- ما هي وثيقة "الخطوط الحمراء" التي وضعتها إسرائيل لحساب السعرات الحرارية اللازمة لعدم حدوث مجاعة في غزة؟
- ما هو حجم كميات المساعدات التي دخلت غزة بالفعل منذ مارس/أذار الماضي؟
- ما حجم المساعدات المطلوبة فعلاً لإنقاذ غزة؟
- ماذا قالت المنظمات الدولية عن أزمة المجاعة في غزة؟
- هل ساهمت عمليات الإنزال الجوي في تخفيف أزمة المجاعة في غزة؟
تُظهر الوثائق الرسمية والتقارير الحقوقية أن إسرائيل لم تكتفِ بفرض حصار شامل على قطاع غزة، بل صمّمت سياساتها منذ سنوات على أساس "التحكم في الحياة" عبر تحديد كميات الغذاء التي يُسمح بدخولها للسكان، بما لا يتجاوز الحد الأدنى من السعرات الحرارية الضرورية للبقاء على قيد الحياة.
ففي يناير/كانون الثاني 2008، أعدّت وزارة الأمن الإسرائيلية بالتعاون مع وزارة الصحة وثيقة بعنوان: "استهلاك الغذاء في قطاع غزة – الخطوط الحمراء"، حدّدت فيها 2279 سعرة حرارية يومياً للفرد، كحد أدنى لتفادي المجاعة، مستندةً إلى "نموذج استهلاك إسرائيلي" تم تعديله ليتوافق مع "ثقافة سكان غزة"، وفق الوثيقة.
ومع تصاعد الحرب عام 2023، تحولت سياسة "التحكم في السعرات" إلى تجويع جماعي، وفق منظمات دولية.
وأشار تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، جاء تحت عنوان: "حسابات التجويع: كيف خططت إسرائيل للمجاعة في غزة"، إلى أن الاحتلال يتحمل المسؤولية المباشرة عن المجاعة في غزة، حيث يسيطر على المعابر ويتحكم في كميات الغذاء المسموح بإدخالها وفق حسابات دقيقة أعدّها سابقاً، تهدف إلى إبقاء السكان فقط على قيد الحياة.
⭕️ الإعلام الحكومي في #غزة:
— عربي بوست (@arabic_post) August 2, 2025
▪️73 شاحنة فقط دخلت غزة أمس، تعرّضت غالبيتُها للنهب بسبب الفوضى الأمنية التي يُكرّسها الاحتلال.
▪️الاحتياجاتُ اليوميةُ لقطاع غزة لا تقل عن 600 شاحنة من المواد الإغاثية والوقود.
▪️نُحمّل الاحتلالَ والمنخرطين معه في جريمة الإبادة الجماعية مسؤوليةَ… pic.twitter.com/XRZoyuRY6n
ورغم نفي الاحتلال مراراً وتكراراً وجود مجاعة في غزة، إلا أن تقارير عدة أشارت إلى أن إسرائيل تنتهج سياسة التجويع والحصار، وتشدد القيود على إدخال المساعدات الإغاثية.
ولم يفِ الاحتلال خلال حربه على غزة حتى بما حددته حكوماته سابقاً فيما يتعلق بعدد الشاحنات اللازمة للوفاء بالحد الأدنى من الاحتياجات الغذائية الأساسية.
يأتي ذلك في الوقت الذي لا يستطيع فيه الفلسطينيون مغادرة القطاع، وقد دمّرت الحرب الزراعة، وحظرت إسرائيل صيد الأسماك، ولذا فإن كل سعرة حرارية يستهلكها سكان غزة تقريباً يجب أن تُستورد من الخارج.
وقال تقرير الغارديان: "تعرف إسرائيل تماماً كمية الطعام المطلوبة، فقد دأبت منذ عقود على معايرة مستويات الجوع في غزة، من خلال حساب كميات الإمدادات لممارسة الضغط دون التسبب في المجاعة".
