مشرعون أمريكيون يتخلّون عن الدعم المالي المقدَّم لهم من أكبر منظمة صهيونية.. لماذا غضبوا من “أيباك”؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/03 الساعة 11:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/03 الساعة 12:12 بتوقيت غرينتش
نتنياهو في خطاب سابق أمام "لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية"- (أيباك) / رويترز

في الوقت الذي شهد فيه الدعم الشعبي الأمريكي لإسرائيل تراجعاً حاداً في الآونة الأخيرة بسبب الحرب المستمرة على قطاع غزة، بدأ عدد ملحوظ من نواب الحزب الديمقراطي الأمريكي التخلي عن الدعم المادي الذي تقدمه لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية "أيباك"، المناصرة بقوة لتل أبيب.

ورصدت تقارير أمريكية عدداً من مظاهر هذا النهج الذي تبناه نواب ديمقراطيون في الكونغرس، ومن أبرزهم زعيم الأقلية في مجلس النواب، حكيم جيفريز.

و"أيباك" هي منظمة أمريكية يهودية، وتُعد أقوى جماعات الضغط في الولايات المتحدة، وأكثرها تأثيراً. وتهدف المنظمة، التي تأسست عام 1953 بمبادرة من يشعيا كينن، وهو عضو سابق في اللجنة الصهيونية الأمريكية للشؤون العامة، إلى ضمان دعم أمريكي متواصل لإسرائيل.

بماذا يُبشّر تصفيق الكونغرس للإبادة الجماعية؟
الكونغرس خلال كلمة نتنياهو – رويترز

وعلّقت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية على تغير الموقف الديمقراطي في الكونغرس بقولها: "مع التراجع الجذري الذي يشهده الدعم الأمريكي لإدارة الحكومة الإسرائيلية للحرب في غزة، وتراجع دعم الناخبين الديمقراطيين للدولة اليهودية بشكل حاد، أصبحت أيباك علامة تجارية سامة بشكل متزايد بالنسبة لبعض الديمقراطيين في الكونغرس".

ولطالما دأبت "أيباك" على مدار عقود على تقديم الدعم المالي للمرشحين في الانتخابات التمهيدية وانتخابات التجديد النصفي في الكونغرس الأمريكي، بهدف استقطاب وحشد الدعم لتل أبيب، ومناهضة التيار التقدمي الداعم لفلسطين، والذي يضم عدداً من النواب الأمريكيين، في مقدمتهم النائب بيرني ساندرز.

في هذا التقرير نستعرض حجم الإنفاق المالي لأيباك في عام 2024، وكيف تحوّل عدد من نواب الحزب الديمقراطي بعيداً عنها، وما يعنيه هذا التحوّل بالنسبة للحرب الإسرائيلية على غزة.

كم بلغ حجم الإنفاق العام لأيباك في عام 2024؟  

تبنت أيباك لأول مرة استراتيجية الإنفاق المباشر على الحملات الانتخابية في عام 2022. وكانت هذه الاستراتيجية مدعومة بملايين الدولارات التي حصلت عليها من المانحين المؤيدين لها، ومن بينهم مليارديرات جمهوريين ومتبرعين كبار للرئيس دونالد ترامب، بحسب ما ذكر تقرير لموقع ذا انترسبت الأمريكي. 

وفي خضم الغضب العام المتزايد إزاء حرب إسرائيل على غزة، أعلنت أيباك من خلال "مشروع الديمقراطية المتحدة"، وهي لجنة العمل السياسي الكبرى وذراع الإنفاق المستقل لأيباك، في عام 2024 أنها ستنفق 100 مليون دولار على الحملات الانتخابية، أي حوالي سدس ما أنفقته الجهات الخارجية على الانتخابات الرئاسية لعام 2020.

وخلال العام الماضي، أنفقت اللجنة أكثر من 23 مليون دولار لهزيمة النائبين السابقين كوري بوش وجمال بومان ، وهما تقدميان عارضا بشدة المساعدات الأمريكية غير المشروطة لإسرائيل.

