق إلى "غارة جوية إسرائيلية خاطئة في عام 2023" استهدفت سيارة مدنية، وأدت إلى مقتل ثلاث فتيات وجدتهن في جنوب لبنان.

وكشفت تحقيقات صحيفة الغارديان والمجلة الإسرائيلية ووكالة أسوشيتد برس جميعها٬ أن خدمات برنامج "أزور" (Azure) السحابية ومنتجات أخرى من مايكروسوفت تم توظيفها من قبل وحدات عسكرية واستخباراتية إسرائيلية، من بينها وحدة 8200 المتخصصة في الاستخبارات السيبرانية، ووحدة 81 المعنية بتطوير تقنيات التجسس، فضلاً عن مديرية الاستخبارات العامة. 

الحرب على غزة كمختبر عسكري – تجاري إسرائيلي

وجود تجارب فعلية في حرب الإبادة الجماعية على غزة تمنح التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية ميزة تسويقية عالمياً٬ فالنظام أو البرنامج الذي يتم الترويج له٬ "مُجرّب في المعركة" غالباً ما يُباع بأسعار أعلى ويُعتبر ذو مصداقية أكثر في المعارض الدولية. وتشير إلى أن هذه الأنظمة تُسوَّق خارجيًا من قبل الإسرائيليين للحكومات على أنها "battle tested".

ويرى الإسرائيليون أن الحرب تُسّرع من عملية الاختبار٬ فما قد يستغرق سنوات من التجريب والتعديل يُنفَّذ خلال أسابيع أو أشهر في غزة. وهذا يتضمّن تحديث النماذج، إعادة تدريبها، تعديلها استناداً إلى البيانات الميدانية الواقعية٬ حتى لو كانت هذه السرعة على حساب قتل عشرات آلاف الفلسطينيين غالبيتهم من المدنيين والنساء والأطفال.

تعبيرية – AI

وإذا كانت الضربات تنفّذ بناءً على تنبؤات ذات نسبة خطأ تصل أكثر من 10% ولا يُجرى فحص بشري دقيق، يمكن أن يُعتبر ذلك هجوماً عشوائياً، وغالباً ترفض الأجهزة المعنية في "إسرائيل" الإفصاح عن الكود البرمجي أو المعايير الداخلية التي يستند إليها النظام في تصنيف الفلسطينيين كمسلحيين أو مدنيين٬ بحسب منظمة "Human Rights Watch".

وباستخدام بيانات الأقمار الاصطناعية (SAR) فقد رُصد تدمير في أكثر من 191,263 مبنى في قطاع غزة خلال العام الأول من الحرب فقط، ولا يوجد إحصاء دقيق لعدد المنازل أو المباني المدمرة في قطاع غزة بعد عامين من الحرب.

ولا شك أن الأوامر المتكرّرة للإخلاء في شمال غزة بعد عمليتي "عربات جدعون1 " و"عربات جدعون2″، والمراقبة المشددة التي ترافقها التهديدات، تسبّب نزوحاً واسعاً لمئات آلاف الفلسطينيين شمال وادي غزة٬ حيث يجبر الاحتلال السكان على مغادرة منازلهم مرات متكرّرة، مع خسارة كبيرة للأمن المعيشي وفقدان الأرواح٬ دون رادع حقيقي للاحتلال الإسرائيلي.

تحميل المزيد