وفي عام 2006، قال أحد كبار مستشاري رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت: "الفكرة هي أن نخضع الفلسطينيين لحمية غذائية، ولكن من دون أن نتسبب في موتهم جوعاً".
وفي عام 2008، قضت محكمة إسرائيلية بالكشف عن وثائق تُظهر تفاصيل تلك الحسابات المروعة التي شملتها وثيقة "استهلاك الغذاء في قطاع غزة – الخطوط الحمراء".
ما هي وثيقة "الخطوط الحمراء" التي وضعتها إسرائيل لحساب السعرات الحرارية اللازمة لعدم حدوث مجاعة في غزة؟
- في سبتمبر/أيلول 2007، قررت حكومة أولمرت تشديد القيود على حركة الأشخاص والبضائع من وإلى قطاع غزة.
- ونصّ قرار مجلس الوزراء على "تقييد حركة البضائع إلى قطاع غزة، وتقليص إمدادات الغاز والكهرباء، وفرض قيود على حركة الأفراد من القطاع وإليه". إضافةً إلى ذلك، سيُمنع التصدير من غزة تماماً. ومع ذلك، أضاف القرار أن هذه القيود يجب أن تُصمَّم لتجنُّب "أزمة إنسانية".
- وفي يناير/كانون الثاني 2008، أعدّت وزارة الأمن الإسرائيلية، بالتعاون مع وزارة الصحة، وثيقة بعنوان "استهلاك الغذاء في قطاع غزة – الخطوط الحمراء".
- وكانت الوثيقة جزءاً من سياسة الحصار الاقتصادي الذي فرضه الاحتلال على القطاع الفلسطيني منذ منتصف 2007.
- وأشارت الوثيقة إلى أن مسؤولين من وزارة الصحة شاركوا في صياغتها، وأن الحسابات استندت إلى "نموذج وضعته وزارة الصحة… وفقاً لمتوسط الاستهلاك الإسرائيلي"، مع أن الأرقام عُدّلت لاحقاً بما يتناسب مع ثقافة وتجربة سكان غزة.
- تحسب وثيقة "الخطوط الحمراء" الحد الأدنى من السعرات الحرارية اللازمة لكل فئة عمرية وجنس في غزة، من وجهة نظر مكتب منسق أنشطة الحكومة في المناطق الفلسطينية، ثم تُستخدم هذه القيمة لتحديد كمية المواد الغذائية الأساسية المسموح بدخولها إلى القطاع يومياً، بالإضافة إلى عدد الشاحنات اللازمة لنقل هذه الكمية.
- وفي المتوسط، بلغ الحد الأدنى 2279 سعرة حرارية للفرد يومياً، وهو ما يمكن توفيره من خلال 1836 غراماً من الطعام، أو 2575.5 طناً من الطعام لجميع سكان غزة.
- ويتطلب إدخال هذه الكمية إلى القطاع 131 شاحنة محمّلة يومياً، وهو ما كان أدنى بكثير مما كان يُسمح به سابقاً (أكثر من 400 شاحنة يومياً قبل 2007).
- وبلغ متوسط عدد الشاحنات التي دخلت فعلياً بين عامي 2007 و2010 حوالي 67 شاحنة يومياً فقط، أي أقل بكثير من الحد الأدنى المطلوب.

ما هو حجم كميات المساعدات التي دخلت غزة بالفعل منذ مارس/أذار الماضي؟
تطالب المنظمات الإنسانية حالياً بدخول 62 ألف طن متري من الأغذية الجافة والمعلبة لتلبية الاحتياجات الأساسية لـ 2.1 مليون شخص كل شهر، أو حوالي 1 كيلوغرام من الغذاء للشخص الواحد يومياً.
ومع ذلك، تُظهر البيانات التي جمعتها ونشرتها الحكومة الإسرائيلية بوضوح أنها تتعمد تجويع غزة، بحسب الغارديان.
