“إسرائيل تخسر نخبتها”.. هجرة العقول تتفاقم في دولة الاحتلال بسبب الحرب وسيطرة اليمين على الدولة

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/10 الساعة 14:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/10 الساعة 14:44 بتوقيت غرينتش
إسرائيل تخسر عقولها: العلماء والأطباء والمهندسون يرحلون بلا عودة - تعبيرية: AI

تزايدت وتيرة هجرة الإسرائيليين إلى الخارج بشكل ملحوظ منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولم تُعوض هذه الموجة بحالات العودة المحدودة المسجلة في عام 2024. لكن المثير هنا أن معظم المغادرين منذ اندلاع الحرب ينتمون إلى الفئات الأكثر تعليماً، وأصحاب الكفاءات والشهادات العليا في مجالات التكنولوجيا، والقطاعات الحيوية، والطب وغيرها. وهذا الأمر يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل تواجه بالفعل خطر "هجرة العقول"، وما الذي قد يعنيه ذلك لمستقبلها دولة الاحتلال وبقائها٬ كما يحذر من ذلك خبراء وعلماء إسرائيليون.

المغادرين ضعف القادمين.. ظاهرة الهجرة من "إسرائيل" تتفاقم

  • منذ السابع من أكتوبر 2023 تشعر دولة الاحتلال بالقلق الشديد حيال هجرة سكانها المتزايدة في سياق استمرار الحرب في غزة واحتمالية تجدد اندلاعها في جبهات أخرى. 
  • وتعكس البيانات حول الهجرة من "إسرائيل" ملامح أزمة داخلية متصاعدة، تتمثل في تنامي هشاشة المجتمع الإسرائيلي وانقساماته بين اليمين (الأحزاب الدينية) واليسار (القوى الليبرالية)، وكذلك تزايد الميل إلى الانسحاب بدلاً من مواجهة الأزمات الأمنية والاقتصادية المتواصلة التي تشهدها البلاد، لا سيما منذ بداية الفترة الرئاسية الأخيرة لرئيس وزراء الاحتلال وحكومته اليمينية بنيامين نتنياهو منذ عام 2022 وحتى هذه اللحظة.
  • ووفقاً لتقرير حديث صادر عن "الكنيست" الإسرائيلي٬ فإن نحو مليون إسرائيلي يعيشون حالياً في الخارج ولم يعودوا إليها منذ 2020، مما يشير إلى موجة هجرة عكسية متصاعدة تهدد البنية الديموغرافية والاقتصادية لإسرائيل. ووفق لجنة الاستيعاب في الكنيست فإن الحرب المستمرة على غزة ساهمت بشكل كبير في هذا الاتجاه، بالإضافة إلى "الإصلاحات القضائية" التي يقودها نتنياهو، التي أثارت مخاوف محلية ودولية بشأن انهيار "الديمقراطية في إسرائيل".
  • وكانت دائرة الإحصاء الإسرائيلية تعتبر أن الهجرة تنطبق على الإسرائيليين الذين يقيمون في الخارج لمدة عام واحد، لكن منذ العام 2022 أدخلت تعديلات على تعريف الهجرة. وأصبح المهاجر من إسرائيل هو "الشخص الذي يقيم في الخارج لمدة 9 أشهر على الأقل"، وينطبق الأمر نفسه على المهاجر العائد إلى إسرائيل، الذي يعود ويقيم في إسرائيل مدة 9 أشهر من تاريخ دخوله.
  • وبحسب تقرير جديد لموقع "israel valley" نقلاً عن مصادر رسمية، غادر "إسرائيل" 82.700 ألف يهودي في 2024 وهو رقم يتخطى عدد القادمين، البالغ في نفس الفترة 56.000 ألفاً. ولفت نفس المصدر إلى أن هذه هي "أول مرة منذ فترة طويلة التي بقيت فيها الهجرة نحو الدولة العبرية أقل بكثير من حركة المغادرين"٬ وهو اختلال خطير وغير مسبوق في ميزان الهجرة.
  • وبحسب مسح أجرته مؤسسة "سي آي ماركتنغ" ونقلته صحيفة هآرتس العبرية من المرجح أن تتفاقم هذه الظاهرة في 2025. فقد أشار هذا المسح، إلى أن 40٪ من الإسرائيليين الذين ما زالوا في البلاد، يفكرون هم أيضاً في المغادرة.

