أعلنت عدد من الدول، بما فيها بريطانيا وفرنسا، الاعتراف بدولة فلسطينية، في خطوة تثير التساؤلات حول تداعياتها، ومدى إمكانية ترجمتها إلى خطوة عملية في ظل المعيقات التي تواجهها، ما في ذلك الخطوات الإسرائيلية في تقويض "حل الدولتين".
وارتفع عدد الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية إلى 159 من أصل 193 عضواً في الأمم المتحدة، وهي خطوة تراقبها إسرائيل باستياء وتطلق عليها "تسونامي سياسي".
كيف استقبل الإسرائيليون الاعتراف بدولة فلسطينية؟
وأثارت سلسلة الاعترافات بالدولة الفلسطينية، لا سيما من دول أوروبية حليفة لإسرائيل، استياء واسعاً في الأوساط الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية، فيما وُجهت الاتهامات إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتسبب بهذه الخطوة بسبب حرب غزة.
واتهم مقال في صحيفة "يديعوت أحرونوت" رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتسبب بـ"التسونامي السياسي" الدولي، بسبب الأخطاء التي ارتكبها على مدى العامين الماضيين، متجاهلاً الدعوات التي دعت إلى وقف الحرب على غزة.
وزعم المقال أن العالم كله كان مع إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن إطالة أمد الحرب مكّنت حركة حماس من النهوض من تحت الأنقاض وشن حملة دعائية ناجحة، بينما فشل "سيد الأمن" في الأمن، ما أدى إلى إدارة العالم ظهره لإسرائيل.
وأضاف أن نتنياهو أطال أمد الحرب فقط للحفاظ على حكمه، في مواجهة تهديد بن غفير وسموتريتش بـ"حل ائتلافه"، وفي تلك الأثناء أصبحت إسرائيل مجذومة في عيون العالم، أما صور الفظائع التي تُرتكب في غزة وتُعرض حول العالم.
فيما قالت صحيفة "معاريف" إن الاعتراف المنسق بالدولة الفلسطينية من قبل بريطانيا وكندا وأستراليا يعد زلزالاً سياسياً، فقد أرسلت ثلاث ديمقراطيات غربية إشارة إلى تل أبيب أنه "لقد تغيرت اللعبة، وانتقلت الساعة من التوقف إلى البدء".
وأوضحت أن هذا تغيير مختلف تماماً عن التصريحات الصادرة عن دول أمريكا الجنوبية أو أفريقيا، فلندن وأوتاوا وكانبيرا ليست "دولاً هامشية" على أرض الواقع، بل هي شركاء مقربون لواشنطن، ولطالما اعتُبروا حلفاء لإسرائيل.
وتابعت بأن اختيارها اتخاذ هذه الخطوة معاً في يوم واحد، ليس مجرد "رمزية"، بل رسالة واضحة، أنه "يجب أن يعود حل الدولتين إلى الواجهة، حتى لو أدى ذلك إلى صدام مباشر مع الحكومة الإسرائيلية، وأيضاً إلى فتور في العلاقات مع واشنطن".

ما تداعيات الاعتراف بدولة فلسطينية على إسرائيل؟
يعتقد الإسرائيليون أنه من حيث المبدأ، ليس للاعتراف بدولة فلسطينية حالياً أي أهمية عملية على أرض الواقع، بل هو "رمزي".
فيما تقول القناة 12 العبرية إن التداعيات قد تكون وخيمة وصعبة في المستقبل، لكنها في الوقت الحالي "سياسية" بالدرجة الأولى، وقد يتدهور وضع إسرائيل بشكل كبير، خاصة إذا قررت الرد.
ورأى البروفيسور يوفال شاني، العميد السابق لكلية الحقوق في الجامعة العبرية، أن الجديد هذه المرة هو أن مجموعة من الدول الغربية تعلن الآن اعترافها بدولة فلسطينية، وهذا يعني أنه لن يكون هناك سوى عدد قليل جداً من الدول المهمة في العالم التي لا تعترف بدولة فلسطينية.
وإلى جانب تداعيات سياسية قد تسهم في تعزيز "عزلة إسرائيل" لأنها جاءت من دول حليفة لها، فإن هناك تداعيات قانونية كما يؤكد القانوني الإسرائيلي روي شايندورف.
وأوضح شايندورف أن الإعلان عن هذه الخطوة لا يمكن الرجوع عنه في القانون الدولي، وبمجرد اعتراف دولة بدولة أخرى، لا يمكنها التراجع عنه، وبالتالي فإن ما جرى هو بمثابة نقطة تحول بالنسبة للدول الأوروبية الكبرى.
