تثير خطوات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لتوسيع دور الجيش الأمريكي في الشأن الداخلي قلق المشرعين والمراقبين، وخاصة بعد ما كشفت تقارير عن نيته تشكيل "قوة رد فعل سريع" تتألف من قوات الحرس الوطني، بزعم مواجهة الاضطرابات المدنية الداخلية ودعم قوات إنفاذ القانون.
وقال الرئيس الأمريكي، الإثنين 11 أغسطس/آب، إنه سيضع إدارة الشرطة في واشنطن العاصمة تحت السيطرة الاتحادية، وسيأمر الحرس الوطني بالانتشار هناك لمكافحة ما قال إنها موجة من الخروج على القانون، رغم أن الإحصاءات أظهرت تراجع جرائم العنف في مارس/آذار 2024 إلى أدنى مستوى لها في 30 عاماً، بحسب وكالة رويترز.
ووصفت تقارير أمريكية قرار الرئيس ترامب بنشر قوات الحرس الوطني في واشنطن العاصمة بـ"الخطوة الأكثر جرأة التي اتخذها حتى الآن لتوسيع استخدام القوة العسكرية على الأراضي الأمريكية".

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يعتمد فيها ترامب على قوات الحرس الوطني لأداء مهام قال إنها لإنفاذ القانون في الولايات الأمريكية، بل سبق أن كلَّف القوات التابعة للجيش بمهام حفظ الأمن في ولايته الأولى.
وخلال الأشهر السبعة الأولى من ولايته الثانية، أشرف ترامب على نشر حوالي 20 ألف جندي فيدرالي على الأراضي الأمريكية، بما في ذلك أفراد من الحرس الوطني والجيش والبحرية والقوات الجوية ومشاة البحرية، وفقاً للبنتاغون.
وفي يونيو/حزيران الماضي، نشر ترامب قوات من الحرس الوطني في ولاية لوس أنجلوس، حيث أرسل خمسة آلاف جندي لمواجهة احتجاجات على حملة شنَّتها إدارته على مهاجرين. واعترض مسؤولون من الدولة والولايات على قرار ترامب واعتبروه غير ضروري وتحريضياً.
ما هي قوات الحرس الوطني الأمريكي؟
- تم إنشاء الحرس الوطني الأمريكي في عام 1824، بعد استقلال الولايات المتحدة، من خلال ميليشيات في جميع أنحاء الولايات، وفي عام 1916 أصدر الكونغرس قانون الدفاع الوطني، الذي نص على ضم كافة هذه الميليشيات تحت مسمى الحرس الوطني، والسماح للولايات بأن يكون لها حرس وطني خاص بها ويعمل حاكم الولاية كقائد عام لها.
- أما الحرس الوطني بشكله الحالي فقد ظهر عام 1933، حيث قرر الكونغرس التمييز بين الحرس الوطني والميليشيات.
- وفي عام 1947، نال هذا الجهاز استقلاله عن الجيش، وأصبح كفرع مستقل للقوات المسلحة الأمريكية.
- ويعتبر الحرس الوطني قوةً عسكرية احتياطية للجيش الأمريكي تتكون من فصيلين: الأول يتبع القوات البرية، والآخر يتبع القوات الجوية، ويبلغ عددهم نصف القوات الأمريكية، وعدتهم تساوي ثلث ما يملك الجيش.
- ويمكن تعبئة هذه القوات ونشرها في الشوارع من قبل الرئيس الأمريكي لمساعدة القوات المسلحة في البلاد.
Pentagon to Create 'Domestic Civil Disturbance Quick Reaction Force'#Trump #Pentagon #NationalGuard https://t.co/RIN44UEiBE
— Antiwar.com (@Antiwarcom) August 12, 2025
ما هي ملامح خطة ترامب لتشكيل "قوة رد فعل سريع"؟
- تنص الخطة على وضع 600 جندي في حالة تأهُّب دائم، بحيث يمكنهم الانتشار في غضون ساعة واحدة فقط لمواجهة الاضطرابات المدنية الداخلية، وفقاً لوثائق داخلية استعرضتها صحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
- وسيتم تقسيم الجنود إلى مجموعتين، كلٌّ منهما تضم 300 جندي، ويتمركزون في قواعد عسكرية في ولايتي ألاباما وأريزونا، مع استهداف المناطق الواقعة شرق وغرب نهر المسيسيبي، على التوالي.
