في سابقة أمنية، أدرج تقرير صادر عن "المنسق الوطني للأمن ومكافحة الإرهاب" الهولندي (NCTV) إسرائيل لأول مرة كدولة أجنبية تمثّل تهديداً للأمن القومي لهولندا. جاء ذلك في وثيقة التقرير المعنونة "Assessment of Threats from State Actors 2025″، والتي أشارت إلى أن إسرائيل حاولت التأثير على الرأي العام والسياسة في هولندا عبر حملات تضليل.
لماذا حدث ذلك؟
لأول مرة، صنّفت هولندا إسرائيل كتهديد محتمل للأمن القومي، ففي تقرير نشره هذا الشهر "المنسق الوطني الهولندي للأمن ومكافحة الإرهاب" (NCTV)، بعنوان: "تقييم التهديدات من الدول الأجنبية 2025″، أُدرجت إسرائيل لأول مرة ضمن قائمة الدول التي تمارس أنشطة تُهدد أمن واستقرار هولندا.
وجّه التقرير الهولندي اتهاماً صريحاً لإسرائيل بمحاولة التأثير على الرأي العام وصناعة القرار السياسي في البلاد، عبر أدوات دعائية تتجاوز الأعراف الدبلوماسية. فوفقاً لما ورد في تقرير "المنسق الوطني للأمن ومكافحة الإرهاب" (NCTV)، قامت إسرائيل بتوزيع وثيقة صادرة عن ما يسمى بـ"وزارة شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية" الإسرائيلية للتأثير على الجمهور والسياسيين الهولنديين بشأن الهياج العنيف والعنصري لمشجعي كرة القدم الإسرائيليين في أمستردام، في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، خلال مباراة كرة قدم جمعت بين ناديي أياكس الهولندي ومكابي تل أبيب الإسرائيلي. مدعيةً أن مشجعي مكابي تل أبيب كانوا ضحايا "مذبحة"، بينما كانوا في الواقع الجناة الذين روعوا المدينة، ومجّدوا الإبادة الجماعية، وضربوا المسلمين المحليين، وألحقوا الضرر بالممتلكات، وهتفوا "الموت للعرب" إلى جانب العنصرية.
كما نبّه التقرير إلى أن بعض هذه الوثائق احتوت على معلومات شخصية عن مواطنين هولنديين، ما قد يعرّضهم للمضايقة أو التهديد أو حتى الاعتداء الجسدي، بحسب تحذيرات وزارات العدل والأمن والخارجية.
حيث انتقد وزراء هولنديون من وزارات العدل والأمن والخارجية هذه الطريقة في النشر، ووصفوها بأنها غير نظامية وغير مرغوب فيها، محذرين من أنها قد تعرّض المواطنين الهولنديين للخطر.
وقد التقطت الصحف الإسرائيلية التقرير، فصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية أشارت إلى التقرير الاستخباراتي الهولندي الذي صنفها كتهديد خطير لأمنها القومي بسبب مدى نفوذها غير المبرر في البلاد وحملات التضليل التي تشنها لتضليل السياسيين والجمهور الهولندي.
الضغط على المحكمة الجنائية الدولية
لم يتوقف دور الاحتلال عند حدود التضليل الداخلي؛ إذ أشار التقرير أيضاً إلى "قلق متزايد" إزاء الضغوط التي تمارسها إسرائيل والولايات المتحدة على المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، في محاولة لتعطيل عملها، بعد إصدارها مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بسبب جرائم حرب محتملة في غزة.

تستضيف هولندا مؤسسات قانونية دولية رئيسية، مثل محكمة العدل الدولية، وتتحمل مسؤولية خاصة لحمايتها من التأثير الخارجي.
من الدعم المشروط إلى التهديد بالعقوبات
ويأتي التقرير في الوقت الذي أصبحت فيه الحكومة الهولندية – الحليف التقليدي لإسرائيل – تنتقد الاحتلال بشكل متزايد بسبب حربه على غزة والوضع الإنساني المتدهور في القطاع المحاصر.
فبجانب التقرير، جاء قرار وزارة الخارجية الهولندية بمنع دخول الوزيرين الإسرائيليين المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، حيث اعتبرتهما هولندا شخصيتين غير مرغوب فيهما على خلفية التحريض المتكرر على العنف، والدعوة إلى تطهير عرقي، ودعم التوسع الاستيطاني غير القانوني.