فيما يحذر البروفيسور شاني من العواقب المحتملة على إسرائيل، مشيراً إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تملك قرارات نافذة، لكن قد يمتد تأثيرها إلى الاتحاد الأوروبي الذي قد يفرض عقوبات على إسرائيل.
ويرى أنه حالياً لا حديث عن أي شيء من هذا القبيل، ولكن إذا ضمّت إسرائيل، على سبيل المثال، أراضٍ رداً على الاعتراف بدولة فلسطينية، فمن المرجح أن يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على إسرائيل.
وعلى سبيل المثال، في مجال اتفاقيات التجارة مع الاتحاد الأوروبي، التي تعفي البضائع التي تصدرها إسرائيل إلى الاتحاد من الرسوم الجمركية، فهذا يعني تضرر الصادرات الإسرائيلية بشكل كبير.

كما قد تُفرض عقوبات على قطاعي الثقافة والتعليم، بدءاً من قرار استبعاد إسرائيل من مسابقة الأغنية الأوروبية، مروراً بعضوية إسرائيل في بطولات كرة القدم الأوروبية، وصولاً إلى منح الأبحاث. ومع استمرار الحرب في غزة، يتزايد الضغط على الأوروبيين للتحرك ضد إسرائيل، بحسب البروفيسور شاني.
فيما أشارت صحيفة "معاريف" إلى أنه من الواضح أن الحصانة الدبلوماسية التي كانت تتمتع بها إسرائيل من العالم الغربي آخذة بالتآكل، ويصعب القول إن الوضع الراهن مستقر أو مقبول، عندما تصبح الصداقات الوثيقة لم تعد قائمة.
وعلى الصعيد العملي، لن يُفرض حظر على الأسلحة، ولن تُلغى أي شراكة بحثية قريباً، لكن عملية "التآكل الناعم" ستبدأ، على صعيد معايير جديدة في المناقصات، وقيود على صادرات الدفاع، وحجز في المؤسسات الأكاديمية، في إطار سلسلة من الخطوات الصغيرة التي تولد ضغطاً فعالاً ومستمراً.
كيف ستواجه إسرائيل هذه الخطوة من الدول؟
لم تتخذ إسرائيل قراراً بشأن كيفية الرد، لكن هناك عدة خيارات، أبرزها ضم غور الأردن، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت".
وتتراوح الخيارات المطروحة بين ضبط النفس التام، وهو أمر مستبعد، وضم كامل أراضي الضفة الغربية، وهو أمر مستبعد أيضاً، بحسب الصحيفة الإسرائيلية التي أشارت إلى أن نتنياهو لن يرغب في تعريض اتفاقيات إبراهيم للخطر، كما أن ترامب لن يسمح بتدمير إرثه.
ورغم مطالب أعضاء مجلس "يشع" والوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، أزال نتنياهو خيار الرد الفوري من على الطاولة، وقال في فيديو نشره: "سيأتي الرد على المحاولة الأخيرة لفرض دولة إرهابية علينا في قلب بلدنا بعد عودتي من الولايات المتحدة".
وأرسلت إسرائيل رسائل إلى الفرنسيين مفادها أنها ستتخذ خطوات دبلوماسية حازمة. أحد الخيارات المطروحة هو إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس، المسؤولة عن العلاقات مع الفلسطينيين، بحسب "يديعوت أحرونوت".
وتقول صحيفة "معاريف" إنه إلى جانب اتخاذ خطوات إجرائية ضد الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية، فإن إسرائيل قد تضع شرطاً لفرنسا وبريطانيا، وهو أن قنصليتَيْهما في القدس ستتمكنان من مواصلة العمل كفرع للسفارة في تل أبيب فقط، كما تعمل القنصلية الفرنسية في حيفا.
ومن ضمن الإجراءات المقترحة التي ذكرتها صحيفة "معاريف"، في حال إصرار الدول على فتح سفارات لها في أراضي السلطة الفلسطينية:
- حرمان الدبلوماسيين من حق المرور الحر إلى إسرائيل، ويجب عليهم الإقامة فقط في أراضي السلطة الفلسطينية.
- إلغاء لوحات التعريف القنصلية للسيارات التي لا يستخدمها الدبلوماسيون في إسرائيل.
- إلغاء الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة؛ سيكون كل من القنصلية وموظفيها مسؤولين عن ضريبة القيمة المضافة، مثل أي هيئة غير دبلوماسية أخرى تعمل في دولة ذات سيادة.