- وتشير تقديرات التكلفة الموضَّحة في الوثائق إلى أن هذه المهمة، في حال اعتماد المقترح، قد تصل تكلفتها إلى مئات الملايين من الدولارات إذا طُلب من الطائرات العسكرية وأطقمها الجوية أن تكون جاهزة على مدار الساعة. وتشير الوثائق إلى أن نقل القوات عبر شركات الطيران التجارية سيكون أقل تكلفة.
- ويستند مقترح الخطة على بند في القانون الأمريكي يسمح للقائد العام للقوات المسلحة بالالتفاف على القيود المفروضة على استخدام الجيش داخل الولايات المتحدة.
- وتشير الوثائق إلى أن السنة المالية 2027/تشرين الأول هي أقرب موعد لإنشاء هذا البرنامج وتمويله من خلال الميزانية التقليدية للبنتاغون، ما يجعل من غير الواضح ما إذا كان من الممكن البدء في الخطة في وقت أقرب من خلال مصدر تمويل بديل.
- ومع ذلك، أشارت الوثائق إلى مخاوف تتعلق بمقترح تشكيل القوة، ومن أبرزها:
- ضعف الاستعداد على مستوى الولاية: قد يكون لدى الولايات عدد أقل من أعضاء الحرس المتاحين لحالات الطوارئ المحلية (على سبيل المثال، حرائق الغابات والأعاصير).
- الضغط على الأفراد والمعدات: يمكن أن تؤدي عمليات النشر المحلية المتكررة إلى إجهاد الأفراد (الإجهاد، والإرهاق، والصراعات مع أصحاب الأعمال) وتسارع التآكل والتلف في المعدات، وخاصة الأنظمة غير المصممة لمهام الدعم المدني الطويلة الأمد.
- اضطرابات التدريب: يمكن أن تؤدي عمليات النشر المحلية المكثفة إلى تعطيل خطط التدريب، وتحويل الوحدات عن مهامها العسكرية الأساسية، مما يؤثر في النهاية على الجاهزية القتالية الشاملة.
- الضغوط الميزانية واللوجستية: يمكن أن تؤدي العمليات المستدامة إلى إجهاد الميزانيات، مما يتطلب تمويلاً طارئاً أو يؤثر على الأنشطة الأخرى المخطط لها.
- التأثير العام والسياسي: إن دعم الحرس الوطني لوزارة الأمن الداخلي يثير حساسيات سياسية محتملة، وتساؤلات بشأن التوازن المناسب بين المدنيين والعسكريين، والاعتبارات القانونية المتعلقة بدورها كقوة غير حزبية.
لماذا أمر ترامب بنشر الحرس الوطني في واشنطن العاصمة؟
- قال ترامب لصحفيين في البيت الأبيض، الإثنين 11 أغسطس/آب: "سأنشر الحرس الوطني للمساعدة في إعادة إرساء القانون والنظام والسلامة العامة في واشنطن العاصمة… اجتاحت عاصمتنا عصابات تمارس العنف ومجرمون متعطشون للدماء".
- وهذا الإعلان هو أحدث جهود ترامب لاستهداف المدن التي تميل إلى الديمقراطيين من خلال ممارسة السلطة التنفيذية على الشؤون المحلية التقليدية، ورفض انتقادات بأنه يصطنع أزمة لتبرير توسيع السلطة الرئاسية، بحسب وكالة رويترز.
- وانتشر بالفعل المئات من الضباط والأفراد من أكثر من 12 جهازاً اتحادياً، من بينها مكتب التحقيقات الاتحادي (إف بي آي) وإدارة الهجرة والجمارك وإدارة مكافحة المخدرات ومكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات، في المدينة خلال الأيام القليلة الماضية.
- وردَّت الديمقراطية موريل باوزر، رئيسة بلدية واشنطن، على مزاعم ترامب قائلة إن المدينة "لا تشهد ارتفاعاً في معدلات الجريمة" وإن جرائم العنف بلغت العام الماضي أدنى مستوى لها في أكثر من ثلاثة عقود.
- ويتمتع الرئيس بسلطة واسعة على أفراد الحرس الوطني بالعاصمة، وعددهم 2700 عنصر، على عكس الوضع في الولايات، حيث يحظى حكامها عادةً بسلطة نشر القوات.