هجرة العقول.. من هم الإسرائيليون الذين يهاجرون للبحث عن حياة جديدة؟

  • لا توجد معلومات دقيقة عن الوجهات التي يهاجر إليها الإسرائيليين الفارين منها٬ لكن يقول تقرير سابق لصحيفة الغارديان البريطانية٬ إن الولايات المتحدة هي الوجهة الأولى للإسرائيليين تليها دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.
  • وتتراوح أعمار 81٪ من المهاجرين من إسرائيل بين 25 و44 عاماً بحسب أرقام نشرتها "هآرتس" وهو مؤشر خطير حيث أن عماد نهوض أي دولة هم شبابها. وهؤلاء المهاجرون عموما هم من الأشخاص الذين تلقوا تعليماً عالياً وهم من العلمانيين أيضاً، وفق تحليل أجرته صحيفة "ذا جويش إندبندنت" الإسرائيلية٬ وبحسب الصحيفة يعد هؤلاء من الإسرائيليين "الأكثر قابلية للاندماج في المجتمعات الأخرى".
  • ويقول ديفيد ريغوليه روز الباحث بالمعهد الفرنسي للتحليل الاستراتيجي (IFAS) والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط لوكالة فراس برس٬ إن "ظاهرة هجرة الأدمغة تمس بشكل رئيسي الإسرائيليين الأشكناز٬ الذين ينحدرون من مجتمعات يهودية استقرت في أوروبا الوسطى والشرقية، بالأحرى من اليسار، مثل المؤسسين العلمانيين للدولة".
  • وتقول تروي شيرا، وهي إسرائيلية بالغة من العمر 41 عاماً، لصحيفة هآرتس: "باتت الحياة هنا لا تُطاق. أنا أشعر وكأنما يتم سلب حقي في أن أشعر بأنني في منزلي٬ مؤكدة بأنها "ستغادر حتما" إسرائيل.
  • والسياسة والحرب ليست الدافع الوحيد وراء هجرة هذه النخبة٬ حيث أن البحث عن ظروف معيشية جيدة٬ هو سبب آخر للظاهرة، بحسب سارة يائيل هيرشهورن وهي مؤرخة بجامعة حيفا وباحثة في معهد سياسة الشعب اليهودي بالقدس.
  • تقول هذه الخبيرة الأمريكية الإسرائيلية، إن هذه النخب والعقول ترحل أيضاً لأن لها القدرة المادية على تحمل التكاليف، مشيرة إلى أن الهجرة نحو دول مثل الولايات المتحدة، سيكون أسهل بالنسبة للأشخاص الذين يتحدثون اللغة الإنجليزية، ولديهم جواز سفر ثانٍ، ويتمتعون بمهارات يمكن استخدامها بالخارج وخصوصاً في المجال التكنولوجي والبحثي.
  • وتضيف المؤرخة لفرانس برس أن "منح أطفال هؤلاء العلماء والكفاءات مستقبلا أفضل هو غالباً ما يدفعهم للرحيل". وتعتقد هيرشهورن أن ظاهرة "هجرة الأدمغة في إسرائيل باتت واقعاً لا لبس فيه".
  • وهذه المؤشرات والتحذيرات لم تبدأ مع الحرب، بل سبقتها مؤشرات واضحة؛ ففي أبريل 2023، نقلت جيروزاليم بوست عن إسرائيليين أسباب مغادرتهم التي تنوّعت بين الضغوط الاقتصادية، وقلقهم من الصراع الدائم، والاعتراض على تدخل المؤسسة الدينية في الدولة، فضلاً عن فرص العمل المتاحة في الخارج.

