جريمة حرب.. ما هو تكتيك “الضربة المزدوجة” الذي يستخدمه الاحتلال لاستهداف فرق الإنقاذ والمدنيين في غزة

عربي بوست
تم النشر: 2025/07/25 الساعة 10:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/07/25 الساعة 13:21 بتوقيت غرينتش
مشهد من الدمار الذي خلفه الاحتلال في مستشفى الشفاء في غزة/ الأناضول

اعتمد جيش الاحتلال الإسرائيلي تكتيك "الضربة المزدوجة" كإجراء روتيني في الحرب على غزة، والذي ينفذ الجيش بموجبه، ولزيادة احتمالية مقتل الهدف، بشكل روتيني هجمات إضافية في منطقة القصف الأولي، ما يؤدي أحياناً إلى قتل المسعفين وغيرهم من المشاركين في جهود الإنقاذ عمداً، وفق ما كشف تحقيق أجرته مجلة +972 الإسرائيلية وموقع "لوكال كول".

واستند التحقيق إلى محادثات مع خمسة مصادر أمنية إسرائيلية، وشهادات شهود عيان فلسطينيين ورجال إنقاذ، ودراسة عشرات الحالات.

ورصد التحقيق عدداً من الحالات التي شهدت تنفيذ الاحتلال للغارات الجوية المزدوجة، ومن بينهم الفلسطينية هالة عرفات، 35 عاماً، التي صُوّرت وهي محاصرة تحت أنقاض منزل عائلتها شمال غزة الأسبوع الماضي بعد قصفه بغارة جوية إسرائيلية.

جيش الاحتلال
قوات من جيش الاحتلال الإسرائيلي/shutterstock

وحرص جيش الاحتلال الإسرائيلي على ألا يتمكن أحد من إنقاذها، وأطلق النار بطائرات مسيرة على كل من يقترب من المنطقة لمدة ثماني ساعات بعد القصف الأولي. وبعد فترة، استشهدت هالة وانضمت إلى 13 فرداً آخر من عائلتها قُتلوا في الغارة، بينهم سبعة أطفال.

تكتيك "الضربة المزدوجة"

ونقل التحقيق عن مصادر أن أسلوب "الضربة المزدوجة" يُستخدم عادةً خلال الغارات الجوية "غير الدقيقة" عندما يكون الجيش غير متأكد من إصابة الهدف المقصود أو وجوده أصلاً.

كما أن إحباط عملية إنقاذ الجرحى من تحت الأنقاض يعني أن الهدف، إن وُجد، سيموت على الأرجح – إما متأثراً بجراحه، أو اختناقاً بالغازات السامة، أو من الجوع والعطش.

وقال مصدر كان موجوداً في غرف تنسيق الهجمات المعروفة باسم "خلايا الضرب" في القيادة الجنوبية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، لمجلة +972، إن الجيش يعرف أن هذه الممارسة هي حكم بالإعدام على العشرات، وأحياناً المئات، من المدنيين الجرحى المحاصرين تحت الأنقاض، إلى جانب رجال الإنقاذ المحتملين.

وإذا استُهدف قائدٌ كبيرٌ بغارة، تُنفَّذ غارةٌ أخرى لاحقاً لضمان عدم وصول جهود الإنقاذ، كما أوضح.

يحيى السنوار
رئيس حركة حماس في غزة يحيى السنوار – رويترز

وشارك مصدر ثانٍ في غارة مزدوجة أسفرت عن مقتل القيادي في حماس، أحمد الغندور، في مجمع تحت الأرض شمال غزة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 (وأدت أيضاً إلى مقتل ثلاثة رهائن إسرائيليين كانوا محتجزين معه اختناقاً).

وقال المصدر إنه بعد القصف الأولي، قصف الجيش "أشخاصاً كانوا في المنطقة وخرجوا من منزل قريب"، لأنهم حاولوا إنقاذ الجرحى.

وبحسب المصدر، لم يكن هناك "دليل" على انتماء هؤلاء الأشخاص لحماس.

وأضاف أنه بما أن قصف الأنفاق، كما كشفت شبكتا +972 و"لوكال كول" في تحقيق سابق، يُطلق غازات سامة تستغرق وقتاً للانتشار وتقتل أي شخص ضمن مئات الأمتار، فقد اعتمد الجيش استراتيجية منع جهود الإنقاذ. فبدون مساعدة، سيموت الهدف ببطء من جراء الغازات.

جريمة حرب

ويُعتبر تكتيك "الضربة المزدوجة" غير قانوني على نطاق واسع بموجب القانون الدولي – ليس فقط لأنه يستهدف عمداً المستجيبين الأوائل مثل الصحفيين وعمال الإنقاذ والمسعفين، ولكن أيضاً لأنه يهدف إلى ردع جهود الإنقاذ تماماً والتسبب في مزيد من الضرر للمدنيين.

ويصف خبراء قانونيون "الضربة المزدوجة" بأنها جريمة حرب، لأنها تُلحق الضرر بالفرق الطبية المحمية بموجب القانون الدولي.

