ظهور اسم ترامب في وثائق إبستين.. هل ينجو الرئيس الأمريكي من تداعيات الغضب الشعبي والسياسي؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/07/24 الساعة 23:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/07/24 الساعة 23:52 بتوقيت غرينتش
الرئيس ترامب مع جيفري إبستين في مار إيه لاغو عام  1998. الصورة: Getty Images

منذ ظهور اسم الملياردير الأمريكي جيفري إبستين في قضايا الاتجار الجنسي واستغلال القُصّر، لم تهدأ العواصف السياسية التي خلّفها هذا الملف الشائك. وبعد وفاته المثيرة للجدل في 2019 داخل زنزانته بانتظار محاكمته، استمرت التحقيقات، وبدأت الملفات بالظهور تدريجياً، ما زاد من حدة التكهنات حول أسماء وشخصيات مرموقة ذُكرت في الوثائق.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي سبق وأقام علاقات اجتماعية مع إبستين في التسعينات وبداية الألفية، وجد نفسه مؤخراً في قلب هذه العاصفة من جديد، بعد تقارير إعلامية أكدت إبلاغه رسمياً من قبل وزارة العدل بوجود اسمه ضمن ملفات إبستين. 

وبينما لا يُعدّ ذكر اسم شخص في وثائق تحقيق دليلاً على ارتكابه مخالفة، إلا أن حجب هذه الملفات عن الجمهور أثار سخطاً واسعاً داخل قواعد ترامب السياسية، خصوصاً من الجناح الجمهوري المتشدد. حيث أن هذه التطورات ستغذي الاتهامات بوجود تستر، خاصة أن الإدارة رفضت الإفراج عن الملفات.

ما بين رغبة الإدارة في إغلاق هذا الملف الحساس سريعاً، وبين تصاعد الغضب السياسي والشكوك داخل الكونغرس الأمريكي وحتى داخل الحزب الجمهوري نفسه، يبدو أن ملف إبستين لا يزال قادراً على إحداث زلازل سياسية عميقة داخل البيت الأمريكي ويثير قلق الرئيس الأمريكي. 

اسم ترامب ورد عدة مرات في ملفات "إبستين"

  • قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" وشبكة CNN الأمريكيتين٬ إنه في مايو/أيار الماضي، أبلغت وزيرة العدل الأمريكية بام بوندي الرئيس ترامب خلال اجتماع روتيني في البيت الأبيض بأن اسمه ورد عدة مرات في الوثائق المتعلقة بجيفري إبستين. وقالت هذه المصادر إن الاجتماع حضره أيضاً النائب العام تود بلانش، وأكد خلاله المسؤولون أن الوثائق تتضمن مئات الأسماء لشخصيات بارزة، بينهم ترامب، لكن دون أدلة دامغة على ارتكاب مخالفات.
  • وقد شكّل هذا الاجتماع نهاية المراجعة التي طال انتظارها. وكانت بوندي قد قالت في فبراير/شباط: "قائمة عملاء إبستين على مكتبي الآن لمراجعتها"، إلا أن ترامب صرّح في الأسبوع الماضي ردًّا على سؤال صحفي بأن بوندي لم تخبره بوجود اسمه في الملفات.
  • بحسب "وول ستريت جورنال" أوضحت بوندي أن الوثائق تحتوي على معلومات حساسة، بما في ذلك مواد إباحية للأطفال ومعلومات شخصية عن الضحايا، وهو ما دفع الوزارة لاتخاذ قرار بعدم الإفراج عنها. أما ترامب فقد وافق على القرار، وأكد ثقته في تقدير وزارة العدل، معتبراً أن "حماية الضحايا أولوية".
  • وبحسب مسؤولين، أبلغ ترامب أن "الوثائق تتضمن روايات غير مؤكدة وشهادات سماعية"، تتعلق بفترة سابقة كان خلالها إبستين شخصية معروفة في الأوساط الاجتماعية والسياسية.
  • ولم تُعلن الإدارة الأمريكية عن قرارها بعدم الإفراج عن الوثائق إلا بعد عدة أسابيع، وتحديدًا في 7 يوليو/تموز، حين نشرت وزارة العدل مذكرة على موقعها الإلكتروني تفيد بأنه لم يتم العثور على "قائمة عملاء" تخص إبستين، ولا أدلة تستدعي فتح تحقيقات بحق أطراف ثالثة غير متهمة رسميًّا، ولا وثائق إضافية تستحق النشر. وذكرت المذكرة أن كثيرًا من المواد كان سيتم حجبها في أي محاكمة لحماية الضحايا ومنع نشر محتوى إباحي للأطفال.

