الاحتلال يغتال الحقيقة.. كيف استهدفت “إسرائيل” أنس الشريف وطاقم الجزيرة بعد تغطيتهم للتجويع في غزة؟

تم النشر: 2025/08/11 الساعة 14:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/11 الساعة 14:21 بتوقيت غرينتش
رويترز

في مساء يوم الأحد 10 أغسطس/آب 2025 انتهت حياة أحد أكثر أصوات غزة حضوراً على الشاشات المحلية والعالمية٬ مراسل قناة الجزيرة أنس الشريف وزميله محمد قريقع، بالإضافة إلى 3 من زملائهم المصورين والفنيين٬ في هجوم جوي إسرائيلي استهدف خيمة صحفيين قرب مستشفى الشفاء في مدينة غزة٬ توقف أصوات أنس ومحمد اللذين ظلوا ثابتين في الميدان وينقلان للعالم مشاهد حرب الإبادة الجماعية وأصوات الشهود عليها. 

ربما كان الجميع يتوقع استهداف الاحتلال لأنس ومحمد وربما غيرهم من الصحفيين٬ لأن هذا الاحتلال لم يتورع في السابق عن قتل نحو 250 صحفي فلسطيني خلال عاملين من الحرب على غزة٬ وهو ما لم تشهده أي حرب عرفها العالم من قبل. لكن هذا الخبر نزل كالصاعقة على أهل غزة والفلسطينيين والمجتمع الصحفي والإعلامي وكل إنسان حر في هذا العالم٬ لأن أنس تحول إلى أيقونة التغطية الإعلامية للحرب على قطاع غزة عرفها العالم كله.

استشهاد أنس ومحمد لم يكن مجرّد سجل آخر في قائمة الضحايا من الصحفيين الذين قتلتهم إسرائيل فقط، بل اعتبرته شبكات إعلامية ومنظمات حقوقية دولية نقطة فاصلة٬ لأنه جاء بعد حملة شيطنة واتهامات وتهديدات منظّمة استهدفت مراسلي القناة في القطاع على رأسهم أنس الشريف، وبعد أشهر من تغطية مكثفة أظهرت للعالم حقيقة حرب التجويع التي يمارسها الاحتلال في غزة. هذا الاغتيال المتعمد سبقه خطوات من التشويه والتهديد والوعيد لهؤلاء الصحفيين وعائلاتهم٬ انتهت إلى قتلهم بشكل مباشر أمام مرأى ومسمع العالم كله.

توقف صوت أنس ومحمد.. ما الذي حدث ليلة 10 آب 2025؟

  • في ساعة متأخّرة من مساء الأحد 10 أغسطس 2025، قصفت طائرة إسرائيلية خيمة كانت تستضيف طاقم قناة الجزيرة قرب بوابة مستشفى الشفاء في غزة. قتلت الغارة أنس الشريف ومصورين ومساعدين معه، فيما أكّدت وزارة الصحة ومصادر محلية وجود شهداء إضافيين من المدنيين قرب المكان. ردّ جيش الاحتلال على هذه الجمريمة بإعلان مسؤوليته وادّعاء أن الشهيد أنس الشريف كان "عنصراً" في "خلية مسلحة"٬ وهي ادعاءات رفضتها الجزيرة ومنظمات حماية الصحافة الدولية معتبرة أنها ذريعة لتبرير استهداف صحفي طارد الاحتلال وكشف جرائمه في القطاع المحصار المجوع.
  • الحدث المفجع أطلق موجة إدانة دولية طالبت بمحاسبة الاحتلال على أفعاله٬ واستنكرت منظمات صحفية وإعلامية مثل Committee to Protect Journalists وReporters Without Borders وUN experts القصف الذي استهدف أنس وزملائه وطالبوا بفتح تحقيقات ومحاسبة الاحتلال الإسرائيلي٬ مؤكدين أن الاتهامات الإسرائيلية السابقة والواضحة ضدّ أنس هي جزء من حملة تشويه متعمدة لإنهاء صوت أنس ومحمد وغيرهم من الصحفيين الذين كشفوا بشاعة الاحتلال.
  • بالنسبة لكثيرين لم يكن أنس الشريف مجرد مراسل صحفي٬ بل كان صوتَ غزة والشاهدَ على لحظاتها الأصعب خلال الحرب٬ ويعده كثيرون أهم وأشجع مراسل حربي في العالم رغم صغر سنه وحداثة عمله الصحفي. فهو شاب فلسطيني من مخيم جباليا شمال غزة٬ في أواخر العشرينات، برز اسمه خلال تغطيته الميدانية المكثفة للحرب منذ 7 أكتوبر 2023، وقد تعرض هو وعائلته لما تعرض له الشعب الغزي٬ حيث دمر الاحتلال بيته وقتل والده وهجّرت زوجته وأطفاله٬ وجاع كما جاع 2.3 مليون إنسان في غزة٬ لكن استمرّ في حمل الأمانة والعمل رغم التهديدات. 