من هم أبرز النواب الديمقراطيين الذين تخلوا عن الدعم المالي لأيباك؟

كان حكيم جيفريز، النائب عن ولاية نيويورك وزعيم الأقلية في مجلس النواب، من بين أبرز النواب الديمقراطيين الذين قالت صحيفة نيويورك تايمز إنهم تخلوا عن دعم أيباك.

وقالت نيويورك تايمز إن جيفريز، وعلى مدار 17 عاماً، كان يعقد اجتماعات مع منظمة "جيه ستريت"، وهي جماعة الضغط اليسارية الوسطية التي تروج لحل الدولتين في الشرق الأوسط.

لكن، طوال سنوات بناء تلك العلاقة، لم يسعَ جيفريز قط إلى الحصول على تأييد المجموعة، حيث كان يتلقى دعماً مالياً من أيباك، التي كانت تسعى جاهدة لثني المشرعين الذين تدعمهم عن الانضمام رسمياً إلى مجموعة تتبنى موقفاً مختلفاً تجاه إسرائيل.

ومع ذلك، شهد الشهر الماضي تحولاً في موقف جيفريز، عندما أبدى انفتاحه وقبوله، لأول مرة، دعم منظمة "جيه ستريت" الرسمي. وكان ذلك بمثابة نقلة نوعية لمنظمة "جيه ستريت"، التي تنتقد الحكومة الإسرائيلية الحالية بشدة.

مجلس النواب الأمريكي
مجلس النواب الأمريكي/رويترز

ويأتي تحول جيفريز بعيداً عن أيباك، متوافقاً مع محاولاته لتمثيل توجهات كتلته الانتخابية في العديد من القضايا، وفقاً لنيويورك تايمز.

وبجانب جيفريز، قال ثلاثة أعضاء ديمقراطيين في الكونغرس، كانوا يعتمدون في السابق على أيباك كمساهم رئيس في حملاتهم الانتخابية، إنهم لن يقبلوا التبرعات من المجموعة بعد الآن، وهؤلاء النواب هم: مورجان ماكغارفي من ولاية كنتاكي، وديبورا روس، وفاليري فوشي، وكلاهما من ولاية نورث كارولينا.

وتعهدت فوشي، التي انتُخبت لأول مرة لمجلس النواب في عام 2022، وتلقت دعماً مالياً من أيباك بقيمة 800 ألف دولار، بأن حملتها لن تقبل أموالاً من أيباك خلال انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، بحسب صحيفة إندي ويك.

ومن بين النواب الديمقراطيين أيضاً الذين تعهدوا بعدم تلقي أي دعم من أيباك: النائبة فيرونيكا إسكوبار، وهي ديمقراطية من تكساس، والتي كانت قد تلقت 46 ألف دولار من أيباك في عام 2022، والنائب جوناثان جاكسون، وهو ديمقراطي من إلينوي، والذي حصل على 15 ألف دولار في عامي 2022 و2024، وفقاً لبيانات تمويل الحملة.

ما هي أبرز مظاهر انحسار الدعم الديمقراطي لأيباك؟ 

يشكّل ضعف مشاركة النواب الديمقراطيين في الرحلة السنوية التي تنظمها أيباك لإسرائيل، والتي تضم نواباً من كلا الحزبين، وتصويت جزء كبير من الكتلة الديمقراطية في مجلس الشيوخ في الأشهر الأخيرة لصالح تشريعٍ عارضته "أيباك" لوقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل، أبرز مظاهر تخلّي النواب الديمقراطيين عن دعم مجموعة الضغط الأمريكية الإسرائيلية.

وشهدت الرحلة الصيفية السنوية الأخيرة التي نظّمتها أيباك لنواب الكونغرس إلى إسرائيل حضوراً ضعيفاً للديمقراطيين مقارنة بالأعوام الماضية.

عيدان ألكساندر ترامب نتنياهو
صورة للقاء سابق بين ترامب ونتنياهو/ رويترز

وتساعد الرحلة أيباك في تشكيل وجهات نظر أعضاء الكونغرس بشأن إسرائيل، وفقاً لنيويورك تايمز.

