يفعل كل شيء لعزل إسرائيل دولياً ومنع عودة الأسرى… كيف قرأ الإعلام الإسرائيلي تداعيات فشل العدوان على الدوحة؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/12 الساعة 13:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/12 الساعة 13:41 بتوقيت غرينتش
فشلت إسرائيل في اغتيال قيادة حركة حماس بالدوحة/ عربي بوست

من نشوة الفرح إلى الشعور بالخطر والإحباط، تدرّج الإعلام العبري في وصف الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، والذي استهدف الوفد القيادي المفاوض لحركة حماس، وسط تحذيرات تتعالى من تداعيات سلبية على إسرائيل تبع فشل العملية.

وكان المسؤولون الإسرائيليون، بما فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قد ادّعوا بنجاح عملية الاغتيال، وشهدت القناة 14 الإسرائيلية احتفالاً على الهواء مباشرة "بنجاح" هجوم الدوحة، حيث جرى توزيع البقلاوة وفتح زجاجة الشمبانيا على الهواء.

فيما سارع رئيس الكنيست الإسرائيلي أمير أوحانا بمشاركة لحظات القصف على حسابه في منصة (إكس)، وعلّق باللغة العربية: "هذه رسالة لكل الشرق الأوسط". أما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش فقد أكد أن العملية جرت بإتقان.

تحوّل النجاح المذهل إلى فشل

لكن العملية الإسرائيلية في الدوحة باءت بالفشل، وبدأت تتكشّف معالمها بإعلان حماس استشهاد 5 من موظفي الحركة، ونجاة القادة من الاستهداف.

لتتحوّل وسائل الإعلام العبرية ومحلّلوها إلى الحديث عن العواقب الوخيمة للهجوم على الدوحة، مبرزة تحفظ رئيس الموساد ديفيد يرنباع، وكذلك قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، على الهجوم الذي أصرّ عليه نتنياهو ووزير جيشه يسرائيل كاتس.

صحيفة "هآرتس" أشارت إلى أنه في اليوم التالي لمحاولة الاغتيال، عندما اتضح أن "رقصة النصر" سابقة لأوانها ومبالغ فيها، نشر نتنياهو فيديو غاضباً غرّد به باللغة الإنجليزية، على "الدول التي تؤوي الإرهاب". إذا لم تُوقف هذه الدول زوارها، "سنفعل!"، مشيرة إلى أنه تصريح فارغ.

مبنى متضرر، في أعقاب هجوم الاحتلال الإسرائيلي على قادة حماس، في الدوحة، قطر - روتيرز
مبنى متضرر، في أعقاب هجوم الاحتلال الإسرائيلي على قادة حماس، في الدوحة، قطر – روتيرز

ما هي أبرز تداعيات فشل هجوم الدوحة؟

أولاً: الأسرى الإسرائيليون خرجوا من دائرة الاهتمام

يقول الكاتب رونين بيرغمان في مقال في صحيفة "يديعوت أحرونوت": إن "هذا الهجوم هو دليل آخر على أولويات الحكومة الإسرائيلية. فإذا كانت الحرب في غزة، التي لم تخدم إسرائيل عسكرياً أو سياسياً لعدة أشهر، هي الهدف الرئيسي لبعض الوقت، بينما كانت إعادة المخطوفين هدفاً ثانوياً فقط -رغم أن الوثائق الرسمية كانت تفترض أن الهدفين يحظيان بنفس الأولوية- فإن المخطوفين يوم الثلاثاء الماضي كانوا بالفعل خارج قائمة الأولويات".

وأضاف: لنفترض أن متخذي قرار هجوم الدوحة نجحوا في قتل قيادة حماس، "فماذا كان سيحدث حينها؟ ما هو السيناريو المتفائل لمن وافق على العملية، والذي يرى أنها ستؤدي إلى تحرير المخطوفين؟".

وتابع قائلاً: "هل حماس بعد عامين من القتال دون استسلام، ستخفف من شروطها بعد أن تم قطع رأسها في الخارج؟ هل هذا هو السيناريو؟ ما الذي تحقّق منه؟ ومن هم الخبراء الذين اعتقدوا أن هذا سيناريو معقول، خاصة في ظل التقارير التي تفيد بأن معظم رؤساء الأجهزة الأمنية والمخابراتية عارضوا العملية بشدة".

وفي تقرير آخر في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قال المحلل الإسرائيلي يوئيل جوزانسكي إن من التبعات المباشرة لهجوم الدوحة الإضرار بمفاوضات إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.

عائلات الأسرى الإسرائليين في غزة/الأناضول
عائلات الأسرى الإسرائليين في غزة/الأناضول

فيما قالت صحيفة "هآرتس" في تقرير لها إنه لا يوجد عاقل يتصور أن عملية الدوحة، سواء نجحت أم لا، فإنها ستُضعف قيادة حماس وتدفعهم إلى الصراخ بالرغبة في الاتفاق.

وأوضحت أن شهادات الأسرى المُفرج عنهم تشير إلى أن كل عملية من هذا القبيل تجلب عليهم موجة أخرى من التضييق.

وذكر المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" أنه من الأفضل أن نقول بوضوح: "إن الحفاظ على حياة المخطوفين لم يكن أولوية قصوى لرئيس الوزراء لفترة طويلة. ما يوجّه حكمه هو ضرورة البقاء في السلطة، بكل الوسائل. والسبل لتحقيق ذلك، من وجهة نظره، هو من خلال حرب طويلة الأمد قدر الإمكان".