ما علاقة كل ذلك بأزمة المجتمع اليهودي الحريدي؟

  • منذ أوائل 2023، أطلقت حكومة نتنياهو إصلاحات مثيرة للجدل لخفض صلاحيات المحكمة العليا، الهيئة القضائية التي تعد بمثابة ركيزة المؤسسات الرسمية منذ نشأة دولة الاحتلال٬ بالتزامن مع تعزيز أدوار المؤسسات الدينية اليهودية واتساع صلاحياتها. 
  • وأثارت تلك الخطة تعبئة احتجاجية غير مسبوقة في صفوف العلمانيين الإسرائيليين الذين يقولون إن الدولة أسسها العلمانيون وهي تمر الآن بتحولات خطيرة وغير مسبوقة على يد نتنياهو وحلفائه اليمنيين. واتسمت تلك بمظاهرات بأنها حشدت مئات الآلاف٬ وفي مواجهة تلك الضغوط، علّق نتانياهو الإصلاح بشكل مؤقت في مارس/آذار، قبل أن يستكملها بقوة خلال صيف 2025.
  • ويقول الباحث ديفيد ريغوليه روز أن "رحيل النخب من إسرائيل يثير قلق القادة أكثر من أي وقت مضى، لأنه يأتي في سياق ديمغرافي متوتر أصلا. خصوصا وأن معدل الولادات بين أكثر شرائح المجتمع تعليماً، هو أقل منه عند أكثر الفئات تديّناً٬ مشيراً إلى المجتمعات الحريدية في "إسرائيل" والتي أصبح لها أحزاب تمثل أفكارها اليمينية.
  • وفي ظل معدل النمو الحالي، من المرجح أن يرتفع عدد السكان اليهود المتدينين، الذين يُمثلون حاليا 13.5٪ من سكان إسرائيل٬ ليبلغ 35٪ من إجمالي السكان بحلول 2059، حسب توقعات معهد الديمقراطية الإسرائيلي.
  • وما يزيد التوتر والانقسامات الداخلية٬ هي أن طلاب المعاهد الدينية اليهودية لا يخدمون في الجيش٬ حيث أن اليهود الأورثودكس المتدينين (الحريديم) لا يخضعون عموما للخدمة العسكرية الإجبارية حتى اللحظة على الرغم من القرار المحكمة الإسرائيلية في عام 2024 بإلزامهم بالخدمة. وهذا يطرح مشكلة أخرى لإسرائيل، تضاف إلى هجرة الأدمغة، من حيث قدرتها على البقاء من وجهة نظر أمنية واستراتيجية في ظل أزمة التجنيد مع استمرار الحرب.

"لن يكون لدينا دولة هنا إذا استمرت هجرة العقول"

  • وكانت لجنة الكنيست لشؤون الهجرة والاستيعاب والشتات قد عقدت في أوائل عام 2025، نقاشاً مستعجلاً حول قضية "إعداد البلاد للهجرة السلبية وعواقبها". ووصلت إلى أن هذه الظاهرة يمكن أن تؤدي إلى تداعيات تطال الاقتصاد الإسرائيلي بشكل غير مسبوق. وبصفتها "دولة ناشئة" بمنطقة الشرق الأوسط ورائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، لطالما اعتمدت إسرائيل على إمكانياتها البشرية "الأدمغة" في بناء قوتها، مستغلة خبراتها في القطاع التكنولوجي. وهي ثاني أكبر مُصدّر عالمي لحلول الأمن السيبراني بعد الولايات المتحدة.
  • وقبل نحو عام٬ حذر البروفيسور آرون تشيخانوفر، أحد أبرز العلماء في "إسرائيل" والحاصل على جائزة نوبل، من أن إسرائيل في خطر شديد بسبب رحيل أفضل وألمع عقولها٬ ملقياً باللوم على جهود حكومة نتنياهو في ارتفاع أعداد المهاجرين من "إسرائيل"٬ حيث أن هذه الحكومة تعمق الاستقطابات داخل إسرائيل وتدخل تعديلات قضائية أكثر يمينية لإرضاء الأحزاب الدينية. 
  • وقال تشيخانوفر في تصريحات صحفية إن "المغادرين يريدون العيش في بلد حر وديمقراطي ليبرالي، وليس في بلد تستولي فيه الحكومة على السلطة بالقوة.. هؤلاء هم الأشخاص الذين قرروا أنهم لم يعد بإمكانهم العيش في هذا البلد".
  • تشيخانوفر، البالغ من العمر 76 عاماً، هو عالم أحياء يعمل في معهد التخنيون للتكنولوجيا في دولة الاحتلال "الإسرائيلي" وحاصل على عدة جوائز٬ قال إن "هناك موجة ضخمة من المغادرين من البلاد". وأضاف أن معظم الأطباء الكبار يغادرون المستشفيات، والجامعات تواجه صعوبات في استقطاب أعضاء هيئة التدريس في التخصصات الحيوية. وأضاف أن "المجتمع الإسرائيلي أصبح ضيق للغاية". وقال تشيخانوفر: "بمجرد رحيل 30 ألفاً من هؤلاء الأشخاص (الكفاءات)، لن يكون لدينا دولة هنا (في إسرائيل)". 