وفي معرض دفاعه عن القرار أمام البرلمان، قال فيلدكامب إن الوزيرين الإسرائيليين: "حرّضا مراراً وتكراراً على العنف ضد السكان الفلسطينيين، ودافعا باستمرار عن توسيع المستوطنات غير القانونية، ودعوا إلى التطهير العرقي في قطاع غزة".
وأضاف مؤكداً: "هذه الأفعال والتصريحات لا مبرر لها.. وقد اتخذت الحكومة هذه الخطوة لأن سلوكها يقوّض أي احتمال للسلام وينتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي."

في المقابل، رد إيتمار بن غفير على قرار منعه من دخول هولندا عبر منشور على منصة X (تويتر سابقاً)، حيث كتب: "حتى لو تم منعي من دخول أوروبا بأكملها، فسأواصل العمل من أجل بلادي، والمطالبة بإسقاط حماس، ودعم مقاتلينا."
وأضاف في لهجة هجومية كعادته: "يبدو أن هولندا ترحب بالإرهاب وتسامح عليه، بينما يُمنع وزير يهودي من إسرائيل من الدخول."
وفي بيانه أمام البرلمان، كشف وزير الخارجية الهولندي كاسبر فيلدكامب أن حكومته رفضت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أحد عشر طلباً للحصول على تراخيص تصدير لمعدات عسكرية أو مواد ذات استخدام مزدوج كانت موجهة إلى إسرائيل.
ومع ذلك، أشار فيلدكامب إلى أن هولندا وافقت على ترخيصين فقط يتعلقان بمكونات منظومة القبة الحديدية للدفاع الجوي.
وأوضح أن السفير الإسرائيلي في لاهاي سيُستدعى لإجراء مشاورات عاجلة: "سنطلب منه أن يحث حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تغيير مسارها، فالوضع الحالي لا يُحتمل من الناحية الأخلاقية، وهو إفلاسٌ أخلاقي بكل ما للكلمة من معنى."
قيود على تسليح الاحتلال
وقد اتخذت محكمة الاستئناف في لاهاي قراراً في فبراير/شباط 2024 يقضي بمنع تصدير قطع غيار مقاتلات "إف-35" لإسرائيل، بسبب "احتمال استخدامها في خرق القانون الدولي الإنساني". رغم ذلك، لم تلتزم الحكومة الهولندية كلياً بالحكم، حيث وردت تقارير أشارت إلى استمرار دعمها لسلسلة التوريد المتعلقة بالإصدار الإسرائيلي من المقاتلة.
نقاش العقوبات الأوروبية وتحدي إسرائيل
تصاعد التوتر الدبلوماسي بين هولندا وإسرائيل يوم الإثنين، بعد أن لوّح رئيس الوزراء الهولندي ديك سخوف (Dick Schoof) بإمكانية فرض عقوبات من الاتحاد الأوروبي على إسرائيل، على خلفية سلوكها في قطاع غزة.
وفي منشور له عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أعلن سخوف أنه عقد اجتماعاً طارئاً مع كبار الوزراء لمناقشة الأوضاع "الكارثية" في القطاع المحاصر، مشدداً على ضرورة السماح الفوري وغير المشروط بدخول المساعدات الإنسانية.
إذ قال سخوف: "يجب منح سكان غزة إمكانية الوصول الفوري والآمن وغير المقيّد للمساعدات الإنسانية. وإذا قرر الاتحاد الأوروبي غداً أن إسرائيل لا تلتزم بالاتفاقيات ذات الصلة، فإن هولندا تدعم تعليق مشاركة إسرائيل في برنامج الأبحاث الأوروبي Horizon."
وأضاف أن بلاده قد تنظر في اتخاذ إجراءات إضافية قد تشمل الجانب التجاري، إذا استمرت الانتهاكات.
في المقابل، سارع رئيس الاحتلال الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى الرد، في بيان غاضب عبر منصة X، متهماً رئيس الوزراء الهولندي بـ"تشويه فحوى المكالمة الهاتفية" بينهما، محذراً من أن اتخاذ خطوات عقابية سيكون "خطأ فادحاً" بحسب تعبيره.