وفي الفترة بين مارس/آذار ويونيو/حزيران 2025، سمحت إسرائيل بدخول 56 ألف طن فقط من الغذاء إلى القطاع، أي أقل من ربع الحد الأدنى المطلوب لاحتياجات غزة خلال تلك الفترة.
وبحسب أرقام مكتب منسق أنشطة الحكومة في المناطق الفلسطينية، جاءت بيانات كمية الأغذية التي دخلت قطاع غزة منذ مارس/آذار 2025 كالتالي:
- مارس/آذار: لم يدخل أي طعام إلى غزة إطلاقاً – 0 طن، ما يعادل 0% من الحد الأدنى المطلوب.
- أبريل/نيسان: لم يدخل أي طعام إلى غزة إطلاقاً – 0 طن، ما يعادل 0% من الحد الأدنى المطلوب.
- مايو/أيار: سُمح بدخول 19,153 طناً فقط، وهي تشكل 32% من الاحتياج الشهري الأدنى.
- يونيو/حزيران: سُمح بدخول 37,103 أطنان، أي حوالي 60% فقط من الاحتياجات الشهرية.
- يوليو/تموز (حتى 27 يوليو): بلغ إجمالي الغذاء الداخل 37,906 أطنان، أي نحو 61% من الاحتياجات الشهرية.
ما حجم المساعدات المطلوبة فعلاً لإنقاذ غزة؟
بحسب تقديرات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية:
- يحتاج قطاع غزة إلى 600 شاحنة مساعدات يومياً لتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات.
- ما لا يقل عن 500 ألف كيس طحين أسبوعياً لضمان توفير الخبز.
- و250 ألف علبة حليب شهرياً لإنقاذ حياة 100 ألف رضيع دون العامين، بينهم 40 ألف طفل تقل أعمارهم عن عام.
ولن يكون لهذه الأرقام أي أثر دون السماح الفوري بدخول المساعدات وتسليمها للمؤسسات الدولية المعتمدة لتوزيعها، مع فتح المجال أمام إدخال البضائع للقطاع الخاص، لتأمين المواد الغذائية والسلع الأساسية التي يحتاجها الفلسطينيون يومياً.

ماذا قالت المنظمات الدولية عن أزمة المجاعة في غزة؟
قال خبراء الأمن الغذائي المدعومون من الأمم المتحدة هذا الأسبوع إن "السيناريو الأسوأ" المحتمل للمجاعة يتكشف الآن في غزة. وذكرت منظمة التصنيف المتكامل للأمن الغذائي (IPC) في تقرير استند إلى أرقام إسرائيلية حول المساعدات، أن إمدادات الغذاء "أقل بكثير مما هو مطلوب"، وسط "قيود صارمة على دخول الإمدادات".
وقالت لجنة مراجعة المجاعة، وهي مجموعة مستقلة من الخبراء تقوم بفحص تنبيهات التصنيف المتكامل للأمن الغذائي، إن شحنات الغذاء "غير كافية تماماً"، وخصّت بالذكر مؤسسة غزة الإنسانية.
وقالت لجنة مراجعة المجاعة: "إن تحليلنا لحزم الأغذية التي قدّمتها مؤسسة غزة الإنسانية يُظهر أن خطة التوزيع الخاصة بها من شأنها أن تؤدي إلى مجاعة جماعية، حتى لو كانت قادرة على العمل دون مستويات العنف المروعة التي تم الإبلاغ عنها".
وفي شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان، خضعت غزة لحصار شامل، دون دخول أي طعام. وفي منتصف مايو/أيار، صرّح نتنياهو باستئناف شحنات المساعدات بسبب الضغوط الدولية بسبب "أزمة المجاعة".
وتُظهر بيانات الأمم المتحدة أن شحنات المساعدات الإضافية التي استمرت بضعة أسابيع فقط خلال وقف إطلاق النار في شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط من هذا العام كانت كافية لإمداد سكان غزة بالسعرات الحرارية اللازمة لإنقاذهم من شفا المجاعة.

