بينما تواصل إسرائيل حربها المدمرة ضد قطاع غزة، تتواصل المقاطعة الأكاديمية الدولية لمؤسساتها العلمية والبحثية، وكان آخرها ما أعلنت عنه الجمعية الدولية لعلم الاجتماع بشأن تعليق عضوية الجمعية الإسرائيلية لعلم الاجتماع؛ لعدم اتخاذها "موقفاً يدين الوضع المأساوي في غزة"، جراء حرب الإبادة المتواصلة.
ويأتي قرار الجمعية الدولية لعلم الاجتماع حلقة في سلسلة من قرارات المقاطعة الأكاديمية التي تبنتها مؤسسات علمية وبحثية على مدار العامين الماضيين.
وقالت تقارير عبرية إن باحثين إسرائيليين أبلغوا عن مئات من حالات المقاطعة الأكاديمية والصعوبات في التعاون مع المؤسسات الأجنبية خلال الأشهر القليلة الماضية.

وتشكل المقاطعة الأكاديمية جزءاً من جهود المقاطعة العالمية التي طالت قطاعات عدة من المجتمع الإسرائيلي على كافة الأصعدة مع استمرار القصف المتواصل على غزة، وباتت تل أبيب أشبه بـ"دولة منبوذة" حتى على مستوى استطلاعات الرأي الشعبية.
في هذا التقرير نستعرض قرار الجمعية الدولية لعلم الاجتماع وخريطة المقاطعة الأكاديمية الدولية لمؤسسات الاحتلال ودور الجامعات الإسرائيلية في دعم حرب الإبادة الجماعية في غزة.
ماذا قالت الجمعية الدولية لعلم الاجتماع؟
قررت الجمعية الدولية لعلم الاجتماع في نهاية الشهر الماضي تعليق عضوية الجمعية الإسرائيلية لعلم الاجتماع؛ لعدم اتخاذها "موقفاً يدين الوضع المأساوي في غزة"، جراء حرب الإبادة المتواصلة.
وجاءت هذه الخطوة على خلفية رفض واسع من أكاديميين وحقوقيين لمشاركة إسرائيل في المنتدى الدولي للجمعية بالعاصمة المغربية الرباط الشهر المقبل، وإعلان انسحابهم بسبب المشاركة المحتملة.
وقالت الجمعية الدولية إنها "لا تقيم علاقات مؤسسية مع المؤسسات العامة الإسرائيلية".
ولم يشر البيان إلى إمكانية مشاركة باحثين إسرائيليين بشكل منفرد من عدمه في المنتدى.
وأعربت الجمعية عن أسفها لعدم اتخاذ الجمعية الإسرائيلية لعلم الاجتماع "موقفاً يدين الوضع المأساوي في غزة".

وخلال الأيام القليلة الماضية، أعلن أكاديميون مغاربة وأجانب مقاطعتهم للمنتدى العالمي الخامس لعلم الاجتماع، المقرر في جامعة محمد الخامس بالمغرب (حكومية) بين 6 و11 يوليو/تموز المقبل، احتجاجاً على احتمال مشاركة أكاديميين إسرائيليين في فعالياته.
ودعت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (غير حكومية) الأكاديميين المتضامنين مع الشعب الفلسطيني إلى الضغط على الجمعية الدولية لعلم الاجتماع لإلغاء مشاركة الأكاديميين الإسرائيليين.
وأهابت الحملة، في بيان، بالباحثين إلى "إلغاء كافة أشكال التعاون الاقتصادي والتجاري والأكاديمي مع إسرائيل، التي تُسهم في ترسيخ وجودها غير القانوني ونظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
والجمعية الدولية لعلم الاجتماع هي الجهة المنظمة للمنتدى، وتعد مؤسسة غير حكومية تضم عدداً من الجامعات والمؤسسات الأكاديمية حول العالم.
ومن المرتقب أن يشهد المنتدى العالمي الخامس مشاركة أكثر من 4500 باحث من نحو 100 دولة.