ويُذكر أن الولايات المتحدة اعتمدت تكتيك الضربة المزدوجة أيضاً. وأسفرت الضربات الجوية المزدوجة التي شنتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بطائرات بدون طيار عن مقتل ما لا يقل عن 50 مدنياً في باكستان بين عامي 2009 و2012 أثناء محاولتهم إنقاذ الضحايا.

كما نفذت روسيا ضربات مزدوجة في سوريا، بما في ذلك هجوم على سوق في إدلب عام 2019 أسفر عن مقتل 39 شخصاً.

ومع ذلك، وفي حين لم تعترف الجيوش الأخرى علناً باستخدام الضربات المزدوجة، أبلغت مصادر عسكرية إسرائيلية وسائل الإعلام في إسرائيل أنها ضربت الموقع نفسه مراراً وتكراراً لمنع فرق الإنقاذ من الوصول أثناء اغتيال محمد الضيف في يوليو/تموز 2024.

وأفادت التقارير أن سلاح الجو أسقط خمس قنابل على الأقل على مخيم المواصي للنازحين في محاولته اغتيال القائد العسكري لحماس، ما أسفر عن مقتل 90 شخصاً وإصابة نحو 300 آخرين. وأقرت مصادر عسكرية بأن ضربات إضافية نُفذت خصيصاً لمنع عمال الإنقاذ من الوصول إلى الموقع.

المدارس في غزة
المدارس في غزة تعرضت للتدمير الممنهج والاستهداف رغم لجوء النازحين إليها/ عربي بوست

وأفاد تقرير لموقع يديعوت أحرونوت الإسرائيلي أن "الضربة الأولى أصابت الجزء من المبنى الذي كان يتواجد فيه الضيف. أما الضربة الثانية فكانت بصاروخ دمّر المبنى بأكمله. أما الضربة الثالثة، فقد خلقت حزاماً نارياً حول المنطقة لمنع القوات من الوصول إليه وتقديم المساعدة له".

وأظهر تحقيق بصري أجرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، استناداً إلى لقطات فيديو، أنه بعد الضربة الأولى، شنّ الجيش هجوماً آخر – هذه المرة على مركبات تابعة لفرق الاستجابة الأولية.

وفي مايو/أيار الماضي، اغتال جيش الاحتلال الإسرائيلي محمد السنوار، قائد الجناح العسكري لحركة حماس آنذاك، في سلسلة غارات جوية قرب المستشفى الأوروبي في خان يونس. وأفادت مصادر عسكرية أن سلاح الجو نفذ غارات إضافية في المنطقة "لمنع الناس من الاقتراب". وفي اليوم التالي، قُتل ثلاثة أشخاص وهم في طريقهم إلى المستشفى، على الأرجح نتيجة إحدى تلك الغارات.

وفي نمط يطابق أسلوب الضربات المزدوجة المستخدمة في الضربات غير الدقيقة، قال مصدر أمني لموقع يديعوت أحرونوت إنه من غير الواضح ما إذا كان السنوار قد مات على الفور – ولكن "من لم يمت من الضربة اختنق من الغازات السامة".

تكتيك شائع في حرب غزة

وأصبحت الضربات المزدوجة شائعة بشكل خاص في الأشهر الأخيرة عندما تقصف إسرائيل المدارس في غزة، حيث لجأ النازحون، بحسب التحقيق.

وفي مايو/أيار الماضي، وبعد هجوم على مدرسة للبنات في جباليا، أفاد السكان أن الجيش كرر الضربة في المكان نفسه لمنع جهود الإنقاذ لإنقاذ الأطفال المصابين بحروق.

وقال أحد شهود العيان لوسائل إعلام محلية: "كانت الساعة الواحدة والنصف صباحاً، عندما أصاب صاروخ المدرسة المقابلة لنا. احترقت جميع الفصول الدراسية. ونزلنا لإنقاذ الناس".

وتابع: "بينما كنا نشاهد الجثث تحترق، وكان هناك جرحى كان بإمكاننا نقلهم إلى سيارة الإسعاف، اتصل الجيش بأحد المنقذين هاتفياً وقال لنا: غادروا المدرسة، لأننا سنقصفها مجدداً".

وأضاف: "لم نتمكن من انتشال الأطفال المصابين والمحترقين. وقصفوا مرة أخرى، بينما كان هناك أناس لا يزالون على قيد الحياة. وبعد القصف الثاني، استشهدوا".

وقال مصدر إن الجيش أنشأ وحدة قصف خاصة لتحديد المدارس، التي تُعرف بـ "مراكز الثقل"، بشكل منهجي لقصفها، مدعياً أن عناصر حماس يختبئون بين مئات المدنيين.

جباليا بالأقمار الصناعية
جباليا بالأقمار الصناعية في 15 ديمسبر/كانون الأول 2024/ landviewer eos

لكن في العديد من حوادث القصف المزدوج، يبدو أنه لا توجد أهداف عسكرية على الإطلاق. ومن أكثر الحالات الموثقة فظاعةً لهذه الممارسة ما صوّرته الصحفية الفلسطينية وفاء ظاهر من نافذتها في مخيم جباليا للاجئين في أكتوبر/تشرين الأول 2024.

