“الضرر سيطال جيب كل إسرائيلي”.. ما الآثار الاقتصادية الناجمة عن نبذ العالم لدولة الاحتلال؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/05 الساعة 13:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/05 الساعة 13:58 بتوقيت غرينتش
النبذ العالمي لإسرائيل يتسع والمخاطر الاقتصادية ترتفع - تعبيرية

بينما تدّعي "إسرائيل" انتصاراتها في ساحة المعركة على المجوعين في غزة التي تتعرض لحرب إبادة جماعية منذ نحو عامين، تُهزم "هزيمةً نكراء" في الوعي الدولي، كما يصفها أحد الكتاب الإسرائيليين. وفي غياب أي سياسة واضحة أو خطوات نحو الحل ووقف الحرب، تتجه "إسرائيل" نحو عزلة عالمية قد تُلحق بها أضراراً بالغة ليس على المستوى السياسي والدبلوماسي والاجتماعي حيث أصبح الإسرائيليون منبوذين أينما ذهبوا حول العالم ويلاحق جنودهم في المطارات، بل على المستوى الاقتصادي أيضاً.

وحول ذلك يقول الخبير الاقتصادي الإسرائيلي إيتان أفريل في مقال له بصحيفة هآرتس العبرية، إن الإسرائيليين يقتربون بسرعة كبيرة نحو اللحظة التي تتخلى فيها الدول والشركات والمستثمرين عن التعامل التجاري مع "إسرائيل"، حيث تواجه تل أبيب في الأسابيع الأخيرة تحد كبير، هو الغضب العالمي بسبب ما يحدث في غزة من حرب إبادة وتجويع والصور التي غزت العالم، الذي يسعى جزء منه إلى إخضاع "إسرائيل" للعقوبات والقيود والعقاب من أجل وضع حد لتلك الحرب.

يشعر الإسرائيليون بتصاعد هذا الحصار والنبذ كل يوم، ويقول شاؤول أرئيلي الجنرال السابق في الجيش الإسرائيلي: "لقد سئم العالم منا، إسرائيل تقف اليوم عند مفترق طرق حاسم: نحن نشهد تحولاً من الدعم الغربي شبه المطلق إلى نهج أكثر تحفظاً، وتباعداً متزايداً مع الجالية اليهودية الأمريكية، وتعزيزاً للرواية الفلسطينية على الساحة الدولية". لكن هل يُمكن أن يُؤثّر تدهور صورة إسرائيل والضغوط الدولية المتزايدة على اقتصادها – الذي صمد بدعم أمريكي- طوال قرابة عامين من الحرب ونجا من الانهيار حتى الآن؟