ما هي خريطة المقاطعة الأكاديمية الدولية لمؤسسات الاحتلال؟
شملت حالات المقاطعة الأكاديمية لمؤسسات جامعية وبحثية إسرائيلية مؤسسات عدة دولياً. وفي فبراير/شباط 2025، أفاد تقرير أصدرته جمعية رؤساء الجامعات الإسرائيلية بأن الجمعية تلقت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، 500 شكوى من باحثين إسرائيليين تتعلق بالمقاطعة الأكاديمية، وفق تقرير لصحيفة هآرتس العبرية.
وقال التقرير إن التعاون المؤسسي الإسرائيلي مع الجامعات في الخارج شهد انخفاضاً حاداً. وأضاف أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في الصعوبة المتزايدة في نشر الأوراق العلمية في المجلات والكتب. إذ تمتنع المجلات العلمية عن نشر مقالات للباحثين الإسرائيليين، بينما يرفض الباحثون الأجانب إجراء مراجعات أقران للمقالات التي يقدمها الإسرائيليون.
وأوضح التقرير أن المقاطعة شملت انخفاض التمويل من مؤسسات البحث الأجنبية، مشيراً إلى أن الباحثين الأجانب طالبوا في بعض الأحيان زملائهم الإسرائيليين مغادرة اتحادات البحث الدولية، خشيةً من تضرر منحهم البحثية.
وبحسب التقرير، فإنه خلال الأشهر الأولى من الحرب بعد أكتوبر/تشرين الأول 2023، اقتصرت الاحتجاجات الأكاديمية ضد إسرائيل على مظاهرات طلابية.
أما الآن، فتنبع المقاطعات بشكل رئيسي من المؤسسات نفسها وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات، حيث تتعلق معظم الشكاوى المقدمة إلى جمعية رؤساء الجامعات الإسرائيلية بمؤسسات في أوروبا والولايات المتحدة.

ويمكن رصد أبرز حالات المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل فيما يلي:
- مارس/أذار 2024: جامعة كيب تاون الجنوب أفريقية تعلن عن رفضها إقامة علاقات مع "أي مجموعة بحثية و/أو شبكة ينتمي مؤلفوها إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي، و/أو المؤسسة العسكرية الإسرائيلية الأوسع نطاقاً.
- مايو/أيار 2024: الأكاديمية الملكية الهولندية للفنون تقطع علاقاتها مع أكاديمية بتسلئيل للفنون والتصميم الإسرائيلية.
- مايو/أيار 2024: مؤتمر رؤساء الجامعات في إسبانيا (يمثل 76 جامعة في إسبانيا) يعلق التعاون مع الجامعات الإسرائيلية المتواطئة مع جيش الاحتلال.
- مايو/أيار 2024: جامعة جنت البلجيكية تقطع علاقاتها مع جميع الجامعات الإسرائيلية وتحث الاتحاد الأوروبي على استبعاد إسرائيل من برامج تمويل الأبحاث في الاتحاد الأوروبي.
- يونيو/حزيران 2024: جامعة بروكسل الحرة البلجيكية تنسحب من مشروع @EU_science الذي يضم كيانين إسرائيليين متواطئين مع الاختلال، وتعلن التزامها بمراجعة جميع المشاريع التي تشارك فيها كيانات إسرائيلية متواطئة.
- يونيو/حزيران 2024: جامعة هلسنكي الفنلندية توقف برامج التبادل مع جامعة تل أبيب والجامعة العبرية.
- يونيو/حزيران 2024: مركز البحوث وتدريس الاقتصاد (CIDE) المكسيكي يلغي اتفاقيته مع جامعة تل أبيب في أعقاب احتجاجات الطلاب وأعضاء هيئة التدريس.
- يونيو/حزيران 2024: 10 اتحادات لأعضاء هيئة التدريس في جامعات كندية تصوت على قرارات تدعو مؤسساتها إلى مقاطعة وسحب الاستثمارات من المؤسسات والشركات المتواطئة في الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة لحقوق الفلسطينيين والقانون الدولي.