أثرياء "إسرائيل" أيضاً يتسابقون للهروب بأنفسهم وأموالهم

  • وفي تقرير نشره موقع "عربي بوست" في إبريل/نيسان الماضي٬ فقد كشفت جهات رسمية حكومية في إسرائيل عن معطيات مقلقة داخلياً٬ بشأن هجرة الإسرائيليين إلى خارج البلاد بأعداد لم تعرفها الدولة من قبل، حاملين معهم أموالهم ومدخراتهم التي ينفقونها خارج البلاد على الودائع والسحوبات، حيث ارتفع تحويل أموال الإسرائيليين إلى الخارج بنسبة 50%.
  • وأرجع المسؤولون الحكوميون سبب هذه الهجرة إلى الحرب الإسرائيلية على غزة، والانقلاب القضائي٬ والإقالات التي تجريها الحكومة على كبار مسؤولي الدولة، مما تسبب بارتفاع كبير في هروب رؤوس الأموال للاستثمار في الخارج، وارتفعت نسبتهم إلى 62% منذ هجمات السابع من أكتوبر 2023.
  • وفي الربع الثالث من عام 2023 أنفق الإسرائيليون 2.18 مليار دولار، وفي الربع الأول من 2024، أنفقوا 3.19 مليار دولار، وفي الربع الثاني من 2024 ارتفع الإنفاق إلى 3.51 مليار دولار، أي أنه خلال ستة أشهر، تم تهريب سبعة مليارات دولار خارج إسرائيل، وهو ضعف ما كانت عليه في السنوات الثلاث السابقة.
  • كما ارتفعت أصول القطاع الخاص الإسرائيلي في الخارج بـ20.5 مليار دولار، وهناك 855 مليون دولار منها موجودة في استثمارات طويلة الأجل، فيما ارتفعت ودائع الإسرائيليين في الخارج بـ7.76 مليار دولار لتصل 18 مليار دولار.
  • ووصل أعداد المليونيرات الإسرائيليين المهاجرين إلى 1700، بالتزامن مع انخفاض لافت في معدّل نمو أعداد هؤلاء المليونيرات٬ فبعد أن بلغ المعدل عام 2023، قرابة 45%، انخفض عام 2024 إلى 25% فقط، وفق المعطيات التي كشفتها جهات رسمية إسرائيلية.
  • ويتخوف الإسرائيليون أن تُسفِر ظاهرة هجرة العقول والكفاءات٬ بالإضافة إلى هروب رؤوس الأموال عن آثار بعيدة المدى على اقتصادهم، لأنها قد تتسبب بانهياره في الاحتمال الأسوأ، أو حدوث أزمة عاصفة له في السيناريو الأقل سوءً، مما يؤدي لفقدان الثقة بمستقبل الدولة، ودفع رجال الأعمال والمستثمرين للبحث عن فرص في الخارج.
تحميل المزيد