- البحث في وضع معهد غاري الروماني والمعهد الفرنسي اللذين يعملان تحت مظلة القنصلية.
- إلغاء تصاريح الأسلحة؛ لن يُسمح لحراس الأمن والفرنسيين العاملين في القنصلية بحمل الأسلحة داخل القدس وإسرائيل بشكل عام، إلا إذا كانوا موظفين في السفارة الفرنسية في إسرائيل.
- إلغاء أي وضع دبلوماسي أو قنصلي، وأي حصانة مقابلة له من أي شخص غير معتمد في إسرائيل، ولا يعمل مع وزارة الخارجية الإسرائيلية في القدس.
لماذا هذه الخطوة لن ينجم عنها شيء على أرض الواقع؟
وتثار التساؤلات حول تبعات قرارات الدول الجديدة بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية على الفلسطينيين، وسط اعتقاد بأن هذه الخطوة تعتبر "رمزية" لن يترتب عليها شيء، ويعود السبب في ذلك إلى:
أولا: الموقف الأمريكي
رغم اعتراف المزيد من الدول بالدولة الفلسطينية، إلا أن الموقف الأمريكي يبقى حاسماً بشأن تحويلها إلى خطوة عملية.
وتعتبر "فلسطين" دولة مراقب في الأمم المتحدة، ولكن لكي تنضم كدولة عضو، يجب أن تحظى باعتراف أغلبية الدول في الجمعية العامة وقرار من مجلس الأمن الدولي.
وفي ظل المعارضة الأمريكية للاعتراف بدولة فلسطينية، فإن ترجمة هذه الخطوة في الأمم المتحدة لن يتم، بسبب "الفيتو" الأمريكي في مجلس الأمن.

ثانيا: شروط بعض الدول لترجمة الاعتراف بدولة فلسطين
صحيح أن بعض الدول سارعت إلى إعلان الاعتراف بدولة فلسطينية، إلا أن العديد من الدول وضعت شروطا من أجل إكمال عملية الاعتراف، والتي تتمثل ببيان "إعلان نيويورك".
وقال رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر: "إن الإدارة الفعالة للعلاقات الدبلوماسية مع دولة فلسطين الجديدة، بما في ذلك افتتاح السفارة البلجيكية وإبرام الاتفاقيات الدولية، سيتم تنفيذها بمجرد تحقيق أهداف إعلان نيويورك".
فيما قال رئيس وزراء لوكسمبورغ لوك فريدن، إنه ناقش مع دول أخرى أن الاعتراف بدولة فلسطينية سيأتي مصحوبا بشروط معينة، مثل إجراء "انتخابات في الضفة الغربية وغزة".
وتضمن بيان مؤتمر حل الدولتين "إعلان نيويورك"، المطالب التالية:
- إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
- توحيد قطاع غزة والضفة الغربية تحت مظلة السلطة الفلسطينية.
- ألا تكون حركة حماس في السلطة، ونزع سلاحها وتسليم أسلحتها إلى السلطة الفلسطينية.
- إلغاء نظام دفع مخصّصات الأسرى الفلسطينيين.
- إصلاح المناهج الدراسية تحت إشراف الاتحاد الأوروبي وبدعم سعودي.
- الالتزام بإجراء انتخابات عامة ورئاسية ديمقراطية وشفافة في غضون عام بعد وقف إطلاق النار، بما يتيح التنافس الديمقراطي بين القوى الفلسطينية الملتزمة بميثاق ومنطلقات منظمة التحرير الفلسطينية.
ثالثا: الواقع الذي فرضته إسرائيل على الأرض
ومن ضمن المعيقات التي تقوض ترجمة الاعتراف بدولة فلسطينية، إلى تطبيق عملي، هي الممارسات الإسرائيلية على الأرض.
وفي الضفة الغربية، فإن الاحتلال الإسرائيلي يعمل على تقويض السلطة الفلسطينية، من خلال:
- قضم المزيد من أراضي الضفة الغربية.
- الاستيلاء على أموال المقاصة الفلسطينية.
- انتهاك اتفاق أوسلو في مناطق "أ" و"ب".
أما في قطاع غزة، فقد شدد نتنياهو في أكثر من مناسبة، رفضه لوقف الحرب، إلا بتحقيق شروط عدة منها:
- إبقاء السيطرة الأمنية على قطاع غزة للجيش الإسرائيلي.
- إنشاء إدارة مدنية لا تتبع حماس ولا السلطة الفلسطينية.
- تجريد غزة بشكل كامل من السلاح.