- يوليو/تموز 2024: كلية جامعة كورك الأيرلندية تعلن عن موافقتها على مطالب الطلاب المحتجين بالانسحاب من الشركات المتواطئة في انتهاكات إسرائيل لحقوق الفلسطينيين وإنشاء إطار أخلاقي وحقوق الإنسان يحكم جميع الشراكات.
- أكتوبر/تشرين الأول 2024: معهد العلوم السياسية الفرنسي يلغي اتفاقية تبادل للطلاب مع جامعة رايخمان في تل أبيب.
- مارس/أذار 2025: جامعة أمستردام الهولندية تلغي اتفاقية تبادل للطلاب مع الجامعة العبرية في القدس المحتلة.
- يونيو/حزيران 2025: جامعتي لوزان وجنيف السويسريتين توقفان التعاون مع الجامعة العبرية في القدس المحتلة وجامعة تل أبيب.
ما هو دور الجامعات الإسرائيلية في دعم الاحتلال؟
حسب تقارير لمنظمات دولية تدعو لمقاطعة إسرائيل، فإن الجامعات الإسرائيلية متواطئة مع الاحتلال العسكري الإسرائيلي، والاستعمار الاستيطاني، والفصل العنصري، والإبادة الجماعية في غزة.
وقال تقرير نشرته حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات إن الجامعات الإسرائيلية تشارك في تطوير أنظمة الأسلحة والعقائد العسكرية التي يتم استخدامها في جرائم الحرب الإسرائيلية في لبنان وغزة والضفة الغربية، وتقوم كذلك بتبرير استمرار استعمار الأراضي الفلسطينية، والترويج للتطهير العرقي التدريجي للفلسطينيين وتوفير الغطاء الأخلاقي لعمليات القتل خارج نطاق القضاء.
ورصد التقرير أوجه الدعم الذي تقدمه الجامعات الإسرائيلية لجيش الاحتلال، ولعل من أهمها:
- تطور جامعة تخنيون الإسرائيلية تقنيات الطائرات بدون طيار والجرافات التي يتم التحكم بها لاستخدامها في هدم منازل الفلسطينيين.
- طورت جامعة تل أبيب "عقيدة الضاحية"، والتي تدعو إلى استخدام القوة المفرطة غير المتكافئة لهدم البنية التحتية المدنية والإضرار بالمدنيين، وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد استخدمتها في مجازرها ضد الفلسطينيين في غزة وكذلك ضد المدنيين اللبنانيين.
- يوفر برنامج "تلبيوت" العسكري التابع للجامعة العبرية، والمدعوم من القوات الجوية الإسرائيلية والجيش، الفرصة أمام الخريجين في الحصول على شهادات جامعية عليا أثناء خدمتهم بالجيش، وبذلك يستغلون خبراتهم للتقدم في البحث والتطوير العسكري.
- لعبت جامعة تخنيون العبرية بالشراكة مع شركة البيت سيستمز الإسرائيلية للصناعات الدفاعية، والتي تعد من أكبر شركات السلاح الإسرائيلية، دوراً كبيراً في تطوير التكنولوجيا المستخدمة في جدار الضم والفصل العنصري ومراقبته، والذي أعلنت محكمة العدل الدولية عدم شرعيته سنة 2004.
- أبدت جامعة حيفا دعمها القوي للجهود العسكرية الإسرائيلية في الحرب على غزة. وأطلقت الجامعة حملةً تهدف إلى تشكيل الانطباعات الدولية، مجادلةً بأن الانتقادات الموجهة لأفعال إسرائيل في غزة ظالمة.
- أدارت جامعة تل أبيب "غرفة حرب هندسية" تعمل على تطوير تكنولوجيا لصالح جيش الاحتلال الإسرائيلي. ويشمل ذلك كاميرا بث مباشر محمولة على كلاب تستخدمها وحدة مرتبطة بهجمات مميتة ضد سكان غزة.