أما الكاتب زامير هايمي فقد علّق قائلاً: "لقد فعل رئيس الوزراء كل شيء لمنع المخطوفين من العودة إلى ديارهم، وأولئك الذين أُطلق سراحهم سابقاً لم يُطلق سراحهم بضغط عسكري، بل ربما بضغط شعبي، فالضغط العسكري لم يقتل سوى المخطوفين".

فيما قالت القناة 12 العبرية إن "إسرائيل دخلت إلى مستنقع آخر إلى جانب جمود حماس، وهو القطريون، الذين لن يكون لديهم الكثير من الرغبة لدفع حركة حماس إلى التنازل في هذه المرحلة".

ثانياً: غضب أمريكي

وفي مقال للمحلل الإسرائيلي بن كاسبيت، قال إنه في اليوم التالي تحوّل "النجاح المذهل" إلى "فشل محتمل"، فإلى جانب الخوف المزعج من بقاء قيادة حماس على قيد الحياة، اتضح أن الأمريكيين كانوا في حالة غضب شديد.

وبحسب وسائل إعلام عبرية، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان مستاءً من نتائج الهجوم، وزعمت أنه طلب من نتنياهو عدم تكراره.

فيما كشفت صحيفة "بولتيكو" أن ترامب يشعر بالإحباط من نتنياهو، ويدّعي أنه يحاول إفشال صفقة المختطفين، وقال مصدر للصحيفة: "في كل مرة يحدث فيها تقدم، يبدو كأنه يقصف أحداً"، وتابع: "لهذا السبب الرئيس ومساعدوه محبطون جداً منه".

ورغم تناقض الآراء والمعلومات لدى الجانب الأمريكي بشأن هجوم الدوحة، فإن ترامب، الذي يحب أن يكون مقاولاً للانتصارات لا معاوناً للإخفاقات، سارع إلى النأي بنفسه عن الحدث، بحسب "هآرتس".

صورة للقاء سابق بين ترامب ونتنياهو/ رويترز
صورة للقاء سابق بين ترامب ونتنياهو/ رويترز

فيما نقل بن كاسبيت عن مسؤول رفيع المستوى، أنه لا يفهم الحماقة التي أدّت إلى هذا الإجراء في قطر، مضيفاً: "نحن محظوظون لأن ترامب هو الرئيس الآن، فأي رئيس آخر كان سيفرض حظراً على استخدام الطائرات الأمريكية بعد ذلك".

وقالت القناة 12 العبرية إن الهجوم في الدوحة خلق توتراً كبيراً بين إسرائيل والولايات المتحدة، ولكن يبدو أيضاً أنه يؤدي إلى تقارب دراماتيكي بين الإدارة الأمريكية وقطر.

وأوضحت أن هجوم الدوحة سرّع من إبرام اتفاقية أمنية بين الولايات المتحدة وقطر.

ثالثاً: إحراج دبلوماسي وعزلة دولية

أثار هجوم الدوحة الفاشل غضباً دولياً وإقليمياً واسعاً، أدانه مجلس الأمن الدولي والعديد من الدول، كما أثار حفيظة البيت الأبيض.

وقال بن كاسبيت في تقريره في صحيفة "معاريف" إن عملية تحويل إسرائيل إلى دولة منبوذة مثل كوريا الشمالية، تلقت حقنة قوية بعد فشل هجوم الدوحة.

فيما أوضحت القناة 12 العبرية أن هجوم الدوحة تسبّب في بذل القطريين جهوداً حثيثة لعزل إسرائيل على الساحة الدولية، وحشد أكبر قدر ممكن من الدعم الدولي لأنفسهم.

ووصفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" بيان مجلس الأمن على هجوم الدوحة بأنه ضربة موجعة لإسرائيل.

وأضافت أن قطر حظيت بإشادة غير مسبوقة في نقاشات مجلس الأمن، كدولة تتمتع بمكانة مرموقة كوسيط سلام، ليس في الشرق الأوسط فحسب، بل في جميع أنحاء العالم، وفي المقابل، تلقّت إسرائيل إدانة شديدة، ووُصفت بأنها دولة متوحشة ومتطرفة تعمل ضد كل القواعد.

أمير قطر خلال تشييع شهداء هجوم الدوحة/ الأناضول
أمير قطر خلال تشييع شهداء هجوم الدوحة/ الأناضول

وفي تقرير آخر، أشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن الهجوم على قلب العاصمة القطرية رسالة ردع لها ثمن باهظ، فدول الخليج التي تسعى جاهدة للحفاظ على الاستقرار والازدهار، ترى في هذه الخطوة إشارة مقلقة إلى طموحات إسرائيل للهيمنة الإقليمية.

وأوضحت أن هذه الدول لا ترغب في رؤية مثل هذا النشاط من جانب إسرائيل، وتخشى أن تؤثر سياسة إسرائيل في المنطقة من الآن فصاعداً على العلاقات القائمة معها، وعليه، فإنه سيتعين على إسرائيل العمل لتغيير هذه الصورة.

وأضافت أنه من المرجّح أن تمارس قطر أيضاً ضغوطاً على جيرانها العرب لدفع بعضهم، كالإمارات مثلاً، إلى تقليص علاقاتهم مع إسرائيل، بينما تُغلق دول أخرى، كالسعودية، الباب تماماً أمام أي تطبيع مستقبلي.

تحميل المزيد