ما الآثار الاقتصادية الناتجة عن نبذ العالم لدولة الاحتلال بسبب جرائمها في غزة؟

  • يرى الباحث الاقتصادي الإسرائيلي إيتان أفريل أن الأحاديث التي تطال سمعة "إسرائيل" باتت العنوان الرئيسي لدى العديد من المواقع الإخبارية الدولية الرئيسية. بدأ الأمر في أوروبا: أعلنت فرنسا أنها ستعترف قريبًا بدولة فلسطينية ؛ وفي المملكة المتحدة ، تُمارس ضغوط سياسية وبرلمانية شديدة لفعل الشيء نفسه، وكلاهما يُهدد بفرض عقوبات على تل أبيب. كما انضمت إليهما إسبانيا، مطالبةً بإلغاء اتفاقية تجارية مهمة مع إسرائيل، بالإضافة إلى بلجيكا وهولندا وإيطاليا واليابان، التي فرضت بالفعل قيودًا على صادرات الأسلحة إلى إسرائيل، وتدرس فرض عقوبات أوسع نطاقاً لوقف الحرب.
  • ويقول أفريل إن الوضع ليس أفضل في بقية العالم، باستثناء الولايات المتحدة. لم تفرض أستراليا ونيوزيلندا عقوبات على "إسرائيل" حتى الآن، لكنهما تدرسان الآن فرض عقوبات على أفراد متورطين في الجيش الإسرائيلي. في غضون ذلك، وقّعت 12 دولة هذا الشهر التزامًا بحظر شحنات الأسلحة وصادرات الطاقة إلى "إسرائيل"، أو حتى توقيع اتفاقيات معها.
  • وحول التبعات الاقتصادية، يقول الكاتب إن العقوبات الرسمية من الحكومات الأجنبية ليست سوى جزء من الضرر المالي والاقتصادي المتوقع – وليس بالضرورة الجزء الأكبر. بشكل غير رسمي، ودون أي توجيه خارجي مُلزم، تختار الشركات حول العالم بهدوء عدم التعامل مع إسرائيل، سواءً بسبب تضامنها مع الفلسطينيين في غزة أو بسبب ضغط المستهلكين وتهديداتهم بالمقاطعة. ويصعب قياس هذا الضرر أو حتى اكتشافه: فمن يدري ما إذا كان عميل أحد المُصدّرين قد توقف عن الشراء منهم لحصوله على عرض أرخص من منافس، أم لأنه لم يعد يرغب في التعامل مع الإسرائيليين؟
  • عانت الأوساط الأكاديمية الإسرائيلية أيضاً من النبذ أيضاً. فقد أعلنت مجموعة من الجامعات، أغلبها أوروبية، قطع علاقاتها مع المؤسسات الإسرائيلية. فيما تشتد الضغوط لاستبعاد إسرائيل من برنامج هورايزون الأوروبي، الذي يُقدم منحًا بحثية وتطويرية للباحثين. وقد وفّر هذا البرنامج حتى الآن للباحثين الإسرائيليين مئات الملايين من الدولارات سنويًا كمنح بحثية، ومن شأن تعليق مشاركة "إسرائيل" فيه أن يُلحق ضررًا بالغًا بالبحث العلمي الإسرائيلي والاقتصاد عمومًا.
  • ويقول الباحث الإسرائيلي "إنه بسبب كل ذلك، فلم يعد يفصلنا سوى خطوة قصيرة نحو حظرٍ عامٍّ غير رسمي لكل شيء يتعلق بإسرائيل: فمن رأى صورًا مُزعجة قادمة غزة اليوم، من غير المُرجّح أن يختار مُنتجًا إسرائيليًا أو خدمةً من شركة إسرائيلية في اليوم التالي". والسياحة مثالٌ على الضربة التي تتلقاها سمعة إسرائيل: لم يزورها السياح الأجانب، في الوقت نفسه، يُفكّر السياح الإسرائيليون مليًا قبل السفر إلى الخارج، خوفًا من ردود فعل عدائية. في الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، اضطرت سفينة سياحية إسرائيلية إلى عدم الرسو في إحدى الجزر اليونانية، بينما دخل شبان في شجارٍ مع إسرائيليين في جزيرة يونانية أخرى.

