محو غزة.. العمليات العسكرية الميدانية تكشف هدف نتنياهو الخفي، هذا ما يفعله بالمدينة

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/27 الساعة 12:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/27 الساعة 12:44 بتوقيت غرينتش
يقوم الاحتلال بنسف لمربعات سكنية كاملة في مدينة غزة/ عربي بوست

يزعم جيش الاحتلال أن عمليات هدم المنازل التي ينفذها حالياً في قطاع غزة، وخاصة مدينة غزة، تأتي في إطار احتياجات عملياتية، إلا أن النمط الذي يتبعه والتكلفة الاقتصادية الباهظة التي يستنزفها من الميزانية الإسرائيلية يتناقضان مع ذلك.

ويشهد قطاع غزة، منذ استئناف الاحتلال الحرب، حملة هدم واسعة بمشاركة شركات مدنية إسرائيلية استُقدمت خصيصاً لتنفيذ هذه المهمة.

وخلال الأسبوع الماضي، وحتى كتابة التقرير، دمّرت آليات الاحتلال مئات المنازل في مدينة غزة، في إطار العملية العسكرية الجديدة لاحتلال المدينة، وتركزت أعمال النسف والتدمير في المناطق الشمالية، والشرقية، والجنوبية الشرقية.

وتقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية إن الجيش الإسرائيلي سيواصل أعماله الهندسية لتسوية المباني بالأرض، بما يشمل العديد من المباني الشاهقة المتبقية في مدينة غزة، كجزء من العملية.

وزعمت الصحيفة أن الهدف هو تحديد وتدمير كيلومترات أخرى من الأنفاق تحت المباني، لكن الهدف الأساسي، بحسب صحيفة "هآرتس"، هو محاولة لإنشاء وضع على الأرض يجعل قطاع غزة منطقة غير صالحة للسكن في السنوات المقبلة.

المنطقة المظللة باللون الأبيض توضح حجم الدمار في حي الشجاعية حتى 22 أغسطس 2025/ eos/landviewer
المنطقة المظللة باللون الأبيض توضح حجم الدمار في حي الشجاعية حتى 22 أغسطس 2025/ eos/landviewer

وبالفعل، تتعدد وسائل تحويل مدينة غزة إلى منطقة غير صالحة للسكن، وتتضمن الإجراءات الإسرائيلية مؤخراً:

  • هدم وتدمير كافة المباني في أحياء كاملة في مدينة غزة، وخاصة الشرقية منها، مثل الشجاعية والتفاح والدرج والزيتون.
  • تعطيل معظم مصادر المياه في غزة.
  • حجب إدخال المساعدات لأهالي مدينة غزة وشمالها.

أولاً: تدمير المباني

وتُظهر صور الأقمار الصناعية، حتى 22 أغسطس/آب 2025، دماراً واسعاً في مناطق الشجاعية والتفاح والدرج والزيتون في مدينة غزة.

وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ الجيش الإسرائيلي يشن عمليات نسف وتدمير واسعة للمربعات السكنية جنوبي المدينة وشرقها وشمالها، في هجوم متزامن يزحف بالتدمير الشامل والمحو المنهجي نحو قلبها من ثلاثة محاور.

وأوضح المرصد أن هذا الهجوم العسكري يجري تنفيذه على الأرض بعد أن أعلن الجيش الإسرائيلي رسمياً عن بدء عملية "عربات جدعون 2" في 20 أغسطس/آب الجاري، وتنفيذ "العمليات التمهيدية والمراحل الأولية" منها.

وتتنوع وسائل النسف والتدمير بأساليب عدة، وهي:

  • تفجير الروبوتات المفخخة في مربعات سكنية كاملة.
  • تنفيذ أحزمة نارية عنيفة من طائرات الاحتلال.
  • إطلاق أسراب من طائرات "كواد كابتر" المحمّلة بصناديق من المتفجرات شديدة الانفجار، حيث تُسقط هذه الطائرات حمولتها داخل المباني أو فوق الأسطح قبل أن تفجّرها، مسببة دماراً واسعاً لا يقلّ عن ذلك الناجم عن تفجير الروبوتات أو غارات الطيران الحربي الإسرائيلي.
  • استخدام الحفارات وجرافات "D9" المملوكة لشركات مدنية إسرائيلية في عمليات النسف.
خريطة توضح حجم الدمار في حي الزيتون حتى 22 أغسطس 2025/eos/landviewer
خريطة توضح حجم الدمار في حي الزيتون حتى 22 أغسطس 2025/eos/landviewer

وبحسب المعطيات الميدانية، فإن عمليات التدمير تتركز في:

  • منطقة جباليا النزلة شمال مدينة غزة.
  • منطقة الشجاعية شرق غزة.
  • منطقتي التفاح والدرج شرق غزة.
  • منطقة حي الزيتون وبعض المربعات السكنية في حي الصبرة جنوب غزة.