غضب داخل البيت الجمهوري وشكوك لدى قاعدة ترامب الانتخابية

  • رغم إبلاغ ترامب بالوثائق في مايو/أيار الماضي، لم يتم الإعلان عن قرار حجبها إلا في 7 يوليو/تموز الجاري، حيث نشرت وزارة العدل بياناً غير موقع أكدت فيه أن التحقيق لم يكشف عن قائمة عملاء لإبستين ولا عن أدلة تبرر فتح تحقيقات جديدة.
  • هذا الإعلان تسبب في حالة من الغضب، خصوصاً داخل القاعدة الجمهورية المؤيدة لترامب. هذه القاعدة كانت تنتظر نشر الملفات التي وُعدت بها خلال الحملات الانتخابية، حيث رُوّج لأن الوثائق ستكشف عن تورط "نخبة عالمية" في فضائح جنسية.
  • الغضب الشعبي تصاعد ليصل إلى داخل الكونغرس، حيث صوتت لجنة الرقابة في مجلس النواب على استدعاء وزارة العدل للإفصاح عن الملفات، في تصويت كشف انقسامات داخل الحزب الجمهوري.
  • أزمة إبستين فجرت توترات حادة داخل إدارة ترامب أيضاً. حيث تقول "سي إن إن" كاش باتيل، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، ونائبه دان بونجينو كانا يطالبان بنشر الوثائق، لكن بام بوندي عارضت بشدة.
  • في اجتماع حاد، اتهمت بوندي بونجينو بتسريب معلومات للإعلام للإضرار بسمعتها، بينما وصفها بونجينو بالكاذبة. هذه المواجهة كانت انعكاساً لصراع أعمق حول مستقبل التعامل مع القضية. بونجينو، المعروف كإعلامي يميني بارز، شعر بأن قرار حجب الوثائق أضر بصدقيته لدى قاعدته، خصوصاً بعد سنوات من المطالبة بالشفافية في ملفات إبستين.
  • وتقول CNN إنه في مواجهة هذه الأزمة المتنامية، لجأ ترامب إلى أسلوبه السياسي المعهود: مهاجمة الرئيس السابق باراك أوباما – مستعيناً بأداة أخرى من أدواته القديمة في إذكاء نظرية المؤامرة. ففي ظهور مسرحي في البيت الأبيض، زعمت مديرة الاستخبارات الأمريكية، تولسي غابارد، أن تعامل أوباما مع التدخل الروسي في انتخابات 2016 كان بمثابة انقلاب لإسقاط رئاسة ترامب. جاء هذا التصريح بعد يوم واحد فقط من اتهام ترامب لأوباما بالخيانة.
  • لكن كشف هذه التفاصيل يمثل عبئاً سياسياً على ترامب، إذ يعيد إشعال التساؤلات حول قرار إدارته عدم نشر الملفات، رغم الوعود السابقة خلال الحملة الانتخابية. ويزيد من الشكوك حول ما إذا كان الهدف إخفاء معلومات عن علاقته بإبستين أو عن شخصيات أخرى في الدوائر القريبة من ترامب٬ كما تقول CNN.