وفي المقطع، يظهر محمد سالم، البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، مصاباً في الشارع بعد غارة جوية، عاجزاً عن الحركة، يصرخ ويلوح بيديه في الهواء طالباً النجدة.

وقالت الصحفية لوالدها الذي كان بجانبها أثناء التصوير: "يا إلهي، إنه ممزق". وبدأ سكان الحي بالتجمع حول الطفل، ولكن ما إن حملوه حتى أصابهم صاروخ ثانٍ.

وقُتل سالم مع صبي آخر يبلغ من العمر 14 عاماً. ورفض الجيش التعليق على الحادث الذي وقع أثناء تنفيذ خطة الجنرالات للتطهير العرقي في المناطق الشمالية من غزة.

استهداف أفراد الدفاع المدني

وفي يناير/كانون الثاني، صرّح متحدث باسم الدفاع المدني في غزة في مؤتمر صحفي بمقتل 99 من أفراده منذ بدء الحرب. ووثّق تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية 180 هجوماً على سيارات إسعاف في غزة منذ بداية الحرب وحتى مايو/أيار.

وصرح علي الخواص، رئيس قسم الاتصالات في الدفاع المدني، لـ +972 أن الاعتداءات على المنقذين غالباً ما تحدث بعد دقائق من وصولهم إلى مواقع القصف.

وفي 22 أبريل/نيسان الماضي، قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي منزل عائلة المعتوق في جباليا. ووفقاً للخواص، "بعد وصول الفريق بعشر دقائق، استُهدف بصاروخ من طائرة مسيّرة".

وفي 13 مايو/أيار، حاول فريق آخر من الدفاع المدني إنقاذ عائلة الأفغاني المدفونة تحت الأنقاض في خان يونس. وأوضح الخواص: "كان من الممكن إنقاذ الجرحى، لكن الغارات المتكررة على الموقع تسببت في وفاة جميع من في المنزل. لم يخمد الحريق إلا بعد خمس ساعات، وتمكنا من انتشال الجثث".

وأحياناً، تأتي الضربات اللاحقة بعد أيام من الأولى. في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، هدم الجيش مبنىً من ستة طوابق على سكانه في مدينة غزة. وكان من بين القتلى ميسرة الريس، وهو طبيب يبلغ من العمر 30 عاماً عاد إلى غزة بعد دراسته في المملكة المتحدة، مع زوجته الحامل ووالديه. الناجيان الوحيدان من عائلته هما شقيقاه اللذان لم يكونا في المنزل وقت القصف.

وبعد يومين، وبينما كان الناجون يحفرون بين الأنقاض بأيديهم العارية بحثاً عن بقايا، أصيبوا بصاروخ ثانٍ وقُتلوا، وفقاً لشهود عيان نقلت عنهم صحيفة التايمز البريطانية.

انهيار صحي في شمال غزة
تعمد الاحتلال اغتيال الأطباء وتدمير سيارات الإسعاف والمشافي/ رويترز

ممارسة قديمة

ولم يبدأ استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلي للضربات المزدوجة في 7 أكتوبر/تشرين الأول: ففي عام 2014، خلال الهجوم الإسرائيلي على غزة المعروف باسم "عملية الجرف الصامد"، وصفت الفرق الطبية في القطاع الممارسة نفسها. وشهد موظفو الهلال الأحمر آنذاك بأن هذا النمط كان سبباً رئيسياً في وفيات وإصابات العاملين الطبيين.

مع ذلك، يبدو أن هذه السياسة أصبحت روتينية تماماً منذ بداية الحرب الحالية.

ونشرت منظمة "إيروورز" (Airwars)، وهي منظمة تراقب الأضرار المدنية، دراسة معمقة استندت إلى عينة من أكثر من 600 غارة جوية إسرائيلية على غزة خلال الشهر الأول من الحرب. 

وحددت الدراسة أربع حالات وصفتها مصادر من غزة بأنها هجمات مزدوجة، أسفرت عن مقتل ما بين 80 و92 مدنياً. كما وجدت الدراسة 12 حالة إضافية وقعت فيها غارة ثانية على بُعد 300 متر من الأولى، والتي وصفتها المنظمة بأنها "ضربات مزدوجة".

وتتنوع الأسلحة المستخدمة في هذه الهجمات، إذ تشير الشهادات إلى أن الجيش ينفذ أيضاً ما يشبه ضربات مزدوجة باستخدام طائرات مسيرة تُلقي متفجرات. 

وقد كُشف عن أسلوب الهجوم هذا في تحقيق آخر أجرته +972 مؤخراً، والذي كشف أن الجيش يُثبت قاذفات قنابل يدوية على طائرات مسيرة تجارية رخيصة لمهاجمة المدنيين في المناطق التي يسعى لإخلائها من سكانها. 

تحميل المزيد