ونتيجة هذه العمليات، فإن سكان مدينة غزة وشمالها، البالغ عددهم 1 مليون و200 ألف نسمة، أصبحوا يعيشون اليوم محاصرين في أقل من 30% من المدينة، مهددين جميعاً بالتهجير القسري نحو الجنوب، ضمن الخطة الرامية إلى محو غزة وإخضاعها للتدمير المنهجي والسيطرة العسكرية الكاملة، بحسب المرصد الأورومتوسطي.

كم تكلفة تدمير غزة؟

تعاقد الجيش الإسرائيلي مع العديد من الشركات الإسرائيلية، يؤجر كل منها عشرات المعدات الثقيلة لوزارة الجيش.

وبحسب موقع "ذا ماركر"، يتجاوز دخل يوم العمل بكثير أجر نفس النشاط داخل إسرائيل؛ فإذا كان مقابل عمل عادي للآلة الثقيلة لغير وزارة الجيش داخل إسرائيل يُدفع 3500 شيكل في اليوم لصاحب هذه الآلة، فإن وزارة الجيش تدفع الآن مقابل يوم العمل في غزة 5000 شيكل.

ومن هذا المبلغ، يُحوّل حوالي 1200 شيكل يومياً إلى مشغل المعدات، ولو كان يعمل داخل إسرائيل، لكان قد كسب ثلثي هذا المبلغ أو نصفه فقط.

وإلى جانب الشركات الكبيرة، يوجد مقاولون أصغر في غزة يؤجرون مركبات لوزارة الجيش، فيما يشغل المعدات الثقيلة مئات من جنود الاحتياط.

خريطة توضح حجم الدمار في منطقتي التفاح والدرج حتى 22 أغسطس 2025/eos/landviewer
خريطة توضح حجم الدمار في منطقتي التفاح والدرج حتى 22 أغسطس 2025/eos/landviewer

وتشير مناقصة مع إحدى الشركات إلى أن وزارة الجيش تدفع 2500 شيكل لهدم مبنى يصل ارتفاعه إلى ثلاثة طوابق، أما إذا زاد الارتفاع على ذلك، فتدفع 5000 شيكل.

وتقول شركة تالور كارادي المتعاقدة مع وزارة الجيش إنها تستعين بفرق خاصة تعمل على هدم نحو 100 منزل يومياً.

وتُدر صيانة كل مركبة للشركات العاملة في قطاع غزة نحو 150 ألف شيكل شهرياً لصاحبها، وتتحمل وزارة الجيش تكاليف الوقود.

وعلى سبيل المثال، تبلغ تكلفة تشغيل 500 مركبة ثقيلة قرابة 100 مليون شيكل شهرياً، لكن الطلب على المركبات الثقيلة لا يتوقف عند هذا الحد، بحسب الموقع العبري.

وإلى جانب المعدات الثقيلة، هناك طلب متزايد من وزارة الجيش في مجالات أخرى ضمن قطاع أعمال البنية التحتية، حيث يتم تجهيز شاحنات وخلاطات من أجل سد الأنفاق، فيما يحتاج الجيش كميات هائلة من الخرسانة التي تصل إلى آلاف الأمتار المكعبة.

ثانياً: تدمير مصادر المياه الصالحة

بحسب تقرير صادر عن هيئة البث الإسرائيلية في 21 أغسطس/آب 2025، فإن حكومة الاحتلال تدرس تقليص كميات المياه المخصصة لمدينة غزة وشمالها، مع إصلاح خطي مياه في الجنوب، استعداداً لتهجير الفلسطينيين من المدينة.

ومنذ يناير/كانون الثاني 2025، تقطع إسرائيل مياه شركة "ميكروت"، التي تشكل آخر المصادر الأساسية التي كانت تغذي محافظات غزة بالمياه.