ما علاقة ترامب بجيفري إبستين؟

  • حتى اللحظة٬ لا يوجد دليل على أن ترامب ارتكب أي عمل غير قانوني أو غير أخلاقي في علاقته بإبستين. لكن المماطلة التي اتبعتها إدارة ترامب في الإفصاح عن الوثائق، والحقائق الجديدة التي ظهرت، دفعت بالتكهنات حول طبيعة العلاقة بينهما في التسعينات وبداية الألفية – قبل توجيه تهم لإبستين واستغلاله القاصرين – إلى مستويات عالية.
  • تقول مجلة New York Magazine إن ترامب وإبستين كانا يعرفان بعضهما منذ أوائل التسعينيات. وأن ترامب صرّح في مقابلة مع المجلة ذاتها عام 2002 قائلاً: "لقد عرفت جيفري لسنوات. إنه رجل رائع. يحب النساء الجميلات بقدر ما أفعل، وكثير منهن في الجانب الأصغر سناً." هذه المقابلة تُستخدم كثيراً للإشارة إلى طبيعة علاقتهما، لا سيما الجزء المتعلق بـ "الجانب الأصغر سناً".
  • وأفادت تقارير أمريكية بأن ترامب وإبستين حضرا مراراً عدداً من الحفلات الاجتماعية معاً في نيويورك وفلوريدا، بعضها أقيم في منتجع "مارلاغو" الذي يملكه ترامب. وفقاً لشهادات ووثائق، أقيمت حفلات صغيرة كان فيها إبستين وضيوفه، أحياناً برفقة ترامب.
  • لكن عام 2009 تقريباً، قيل إن العلاقة بين ترامب وإبستين توترت بسبب نزاع حول عقار في فلوريدا. وقال كل من إبستين وترامب إن علاقتهما انتهت بشكل سيئ، وأكد المتحدث باسم ترامب، ستيفن تشيونغ أن "الرئيس طرده من ناديه لأنه كان شخصاً مريباً".
  • يقول ترامب إن صداقته مع إبستين انتهت قبل أن يتم اتهام الأخير رسميّاً عام 2006، حيث أقر إبستين لاحقًا بتهمة استقدام قاصر لأغراض جنسية وقضى عقوبة في سجن بفلوريدا، وتم تسجيله على أن جانٍ جنسي. وعند اعتقاله مجددًا في 2019 بتهم تتعلق بالاتجار الجنسي، صرّح ترامب بأنه لم يتحدث إليه منذ نحو 15 عامًا. وتوفي إبستين في السجن في العام ذاته أثناء انتظار محاكمته.

انقلاب في مواقف مسؤولي ترامب

  • الأزمة باتت أكثر تعقيداً بعدما ظهر أن بوندي وكاش باتيل – الذي يترأس الآن مكتب التحقيقات الفيدرالي – طالبا في وقت سابق بنشر ملفات إبستين، لكنهما اليوم يقفان في الجهة المقابلة لنظرية المؤامرة التي كانا يدعمانها.
  • فقد أصدرت الأجهزة التي يقودها باتيل وبوندي بياناً مشتركاً هذا الشهر نفت فيه وجود قائمة عملاء أو أي أدلة تدعم فكرة أن إبستين قُتل. ويبدو أن تراكم التناقضات والإنكار أدى إلى تصاعد ما يشبه فضيحة سياسية في واشنطن. ومن ذلك أن ترامب أنكر هذا الشهر أن بوندي أبلغته بظهور اسمه في الوثائق، بل اتهم أوباما ومدير FBI الأسبق جيمس كومي باختلاق الملفات.
  • وهذه الفوضى السياسية تعيد تسليط الضوء على الأسباب التي تجعل عادة ملفات المحلفين والوثائق التحقيقية تُبقي سرية. فالغرض منها هو حماية سمعة شهود وضحايا وأشخاص لم توجه إليهم تهم، لكن اسمهم ورد في التحقيق.
  • وضمن محاولات تهدئة الغضب، أعلن النائب العام بلانش عن لقاء غيسلين ماكسويل، الشريكة المدانة لإبستين. الهدف، وفق البيان الرسمي، هو معرفة ما إذا كانت تمتلك معلومات إضافية عن تورط شخصيات أخرى. محامي ماكسويل أكد اللقاء وشكر ترامب على "التزامه بكشف الحقيقة". هذه الخطوة أثارت مخاوف من أن ترامب قد يستخدم صلاحياته لمنح ماكسويل عفواً مقابل معلومات تساعده سياسياً. جدير بالذكر أن ماكسويل تحاول منذ فترة إلغاء إدانتها بزعم أنها لم تحظ بمحاكمة عادلة، وقد يشكل هذا اللقاء وسيلة للضغط أو التفاوض.