أكاذيب إسرائيل التي مهدت لاغتيال أنس الشريف

  • التاريخ المؤسف لاغتيال الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين والإعلاميين في غزة وفلسطين طويل وموثق٬ من اغتيال مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة في مايو/أيار 2022 برصاصة قناص إسرائيلي في مخيم جنين٬ مروراً باستشهاد وإصابة عدد من طواقم الجزيرة في غزة على رأسهم وائل الدحدوح وعائلته وإسماعيل الغول وغيرهم.
  • معظم هذه الاستهدافات والاغتيالات سبقها موجة تهديدات إسرائيلية مُنظَّمة٬ وكان أنس الشريف آخر ضحايا حرب الشيطنة والتهديد والتحريض من حكومة وجيش الاحتلال٬ فعلى مدار الأسابيع والأشهر التي سبقت اغتيال أنس٬ حدث مراسل الجزيرة عن ما يتعرض له وعن التهديدات التي تصل هاتفته من قبل ضباط إسرائيليين تطالبه بوقف تغطيته الصحفية والإنسحاب و"إلا"٬ لكن أنس ظل يرفض الانصياع لهذا التهديد والوعيد وظل يردد الآية الكريمة: (فاقض ما أنت قاض٬ إنما تقضي هذه الحياة الدنيا).
  • ما يميّز حالة أنس هو كونها لم تكن واقعة منعزلة بل ذروة سلسلة تحريضية وإعلامية أُطلقت علناً من جهات رسمية إسرائيلية عبر شبكات التواصل قادها على سبيل المثال أفيخاي أدري المتحدث باسم جيش الاحتلال الذي هدد أنس الشريف على العلن٬ مكرراً ادعاءات عن "ارتباطات" مفترضة لأنس وزملائه مع فصائل مقاومة٬ اتهامات وصفتها منظمات حقوقية بأنها مبطنة وتشكل تهديدًا حقيقياً لحياة الصحفي أنس الشريف تمهيداً لتبرير استهدافه.

"إسرائيل" القاتل المتسلسل للصحفيين الفلسطينيين تفلت من العقاب في كل مرة

1- شيرين أبو عاقلة – 11 مايو/أيار 2022

شيرين أبو عاقلة، الصحفية الفلسطينية المخضرمة لدى الجزيرة، قُتلت برصاص قناص إسرائيلي خلال تغطيتها اقتحامًا عسكريًا في مخيم جنين بالضفة الغربية في 11 مايو 2022 رغم أنها كانت ترتدي سترة مكتوب عليها PRESS. دعوات دولية للتحقيق واجهت بطءًا وإحجامًا عن محاسبة الاحتلال٬ وهو ما عزز شعور الاحتلال بالإفلات من العقاب في كل مرة.

2- سامر أبو دقّة — 15 ديسمبر/كانون الأول 2023

المصور سامر أبو دقّة استشهد أثناء تغطيته قصفًا استهدف مدرسة فرحانة في خان يونس٬ أصاب ذلك القصف طاقم الجزيرة ذاته في منطقة باتت مكتظة بالنازحين٬ وكما هو الحال أفلت الاحتلال من العقاب. 

3- إسماعيل الغول ورامي الريفي — 31 يوليو/تموز 2024

في 31 يوليو 2024 قتل الاحتلال مراسل الجزيرة إسماعيل الغول والمصور رامي الريفي في قصف استهدفهما أثناء تغطيتهما في مخيم الشاطئ وما حوله. وفي اليوم التالي اتّهمت قوات الاحتلال إسماعيل بالانتماء للجناح العسكري لحركة حماس، مدعية امتلاك وثائق تثبت ذلك، بينما رفضت منظمات حقوقية تلك التهمة واعتبرتها محاولة لتبرير استهداف صحفي موثق.

4- إصابة إسماعيل أبو عمر وأحمد مطر — 13 فبراير/شباط 2024

في هجوم بطائرة مسيّرة شمالي رفح أُصيب المراسل إسماعيل أبو عمر والمصور أحمد مطر بجروح بالغة، أدّت إلى بتر ساق أبو عمر وإصابة خطيرة لمطر، أثناء تأديتهما لمهمة تغطية نزوح المدنيين. الحادث أثار مجددًا انتقادات منظمات حقوقية لمنهجية الاستهداف المباشر لمجموعات الصحفيين في الميدان٬ لكن لم يحدث شيء ولم يتوقف الاحتلال عن قتل الصحفيين الفلسطينيين.