لكن في مايو/أيار، لم يدخل سوى القليل من الطعام، بكمياتٍ لم تُسهم إلا في إبطاء انحدار غزة نحو المجاعة، لا في وقفها. وبعد شهرين، أثار حجم المعاناة جولة جديدة من الغضب الدولي، بما في ذلك مطالبات من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بتوفير "كل ذرة من الطعام" للأطفال الجائعين.
فيما أعلنت منظمتان حقوقيتان إسرائيليتان هذا الأسبوع أن تل أبيب ترتكب إبادة جماعية في غزة، مع تقارير تشير إلى أدلة من بينها استخدام التجويع كسلاح. ووصفت منظمة بتسيلم ما يحدث بأنه "سياسة رسمية معلنة" للتجويع الجماعي.
هل ساهمت عمليات الإنزال الجوي في تخفيف أزمة المجاعة في غزة؟
وصفت تقارير غربية عدة عمليات الإنزال الجوي التي سمحت بها حكومة الاحتلال لإسقاط المساعدات الغذائية على غزة بأنها مكلفة وغير فعالة مقارنة بما يمكن أن تساهم به شاحنات المساعدات.
وقال تقرير الغارديان إنه في السنة الماضية، غرق ما لا يقل عن 12 شخصاً أثناء محاولتهم إخراج مساعدات غذائية سقطت في البحر، وقُتل ما لا يقل عن خمسة آخرين عندما سقطت عليهم طرود المساعدات.
وأظهرت بيانات حكومية إسرائيلية أنه خلال الأشهر الـ21 الأولى من الحرب، وفّرت عمليات الإنزال الجوي، التي استمرت 104 أيام، ما يعادل أربعة أيام فقط من الغذاء لغزة، وبتكلفة بلغت عشرات ملايين الدولارات. ولو أُنفقت هذه الميزانية على الشاحنات، لكان بالإمكان إيصال كميات أكبر بكثير من الطعام. لكن تكلفة هذه العمليات ليست مالية فقط.
فهذه العمليات تسمح لإسرائيل وحلفائها بتصوير المجاعة على أنها كارثة ناجمة عن أزمات لوجستية، وليس عن سياسة متعمدة.
🎥- "دا مش إنزال بل إذلال"..
— عربي بوست (@arabic_post) August 1, 2025
فلسطيني ينتقد عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات إلى المجوّعين في قطاع #غزة، ويدعو إلى كسر الحصار وإدخال المواد الغذائية عبر المعابر الحدودية. pic.twitter.com/LBtwLEfknL
فيما حذّر خبراء الإغاثة من خطورة عمليات الإسقاط الجوي وعدم كفايتها لمعالجة أزمة الجوع المتفاقمة في غزة، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
وقالت جولييت توما، المتحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا): "لماذا نستخدم الإنزال الجوي بينما يمكننا نقل مئات الشاحنات عبر الحدود؟" وأضافت: "إنها أسهل بكثير، وأكثر فعالية، وأسرع، وأقل تكلفة".
وفي بيان لها، وصفت منظمة أطباء بلا حدود الطرود المرسلة جواً، والتي قد يزن الواحد منها طناً أو أكثر، بأنها "غير فعالة وخطيرة"، مما يجبر الناس على "المخاطرة بحياتهم من أجل الغذاء".
وقال جيريمي كونينديك، رئيس منظمة اللاجئين الدولية، الذي أشرف سابقاً على عمليات الإنزال الجوي في سوريا والعراق لصالح الحكومة الأمريكية: "عند إنزال الطعام جواً، يُفترض أن يكون هناك الكثير من التحضير والتخطيط والتواصل. يجب التأكد من أن الإنزال يتم في مكان حيث يكون الناس على دراية به، وأنك قادر على تطهير المنطقة والسيطرة عليها لتجنّب خطر سحق الناس".
ولكن في مناطق الصراع مثل غزة، قد يكون من الصعب الحصول على مثل هذه المعلومات والتنسيق مع الجهات المتلقية لضمان سير العمليات بسلاسة، كما أضاف كونينديك.