النبذ العالمي سيفاقم أزمات الاقتصاد الإسرائيلي 

  • يقول إيتان أفريل إنه من الصعب في هذه المرحلة تحديد حجم الضرر المالي الناجم عن هذه العقوبات العالمية لإسرائيل، التي لا يزال معظمها في مستوى التهديد، والتي تنجح إسرائيل والولايات المتحدة أحيانًا في تحاشيها. لكن لن يُفاجأ أحدٌ باتخاذ دول أجنبية إجراءات، إذا لم تتوقف الصور القادمة من غزة، وتصريحات الوزراء الإسرائيليين وأعضاء الكنيست حول قتل المدنيين الأبرياء والتهجير القسري لسكان غزة.
  • ووفقًا لقسم الأبحاث في بنك إسرائيل، الذي أصدر هذا الشهر ملخصه للنصف الأول من العام وتوقعاته للنصف الثاني، فقد نما الإنتاج الإسرائيلي بنسبة 3.7% في الربع الأول من العام، فيما لا يزال معدل البطالة منخفض ومن المتوقع أن ينمو الإنتاج الإسرائيلي بنسبة 4.6% العام المقبل. ورغم أن هذه أرقامٌ فاجأت الكثيرين، لكن هل يُمكن للاقتصاد الإسرائيلي أن يُواصل أداءه الجيد خلال فترةٍ طويلة من العقوبات الدولية – ليس فقط من الحكومات، بل أيضًا من المؤسسات والشعوب عمومًا، بما في ذلك الأسواق الرئيسية للشركات الإسرائيلية مثل أوروبا (حوالي ثلث التجارة الإسرائيلية) والولايات المتحدة (حوالي 15%)؟ 
  • يأتي هذا التحدي الجديد بعد فترة من الضائقة الاقتصادية، اضطرت خلالها الحكومة الإسرائيلية إلى إغراق الاقتصاد بأموال طائلة لتغطية نفقات الحرب، لا سيما دفع رواتب جنود الاحتياط ودعم النازحين المستوطنين من الجنوب والشمال، ومؤخرًا من المنطقة الوسطى. 
  • علاوةً على ذلك، بات من الواضح أن الإنفاق الدفاعي سينمو العام المقبل بما يتجاوز بكثير ما كان مخططًا له حتى الآن. ووفقًا لوكالة موديز للتصنيف الائتماني، من المتوقع أن يتجاوز عجز الموازنة الإسرائيلية 8% هذا العام، وأن ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 75% على المدى المتوسط، وهو رقم قد يعني المزيد من تخفيضات التصنيف الائتماني مستقبلًا.

"لحظة تخلي الدول والمستثمرين عن التعامل التجاري مع إسرائيل اقتربت"

  • يقول الكاتب الإسرائيلي إن هذا واقع جديد وغير مسبوق. حتى وقت قريب، كان العالم الغربي ينظر إلى إسرائيل كضحية، أما الآن، فقد أصبحت إسرائيل، في نظر الرأي العام العالمي، دولة عدوانية فقدت بوصلتها الأخلاقية، دولة ينبغي معاقبتها وكبح جماحها لإجبارها على إنهاء العنف الذي تمارسه في غزة وضد الفلسطينيين عموماً.
  • ستزداد هذه الصورة السيئة الجديدة لإسرائيل وللإسرائيليين قوةً حول العالم مع استمرار الحرب في غزة. وكما هو الحال في جميع مسائل الصورة، سيكون من الصعب للغاية عكس أو محو هذا التحول، حتى بعد توقف ظهور الصور المروعة لغزة على الشاشات في الخارج. فليس من المستبعد، على سبيل المثال، أن تأتي اللحظة التي يبدأ فيها المستثمرون الأجانب – مثل صناديق رأس المال الاستثماري التي كانت تمول "دولة الشركات الناشئة" الإسرائيلية، والتي لم تثنها الحرب حتى الآن – بالشعور بعدم الارتياح للاستثمار في إسرائيل.
  • ولا شك أن العقوبات والقيود والعزلة الدولية أدواتٌ تعمل ببطءٍ للتأثير على الاقتصادات، كما يُستَدَلُّ عليه من غزو روسيا لأوكرانيا والعقوبات المفروضة في أعقابه. سجّلت روسيا نموًا في الإنتاج بنسبة 4% في عام 2024 رغم الحرب والعقوبات، لكنها واجهت أيضًا تضخمًا بنسبة 10% ومعدل فائدة بنسبة 18%. عاجلاً أم آجلاً، تتراكم العقوبات. في النهاية، تصل إلى منزل كل مواطن إسرائيلي وجيب كل ساكن – لأن هذا هو هدفها تحديداً: حثّ جمهور الدولة المُخالفة على مُطالبة ساستها بالتوقف والضغط عليهم لتغيير مسارهم"، كما يقول الباحث الإسرائيلي.
تحميل المزيد