ضغوط متزايدة في الكونغرس الأمريكي

  • وفي تصعيد لافت، صوتت لجنة الرقابة بمجلس النواب على استدعاء وزارة العدل وماكسويل. بعض النواب الجمهوريين تمردوا على قيادة الحزب وصوتوا لصالح الاستدعاء، ما زاد الضغط على الرئيس. وحاول رئيس المجلس مايك جونسون إغلاق الجلسات باكراً لمنع استمرار التصويتات، لكن الديمقراطيين اتهموه بالهرب من الأزمة. وقال السيناتور الديمقراطي تشاك شومر قال إن الأزمة لن تنتهي بمجرد مغادرة النواب.
  • في الوقت نفسه٬ تشير استطلاعات الرأي إلى انقسام داخل القاعدة الجمهورية. حيث أظهر استطلاع أجراه معهد كوينيبياك في 16 يوليو/تموز٬ أن 40% من الجمهوريين دعموا تعامل ترامب مع الملف، بينما عارضه 36%. وأظهر استطلاع آخر أن 11% فقط من الجمهوريين يعتبرون ملف إبستين مؤثراً في تقييمهم لأداء ترامب. هذه الأرقام تعكس أزمة ثقة، خصوصاً بين الإعلاميين المحافظين الذين اعتبروا عدم نشر الوثائق خيانة للوعود الانتخابية.

ترامب ومحاولة صرف الانتباه إلى أوباما

  • وفي محاولة لصرف الأنظار، لجأ ترامب إلى تكرار اتهاماته القديمة ضد الرئيس السابق باراك أوباما، متهماً إياه بقيادة مؤامرة لإسقاطه عبر تضخيم قضية التدخل الروسي في انتخابات 2016.
  • مديرة الاستخبارات تولسي غابارد دعمت هذه الرواية، وقدمت تقريراً يزعم أن أوباما تلاعب بتقارير المخابرات لإضعاف ترامب. قالت غابارد: "الأدلة تشير إلى أن أوباما هو من قاد التلاعب بهذا التقييم الاستخباراتي". لكن الديمقراطيون اتهموها بتعريض الأمن القومي للخطر.
  • هذه الحملة أعادت إلى الواجهة قضية التدخل الروسي التي كانت محور صراع سياسي حاد خلال ولاية ترامب الأولى، لكنها فُسّرت أيضاً كمحاولة للهروب من أزمة إبستين.
  • ويعكس التمرد في صفوف الحزب الجمهوري تآكل السيطرة التي يتمتع بها ترامب. قادة في الحزب يواجهون ضغوطاً متزايدة من القواعد، التي تطالب بمزيد من الشفافية، خصوصاً في ملفات تم الترويج لها كمفاتيح "لكشف النخبة".
  • ويجد رئيس مجلس النواب مايك جونسون نفسه محاصراً بين الولاء لترامب وبين رغبة النواب في مساءلة وزارة العدل. في النهاية تحول ملف إبستين من قضية قانونية إلى اختبار سياسي يمتحن تماسك إدارة ترامب وثقة قاعدته به. قرار حجب الوثائق أضعف مصداقية الوعود السابقة وفتح الباب أمام نظريات مؤامرة جديدة.
  • وفي ظل استمرار الضغوط من الكونغرس والإعلام، يجد ترامب نفسه مضطراً للموازنة بين الحفاظ على صورته أمام مؤيديه، وحماية نفسه من تبعات سياسية وقانونية محتملة. ومع اقتراب موسم الانتخابات، قد يتحول هذا الملف إلى ورقة ضغط خطيرة تُستغل من خصومه داخل الحزب وخارجه.
تحميل المزيد