ما هي أبرز ردود الفعل على نشر ترامب لقوات الحرس الوطني؟
قوبل إعلان ترامب نشر قوات الحرس الوطني في عدد من الولايات الأمريكية، وكذلك مقترح تشكيل "قوة رد فعل سريع" لمواجهة الاضطرابات المدنية، بانتقادات واسعة من مسؤولين ومشرعين وصحف أمريكية بارزة.
وقال السيناتور جاك ريد، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية رود آيلاند، وكبير الديمقراطيين في لجنة القوات المسلحة، في بيان ينتقد فيه نشر القوات: "إن التوسع المستمر للرئيس ترامب في استخدام الجيش في الشؤون الداخلية أمرٌ مثير للقلق".
وأضاف: "جيشنا مُدرَّب على الدفاع عن الوطن من التهديدات الخارجية ومساعدة المجتمعات في حالات الكوارث أو الطوارئ، وليس على أداء مهام الشرطة المحلية اليومية. هذا النشر يُمثّل إساءة استخدام جسيمة لوقت الحرس الوطني".

من جانبها، قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن تعامل الرئيس ترامب مع واقعة اقتحام الكونغرس في يناير/كانون الثاني 2021، والتي وصفتها بـ"اليوم الأكثر خروجاً عن القانون في تاريخ واشنطن الحديث"، يتناقض بشكل حاد مع إعلانه نشر الحرس الوطني في واشنطن العاصمة.
ونقلت نيويورك تايمز عن ماري ماكورد، المدعية العامة الفيدرالية السابقة، قولها: "إذا أردنا النظر إلى العصابات الإجرامية، فلننظر إلى أحداث السادس من يناير/كانون الثاني. فقد كان لدينا عصابة إجرامية، وقد وصفهم بأنهم متظاهرون سلميون".
فيما أشارت صحيفة وول ستريت جورنال إلى أن نشر الحرس الوطني في واشنطن العاصمة هو الخطوة الأحدث في سلسلة خطوات اتخذها ترامب لتوسيع نطاق نشر القوات الأمريكية على الأراضي الأمريكية، مما أثار جدلاً قانونياً حاداً حول توسع الوجود العسكري الأمريكي في الشؤون الداخلية.
وقالت كاري لي، الزميلة البارزة في صندوق مارشال الألماني والأستاذة السابقة في كلية الحرب الأمريكية: "التفسير الأكثر اعتدالاً هو أن هذه محاولة لتحقيق نصر دعائي من خلال ادعاء الفضل في انخفاض معدلات الجريمة في العاصمة واشنطن".
وأضافت: "التفسير الأسوأ هو أنها بمثابة اختبار تجريبي لاستخدامات أكثر غموضاً على الصعيد القانوني للقوات العسكرية في مدن أمريكية أخرى".
وقال بيتر فيفر، أستاذ العلوم السياسية والسياسات العامة بجامعة ديوك، تعليقاً على قرار ترامب: "هذه المهام محفوفة بالمخاطر بالنسبة للجيش، وسواء أكانت ناجحة أم فاشلة، فإنها تعتمد على تفاصيل التنفيذ التي لا تزال غامضة".
وأضاف: "كلما اقتربت تفاصيل التنفيذ من العمل الشرطي التقليدي، زادت إشكالية الأمر – قانونياً وعملياً – بالنسبة للجيش".
Pentagon plan would create military 'reaction force' for civil unrest – WAPO
— RT (@RT_com) August 12, 2025
Citing the 'plan', if adopted, '600 troops will be on standby'
Based in AL and AZ & tasked 'rapidly deploying' into US cities facing protests
Points to Trump's willingness to use army on US soil? pic.twitter.com/gQxnQidv9d
وأبدى بعض أساتذة القانون مخاوفهم بشأن مقترح تشكيل "قوة رد فعل سريع".
وقال جوزيف نون، المحامي في مركز برينان للعدالة والمتخصص في القضايا القانونية ذات الصلة بالأنشطة الداخلية للجيش الأمريكي، إن إدارة ترامب تعتمد على نظرية قانونية هشة مفادها أن الرئيس يمكنه التصرف على نطاق واسع لحماية الممتلكات والوظائف الفيدرالية.
وأشار نون إلى مخاطر إقحام الجيش في إنفاذ القانون المحلي الروتيني، وأضاف وفق ما نقل موقع ذا إنترسبت: "الجيش كيان منفتح على الخارج، وينبغي أن يكون كذلك. ليس عليك أن تنظر بعيداً حول العالم لترى ما يحدث عندما يرى الجيش نفسه طرفاً سياسياً محلياً".