وكانت بلدية غزة تمتلك 60 بئراً تضخ مياهاً صالحة للاستخدام يومياً في الشبكات، داخل وخارج نفوذ المدينة، إلى جانب 5 خزانات مياه رئيسية.

لكن الاحتلال الإسرائيلي قام بتدمير 56 بئراً بشكل كلي، فيما توقفت الآبار الأخرى نتيجة نقص الوقود وغياب الصيانة.

خريطة توضح حجم الدمار في المناطق الشرقية لمدينة غزة/ eos/landviewer
خريطة توضح حجم الدمار في المناطق الشرقية لمدينة غزة/ eos/landviewer

وفي بيان جديد لبلدية غزة، فإن كمية المياه المتوفرة حالياً لا تتجاوز 12% من إجمالي الكمية التي كانت متوفرة قبل بدء الحرب، حيث تم تدمير نحو 75% من الآبار ومحطة التحلية في شمال المدينة، ناهيك عن وقوع آبار أخرى في مناطق خطرة يصعب الوصول إليها.

وكانت الكمية المتوفرة من المياه قبل الحرب تُقدَّر بنحو 120 ألف كوب يومياً، إلا أنها تراجعت مع بدء الحرب وتدمير مرافق المياه لتصل إلى نحو 20 ألف كوب فقط.

ثالثاً: حجب إدخال المساعدات لأهالي مدينة غزة وشمالها

منذ 2 مارس/آذار 2025، أغلق الاحتلال كافة المعابر المؤدية إلى غزة، مانعاً دخول أي مساعدات إنسانية.

ومنذ أواخر مايو/أيار 2025، بدأت ما تسمى "مؤسسة غزة للإغاثة" بتوزيع المساعدات في أربع نقاط يسميها الفلسطينيون "مصائد الموت"، جميعها في جنوب قطاع غزة، وقد استُثنيت مدينة غزة وشمالها من المساعدات.

ومع استئناف إسرائيل إدخال المساعدات الشحيحة إلى قطاع غزة منذ 24 يوليو/تموز 2025، تركز دخول الشاحنات وعمليات الإنزال الجوي في مناطق الوسط والجنوب من قطاع غزة، مع دخول عدد شحيح من الشاحنات عبر معبر زيكيم شمال القطاع.

وفي 22 أغسطس/آب 2025، أعلنت المبادرة العالمية للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي "حالة المجاعة في مدينة غزة".

ما الذي يريده الاحتلال الإسرائيلي من تدمير غزة؟

تشير المعطيات الميدانية إلى أن الاحتلال يسعى لتحويل غزة إلى مدينة أشباح، غير قابلة للعيش في المستقبل، حيث يعمل الجيش على إنهاء كل معالم الحياة من تدمير للبنية التحتية.

وفي تقرير سابق لمجلة (+972)، أوضحت أن معظم الدمار في غزة لم يُنفَّذ جواً أو أثناء القتال، بل بواسطة جرافات أو متفجرات إسرائيلية، وهي أعمال متعمدة ومدروسة.

وبحسب تحقيق للمجلة، فقد كان هذا مدفوعاً بقرار استراتيجي يهدف إلى "تسوية المنطقة"، لضمان استحالة عودة الناس إليها، كما قال جنرال في الجيش الإسرائيلي.

نزوح سابق لسكان غزة/ الأناضول
نزوح سابق لسكان غزة/ الأناضول

وفي هذا الإطار، يوضح توماس فريدمان في مقال على صحيفة "نيويورك تايمز" أن الجيش الإسرائيلي يبرر تهجير الفلسطينيين من غزة إلى أجزاء أخرى، بحجة إجلائهم من مناطق القتال، ثم يقوم بهدم منازلهم التي تركوها وراءهم دون أي سبب عسكري حقيقي.

وأوضح أن هناك دافعاً خفياً واضحاً، وهو جعل حياة الفلسطينيين بائسة إلى درجة تدفعهم لمغادرة المنطقة تماماً، مشيراً إلى أنه من المخزي أيضاً توقيف المساعدات، التي كانت على أمل أن يجوع الناس بما يكفي ليغادروا.

وهذا ما أكدته سابقاً صحيفة "هآرتس" في مقال أشارت فيه إلى أن التدمير ليس نتيجة ثانوية لضرورة عملياتية، بل غاية في حد ذاتها، تهدف إلى عدم وجود مكان يعود إليه الفلسطينيون، كجزء من خطة التهجير.

تحميل المزيد