5- حمزة الدحدوح — 7 يناير/كانون الثاني 2024

الصحفي حمزة، نجل وائل الدحدوح (مدير مكتب الجزيرة في غزة)، قتله الاحتلال مع زميل آخر أثناء استهداف سيارتهما قرب رفح. اغتيال حمزة جاء بعد خسائر جسيمة نالت من عائلة الدحدوح مسبقاً، وجعلت من قصته رمزاً للتكلفة الإنسانية المباشرة التي يدفعها صحفيون مثل وائل الدحدوح الذي غطى جميع حروب الاحتلال على غزة.

وهذه أمثلة فقط على اغتيال الاحتلال للصحفيين الفلسطينيين منذ نحو عامين٬ حيث أن أرقام الضحايا من الصحفيين في غزة ارتفعت بشكل لافت منذ أكتوبر 2023، وهو ما دفع مؤسسات مثل CPJ وRSF وIFJ للقول إن هذا الصراع هو الأكثر فتكا بالصحفيين في التاريخ المعاصر٬ أي منذ الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم. 

تغطية قناة الجزيرة لحرب الإبادة والتجويع أزعجت الاحتلال

  • في الوقت نفسه٬ شكلت تغطية الجزيرة الموضوعية والمكثفة لحرب التجويع التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة٬ وما سبقها من حرب إبادة مستمرة منذ 7 أكتوبر 2025 صداعاً كبيراً للاحتلال٬ وساهمت في تحويل "إسرائيل" إلى دولة منبوذة عالمياً.
  • لم يدخر أنس الشريف ومحمد قريقع أي جهد في تغطية حرب التجويع في غزة٬ تقارير مصورة، شهادات حية، أرقام وتحقيقات ميدانية يومية٬ جعلت من قناة الجزيرة مصدراً مرجعياً لدى شعوب وحكومات في العالم، وهو ما أغضب إسرائيل وقادتها٬ حيث أفشلت هذه التغطية استراتيجية الضغط والتجويع لتركيع غزة ودفع مقاومتها للاستسلام.
  • تقارير مِن مؤسسات مثل مجموعة الأزمات الدولية، وبيانات المجموعات الدولية للطوارئ (IPC) والأمم المتحدة، أكدت أن مؤشرات المجاعة في غزة قد وصلت إلى مستويات إنذار قصوى على يد إسرائيل، وهو ما جعل الرسالة الإعلامية للجزيرة صادمة وذات أثر سياسي عالمي غير مسبوق٬ دفع حكومات غربية تعرف بقوة علاقاتها مع إسرائيل إلى نبذها وتجميد بعض الصفقات معها والذهاب نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
  • يقول مراقبون إن افتعال أو تضخيم مسألة "ارتباط صحفيين بالمقاومة" يُستخدم أحيانًا لتطهير ساحة الإعلام قبيل عمليات برية أو توسيع غارات كبرى؛ القتل الجماعي الأخير لطاقم الجزيرة جاء قبيل إعلان إسرائيلي عن نية اجتياح مدينة غزة واحتلالها، وهو ما جعل كثيرين يقرأونه كتمهيد لسحق ما تبقى من التغطية الميدانية على الحرب٬ وإسكات شهود مباشرِين على المجاعة والدمار.
  • ولا شك أن قناة الجزيرة خلال الشهور الماضية جعلت من المجاعة عنواناً مركزياً لتغطيتها٬ وهذه التغطية خلقت ضغطًا دوليًا واسعًا على الاحتلال دفعته لإدخال بعض المساعدات التي لا تكفي الشعب المجوع في القطاع، حيث أثبت تصريحات لمسؤولين إسرائيليين هذا الأثر. ونقلت تقارير محلية ووسائط اجتماعية٬ أن الضابط غسان عليان، منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية٬ أبدى خلال لقاء له مع صحفيين أجانب ومسؤولي منظمات إنسانية دولية الأسبوع الماضي٬ غضبه وانزعاجه من تغطية قناة الجزيرة لحرب التجويع التي يشنها الاحتلال على شعب غزة منذ شهور٬ وينقل عنه قوله "إن الجزيرة هي السبب الرئيسي بتحريض العالم علينا فيما يتعلق بالمجاعة".
  • ولذلك يتهم سياسيون ومراقبون الاحتلال بتوجيه هذه الضربة الانتقامية لقناة الجزيرة و صحفييها على الأرض٬ لدورها في (إفشال استراتيجية التجويع) وتحذيراً لما هو قادم وخاصة التهديدات باجتياح مدينة غزة.
تحميل المزيد