وبينما شارك 24 عضواً ديمقراطياً من الأعضاء الجدد في رحلة عام 2023، شهدت رحلة عام 2025 مشاركة 11 عضواً ديمقراطياً فقط من الأعضاء الجدد، وهو انخفاض حاد في عدد الحضور.

وكان سبعة أعضاء ديمقراطيين آخرين قد أعلنوا عن مشاركتهم في الرحلة في يوليو/تموز الماضي، حتى إن أيباك قامت بحجز تذاكر سفرهم إلى إسرائيل، وفقاً لإفصاحات أخلاقية، لكنهم انسحبوا في النهاية. وتعرض بعض الأعضاء الجدد الذين ذهبوا بالفعل لانتقادات شديدة في دوائرهم الانتخابية لمشاركتهم في رحلة مرتبطة بلجنة أيباك.

وفي يوليو/تموز الماضي، صوّت 23 عضواً ديمقراطياً في مجلس الشيوخ — أي ما يقارب نصف أعضاء الكتلة الديمقراطية — لصالح مشروع قانون تقدم به بيرني ساندرز وعارضته أيباك، يمنع بيع البنادق الهجومية لإسرائيل.

وصوّتت مجموعةٌ أصغر قليلاً في أغسطس/آب لصالح مشروع قانون "منع وصول القنابل" إلى إسرائيل، ومن بينهم نواب تعهدوا بعدم تلقي أموال من أيباك.

ماذا يعني هذا التحول؟

يعكس تحوّل موقف النواب الديمقراطيين تجاه أيباك تغييراً أوسع نطاقاً يشهده الكونغرس فيما يتعلق بإسرائيل ونفوذ مجموعة الضغط البارزة، بحسب نيويورك تايمز.

وأضافت نيويورك تايمز أن تخلّي الديمقراطيين عن دعم أيباك هو أحدث دليل على أن المشرّعين الديمقراطيين يبتعدون عن الإجماع الحزبي الممتد منذ عقود في الكابيتول هيل حول تقديم الدعم غير المشروط للدولة اليهودية.

وقال جيريمي بن عامي، رئيس منظمة "جيه ستريت"، في مقابلة مع نيويورك تايمز: "نحن في نقطة تحوّل بالنظر إلى ما حدث خلال العامين الماضيين في غزة، وحقيقة أن لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) لا تزال تُصرّ على أن كل ما يمكننا فعله هو دعم حكومة إسرائيل — لقد اصطدموا بحائط مسدود. هذا أمر غير مقبول".

ويأتي الموقف الديمقراطي متوافقاً حتى مع تراجع الدعم الشعبي الأمريكي، وخاصة بين الناخبين الديمقراطيين، لإسرائيل.

إنهاء حرب غزة
قوات من جيش الاحتلال الإسرائيلي/shutterstock

وأظهر استطلاع للرأي في الولايات المتحدة أن دعم الشعب الأمريكي لإسرائيل انخفض بشكل كبير، فيما عارضت غالبية المشاركين إرسال مساعدات اقتصادية وعسكرية إضافية إلى تل أبيب.

أُجري الاستطلاع من قِبل صحيفة نيويورك تايمز بالتعاون مع جامعة سيينا خلال الفترة بين 22 و27 سبتمبر/أيلول 2025. وبحسب النتائج، فإن 51% من المشاركين أعربوا عن رفضهم لإرسال مساعدات اقتصادية أو عسكرية إضافية لإسرائيل.

وسجّل الدعم للفلسطينيين 35%، مقابل 34% لإسرائيل، بعدما كانت النسب في عام 2023 عند 20% و47% على التوالي.

كما أظهر الاستطلاع أن 68% من المشاركين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً يعارضون أي مساعدات إضافية لإسرائيل.

إلى جانب ذلك، رأى 58% من المستطلعة آراؤهم أن على إسرائيل وقف عملياتها العسكرية، حتى لو لم يُطلَق سراح جميع الأسرى، وذلك من أجل منع سقوط المزيد من الضحايا المدنيين، فيما اعتبر 40% أن إسرائيل تتعمد قتل المدنيين في غزة.

تحميل المزيد